الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(747) باب فضل مجالس الذكر
5942 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن لله تبارك وتعالى ملائكة سيارة فضلا يتتبعون مجالس الذكر فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر قعدوا معهم وحف بعضهم بعضا بأجنحتهم حتى يملئوا ما بينهم وبين السماء الدنيا فإذا تفرقوا عرجوا وصعدوا إلى السماء قال فيسألهم الله عز وجل وهو أعلم بهم من أين جئتم فيقولون جئنا من عند عباد لك في الأرض يسبحونك ويكبرونك ويهللونك ويحمدونك ويسألونك قال وماذا يسألوني قالوا يسألونك جنتك قال وهل رأوا جنتي قالوا لا أي رب قال فكيف لو رأوا جنتي قالوا ويستجيرونك قال ومم يستجيرونني قالوا من نارك يا رب قال وهل رأوا ناري قالوا لا قال فكيف لو رأوا ناري قالوا ويستغفرونك قال فيقول قد غفرت لهم فأعطيتهم ما سألوا وأجرتهم مما استجاروا قال فيقولون رب فيهم فلان عبد خطاء إنما مر فجلس معهم قال فيقول وله غفرت هم القوم لا يشقى بهم جليسهم".
-[المعنى العام]-
يقول الله تعالى {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون} [البقرة 30] نعم الملائكة منهم الراكع أبدا ومنهم الساجد أبدا ومنهم الذاكر أبدا ومنهم المسبح أبدا وما كانوا يظنون أن سيكون من بني آدم من يذكر الله كثيرا على الرغم من اختلاف طبيعة الخلقتين من هنا كان السائحون من الملائكة إذا وجدوا مجلس ذكر في الأرض أسرعوا إليه يحفونه بأجنحتهم ويستمعون لهم ويذكرون بذكرهم فإذا قام الذاكرون وتفرقوا وانصرفوا صعدت الملائكة لربها فيسألهم ربهم سؤال تقرير واعتراف وهو أعلم بالجواب يسألهم كيف رأيتم عبادي في الأرض فيقولون رأيناهم يذكرونك يكبرونك يهللونك يسبحونك يحمدونك يقدسونك يمجدونك يدعونك يقول هل رأوني يقولون لا يقول فكيف إذا رأوني يقولون يزيدون في عبادتهم وذكرهم فيقول لهم ماذا يسألونني فيقولون يسألونك أن تدخلهم الجنة ونعيمها فيقول هل رأوها فيقولون لم يروها فيقول فكيف حالهم لو رأوها يقولون يزيدون شوقا إليها وحرصا عليها فيقول من ماذا يستعيذون فيقولون من النار فيقول فهل رأوها فيقولون لا لم يروها فيقول فكيف إذا رأوها
فيقولون يكونون أشد نفورا وخوفا منها فيقول أشهدكم يا ملائكتي أني غفرت لهم وأعطيتهم الجنة طلبهم وأعذتهم من النار مخيفتهم فيقولون ربنا إن فيهم فلانا ليس منهم جاء إليهم طالب حاجة من أحدهم فجلس حتى يفرغ له ولم يذكر معهم فيقول لهم وفلان هذا قد غفرت له هم القوم لا يشقى جليسهم بل يكرم معهم لأجلهم
-[المباحث العربية]-
(إن لله تبارك وتعالى ملائكة سيارة) بفتح السين والياء المشددة صيغة مبالغة أي كثيرة السير أي سياحون في الأرض
(فضلا) بضم الفاء والضاد وبضم الفاء وسكون الضاد قال النووي ورجحها بعضهم وادعى أنها أكثر وأصوب والثالثة بفتح الفاء وإسكان الضاد قال القاضي هكذا الرواية عند جمهور شيوخنا في البخاري ومسلم والرابعة "فضل" بضم الفاء والضاد ورفع اللام على أنه خبر مبتدأ محذوف والخامسة "فضلاء" بالمد جمع فاضل قال العلماء معناه على جميع الروايات أنهم ملائكة زائدون على الحفظة وغيرهم من المرتبين مع الخلائق فهؤلاء السيارة لا وظيفة لهم وإنما مقصودهم حلق الذكر
(يتتبعون مجالس الذكر) قال النووي ضبطوه على وجهين أحدهما بالعين من التتبع وهو البحث عن الشيء والتفتيش والثاني "يبتغون" بالغين من الابتغاء وهو الطلب وكلاهما صحيح
(فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر قعدوا معهم وحف بعضهم بعضا بأجنحتهم حتى يملئوا ما بينهم وبين السماء الدنيا) قال النووي هكذا هو في كثير من نسخ بلادنا "حف" بالحاء والفاء وفي بعضها "حض" بالضاد أي حث بعضهم بعضا على الحضور والاستماع وحكى القاضي عن بعض رواتهم "وحط" بالطاء واختاره القاضي قال ومعناه أشار بعضهم إلى بعض بالنزول ويؤيد هذه الرواية قوله بعده في البخاري "هلموا إلى حاجتكم" ويؤيد الرواية الأولى وهي "حف" قوله في البخاري "يحفونهم بأجنحتهم ويحدقون بهم ويستديرون حولهم ويحوف بعضهم بعضا" وعند البخاري "إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا هلموا إلى حاجتكم قال فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا" وفي رواية "هلموا إلى بغيتكم" ومعنى "يحفونهم بأجنحتهم" أي يدنون بأجنحتهم حول الذاكرين
(فإذا تفرقوا عرجوا) أي فإذا تفرق الذاكرون عرج الملائكة
(فيسألهم الله عز وجل وهو أعلم بهم من أين جئتم فيقولون جئنا من عند
