المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(697) باب نصر الأخ ظالما أو مظلوما - فتح المنعم شرح صحيح مسلم - جـ ١٠

[موسى شاهين لاشين]

فهرس الكتاب

- ‌(689) باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها

- ‌(690) باب تحريم التحاسد والتباغض والتدابر والظن والتحسس والتجسس والتنافس والتناجش والهجر فوق ثلاثة أيام

- ‌(691) باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله

- ‌(692) باب النهي عن الشحناء

- ‌(693) باب فضل الحب في الله تعالى

- ‌(694) باب فضل عيادة المريض

- ‌(695) باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن أو نحو ذلك حتى الشوكة يشاكها

- ‌(696) باب تحريم الظلم

- ‌(697) باب نصر الأخ ظالما أو مظلوما

- ‌(698) باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتوادهم

- ‌(699) باب النهي عن السباب

- ‌(700) باب استحباب العفو والتواضع

- ‌(701) باب تحريم الغيبة

- ‌(702) باب من ستر الله عليه في الدنيا فإن الله يستر عليه في الآخرة

- ‌(703) باب مدارة من يتقي فحشه

- ‌(704) باب فضل الرفق

- ‌(705) باب النهي عن لعن الدواب وغيرها

- ‌(706) باب من لعنه النبي صلى الله عليه وسلم أو سبه أو دعا عليه وليس أهلا لذلك كان له زكاة وأجر ورحمة

- ‌(707) باب ذم ذي الوجهين وتحريم فعله

- ‌(708) باب تحريم الكذب وبيان ما يباح منه

- ‌(709) باب تحريم النميمة

- ‌(710) باب قبح الكذب وحسن الصدق وفضله

- ‌(711) باب فضل من يملك نفسه عند الغضب وبأي شيء يذهب الغضب وخلق الإنسان خلقا لا يتمالك

- ‌(712) باب النهي عن ضرب الوجه

- ‌(713) باب الوعيد الشديد لمن عذب الناس بغير حق

- ‌(714) باب أمر من مر بسلاح في مسجد أو سوق أو غيرهما من المواضع الجامعة للناس أن يمسك بنصالها والنهي عن الإشارة بالسلاح إلى مسلم

- ‌(715) باب فضل إزالة الأذى عن الطريق

- ‌(716) باب تحريم تعذيب الهرة ونحوها من الحيوان الذي لا يؤذي

- ‌(717) باب تحريم الكبر

- ‌(718) باب النهي عن تقنيط الإنسان من رحمة الله تعالى وفضل الضعفاء والخاملين والنهي عن قول هلك الناس

- ‌(719) باب الوصية بالجار والإحسان إليه

- ‌(720) باب استحباب طلاقة الوجه

- ‌(721) باب استحباب الشفاعة فيما ليس بحرام

- ‌(722) باب استحباب مجالسة الصالحين ومجانبة قرناء السوء

- ‌(723) باب فضل الإحسان إلى البنات

- ‌(724) باب فضل من يموت له ولد فيحتسبه

- ‌(725) باب إذا أحب الله عبدا أمر جبريل فأحبه وأحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض

- ‌(726) باب الأرواح جنود مجندة

- ‌(727) باب المرء مع من أحب

- ‌(728) باب إذا أثنى على الصالح فهي بشرى ولا تضره

- ‌كتاب القدر

- ‌(729) باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته

- ‌(730) باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام

- ‌(731) باب تصريف الله القلوب كيف شاء

- ‌(732) باب كل شيء بقدر

- ‌(733) باب قدر على ابن آدم حظه من الزنى وغيره

- ‌(734) باب معنى كل مولود يولد على الفطرة وحكم موتى أطفال الكفار، وأطفال المسلمين

- ‌(735) باب بيان أن الآجال والأرزاق وغيرها لا تزيد ولا تنقص عما سبق به القدر

- ‌(736) باب الإيمان بالقدر والإذعان له

- ‌كتاب العلم

- ‌(737) باب النهي عن اتباع متشابه القرآن والتحذير من متبعيه والنهي عن الاختلاف في القرآن

- ‌(738) باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان

- ‌(739) باب من سن سنة حسنة أو سيئة ومن دعا إلى هدى أو ضلالة

- ‌كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار

- ‌(740) باب الحث على ذكر الله تعالى

- ‌(741) باب في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها

- ‌(742) باب العزم في الدعاء ولا يقل إن شئت

- ‌(743) باب كراهة تمني الموت لضر نزل به

- ‌(744) باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه

- ‌(745) باب فضل الذكر والدعاء والتقرب إلى الله وحسن الظن به

- ‌(746) باب كراهة الدعاء بتعجيل العقوبة في الدنيا

- ‌(747) باب فضل مجالس الذكر

- ‌(748) باب فضل الدعاء باللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار

- ‌(749) باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء

- ‌(750) باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر

- ‌(751) باب استحباب الاستغفار والاستكثار منه والتوبة

- ‌(752) باب استحباب خفض الصوت بالذكر إلا في المواضع التي ورد الشرع برفعه فيها كالتلبية وغيرها واستحباب الإكثار من قول لا حول ولا قوة إلا بالله

- ‌(753) باب في الدعوات والتعوذ

- ‌كتاب الرقاق

- ‌(754) باب أكثر أهل الجنة الفقراء وأكثر أهل النار النساء وبيان الفتنة بالنساء

- ‌(755) باب قصة أصحاب الغار الثلاثة والتوسل بصالح الأعمال

- ‌كتاب التوبة

- ‌(756) باب في الحض على التوبة والفرح بها وسقوط الذنوب بالاستغفار

- ‌(757) باب فضل دوام الذكر والفكر في أمور الآخرة والمراقبة وجواز ترك ذلك في بعض الأوقات والاشتغال بالدنيا

- ‌(758) باب سعة رحمة الله وأنها تغلب غضبه

- ‌(759) باب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب والتوبة

- ‌(760) باب غيرة الله تعالى وتحريم الفواحش

- ‌(761) باب قوله تعالى {إن الحسنات يذهبن السيئات} [هود 114]

- ‌(762) باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله

- ‌(763) باب سعة رحمة الله تعالى على المؤمنين وفداء كل مسلم بكافر من النار

- ‌(764) باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه

- ‌(765) باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف وبراءة حرم النبي صلى الله عليه وسلم من الريبة

- ‌كتاب صفات المنافقين وأحكامهم

- ‌(766) باب صفات المنافقين وأحكامهم

- ‌كتاب صفة القيامة والجنة والنار

- ‌(767) باب من صفات القيامة

- ‌(768) باب ابتداء الخلق وخلق آدم عليه السلام

- ‌(769) باب صفة الأرض يوم القيامة ونزل أهل الجنة

- ‌(770) باب سؤال اليهود النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح وقوله تعالى {ويسألونك عن الروح}

- ‌(771) باب في مواقف للكفار والرد عليهم الذي قال لأوتين مالا وولدا - وإن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى - الدخان - انشقاق القمر - ادعاء الند والولد

- ‌باب الدخان

- ‌باب انشقاق القمر

- ‌باب لا أحد أصبر على أذى من الله عز وجل

- ‌(772) باب طلب الكافر الفداء بملء الأرض ذهبا

- ‌(773) باب جزاء المؤمن بحسناته في الدنيا والآخرة وتعجيل جزاء حسنات الكافر في الدنيا

- ‌(774) باب مثل المؤمن كالزرع ومثل المنافق والكافر كالأرزة

- ‌(775) باب مثل المؤمن مثل النخلة

- ‌(776) باب تحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس وأن مع كل إنسان قرينا

- ‌(777) باب لن يدخل أحدا عمله الجنة

- ‌(778) باب الإكثار من الطاعة والاجتهاد في العبادة

- ‌(779) باب الاقتصاد في الموعظة

- ‌كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها

- ‌(780) باب صفة نعيمها وأهلها

- ‌(781) باب جهنم أعاذنا الله منها وصفتها وأهلها

- ‌(782) باب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة

- ‌(783) باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار وعرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه

- ‌(784) باب إثبات الحساب

- ‌(785) باب الأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت

- ‌كتاب الفتن وأشراط الساعة

- ‌(786) باب اقتراب الفتن وفتح ردم يأجوج ومأجوج والجيش الذي يخسف به وتواجه المسلمين بسيفيهما وبعض أشراط الساعة

