الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3-
بيان أن السنة حجة على جميع الأمة وليس عمل أحد حجة عليها:
قال الله تعالى1: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} وقال تعالى2: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَاّ وَحْيٌ يُوحَى} . وقال تعالى3: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} وقال تعالى4: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ} وقال تعالى5: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} . وقال تعالى6: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} . قال العلماء معناه إلى الكتاب والسنة وقال تعالى7: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه} 8: وقال تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، صِرَاطِ اللَّهِ} وقال تعالى9: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} . وقال تعالى10: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} ..
1 سورة الحشر، الآية:7.
2 سورة النجم، الآية:3.
3 سورة آل عمران، الآية:31.
4 سورة الأحزاب، الآية:21.
5 سورة النساء، الآية:64.
6 سورة النساء، الآية:58.
7 سورة النساء، الآية:79.
8 سورة الشورى، الآية:52.
9 سورة النور، الآية:63.
10 سورة الأحزاب، الآية:34.
والآيات في ذلك كثيرة، وقد ساقها مع عدة أحاديث في معناها الإمام النووي قدس الله سره في باب المر بالمحافظة على السنة وآدابها من:"رياض الصالحين" فارجع إليه1.
وقد روى البيهقي عن الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوا ما قلت. فهذا مذهبه في اتباع السنة. وأخرج البيهقي أيضًا عن الشافعي قال: إذا حدث الثقة عن الثقة حتى ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يترك لرسول الله صلى الله عليه وسلم حديث أبدًا إلا حديث وجد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث يخلفه، وقال الشافعي: إذا كان الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا مخالف له عنه، وكان يروي عمن دون رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث يوافقه لم يزده قوة، وحديث النبي مستغن بنفسه وإن كان يروي عمن دون رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث يخلفه لم يلتفت إلى ما خالفه، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى أن يؤخذ به، ولو علم من روي عنه خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم اتبعها إن شاء الله تعالى.
وأخرج البيهقي أيضًا عن الربيع قال: قال الشافعي في أقاويل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا تفرقوا فيها نصير إلى ما وافق الكتاب والسنة والإجماع أو كان أصح في القياس، وإذا قال الواحد منهم القول لا يحفظ عن غيره منهم فيه له موافقة، ولا خلاف صرت إلى اتباع قول واحدهم إذا لم أجد كتابا، ولا سنة ولا إجماعًا ولا شيئًا في معناه يحكم له بحكمه أو وجد معه قياس.
وأخرج أيضًا عن الربيع قال: قال الشافعي: ما كان الكتاب والسنة موجودين فالعذر على من سمعها مقطوع إلا باتباعهما فإذا لم يكن ذلك صرنا إلى أقاويل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو واحدهم ثم كان قول الأئمة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، إذا صرنا إلى التقليد أحب إلينا، وذلك إذا لم نجد دلالة في الاختلاف تدل على أقرب الاختلاف
1 ص22، المطبعة الميرية، مكة 1312.
من الكتاب والسنة، فنتبع القول الذي منه الدلالة لأن قول الإمام مشهور بأنه يلزم الناس، ومن لزم قول الناس كان أشهر ممن يفتي الرجل والنفر، وقد يأخذ بفتياه أو يدعها وأكثر المفتين يفتون الخاصة في بيوتهم ومجالسهم ولا تعني العامة بما قالوا اعتناءهم بما قال الإمام، وقد وجدنا الأئمة يبتدئون فيسألون عن العلم من الكتاب والسنة فيما أرادوا أن يقولوا فيه، ويقولون فيخبرون بخلاف قولهم فيقبلون من المخبر ولا يستنكفون أن يرجعوا لتقواهم الله، وفضلهم في حالاتهم فإذا لم يوجد عن الأئمة فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدين في وضع الأمانة أخذنا بقولهم، وكان اتباعهم أولى بنا من اتباع من بعدهم قال والعلم طبقات الأولى: الكتاب والسنة إذا ثبتت السنة ثم الثانية: الإجماع فيما ليس فيه كتاب ولا سنة، والثالثة: أن يقول بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعلم له مخالف منهم، والرابعة: اختلاف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والخامسة: القياس على هذه الطبقات، ولا يصار إلى شيء غير الكتاب، والسنة وهما موجودان وإنما يؤخذ العلم من أعلى وذكر