الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
17-
بيان إمرار السلف الأحاديث على ظاهرها:
قال العارف الشعراني في ميزانه: "كان الإمام الشافعي يقول الحديث على ظاهره، لكنه إذا احتمل عدة معان، فأولاها ما وافق الظاهر". ا. هـ.
وقال قدس سره أيضًا: "وقد كان السلف الصالح من الصحابة والتابعين يقدرون على القياس، ولكنهم تركوا ذلك أدبًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن هنا قال سفيان الثوري: من الأدب إجراء الأحاديث التي خرجت مخرج الزجر، والتنفير على ظاهرها من غير تأويل فإنها إذا أولت خرجت عن مراد الشارع كحديث: "من غشنا فليس منا" 1 وحديث: "ليس منا من تَطير أو تُطير له" 2وحديث: "ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية" 3 فإن العالم إذا أولها بأن المراد: "ليس منا" في تلك الخصلة فقط أي وهو منا في غيرها هان على الفاسق الوقوع فيها وقال مثل المخالفة في خصلة واحدة أمر سهل فكان أدب السلف الصالح بعدم التأويل أولى بالاتباع للشارع وإن كان قواعد الشريعة قد تشهد أيضًا لذلك التأويل". ا. هـ.
وهكذا مذهب السلف في الصفات. قال الحافظ شمس الدين الذهبي الشافعي الدمشقي
1 أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة.
2 أخرجه الطبراني من حديث عمران بن حصين
3 متفق عليه من حديث ابن مسعود وغيره.
رحمه الله تعالى في كتاب: "العلو": "قال الإمام العلامة حافظ المغرب أبو عمر يوسف بن عبد البر الأندلسي في شرح الموطأ: أهل السنة يجمعون على الإقرار بالصفات الواردة في الكتاب والسنة وحملها على الحقيقة لا على المجاز إلا أنهم لم يكيفوا شيئًا من ذلك، وأما الجهمية والمعتزلة والخوارج فكلهم ينكرها، ولا يحمل منها شيئًا على الحقيقة، ويزعمون أن من أقر بها مشبه، وهم عند من أقر بها نافون للمعبود" قال الحافظ الذهبي صدق، والله فإن من تأول سائر الصفات، وحمل ما ورد منها على مجاز الكلام أداه ذلك السلب إلى تعطيل الرب، وأن يشابه المعدوم كما نقل عن حماد بن زيد أنه قال:"مثل الجهمية كقوم قالوا في دارنا نخلة قيل: ألها سعف؟ قالوا: لا، قيل: فما في داركم نخلة قلت: كذلك هؤلاء النفاة قالوا: إلهنا الله تعالى، وهو لا في زمان ولا مكان، ولا يرى ولا يسمع ولا يبصر ولا يتكلم، ولا يرضى ولا يريد، ولا ولا وقالوا سبحان المنزه عن الصفات بل نقول سبحان الله تعالى العظيم السميع البصير المريد الذي كلم موسى تكليمًا، واتخذ إبراهيم خليلًا، ويرى في الآخرة المتصف بما وصف نفسه ووصفه به رسله المنزه عن سمات المخلوقين، وعن جحد الجاحدين ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير".
ثم قال الذهبي: "وقال عالم العراق أبو يعلى محمد بن الحسين بن الفراء البغدادي الحنبلي في كتاب: "إبطال التأويل" له: لا يجوز رد هذه الأخبار، ولا التشاغل بتأويلها، والواجب حملها على ظاهرها وأنها صفات الله عز وجل لا تشبه بسائر صفات الموصوفين بها من الخلق قال: ويدل على إبطال التأويل أن الصحابة، ومن بعدهم حملوها على ظاهرها، ولم يتعرضوا لتأويلها ولا صرفها عن ظاهرها فلو كان التأويل سائغًا لكانوا إليه أسبق لما فيه من إزالة التشبيه يعني على زعمهم من قال إن ظاهرها تشبيه". قال الذهبي: قلت: المتأخرون من أهل النظر قالوا مقالة مولده ما علمت أحدًا سبقهم بها. قالوا: هذه
الصفات تمر كل جاءت، ولا تؤول مع اعتقاد أن ظاهرها غير مراد. فتفرع من هذا أن الظاهر يعين به أمران:
"أحدهما: أنه لا تأويل لها غير دلالة الخطاب، كما قال السلف: الاستواء معلوم؛ وكما قال سفيان وغيره: قراءتها تفسيرها، يعني أنها بينة واضحة في اللغة لا يُبتغى بها مضايق التأويل والتحريف، وهذا هو مذهب السلف مع اتفاقهم أيضًا أنها لا تشبه صفات البشر بوجه، إذ الباري لا مثل له لا في ذاته، ولا في صفاته".
"الثاني: أن ظاهرها هو الذي يتشكل في الخيال من الصفة، كما يتشكل في الذهن من وصف البشر. فهذا غير مراد، فإن الله تعالى فرد صمد ليس له نظير، وإن تعددت صفاته فإنها حق ولكن ما لها مثل ولا نظير فمن ذا الذي عانيه ونعته لنا، ومن ذا الذي يستطيع أن ينعت لنا كيف سمع كلامه؟ والله إنا لعاجزون كالون حائرون باهتون في حد الروح التي فينا وكيف تعرج كل ليلة إذا توفاها بارئها وكيف يرسلها وكيف تستقل بعد الموت، وكيف حياة الشهيد المرزوق عند ربه بعد قتله، وكيف حياة النبيين الآن، وكيف شاهد النبي صلى الله عليه وسلم أخاه موسى يصلي في قبره قائمًا ثم رآه في السماء السادسة، وحاوره وأشار عليه بمراجعة رب العالمين، وطلب التخفيف منه على أمته، وكيف ناظر موسى أباه آدم، وحجه آدم بالقدر السابق وكذلك نعجز عن، وصف هيئتنا في الجنة ووصف الحور العين فكيف بنا إذا انتقلنا إلى الملائكة وذواتهم وكيفيتها وأن بعضهم يمكنه أن يلتقم الدنيا في لقمة مع رونقهم، وحسنهم وصفاء جوهرهم النوراني فالله أعلى، وأعظم له المثل الأعلى والكمال المطلق ولا مثل له أصلًا آمنا بالله واشهد بأننا مسلمون". ا. هـ.
ثم قال الذهبي: "قال الإمام الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي: أما الكلام في كل لصفات: فأما ما روى منها في السنن الصحاح، فمذهب السلف إثباتها وإجراؤها على ظواهرها نفى الكيفية والتشبيه عنها. ثم قال: والمراد بظاهرها أنه لا باطن لألفاظ الكتاب السنة غير ما وضعت له كما قال مالك وغيره: "الاستواء معلوم" وكذلك القول في السمع والبصر والعلم، والكلام والإرادة والوجه ونحو ذلك. هذه الأشياء معلومة فلا تحتاج إلى بيان وتفسير، لكن الكيف في جميعها مجهول عندنا. وقد نقل الذهبي في كتابه المذكور هذا المذهب عن مائة وخمسين إمامًا بدأ منهم بأبي حنيفة رضي الله عنهم وختم بالقرطبي فانظره.