الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(775) باب مثل المؤمن مثل النخلة
6171 -
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وإنها مثل المسلم فحدثوني ما هي" فوقع الناس في شجر البوادي قال عبد الله ووقع في نفسي أنها النخلة فاستحييت ثم قالوا حدثنا ما هي يا رسول الله قال فقال "هي النخلة" قال فذكرت ذلك لعمر قال لأن تكون قلت هي النخلة أحب إلي من كذا وكذا.
6172 -
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما لأصحابه "أخبروني عن شجرة مثلها مثل المؤمن" فجعل القوم يذكرون شجرا من شجر البوادي قال ابن عمر وألقي في نفسي أو روعي أنها النخلة فجعلت أريد أن أقولها فإذا أسنان القوم فأهاب أن أتكلم فلما سكتوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "هي النخلة".
6173 -
وفي رواية عن مجاهد قال صحبت ابن عمر إلى المدينة فما سمعته يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا حديثا واحدا قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتي بجمار فذكر بنحو حديثهما.
6174 -
وفي رواية عن ابن عمر رضي الله عنهما قال أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بجمار فذكر نحو حديثهم
6175 -
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "أخبروني بشجرة شبه أو كالرجل المسلم لا يتحات ورقها" قال إبراهيم لعل مسلما قال وتؤتي أكلها وكذا وجدت عند غيري أيضا ولا تؤتي أكلها كل حين قال ابن عمر فوقع في نفسي أنها النخلة ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان فكرهت أن أتكلم أو أقول شيئا فقال عمر لأن تكون قلتها أحب إلي من كذا وكذا.
-[المعنى العام]-
أرقى أساليب التربية تحصر طرق التدريس في طريقتين الطريقة الإلقائية والطريقة الاستنباطية وقد استعملهما صلى الله عليه وسلم في التدريس لأمته فاستعمل الطريقة الإلقائية في خطبة الجمعة والعيدين والاستسقاء وفي الحج وفي المناسبات واستعمل طريقة الاستنباط والسؤال والجواب في دروس العلم وكان تاره يقول اسألوني ويجيب على أسئلتهم وتارة يسأل وينتظر جوابهم ليثير فيهم حب البحث والفهم كما في هذا الحديث وتارة يسأل ولا ينتظر الجواب بل يجيب هو وفائدة سؤاله في هذه الحالة إثارة انتباههم للجواب ليتمكن في نفوسهم
ثم إنه صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يشبه المعقول بالمحسوس مستخدما وسائل الإيضاح الميسورة في البيئة وأكثر ما يشد انتباههم ويعمق استفادتهم واستيعابهم فيمثل المؤمن في أنه خير لمجتمعه ولنفسه من وجوه كثيرة بالنخلة ويقلب التشبيه المقصود فيشبه النخلة بالمؤمن ليجعل المؤمن أصلا وأقوى في وجه الشبه صلى الله وبارك على من أوتي الحكمة وفصل الخطاب
-[المباحث العربية]-
(إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وإنها مثل المسلم فحدثوني ما هي) في الرواية الثانية "أخبروني عن شجرة مثلها مثل المؤمن" وفي الملحق الثالث "أخبروني بشجرة شبه أو كالرجل المسلم لا يتحات ورقها وتؤتي أكلها" وفي رواية "ولا تؤتي أكلها كل حين" وكلمة "مثل" ضبطت بكسر الميم وسكون الثاء وبفتح الميم والثاء وهما بمعنى قال الجوهري مثله ومثله كلمة تسوية كما يقال شبهه وشبهه بمعنى ومعنى "لا يتحات ورقها" بتشديد التاء الأخيرة لا يسقط كما فى الرواية الأولى وكأن وجه الشبه بين النخلة وبين المؤمن عدم ضياع شيء منه ففي رواية عن ابن عمر رضي الله عنهما قال "كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال إن مثل المؤمن كمثل شجرة لا تسقط لها أنملة أتدرون ما هي قالوا لا قال هي النخلة لا تسقط لها أنملة ولا تسقط لمؤمن دعوة"
وعند المحققين أن وجه الشبه أعم من ذلك بكثير وأنه البركة وعموم النفع والبركة في النخلة في جميع أجزائها ومستمرة في جميع أحوالها فمن حين تطلع إلى أن تيبس تخرج ثمرا يؤكل في مراحل مختلفة ثم يدخر حتى النوى ينتفع به في علف الدواب والليف في الحبال والسعف والخوص وغير ذلك ما لا يخفى وكذلك بركة المسلم عامة في جميع الأحوال ونفعه مستمر له ولغيره حتى بعد موته ويؤيد هذا العموم رواية البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال "كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أخبروني بشجرة كالرجل المسلم لا يتحات ورقها ولا
…
ولا .... ولا
…
" كذا ذكر النفي ثلاث مرات فقيل في تفسيره "ولا ينقطع ثمرها ولا يعدم فيؤها ولا يبطل نفعها" ووقع في الملحق الثالث "لا يتحات ورقها قال إبراهيم لعل مسلما قال وتؤتي أكلها وكذا وجدت عند غيري أيضا