الشافعي في كتاب الرسالة القديمة بعد ذكر الصحابة والثناء عليهم بما هم أهله قال: وهم فوقنا في كل علم واجتهاد وورع وعقل وأمر استدرك به علم أو استنبط به وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من آرائنا عندنا لأنفسنا، والله تعالى أعلم ومن أدركنا ممن أراضي أو حكي لنا عنه ببلدنا صاروا فيما لم يعلموا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيه سنة إلى قولهم إن اجتمعوا، وقول بعضهم إن تفرقوا هكذا نقول إذا اجتمعوا أخذنا بإجماعهم، وإن قال واحد منهم ولم يخالفه غيره أخذنا بقوله، وإن اختلفوا أخذنا بقول بعضهم، ولم نخرج من أقاويلهم كلهم قال الشافعي: إذا قال الرجلان منهم في شيء قولين مختلفين نظرت فإن كان قول أحدهما أشبه بكتاب الله تعالى أو أشبه بسنه من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذت به لأن معه شيئًا يقوى بمثله ليس مع الذي يخالف مثله فإن لم يكن على واحد من القولين دلالة بما وصفت كان قول الأئمة أبي بكر أو عمر أو عثمان رضي الله عنهم، أرجح عندنا من أحد لو خالفهم غير إمام، وذكر في موضع آخر من هذا الكتاب وقال: وإن لم يكن على القول دلالة من كتاب أو سنة كان قول أبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي رضي الله عنهم أرجج عندنا من أحد لو خالفهم غير إمام وذكر في موضع آخر من هذا الكتاب، وقال: وإن لم يكن على القول دلالة من كتاب أو سنة كان قول أبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي رضي الله عنهم أحب
إلى أن أقول به، من قول غيرهم إن خالفهم من قبل أنهم أهل علم وحكام. ثم ساق الكلام إلى أن قال: فإن اختلف الحكام استدللنا بالكتاب والسنة في اختلافهم، فصرنا إلى قول الذي عليه الدلالة من الكتاب والسنة وقلما يخلو اختلافهم من دلائل كتاب أو سنة، وإن اختلف المفتون -يعني من الصحابة بعد الأئمة- بلا دلالة فيما اختلفوا فيه نظرنا إلى الأكثر فإن تكافأ نظرنا إلى أحسن أقاويلهم مخرجًا عندنا، وإن وجدنا للمفتين في زماننا وقبله إجماعًا في شيء لا يختلفون فيه تبعناه، وكان أحد طرق الأخبار الأربعة وهي كتاب الله تعالى ثم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ثم قول بعض الصحابة ثم إجماع الفقهاء فإذا نزلت نازلة لم يجد فيها واحدة من هذه الأربعة الأخبار فليس السبيل في الكلام في النازلة إلا اجتهاد الرأي.
وقال شمس الدين ابن القيم في إعلام الموقعين: "قال الأصم: أخبرنا الربيع بن سليمان قال الشافعي: أنا أعطيك جملة تغنيك إن شاء الله تعالى: لا تدع لرسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا أبدًا إلا أن يأتي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث خلافه فتعمل بما قررت لك في الأحاديث إذا اختلف، وقال أبو محمد الجارودي: سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي يقول إذا وجدتم سنة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف قولي فإني أقول به قال أحمد بن عيسى بن ماهان الرازي سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي يقول: كل مسألة فيها صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أهل النقل بخلاف ما قلت فأنا راجع عنها في حياتي وبعد موتي وقال حرملة بن يحيى قال الشافعي: ما قلت وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد قال بخلاف قولي فما صح من حديث النبي صلى الله عليه وسلم أولى ولا تقلدوني وقال الحميدي: سأل رجل الشافعي عن مسألة فأفتاه وقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا فقال الرجل: أتقول بهذا يا أبا عبد الله؟ فقال الشافعي: أرأيت في وسطي زنارًا؟ أتراني خرجت من الكنيسة؟ أقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم وتقول لي: أتقول بهذا؟! أروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أقول به؟
وقال الربيع: قال الشافعي: لم أسمع أحدًا نسبته إلى العلم أو نسبته العامة إلى علم أو نسب نفسه إلى علم يحكي خلافًا في أن فرض الله تعالى اتباع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم والتسليم لحكمه فإن الله تعالى لم يجعل لأحد بعده إلا اتباعه، وإنه لا يلزم قول رجل قال إلا بكتاب الله تعالى أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن ما سواهما تبع لهما، وإن فرض الله تعالى علينا وعلى من بعدنا وقبلنا قبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فرقة سأصف قولها إن شاء الله تعالى. قال الشافعي: ثم تفرق أهل الكلام في تثبيت خبر الواحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقا متباينًا، وتفرق منهم ممن نسبه