- ‌(787) باب ذكر ابن صياد

- ‌(788) باب ذكر الدجال

- ‌(789) باب قصة الجساسة والدجال

- ‌(790) باب فضل العبادة في آخر الزمان

- ‌(791) باب قرب الساعة وما بين النفختين

- ‌كتاب الزهد

- ‌(792) باب هوان الدنيا والزهد فيها والتحذير من الاغترار بها

- ‌(793) باب النهي عن الدخول على أهل الحجر إلا من يدخل باكيا

- ‌(794) باب فضل الإحسان إلى الأرملة والمسكين واليتيم

- ‌(795) باب فضل بناء المساجد

- ‌(796) باب فضل الإنفاق على المسكين وابن السبيل

- ‌(797) باب تحريم الرياء

- ‌(798) باب حفظ اللسان

- ‌(799) باب عقوبة من يأمر بالمعروف ولا يفعله وينهى عن المنكر ويفعله

- ‌(800) باب النهي عن هتك الإنسان ستر نفسه

- ‌(801) باب تشميت العاطس وكراهة التثاؤب

- ‌(802) باب في أحاديث متفرقة

- ‌(803) باب النهي عن المدح إذا كان فيه إفراط وخيف منه الفتنة على الممدوح

- ‌(804) باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم

- ‌(805) باب قصة أصحاب الأخدود والساحر والراهب والغلام

- ‌(806) باب حديث جابر الطويل وقصة أبي اليسر

- ‌(807) باب في حديث الهجرة ويقال له حديث الرحل

- ‌كتاب التفسير

- ‌(808) باب كتاب التفسير

الفصل: ‌(697) باب نصر الأخ ظالما أو مظلوما

(697) باب نصر الأخ ظالما أو مظلوما

5727 -

عن جابر رضي الله عنه قال اقتتل غلامان غلام من المهاجرين وغلام من الأنصار فنادى المهاجر أو المهاجرون يا للمهاجرين ونادى الأنصاري يا للأنصار فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "ما هذا دعوى أهل الجاهلية" قالوا لا يا رسول الله إلا أن غلامين اقتتلا فكسع أحدهما الآخر قال "فلا بأس ولينصر الرجل أخاه ظالما أو مظلوما إن كان ظالما فلينهه فإنه له نصر وإن كان مظلوما فلينصره"

5728 -

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار فقال الأنصاري يا للأنصار وقال المهاجري يا للمهاجرين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما بال دعوى الجاهلية" قالوا يا رسول الله كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار فقال "دعوها فإنها منتنة" فسمعها عبد الله بن أبي فقال قد فعلوها والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل قال عمر دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال "دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه".

5729 -

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله القود فقال النبي صلى الله عليه وسلم "دعوها فإنها منتنة" قال ابن منصور في روايته عمرو قال سمعت جابرا.

-[المعنى العام]-

في سنة ست من الهجرة وبعد النصر في غزة بني المصطلق استراح جند المسلمين عند بئر لبني خزاعة يسمى "المريسيع" ونفث المنافقون سمومهم في هذه الغزوة مرتين المرة الأولى وهي التي تحكيها قصة حديثنا تتلخص في أن بئر المريسيع كان قليل الماء فكان الصحابة يبتدرون

ص: 54

الماء فيملأ الواحد حوضه ثم يجعل عليه نطعا يغطيه حتى يسقى منه هو وأصحابه وعلى الآخرين أن يدلوا بدلائهم ويملئوا أحواضهم فسبق إلى البئر جهجاه بن قيس الغفاري من المهاجرين خادم عمر فملأ حوضه وغطاه فجاء الأنصاري سنان بن وبرة الجهني وأرخى زمام ناقته لتشرب من حوض جهجاه

فضربه جهجاه برجله على عجيزته فلطمه سنان وتشابكا وتصارعا واستغاث كل منهما بقومه قال المهاجري يا للمهاجرين وقال الأنصاري يا للأنصار وسمع النبي صلى الله عليه وسلم هاتين الاستغاثتين وهو في خبائه فخرج مغضبا وقال ما هذه العصبية القبلية وما هذه الدعوة الجاهلية ما سببها قالوا له تضارب غلامان مهاجري وأنصاري وانقضت المشكلة فقال لا بأس أن انتهت عند هذا الحد فقد خشيت أن تثار فتنة بين المهاجرين والأنصار ولكن احذروا هذه الدعوى فإنها منتنة وقد أنقذكم الله منها حسنا أن تنصر أخاك ظالما أو مظلوما قالوا حسنا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما قال تكفونه عن ظلمه وبلغ عبد الله بن أبي زعيم المنافقين ما حصل وأن المهاجري ضرب الأنصاري على دبره فكبر ذلك عليه وغضب فبرز ما في صدره من البغضاء للمسلمين ولرسولهم صلى الله عليه وسلم على لسانه أمام أصحابه المنافقين فقال قد عظم شأن المهاجرين ونحن الذين قويناهم وساعدناهم وما مثلنا ومثلهم إلا كما قيل سمن كلبك يأكلك ثم قال لأصحابه لئن رجعنا إلى المدينة لنخرجنهم منها "ليخرجن الأعز منها الأزل" وكان الصبي زيد بن أرقم قريبا منهم فسمع فأخبر عمه فقام عمه بإخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاه صلى الله عليه وسلم وسأله فأنكر وحلف أن لم يحصل وقال أصحابه لرسول الله صلى الله عليه وسلم أتصدق صبيا لا يضبط ما يسمع وتكذب سيدنا وكبيرنا فصدقه صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن الكريم يصدق زيدا ويكشف المنافقين فقال عمر دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق قال دعه لئلا يقول الناس إن محمدا يقتل أصحابه

