الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(805) باب قصة أصحاب الأخدود والساحر والراهب والغلام
6531 -
عن صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "كان ملك فيمن كان قبلكم وكان له ساحر فلما كبر قال للملك إني قد كبرت فابعث إلي غلاما أعلمه السحر فبعث إليه غلاما يعلمه فكان في طريقه إذا سلك راهب فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه فكان إذا أتى الساحر مر بالراهب وقعد إليه فإذا أتى الساحر ضربه فشكا ذلك إلى الراهب فقال إذا خشيت الساحر فقل حبسني أهلي وإذا خشيت أهلك فقل حبسني الساحر فبينما هو كذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس فقال اليوم أعلم آلساحر أفضل أم الراهب أفضل فأخذ حجرا فقال اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس فرماها فقتلها ومضى الناس فأتى الراهب فأخبره فقال له الراهب أي بني أنت اليوم أفضل مني قد بلغ من أمرك ما أرى وإنك ستبتلى فإن ابتليت فلا تدل علي وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص ويداوي الناس من سائر الأدواء فسمع جليس للملك كان قد عمي فأتاه بهدايا كثيرة فقال ما ها هنا لك أجمع إن أنت شفيتني فقال إني لا أشفي أحدا إنما يشفي الله فإن أنت آمنت بالله دعوت الله فشفاك فآمن بالله فشفاه الله فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس فقال له الملك من رد عليك بصرك قال ربي قال ولك رب غيري قال ربي وربك الله فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام فجيء بالغلام فقال له الملك أي بني قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل فقال إني لا يشفي أحدا إنما يشفي الله فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب فجيء بالراهب فقيل له ارجع عن دينك فأبى فدعا بالمئشار فوضع المئشار في مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه ثم جيء بجليس الملك فقيل له ارجع عن دينك فأبى فوضع المئشار في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه ثم جيء بالغلام فقيل له ارجع عن دينك فأبى فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل فإذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه
وإلا فاطرحوه فذهبوا به فصعدوا به الجبل فقال اللهم اكفنيهم بما شئت فرجف بهم الجبل فسقطوا وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك ما فعل أصحابك قال
كفانيهم الله فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال اذهبوا به فاحملوه في قرقور فتوسطوا به البحر فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه فذهبوا به فقال اللهم اكفنيهم بما شئت فانكفأت بهم السفينة فغرقوا وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك ما فعل أصحابك قال كفانيهم الله فقال للملك إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به قال وما هو قال تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع ثم خذ سهما من كنانتي ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل باسم الله رب الغلام ثم ارمني فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني فجمع الناس في صعيد واحد وصلبه على جذع ثم أخذ سهما من كنانته ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال باسم الله رب الغلام ثم رماه فوقع السهم في صدغه فوضع يده في صدغه في موضع السهم فمات فقال الناس آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام فأتي الملك فقيل له أرأيت ما كنت تحذر قد والله نزل بك حذرك قد آمن الناس فأمر بالأخدود في أفواه السكك فخدت وأضرم النيران وقال من لم يرجع عن دينه فأحموه فيها أو قيل له اقتحم ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها فقال لها الغلام يا أمه اصبري فإنك على الحق".
-[المعنى العام]-
يكتفى بالقصة في الشرح
-[المباحث العربية]-
(كان ملك فيمن كان قبلكم وكان له ساحر) كان السحر قبل الإسلام علما يتعلم وفنا يمارس سواء كان تخييلا أو حقيقة بالتعامل مع الجن الذين كانوا يسترقون السمع أو بدونهم
(فلما كبر قال للملك إني قد كبرت فابعث إلي غلاما أعلمه السحر) ليخلفني في مهنتي
(فبعث إليه غلاما يعلمه) فكان يذهب إليه كل يوم
(فكان في طريقه إذا سلك راهب) في صومعته
(فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه) هذه القعدة الأولى للغلام مع الراهب ثم تكررت
(فكان إذا أتى الساحر مر بالراهب وقعد إليه فإذا أتى الساحر ضربه) لتأخره
(فشكا ذلك إلى الراهب فقال إذا خشيت الساحر فقل حبسني أهلي وإذا خشيت أهلك فقل حبسني الساحر) ينصحه بالكذب على الساحر وعلى أهله لئلا يكشف أمره مع الراهب فيتوقف عن لقائه والكذب في مثل هذه الحالة كالكذب في الحرب
(فبينما هو كذلك) يذهب ويرجع كل يوم وفي طريقه يقعد عند الراهب
(أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس) أي مر على ناس يريدون المرور ويخافون دابة ضخمة تقطع عليهم الطريق
(فقال اليوم أعلم الساحر أفضل أم الراهب أفضل فأخذ حجرا فقال اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس فرماها فقتلها ومضى الناس فأتى الراهب فأخبره فقال له الراهب أي بني أنت اليوم أفضل مني قد بلغ من أمرك ما أرى وإنك ستبتلى) شأن الأنبياء والأولياء والصالحين
(فإن ابتليت فلا تدل علي) وكانت الحرب والفتنة والعداوة قائمة بين اليهود والنصارى وبين الحكام الطغاة الظلمة وبين الرهبان أي إن قبض عليك وعذبت وسئلت عن شركائك ومن الذي علمك فلا تدل علي.