العامة إلى الفقه فامتنع بعضهم عن التحقيق من النظر وآثروا التقليد والغفلة والاستعجال بالرئاسة، وقال الإمام أحمد: قال لنا الشافعي: إذا صح عندكم الحديث فقولوا لي كي أذهب إليه، وقال الإمام أحمد: كان أحسن أمر الشافعي عندي أنه كان إذا سمع الخبر لم يكن عنده قال به وترك قوله، قال الربيع: قال الشافعي: لا تترك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يدخله القياس ولا موضع له من السنة، قال الربيع: وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي، أنه قضى1 في بروع بنت واشق ونُكحت بغير مهر فمات زوجها فقضى لها بمهر مثلها وقضى لها بالميراث، فإن كان لم يثبت عن النبي فهو أولى الأمور بنا، ولا حجة في قول أحد دون النبي صلى الله عليه وسلم ولا في القياس ولا شيء إلا طاعة الله تعالى بالتسليم له، وإن كان لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن لأحد أن يثبت عنه ما لم يثبت ولم أحفظه من وجه يثبت مثله هو مرة عن معقل بن يسار ومرة عن معقل بن سنان ومرة عن بعض أشجعي لا يسمى، قال الربيع: سألت الشافعي عن رفع الأيدي في الصلاة فقال: يرفع المصلي يديه إذا افتتح الصلاة حذو منكبيه وإذا أراد أن يركع وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك ولا يفعل ذلك في السجود قلت له: فما الحجة في ذلك قال: أنبأنا ابن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل قولنا قال الربيع: فقلت فإنا نقول يرفع في الابتداء ثم لا يعود قال
1 أخرجه الشيخان وأصحاب السنن وصححه الترمذي.
الشافعي: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر، كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما قال الشافعي -وهو يعني مالكًا- يروي عن النبي أنه كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك ثم خالفتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمر فقلتم: لا يرفع يديه إلا في ابتداء الصلاة، وقد رويتم أنهما رفعا في الابتداء، وعند الرفع من الركوع أفيجوز لعالم أن يترك فعل النبي صلى الله عليه وسلم وابن عمر لرأي نفسه أو فعل النبي صلى الله عليه وسلم لرأي ابن عمر ثم القياس على قول ابن عمر ثم يأتي موضع آخر يصيب فيه فيترك على ابن عمر ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم فكيف لم ينته بعض هذا عن بعض أرأيت إذا جاز له أن يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يرفع يديه في مرتين أو ثلاث أو عن ابن عمر فيه اثنتين، ويأخذ بواحدة أيجوز لغيره ترك الذي أخذ به، وأخذ الذي ترك أو يجوز لغيره ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له: إن صاحبنا قال فما معنى الرفع قال: معناه تعظيم الله، واتباع لسنة النبي ومعنى الرفع في الأدلة معنى الرفع الذي خالقتم فيه النبي عند الركوع، وعد رفع الرأس ثم خالفتم فيه روايتكم عن النبي صلى الله عليه وسلم وابن عمر معًا ويروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر رجلًا، ويروى عن أصحاب النبي من غير وجه، ومن تركه فقد ترك السنة.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "قلت: وهذا تصريح من الشافعي بأن تارك رفع اليدين عند الركوع، والرفع منه تارك للسنة؛ ونص أحمد على ذلك أيضًا في إحدى الروايتين عنه. وقال الربيع: سألت الشافعي عن الطيب قبل الإحرام بما يبقى ريحه بعد الإحرام أو بعد رمي الجمرة والحلق وقبل الإفاضة، فقال: جائز أخبه ولا أكرهه لثبوت السنة فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولإخبار غير واحد من الصحابة فقلت: وما حجتك فيه؟ فذكر الأخبار، والآثار ثم قال: حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن سالم قال: قال عمر: من رمى الجمرة فقد حل له ما حرم عليه إلا النساء والطيب. قال سالم وقالت عائشة: طيبت
رسول الله صلى الله عليه وسلم لحله قبل أن يطوف بالبيت. وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع.
قال الشافعي: وهكذا ينبغي أن يكون الصالحون وأهل العلم فأما ما تذهبون إليه من ترك السنة وغيرها، وترك ذلك الغير لرأي أنفسهم، فالعلم إذن إليكم تأتون منه ما شئتم وتدعون ما شئتم.
وقال في كتاب القديم: رواية الزعفراني في مسألة بيع المدين في جواب من قال له: إن بعض أصحابك قال خلاف هذا، قال الشافعي: فقلت له من تبع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وافقته، ومن غلط فتركها خالفته صاحبي الذي لا أفارقه اللازم الثابت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن بعد، والذي أفارقه من لم يقل بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن قرب. ا. هـ.