ولا تؤتي أكلها كل حين" قال النووي معنى هذا أنه وقع في رواية إبراهيم بن سفيان صاحب مسلم ورواية غيره أيضا من مسلم "لا يتحات ورقها ولا تؤتي أكلها كل حين" واستشكل إبرهيم بن سفيان هذا فقال لعل مسلما رواه "وتؤتي أكلها" بإسقاط "لا" وأكون أنا وغيري غلطنا في إثبات "لا"
قال القاضي وغيره من الأئمة وليس هو بغلط كما توهمه إبراهيم بل الذي في مسلم صحيح بإثبات "لا" وكذا رواه البخاري بإثبات "لا" ووجهه أن لفظة "لا" ليست متعلقة بـ "تؤتي" بـ متعلقة بمحذوف تقديره لا يتحات ورقها ولا
…
ولا
…
أي لا يصيبها كذا ولا كذا لكن لم يذكر الراوي تلك الأشياء المعطوفة ثم ابتدأ فقال {تؤتي أكلها كل حين} اهـ
وقد حاول بعض العلماء أن يعمم الشبه بين المسلم وبين النخلة فقال من جهة كون النخلة إذا قطع رأسها ماتت أو لأنها لا تحمل حتى تلقح أو لأنها تموت إذا غرقت أو لأنه لطلعها رائحة مني بني آدم أو لأنها تعشق أو لأنها تشرب من أعلاها إلى غير ذلك من أوجه الشبه وهذا القول ضعيف جدا لأن هذه الأوجه يشترك فيها جميع الآدميين وليست خاصة بالمسلم وأضعف من هذا قول من قال لكونها خلقت من فضلة طين آدم فإن الحديث في ذلك لم يثبت والله أعلم
(فجعل القوم يذكرون شجرا من شجر البوادي) أي ذهبت أفكارهم إلى أشجار البوادي وكان كل إنسان يفسرها بنوع من أنواع الشجر وذهلوا عن النخلة
(وألقى في نفسي أو روعي أنها النخلة) الروع بضم الراء النفس والقلب ومركز الإدراك وفي الرواية الأولى وفي الملحق الثالث "فوقع في نفسي أنها النخلة" يقال وقع الطائر على الشجرة إذا نزل عليها وقد بينت رواية أبي عوانة القرينة التي ساعدت ابن عمر على صحة ما وقع في نفسه ولفظها "فظننت أنها النخلة من أجل الجمار الذي أتى به" وفي الملحق الأول "كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتى بجمار" وفي الملحق الثاني "أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجمار"
(فاستحييت) في الرواية الثانية "فجعلت أريد أن أقولها فإذا أسنان القوم أي كبار السن في القوم فأهاب أن أتكلم" وفي الملحق الثالث "ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان فكرهت أن أتكلم أو أقول شيئا" وفي رواية للبخاري "فأردت أن أقول هي النخلة فإذا أنا أصغر القوم" وفي رواية أخرى للبخاري "فإذا أنا عاشر عشرة أنا أحدثهم"
(ثم قالوا حدثنا ما هي يا رسول الله فقال هي النخلة) في الرواية الثانية "فلما سكتوا قال هي النخلة"
(فذكرت ذلك لعمر قال لأن تكون قلت هي النخلة أحب إلي من كذا وكذا) وفي الملحق الثالث "لأن تكون قلتها أحب إلي من كذا وكذا" وفي رواية "فلما قمنا قلت لعمر يا أبتاه
…
" وفي رواية "فحدثت أبي بما وقع في نفسي فقال لأن تكون قلتها .... " زاد ابن حبان في صحيحه "أحسبه قال أحب إلي من حمر النعم"
-[فقه الحديث]-
-[يؤخذ من الحديث فوق ما تقدم]-
1 -
امتحان العالم أذهان الطلبة بما يخفى مع بيانه لهم إن لم يفهموه وأما ما رواه أبو داود "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الأغلوطات" وهي صعاب المسائل فإن ذلك محمول على ما لا نفع فيه أو ما خرج على سبيل التعنت أو التعجيز
2 -
وفيه إشارة إلى أن الملغز ينبغي له أن لا يبالغ في التعمية بحيث لا يجعل للملغز له بابا يدخل منه بل كلما قربه كان أوقع في نفس سامعه
3 -
وأن الملغز له ينبغي أن يتفطن لقرائن الأحوال الواقعة عند السؤال
4 -
وفيه التحريض على الفهم في العلم
5 -
واستحباب الحياء ما لم يؤد إلى تفويت مصلحة ولهذا تمنى عمر أن يكون ابنه لم يسكت
6 -
وفيه دليل على بركة النخلة وما تثمره
7 -
وفيه دليل على أن بيع الجمار جائز لأن ما جاز أكله جاز بيعه
8 -
وفيه دليل على جواز تجمير النخل وليس ذلك من قبيل إضاعة المال
9 -
وفيه ضرب الأمثال والأشباه لزيادة الإفهام وتصوير المعاني لترسخ في الذهن
10 -
وفيه توقير الكبير وتقديم الصغير أباه في القول وأنه لا يبادره بما فهمه
11 -
وفيه أن العالم الكبير قد يخفى عليه بعض ما يدركه من هو دونه لأن العلم مواهب والله يؤتي فضله من يشاء
12 -
واستدل به مالك على أن الخواطر التي تقع في القلب من محبة الثناء على أعمال الخير لا يقدح فيها إذا كان أصلها الله وذلك مستفاد من تمني عمر المذكور ووجه تمني عمر رضي الله عنه ما طبع عليه الإنسان من محبة الخير لنفسه ولولده ولتظهر فضيلة الولد في الفهم من صغره ليزداد من النبي صلى الله عليه وسلم حظوة ولعله كان يرجو أن يدعو له إذ ذاك بالزيادة في الفهم
13 -
وفيه إشارة إلى حقارة الدنيا في عين عمر لأنه قابل فهم ابنه لمسألة واحدة بحمر النعم مع عظم مقدارها وغلاء ثمنها
والله أعلم.