الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2-
فضل راوي الحديث:
كفى خادم الحديث فضلًا دخوله في دعوته صلى الله عليه وسلم حيث قال: "نضر الله امرأ سمع مقالتي، فحفظها ووعاها وأداها". رواه الشافعي والبيهقي عن ابن مسعود، وأخرجه أبو داود والترمذي بلفظ:"نضر الله امرأ سمع منا شيئًا فبلغه كما سمعه فرب مبلغ أوعى من سامع". قال الترمذي: "حسن صحيح" وعن زيد بن ثابت، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "نضر الله المرء سمع منا حديثًا فبلغه غيره، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه". رواه أبو داود والترمذي وحسنه، والنسائي وابن ماجه بزيادة وعن أنس بن مالك قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمسجد الخيف من منى فقال:"نضر الله امرأ سمع مقالتي فحفظها ووعاها وبلغها من لم يسمعها الحديث" رواه الطبراني وروى نحوه الإمام أحمد وغيره عن جبير بن مطعم.
قال سفيان بن عيينة: "ليس من أهل الحديث أحد إلا وفي وجهه نضرة لهذا الحديث".
وقال صلى الله عليه وسلم: "اللهم أرحم خلفائي" قيل: ومن خلفاؤك؟ قال: "الذين يأتون من بعدي يروون أحاديثي، ويعلمونها الناس". رواه الطبراني وغيره.
وكأن تلقيب المحدث بأمير المؤمنين مأخوذ من هذا الحديث، وقد لقب به جماعة منهم سفيان وابن راهويه والبخاري وغيرهم. وقد قيل في قوله تعالى:
{يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} 1 ليس لأهل الحديث منقبة أشرف من ذلك لأنه لا إمام لهم غيره صلى الله عليه وسلم. كذا في التدريب2 وعن أسامة بن زيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين". ورواه من الصحابة غير واحد أخرجه ابن عدي، والدارقطني وأبو نعيم.
1 سورة الإسراء آية 71.
2 ص170 القاهرة المطبعة الخيرية 1307هـ.
وتعدد طرقه يقضي بحسنه كما جزم به العلائي. وفيه تخصيص حملة السنة بهذه المنقبة العلية، وتعظيم لهذه الأمة المحمدية، وبيان لجلالة قدر المحدثين وعلو مرتبتهم في العالمين؛ لأنهم يحمون مشارع الشريعة ومتون الروايات من تحريف الغالين وتأويل الجاهلين، بنقل النصوص المحكمة لرد المتشابه إليها.
وقال النووي رحمه الله تعالى في أول تهذيبه: "هذا إخبار منه صلى الله عليه وسلم بصيانة هذا العلم وحفظه، وعدالة ناقليه. وإن الله يوفق له في كل عصر خلفا من العدول يحمونه وينفون عنه التحريف، فلا يضيع". وهذا تصريح بعدالة حامليه في كل عصر. وهكذا وقع ولله الحمد، وهو من أعلام النبوة، ولا يضر كون بعض الفساق يعرف شيئًا من علم الحديث إنما هو إخبار بأن العدول يحملونه لا أن غيرهم لا يعرف شيئًا منه.
ومن شرف علم الحديث ما رويناه من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليَّ صلاة". قال الترمذي: "حسن غريب" وقال ابن حبان في صحيحه: "في هذا الحديث بيان صحيح على أن أولى الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم في القيامة أصحاب الحديث إذ ليس من هذه الأمة قوم أكثر صلاة عليه منهم".
وقال أبو نعيم: هذه منقبة شريفة يختص بها رواة الآثار ونقلتها لأنه لا يعرف لعصابة من العلماء من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما يعرف لهذه العصابة.
وكان الإمام الشافعي رحمه الله تعالى يقول: لولا أهل المحابر لخطبت الزنادقة على المنابر.
وقال أيضًا: "أهل الحديث في كل زمان كالصحابة في زمانهم".
وقال أيضًا: "إذا رأيت صاحب حديث فكأني رأيت أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وكان أحمد بن سريج يقول: "أهل الحديث أعظم درجة من الفقهاء لاعتنائهم بضبط الأصول".
وكان أبو بكر بن عياش يقول: "أهل الحديث في كل زمان؛ كأهل الإسلام مع أهل الأديان".
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "سيأتي قوم يجادلونكم بشبهات القرآن، فخذوهم بالسنن، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله عز وجل" نقله الشعراني في مقدمة ميزانه1.
وقال الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي قدس الله سره في فتوحاته في الباب الثالث عشر وثلاثمائة2 وللورثة حظ من الرسالة ولهذا قيل في معاذ وغيره: "رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم" وما فاز بهذه الرتبة ويحشر يوم القيامة مع الرسل إلا المحدثون الذين يروون الأحاديث بالأسانيد المتصلة بالرسول عليه السلام في كل أمة فلهم حظ في الرسالة وهم نقلة الوحي وهم ورثة الأنبياء في التبليغ والفقهاء إذا لم يكن لهم نصيب في رواية الحديث فليست لهم هذه الدرجة ولا يحشرون مع الرسل بل يحشرون في عامة الناس ولا ينطلق اسم العلماء إلا على أهل الحديث وهم الأئمة على الحقيقة".
"وكذلك الزهاد والعباد وأهل الآخرة، ومن لم يكن من أهل الحديث منهم كان حكمه حكم الفقهاء لا يتميزون في الورثة ولا يحشرون مع الرسل بل يحشرون مع عموم الناس ويتميزون عنهم بأعمالهم الصالحة لا غير كما أن الفقهاء أهل الاجتهاد يتميزون بعلمهم عن العامة". ا. هـ.
1 ص62 القاهرة، المطبعة الكستلية، 1279هـ.
2 ص65، ج3 القاهرة، المطبعة الأميرية 1293هـ.