وقال العارف الشعراني قدس سره في مقدمة الميزان: "روى الحاكم، والبيهقي عن الإمام الشافعي أنه كان يقول: إذا صح الحديث فهو مذهبي. قال ابن حزم: أي صح عنده أو عند غيره من الأئمة. وفي رواية أخرى: إذا رأيتم كلامي يخالف كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعملوا بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم واضربوا بكلامي عرض الحائط. وقال مرة للربيع: يا أبا إسحاق! لا تقلدني في كل ما أقول وانظر في ذلك لنفسك، فإنه دين. وكان رضي الله عنه إذا توقف في حديث يقول: لو صح ذلك لقلنا به، وروى البيهقي عنه ذلك في باب حديث المستحاضة تغسل عنها أثر الدم وتصلي ثم تتوضأ لكل صلاة وقال: لو صح هذا الحديث لقلنا به، وكان أحب إلينا من القياس على سنة محمد في الوضوء مما خرج من قبل أو دبر. ا. هـ. وكان يقول إذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي شيء لم يحل لنا تركه.
وقال في باب: "سهم البراذين": "لو كنا نثبت مثل هذا الحديث ما خالفناه؛ وفي رواية أخرى: لو كنا ثبت مثل هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم لأخذنا به فإنه أولى الأمور بنا، ولا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كثروا ولا في قياس ولا شيء إلا طاعة الله ورسوله بالتسليم له. ذكره البيهقي في سننه في باب: "أحد الزوجين يموت ولم يفرض صداقًا" وروى عنه أيضًا في باب السير أنه كان يقول: إن كان هذا الحديث
يثبت فلا حجة لأحد معه. وكان رضي الله عنه يقول: رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل في أعيننا من أن نحب غير ما قضى به. وقال الشافعي في باب الصيد من الأم: "كل شيء خالف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سقط، ولا يقوم معه رأي ولا قياس فإن الله تعالى قطع العذر بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس لأحد معه أمر، ولا نهى غير ما أمر هو به، وقال في باب: "المعلم يأكل من الصيد": وإذا ثبت الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل تركه أبدًا وقال في باب العتق من الأم: "وليس في قول أحد وإن كانوا عددًا مع النبي حجة".
قال الشعراني: "هذا ما اطلعت عليه من المواضع التي نقلت عن الإمام الشافعي في تبرئة من الرأي، وأدبه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بل روينا عنه أنه كان يتأدب مع أقوال الصحابة والتابعين فضلًا عن كلام سيد المرسلين فنقل ابن الصلاح في علوم الحديث أن الشافعي قال في رسالته القديمة بعد أن أثنى على الصحابة بما هم أهله والصحابة رضي الله عنهم فوقنا في كل علم واجتهاد وورع وعقل وفي كل أمر استدرك به علم وآراؤهم لنا أحمد وأولى من رأينا عندنا لأنفسنا". ا. هـ.
قال الشيخ الأكبر قدس الله سره في فتوحاته المكية، في فصل صلاة الكسوف:"فإن أخطأ المجتهد فهو بمنزلة الكسوف الذي في غيبة المكسوف، فلا وزر عليه وهو مأجور وإن ظهر له النص، وتركه لرأية أو لقياسه فلا عذر له عند الله، وهو مأثور وهو الكسوف الظاهر الذي يكون له الأثر المقرر عند علماء هذا الشأن، وأكثر ما يكون هذا في الفقهاء المقلدين لمن قالوا لهم لا تقلدونا، واتبعوا الحديث إذا وصل إليكم المعارض لكلامنا فإن الحديث مذهبنا، وإن كنا لا نحكم بشيء إلا بدليل يظهر لنا في نظرنا أنه دليل، وما يلزمنا غير ذلك، ولكن ما يلزمكم اتباعنا ولكن يلزمكم سؤالنا، وفي كل وقت في النازلة الواحدة قد يتغير الحكم عند المجتهدين، ولهذا كان يقول مالك إذا سئل في نازلة هل وقعت فإن قيل لا يقول لا أفتي وإن قيل نعم أفتى بذلك الوقت بما أعطاه دليله فأبت المقلدة من الفقهاء أن توفي حقيقة تقليدها لإمامها باتباعها الحديث عن أمر إمامها، وقلدته في الحكم مع وجود المعارض، فعصت الله في قوله: "وما آتاكم الرسول فخذوه" وعصت الرسول في قوله: "فاتبعون" وعصت إمامها في قوله: "خذوا بالحديث إذا بلغكم، واضربوا بكلامي الحائط". فهؤلاء الفقهاء في كسوف دائم سرمد عليهم إلى يوم القيامة فيتبرأ منهم الله ورسوله، والأئمة فانظر مع من يحشر مثل هؤلاء" انتهى كلام الشيخ الأكبر قدس سره بحروفه.