وجاء عبد الله بن عبد الله بن أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له بلغني يا رسول الله أنك تريد قتل أبي فمرني يا رسول الله أن أتيك برأسه ووالله لو أمرتني لأتيتك بها فقال له صلى الله عليه وسلم بل نحسن صحبته

وقبل دخول المسلمين المدينة بمرحلة ألقى ابن أبي لأصحابه المنافقين القنبلة الثانية قنبلة حديث الإفك حين رأى عائشة رضي الله عنها وقد تأخرت عن الجيش تأتي يقود ناقتها صفوان فقال بين أصحابه والله ما نجت منه ولا نجا منها وأخذوا ينفخون النار في عرض عائشة بالمدينة أما عبد الله بن عبد الله بن أبي وهو المؤمن الخالص فقد وقف لأبيه على باب المدينة مشهرا عليه سيفه يقول له والله لأغمدن سيفي ولا أدعك تدخلها حتى تقول محمد الأعز وأنا الأذل فلم يبرح حتى قال ذلك قال له والله لا تدخلها حتى يأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم بدخولها فرجع حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكا إليه ما صنع ابنه فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن خل عنه يدخل ففعل رضي الله عنه وأرضاه

ص: 55

-[المباحث العربية]-

(اقتتل غلامان غلام من المهاجرين وغلام من الأنصار) في الرواية الثانية "كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار" والكسع ضرب الدبر والعجيزة بيد أو رجل أو سيف أو غيره وذلك عند أهل اليمن شديد والتعبير عنهما بالغلامين لما أنهما كانا تابعين كخادمين فالمهاجري هو جهجاه بن قيس الغفاري وكان مع عمر بن الخطاب يقود له فرسه والأنصاري هو سنان بن وبرة الجهني حليف الأنصار وكانا على بئر المريسيع يستقيان ومعنى اقتتالهما تضاربهما

(فنادى المهاجر أو المهاجرون يا للمهاجرين ونادى الأنصاري يا للأنصار) قال النووي هو في معظم النسخ "يال" بلام مفصولة في الموضعين وفي بعضها "يا للمهاجرين" و"يا للأنصار" بوصلها وفي بعضها "يا آل المهاجرين" بهمزة ثم لام مفصولة واللام مفتوحة في الجميع وهي لام الاستغاثة والصحيح بلام موصولة ومعناه أدعوا المهاجرين وأستغيث بهم

وقوله "أو المهاجرون" صحيح على اعتبار أن رجلين أو ثلاثة من المهاجرين لحقوه أولا فنادوا معه

(فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيمته التي كانت قد ضربت قريبة من البئر في غزوة بني المصطلق

(فقال ما هذا دعوى أهل الجاهلية) أي ما هذا النداء وما هذه الاستغاثة أتكون الاستغاثة بألفاظ الجاهلية والعصبية القبلية لا ينبغي أن يحصل هذا بل ينبغي أن تكون الاستغاثة باسم الإسلام ووحدة الإسلام فالاستفهام إنكاري توبيخي وفي الرواية الثانية "ما بال دعوى الجاهلية" أي ما حال دعوى الجاهلية وما شأنها لا ينبغي أن تعود

قال النووي وأما تسميته صلى الله عليه وسلم ذلك دعوى الجاهلية فهو كراهة منه ذلك فإنه مما كانت عليه الجاهلية من التعاضد بالقبائل في أمور الدنيا ومتعلقاتها وكانت الجاهلية تأخذ حقوقها بالعصبات والقبائل فجاء الإسلام بإبطال ذلك وفصل القضايا بالأحكام الشرعية فإذا اعتدى إنسان على آخر حكم القاضي بينهما وألزمه مقتضى عدوانه كما تقرر من قواعد الإسلام

