الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2-
قاعدة المحققين في مسائل الدين وعلماء الفرق:
قال المحقق ابن القيم رحمه الله في كتابه طريق الهجرتين: "إن عادتنا في مسائل الدين كلها، دقها وجلها، أن نقول بموجبها، ولا نضرب بعضها ببعض، ولا نتعصب لطائفة على طائفة بل نوافق كل طائفة على ما معها من الحق، ونخالفها فيما معها من خلاف الحق لا نستثني من ذلك طائفة ولا مقالة، ونرجو من الله أن نحيا على ذلك ونموت عليه، ونلقى الله به ولا قوة إلا بالله". ا. هـ.
وقال حكيم مصره بل عصره الشيخ محمد عبده مفتي مصر، في كتاب الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية في مبحث:"سماحة الإسلام" ما لفظه: "آخذ بيد القارئ الآن وأرجع به إلى ما مضى من الزمان، وأقف به وقفه بين يدي خلفاء بني أمية والأئمة من بني العباس ووزرائهم والفقهاء والمتكلون والمحدثون والأئمة المجتهدون من حولهم، والأدباء والمؤرخون والأطباء والفلكيون والرياضيون والجغرافيون والطبيعيون، وسائر أهل النظر من كل قبيل مطيفون بهم، وكل مقبل على عمله فإذا فرغ عامل من العمل أقبل على أخيه ووضع يده في يده يصافح الفقية المتكلم والمحدث الطبيب والمجتهد الرياضي والحكم، وكل يرى في صاحبه عونًا على ما يشتغل هو به، وهكذا أدخُلُ به بيتًا من بيوت العلم فأجد جميع هؤلاء سواء في ذلك البيت يتحادثون ويتباحثون، والإمام البخاري حافظ السنة بين يدي الحسن البصري شيخ السنة من التابعين يتلقى عنه، وقد سئل الحسن عنه فقال للسائل: "لقد سألت عن رجل كأن الملائكة أدبته، وكأن الأنبياء ربته إن قام بأمر قعد به، وإن قعد بأمر قام به وإن أمر بشيء كان ألزم الناس له، وإن نهى عن شيء كان أترك الناس له ما رأيت ظاهرًا أشبه بباطن منه، ولا باطنًا أشبه بظاهر منه" بل أرفع بصري فأجد الإمام أبا حنيفة أمام الإمام زيد بن علي صاحب مذهب الزيدية من الشيعة يتعلم منه أصول العقائد والفقه، ولا يجد أحدهم من الأخر إلا ما يجد
صاحب الرأي في حادثة ممن ينازعه فيه اجتهادًا في بيان المصلحة، وهما من أهل بيت واحد أمر به بين تلك الصفوف التي كانت تختلف وجهتها في الطلب وغايتها واحدة، وهي العلم، وعقيدة كل واحد منهم أن:"فكر ساعة خير من عبادة ستين سنة"1 كما ورد في بعض الأحاديث.
ثم قال: الخلفاء أئمة في الدين مجتهدون، وبأيديهم القوة، وتحت أمرهم الجيش، والفقهاء والمحدثون والمتكلمون والأئمة المجتهدون الآخرون، هم قادة أهل الدين ومن جند الخلفاء الدين في قوته والعقيدة في أوج سلطانها، وسائر العلماء ممن ذكرنا بعدهم يتمتعون في أكنافهم بالخير والسعادة ورفه العيش وحرية الفكر، لا فرق في ذلك بين من كان من دينهم، ومن كان من دين آخر فهناك يشير القارئ المنصف إلى أولئك المسلمين، وأنصار ذلك الدين، ويقول ها هنا يطلق اسم التسامح مع العلم في حقيقته ها هنا يوصف الدين بالكرم، والحلم ها هنا يعرف كيف يتفق الدين مع المدينة عن هؤلاء العلماء الحكماء تؤخذ فنون الحرية في النظر، ومنهم تهبط روح المسألة بين العقل الوجدان أو بين العقل والقلب، كما يقولون يرى القارئ أنه لم يكن جلاد بين العلم والدين، وإنما كان بين الله أهل العلم بين أهل الدين شيء من التخالف في الآراء شأن الأحرار في الأفكار لا الذين أطلقوا من غل التقليد، وعوفوا من علة التقليد، ولم يكن يجري فيما بينهم اللمز والتنابر بالألقاب، فلا يقول أحد منهم لآخر إنه زنديق أو كافر أو مبتدع أو ما يشبه ذلك، ولا تتناول أحدًا منهم يدٌ بأذى إلا إذا خرج عن نظام الجماعة، وطلب الإجلال بأمن العامة فكان كالعضو المجذم فيقطع ليذهب ضرره عن البدن كله.
ثم قال بعد ذلك تحت عنوان: "ملازمة العلم للدين، وعدوى التعصب في المسلمين" ما صورته "متى ولع المسلمون بالتكفير والتفسيق، ورمى زيد بأنه زنديق؟ أشرنا فيما سبق إلى مبدأ هذا المرض، ونقول الآن: إن ذلك بدأ فيهم عندما بدأ الضعف في الدين يظهر بينهم وأكلت الفتن أهل البصيرة من أهله -تلك الفتن التي كان يثيرها أعداء الدين في الشرق، وفي الغرب لخفض سلطانه وتوهين أركانه- وتصدر للقول في الدين برأيه من لم تمتزج روحه
1 أخرجه أبو الشيخ في العظمة عن أبي هريرة ورمز له السيوطي بالضعف.