عباد لك في الأرض يسبحونك ويكبرونك ويهللونك ويحمدونك ويسألونك) زاد في رواية "ويمجدونك" وزاد عند البزار "ويعظمون آلاءك ويتلون كتابك ويصلون على نبيك ويسألونك لآخرتهم ودنياهم" وفي رواية البخاري "فيقول هل رأوني فيقولون لا والله ما رأوك قال فيقول كيف لو رأوني قال يقولون لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيدا وأكثر لك تسبيحا" وفي رواية "وتحميدا" وفي رواية "وأشد لك ذكرا"
(قال وماذا يسألوني قالوا يسألونك جنتك قال وهل رأوا جنتي قالوا لا أي رب قال فكيف لو رأوا جنتي) في رواية البخاري "فكيف لو أنهم رأوها قال يقولون لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصا وأشد لها طلبا وأعظم فيها رغبة"
(قالوا ويستجيرونك قال ومم يستجيرونني قالوا من نارك يا رب قال وهل رأوا ناري قالوا لا قال فكيف لو رأوا ناري) يقال استجار من كذا أي طلب الأمان منه وفي رواية البخاري "فمم يتعوذون قال يقولون من النار قال يقول وهل رأوها قال فيقولون لا والله يا رب ما رأوها قال يقول فكيف لو رأوها قال يقولون لو رأوها كانوا أشد منها فرارا وأشد لها مخافة"
(قالوا ويستغفرونك قال فيقول قد غفرت لهم فأعطيتهم ما سألوا وأجرتهم مما استجاروا) في رواية البخاري "فأشهدكم أني قد غفرت لهم"
(فيقولون رب فيهم فلان عبد خطاء إنما مر فجلس معهم قال فيقول وله غفرت هم القوم لا يشقى بهم جليسهم) في رواية البخاري "يقول ملك من الملائكة فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة قال هم الجلساء لا يشقى جليسهم" وفي رواية "فيقولون إن فيهم فلانا الخطاء" بتشديد الطاء أي كثير الخطايا "لم يردهم إنما جاء لحاجة" وفي رواية "هم الجلساء لا يشقى لهم جليس"
-[فقه الحديث]-
ذكر الله عز وجل باللسان يؤجر عليه الناطق ولو كان مشغول القلب إذ لا يشترط استحضاره لمعناه ولكن يشترط أن لا يقصد به غير معناه فإن انضاف إلى النطق الذكر بالقلب فهو أكمل فإن انضاف إلى ذلك استحضار معنى الذكر وما اشتمل عليه من تعظيم الله تعالى ونفي النقائص عنه ازداد كمالا فإن وقع ذلك في عمل صالح من صلاة أو جهاد أو غيرهما ازداد كمالا فإن صحح التوجه وأخلص لله تعالى في ذلك فهو أبلغ الكمال
ولبعض العارفين فهم للذكر على نطاق واسع إذ يرى أن العينين تذكران وذكرهما البكاء وأن
الأذنين تذكران وذكرهما بالإصغاء وأن اللسان يذكر بالثناء وأن اليدين تذكر بالعطاء وأن البدن يذكر بالوفاء وأن القلب يذكر بالخوف والرجاء وأن الروح تذكر بالتسليم والرضاء
واشتهرت أذكار خاصة بأسماء خاصة فالتهليل لا إله إلا الله والتسبيح سبحان الله والتكبير الله أكبر والتحميد الحمد لله والحوقلة لا حول ولا قوة إلا بالله والبسملة بسم الله الرحمن الرحيم والحسبلة حسبي الله ونعم الوكيل والاستغفار أستغفر الله العظيم
وهل يدخل في مجالس الذكر مجالس العلم الشرعي والوعظ والتفسير والحديث أو لا يدخل خلاف والأشبه اختصاص ذلك بمجالس التسبيح والتكبير ونحوهما ويضاف إليهما التلاوة وإن كانت المجالس المذكورة من جملة ما يدخل تحت مسمى ذكر الله تعالى
وقد وردت أحاديث كثيرة في الترغيب في الذكر نذكر منها
(أ) أخرج الترمذي أن رجلا قال يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت علي فأخبرني بشيء أتشبث به قال "لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله"
(ب) وأخرج الترمذي "إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قالوا وما رياض الجنة قال حلق الذكر"
(جـ) وأخرج الترمذي والحاكم وصححه من حديث أبي الدرداء مرفوعا "ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا بلى قال ذكر الله عز وجل"
(د) وعند البخاري "مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت"
-[ويؤخذ من الحديث]-
1 -
في الحديث فضل مجالس الذكر
2 -
وفضل الذاكرين
3 -
وفضل الاجتماع على ذلك
4 -
وأن جليسهم يندرج معهم في جميع ما يتفضل الله تعالى به عليهم إكراما لهم ولو لم يشاركهم في أصل الذكر
5 -
وفيه محبة الملائكة لبني آدم واعتناؤهم بهم
6 -
وفيه أن السؤال قد يصدر من السائل وهو أعلم بالمسئول عنه من المسئول لإظهار العناية بالمسئول عنه والتنويه بقدره والإعلان بشرف منزلته
7 -
وقيل يؤخذ منه أن الذكر الحاصل من بني آدم أعلى وأشرف من الذكر الحاصل من الملائكة لحصوله مع كثرة الشواغل ووجود الصوارف وصدوره في عالم الغيب بخلاف الملائكة في ذلك كله
8 -
وفيه جواز القسم في الأمر المحقق تأكيدا له وتنويها به.