(قالوا لا يا رسول الله) أي ليست دعوة جاهلية ولن نستجيب لها ولن نرجع إليها

(إلا أن غلامين اقتتلا فكسع أحدهما الآخر قال فلا بأس) أي لم يحصل من هذه القصة بأس مما كنت خفته فإنه خاف أن يكون حدث أمر عظيم يوجب فتنة وفسادا وليس المراد رفع كراهة الدعاء بدعوى الجاهلية

(دعوها فإنها منتنة) أي دعوا دعوى الجاهلية لا تلجئوا إليها مهما حصل خلاف ولا تستجيبوا لها إن سمعتموها فإنها قبيحة كريهة مؤذية

ص: 56

(ولينصر الرجل أخاه ظالما أو مظلوما إن كان ظالما فلينهه فإنه له نصر وإن كان مظلوما فلينصره) وفي رواية للبخاري "قالوا يا رسول الله هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما قال تأخذ فوق يديه" وفي رواية له أيضا "فقال رجل يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوما أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره قال تحجزه عن الظلم فإن ذلك نصره" قال ابن بطال النصر عند العرب الإعانة وتفسيره لنصر الظالم بمنعه من الظلم من تسمية الشيء بما يئول إليه وهو من وجيز البلاغة

وذكر بعضهم أن أول من قال انصر أخاك ظالما أو مظلوما جندب بن العنبر بن عمرو بن تميم وأراد بذلك ظاهره وهو ما اعتادوه من حمية الجاهلية لا على ما فسره النبي صلى الله عليه وسلم وفي ذلك يقول شاعرهم

إذا أنا لم أنصر أخي وهو ظالم

على القوم لم أنصر أخي حين يظلم

(فسمعها عبد الله بن أبي فقال قد فعلوها والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل) أي سمع ابن أبي قصة كسع المهاجر للأنصاري فقال قد فعلها المهاجرون أي تعالوا علينا ونحن الذين آويناهم لئن رجعنا من هنا من ديار بني المصطلق إلى المدينة ليخرجن الأعز يعني نفسه والأنصار الأذل يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرين

(قال عمر دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه) كان ابن أبي والمنافقون معدودين في أصحابه صلى الله عليه وسلم ويجاهدون معه إما حمية وإما لطلب دنيا وكان المسلمون مأمورين بالحكم بالظاهر والله يتولى السرائر

كان كلام عمر بعد أن علم النبي صلى الله عليه وسلم بقول ابن أبي وبعد أن أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليه فجحد وحلف وصدقه النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت الآيات تكذبه

-[فقه الحديث]-

-[يؤخذ من الحديث]-

1 -

ما عانى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون من المنافقين

2 -

وأن القرآن فضحهم في هذه الحادثة

3 -

وصدق الناقل للخبر زيد بن أرقم الصحابي الجليل وكان صبيا

4 -

وأن نقل حديث الآخرين للمصلحة العامة ليس من الغيبة المحرمة بل نقل إيذاء المنافقين للمسلمين واجب ومن المصلحة الكبرى

ص: 57

5 -

وأن استخدام الألفاظ الموهمة لغير مراد المتكلم تحتاج إلى توضيح المراد وترخص للمخاطب استيضاحها

6 -

وأن الأخذ على يد الظالم ومنعه من الظلم نصر له وعون له على حماية نفسه

7 -

وفي الحديث تنفير من العصبية القبلية ووصفها بالخبث والنتن

8 -

وفيه الحث على نصر المظلوم والحث على نصر الظالم بمنعه من الظلم

9 -

ومن الرواية الثانية حكمة الرسول صلى الله عليه وسلم وحلمه على المنافقين قال القاضي عياض واختلف العلماء هل بقي حكم الإغضاء عن المنافقين وترك قتالهم أو نسخ ذلك عند ظهور الإسلام ونزول قوله تعالى {جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم} [التوبة 73] وهناك قول ثالث وهو العفو عنهم ما لم يظهروا نفاقهم فإذا أظهروه قتلوا اهـ والراجح معاملتهم معاملة المسلمين ما أظهروا الإسلام ففي أواخر أيامه صلى الله عليه وسلم أعطى ابن أبي قميصا له يكفن فيه وما عوتب صلى الله عليه وسلم إلا على أن صلى عليه فنزل {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره} [التوبة 84]

أما معاملتهم معاملة المسلمين فظلت إلى نهاية نزول تشريعات الإسلام

والله أعلم.

ص: 58