الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3-
سر تكرار الحديث في الجوامع والسنن والمسانيد:
قال الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح1 في الفصل الثالث في بيان تقطيع البخاري للحديث، واختصاره وفائدة إعادته له في الأبواب وتكراره ما نصه "قال الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي فيما رويناه عنه في جزء سماه جواب المتعنت اعلم أن البخاري رحمه الله كان يذكر الحديث في كتابه مواضع، ويستدل به في كل باب بإسناد آخر، ويستخرج منه بحسن استنباطه، وغزارة فقهه معنى يقتضيه الباب الذي أخرجه فيه وقلما يورد حديثًا في موضعين بإسناد واحد ولفظ واحد، وإنما يورده من طريق أخرى لمعان نذكرها والله أعلم بمراده منها.
"فمنها: أنه يخرج الحديث عن صحابي ثم يورده عن صحابي آخر، والمقصود منه أن يخرج الحديث عن حد الغرابة وكذلك يفعل في أهل الطبقة الثانية والثالثة وهلم جرا إلى مشايخه فيعتقد من يرى ذلك من غير أهل الصنعة أنه تكرار، وليس كذلك لاشتماله على فائدة زائدة.
ومنها: أنه صحح أحاديث على هذه القاعدة يشتمل كل حديث منها على معان متغايرة فيورده في كل باب من طريق غير الطريق الأولى.
ومنها أحاديث يرويها بعض الرواة تامة ويرويها بعضهم مختصرة فيوردها كما جاءت ليزيل الشبهة عن ناقليها.
ومنها: أن الرواة ربما اختلفت عباراتهم فحدث راو بحديث فيه كلمة تحتمل معنى، وحدث به آخر فعبر عن تلك الكلمة بعينها بعبارة أخرى تحتمل معنى آخر فيورده بطرقه إذا صحت على شرطه ويفرد لكل لفظه بابًا مفردًا.
1 ص12.
ومنها: أحاديث تعارض فيها الوصل والإرسال، ورجح عنده الوصل فاعتمده، وأورد الإرسال منبهًا على أنه لا تأثير له عنده في الوصل.
ومنها: أحاديث تعارض فيها الوقف والرفع والحكم فيها كذلك.
ومنها: أحاديث زاد فيها بعض الرواة رجلًا في الإسناد، ونقصه بعضهم فيوردها على الوجهين حيث يصح عنده أن الراوي سمعه من شيخ حدثه به عن آخر ثم لقي الآخر فحدثه به فكان يرويه، على الوجهين.
ومنها: أنه ربما أورد حديثًا عنعنه راويه فيرويه من طريق أخرى مصرحًا فيها بالسماع على ما عرف من طريقته في اشتراط ثبوت اللقاء في المعنعن، فهذا جميعه فيما يتعلق بإعادة المتن الواحد في موضع آخر أو أكثر.
وأما تقطيعه للحديث في الأبواب تارة، واقتصاره منه على بعضه أخرى فذلك لأنه إن كان المتن قصيرًا أو مرتبطًا بعضه ببعض، وقد اشتمل على حكمين فصاعدًا فإنه يعيده بحسب ذلك مراعيًا مع ذلك عدم إخلائه من فائدة حديثية، وهي إيراده له عن شيخ سوى الشيخ الذي أخرجه عنه قبل ذلك كما تقدم تفصيله فيستفيد بذلك تكثير الطرق لذلك الحديث، وربما ضاق عليه مخرج الحديث حيث لا يكون له إلا طريق واحدة فيتصرف حينئذ فيه فيورده في موضع موصولًا، وفي موضع معلقًا ويورده تارة تامًّا وتارة مقتصرًا على طرفه الذي يحتاج إليه في ذلك الباب فإن كان المتن مشتملًا على جمل متعددة لا تعلق لإحداها بالأخرى فإنه يخرج كل جملة منها في باب مستقل فرارًا من التطويل، وربما نشط فساقه بتمامه فهذا كله في التقطيع.
"وقد حكى بعض شراح البخاري أنه وقع في أثناء الحج في بعض النسخ بعد باب قص الخطبة بعرفة باب تعجيل الوقوف قال أبو عبد الله يزاد في هذا الباب حديث مالك عن ابن شهاب ولكني لا أريد أن أدخل فيه معادًا". ا. هـ.
وهو يقتضي أن لا يتعمد أن يخرج في كتابه حديثًا معادًا بجميع إسناده ومتنه، وإن كان قد وقع له من ذلك شيء فعن غير قصد، وهو قليل جدًّا
"وأما اقتصاره على بعض المتن ثم لا يذكر الباقي في موضع آخر، فإنه لا يقع له ذلك الغالب، إلا حيث يكون المحذوف موقوفا على الصحابي؛ وفيه شيء، قد يحكم يرفعه فيقتصر على الجملة التي يحكم لها بالرفع، ويحذف الباقي لأنه لا تعلق له بموضوع كتابه كما وقع في حديث هزيل بن شرحبيل عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: إن أهل الإسلام لا يسيبون وإن أهل الجاهلية كانوا يسيبون هكذا أورده وهو مختصر من حديث موقوف أوله جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود فقال إني أعتقت عبدًا لي سائبة فمات، وترك مالًا ولم يدع وارثًا، فقال عبد الله: "إن أهل الإسلام لا يسيبون، وإن أهل الجاهلية كانوا يسيبون فأنت ولي نعمته فلك ميراثه فإن تأثمت، وتحرجت في شيء فنحن نقبله منك ونجعله في بيت المال" فاقتصر البخاري على ما يعطي حكم الرفع من هذا الحديث الموقوف، وهو قوله: "إن أهل الإسلام لا يسيبون" لأنه يستدعى بعمومه النقل عن صاحب الشرع لذلك الحكم واختصر الباقي لأنه ليس من موضوع كتابه، وهذا من أخفى المواضع التي وقعت له من هذا الجنس وإذا تقرر ذلك اتضح أنه لا يعيد إلا لفائدة حتى لو لم تظهر لإعادته فائدة من جهة الإسناد ولا من جهة المتن لكان ذلك لإعادته لأجل مغايرة الحكم التي1 تشتمل عليه ترجمة الثانية موجبًا لئلا يعد مكررًا فلا فائدة. كيف وهو لا يخليه مع ذلك من فائدة إسنادية وهي إخراجه للإسناد عن شيخ غير الشيخ الماضي أو غير ذلك والله الموفق". انتهى كلام الحافظ ابن حجر وبه يعلم سر صنيع من حذا حذو الإمام البخاري في مشربه جميعه، أو بعضهن فتدبر فإنه من البدائع.
1 كذا في مقدمة الفتح ولعله [الذي] .