(وكان الغلام يبرئ الأكمه) الذي خلق أعمى روى أنه لما قتل الأسد بالحجر قال الناس قتل الغلام الأسد بحجر إنه علم علما لم يعلمه أحد فسمع أعمى فجاءه فقال له إن أنت رددت بصري فلك كذا وكذا فقال الغلام لا أريد منك هذا ولكن أرأيت إن رجع عليك بصرك أتؤمن بالذي رده عليك قال نعم فرد عليه بصره فآمن الأعمى فبلغ الملك أمرهم فبعث إليهم فأتى بهم الراهب والأعمى والغلام فقال لأقتلن كل واحد منكم قتلة لا أقتل بها صاحبه فأمر بالراهب والرجل الذي كان أعمى فوضع المنشار على مفرق أحدهما فقتله وقتل الآخر بقتلة أخرى وتحكي روايتنا تفصيلا وفيها
(فجيء بالغلام فقال له الملك أي بني قد بلغ من سحرك ما تبرئ به الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل فقال إني لا أشفي أحدا إنما يشفي الله فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب فجيء بالراهب فقيل له ارجع عن دينك فأبى فدعا بالمنشار فشقه حتى وقع شقاه ثم جيء بمن كان أعمى بجليس الملك فقيل له ارجع عن دينك فأبى فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه ثم جيء بالغلام فقيل له ارجع عن دينك فأبى فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل فإذا بلغتم ذروته [أي أعلاه وهي بضم
الذال وكسرها] فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه فذهبوا به فصعدوا به الجبل فقال اللهم اكفنيهم بما شئت فرجف بهم الجبل [أي اضطرب وتحرك حركة شديدة وحكى القاضي عياض عن بعضهم أنه رواه "فزحف بهم الجبل" بالزاي والحاء وهي بمعنى الحركة] فسقطوا وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك ما فعل أصحابك قال كفانيهم الله فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال اذهبوا به فاحملوه في قرقور [بضم القاف الأولى وفي نسخة "في قرقورة" وهي السفينة الصغيرة] فتوسطوا به البحر فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه فذهبوا به فقال اللهم اكفنيهم بما شئت فانكفأت بهم السفينة فغرقوا وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك ما فعل أصحابك قال كفانيهم الله فقال للملك إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به قال وما هو قال تجمع الناس في صعيد واحد [أي في مكان واحد من الأرض ظاهر] وتصلبني على جذع ثم خذ سهما من كنانتي [وهي جعبة السهام وتصنع من الجلد] ثم ضع السهم في كبد القوس [وهو مقبضها عند الرمي] ثم قل باسم الله رب الغلام ثم ارمني فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني فجمع الناس في صعيد واحد وصلبه على جذع ثم أخذ سهما من كنانته ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال بسم الله رب الغلام ثم رماه فوقع السهم في صدغه فوضع يده في صدغه في موضع السهم فمات فقال الناس آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام آمنا برب
الغلام فأتي الملك فقيل له أرأيت ما كنت تحذر قد والله نزل بك حذرك فآمن الناس [أي ما كنت تحذر وتخاف] فأمر بالأخدود في أفواه السكك [أي في أبواب الطرق وأولها] فخدت وأضرم النيران وقال من لم يرجع عن دينه فأحموه فيها [قال النووي هكذا هو في عامة النسخ "فأحموه" بهمزة قطع بعدها حاء ساكنة ووقع في بعض نسخ بلادنا "فأقحموه" بالقاف وهذا ظاهر ومعناه اطرحوه فيها كرها ومعنى الرواية الأولى ارموه فيها من قولهم حميت الحديدة وغيرها إذا أدخلتها النار لتحمى] من لم يرجع عن دينه أو قيل له اقتحم [فلم يقتحم] فأحموه فيها ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها فقال لها الغلام يا أمه اصبري فإنك على الحق)
ولا خلاف في وقوع الأخدود بنص القرآن ولكن الخلاف في سببه وفي مكانه وزمانه فقيل إنه كان بنجران وقيل كان بأرض الحبشة وقيل كان أصحاب الأخدود من النبط وقيل كانوا من بني إسرائيل وقيل أحرق فيه اثنا عشر ألفا وقيل سبعون ألفا والله أعلم
-[فقه الحديث]-
فيه خوارق العادات على يد الصالحين
وفيه التضحية في سبيل الله
وفيه ما تحمل الدعاة إلى الله ومن تبعهم
والله أعلم.