الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
11-
التحذير من التعسف في رد الأحاديث إلى المذاهب:
قال العلامة المحقق المقري في قواعده: "لا يجوز اتباع ظاهر نص الإمام مع مخالفته لأصول الشريعة عند حذاق الشيوخ. قال الباجي: لا أعلم قولًا أشد خلافًا على مالك من أهل الأندلس، لأن مالكًا لا يجوز تقليد الرواة عنه عند مخالفتهم الأصول، وهم لا يعتمدون على ذلك". ا. هـ.
وقال أيضًا: قاعدة: لا يجوز رد الأحاديث إلى المذاهب على وجه ينقص من بهجتها، ويذهب بالثقة بظاهرها فإن ذلك فساد لها وحط من منزلتها لا أصلح الله المذاهب لفسادها ولا رفعها يخفض درجاتها فكل كلام يؤخذ منه ويرد إلا ما صح لنا عن محمد بل لا يجوز الرد مطلقا؛ لأن الواجب أن ترد المذاهب إليها كما قال الشافعي، وغيره لا أن ترد هي إلى المذاهب كما تسامح فيه بعض الحنفية خصوصًا والناس عمومًا؛ إذ ظاهرها حجة على من خالفها حتى يأتي بما يقاومها فنطلب الجمع مطلقًا ومن وجه على وجه لا يصير الحجة أجحية، ولا يخرجها عن طرق الخاطبات العامة التي انبنى عليها الشرع، ولا يخل بطرق البلاغة والفصاحة التي جرت من صاحبه مجرى الطبع فإن لم يوجد طلب التاريخ للنسخ فإن لم يكن طلب الترجيح، ولو بالأصل وإلا تساقطا في حكم المناظرة، وسلم لكل ما عنده ووجب الوقف والتخيير في حكم الانتقال، وجاز الانتقال على الأصح. ثم قال:
قاعدة: لا يجوز التعصب إلى المذاهب بالانتصاب للانتصار بوضع الحجاج، وتقريبها على الطرق الجدلية مع اعتقاد الخطأ والمرجوحية عند المجيب، كما يفعله أهل الخلاف إلا على وجه التدريب على نصب الأدلة والتعليم لسلوك الطريق بعد بيان ما هو الحق، فالحق أعلى من أن يُعلى وأغلب من أن يغلب، وذلك أن كل من يهتدي لنصب الأدلة، وتقرير الحجاج لا يرى الحق أبدًا في جهة رجل قطعًا ثم إنا لا نرى منصفًا في الخلاف ينتصر لغير مذهب صاحبه مع علمنا برؤية الحق في بعض آراء مخالفيه، وهذا تعظيم للمقلدين بتحقير الدين وإيثار للهوى على الهدى، ولم يتبع الحق أهواءهم، ولله در علي رضي الله عنه أي بحر علم ضم جنباه إذ قال لكميل بن زياد لما قال له أترانا نعتقد أنك على الحق وأن طلحة والزبير على الباطل:"اعرف الرجال بالحق، ولا تعرف الحق بالرجال اعرف الحق تعرف أهله"، وما أحسن قول أرسطو لما خالف أستاذه أفلاطون:"تخاصم الحق، وأفلاطون وكلاهما صديق لي، والحق أصدق منه" وقال الشيخ أحمد زروق في
عمدة المريد الصادق ما نصه: "قال أبو إسحاق الشاطبي كل ما عمل به المتصوفة المعتبرون في هذا الشأن -يعني كالجنيد وأمثاله- لا يخلو إما أن يكون مما ثبت له أصل في الشريعة فهم خلفاؤه، كما أن السلف من الصحابة والتابعين خلفاء بذلك، وإن لم يكن له أصل في الشريعة فلا أعمل عليه لأن السنة حجة على جميع الأمة، وليس عمل أحد من الأمة حجة على السنة، ولأن السنة معصومة عن الخطأ، وصاحبها معصوم وسائر الأمة لم تثبت لهم العصمة إلا مع إجماعهم خاصة وإذا أجمعوا تضمن إجماعهم دليلًا شرعيًّا والصوفية والمجتهدون كغيرهم ممن لم يثبت لهم العصمة، ويجوز عليهم الخطأ والنسيان والمعصية كبيرها وصغيرها والبدعة محرمها ومكروهها، ولذا قال العلماء: كل كلام منه مأخوذ ومنه متروك إلا ما كان من كلامه عليه الصلاة والسلام قال: وقد قرر ذلك القشيري رحمه الله تعالى أحسن تقرير فقال: فإن قيل فهل يكون الولي معصومًا قيل أما وجوبًا كما يكون للأنبياء فلا، وأما أن يكون محفوظًا حتى لا يصر على الذنوب، وإن حصلت منهيات أو زلات في أوقات فلا يمنع في وصفهم قال: ولقد قيل للجنيد رحمه الله: "العارف يزني؟ " فأطرق مليًّا ثم رفع رأسه وقال: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} وقال: فهذا كلام منصف فكما يجوز على غيرهم المعاصي بالابتداع وغير ذلك يجوز عليهم البدع، فالواجب علينا أن نقف مع الاقتداء به إشكال، بل يعرض ما جاء عن الأئمة على الكتاب والسنة فما قبلاه قبلناه، وما لم يقبلاه تركناه وما عملنا به إذا قام الدليل على اتباع الشارع، ولم يقم لنا الدليل على اتباع أقوال الفقهاء والصوفية، وأعمالهم إلا بعد عرضها، وبذلك رضي شيوخهم علينا وإن جاء به صاحب الوجد والذوق من العلوم والأحوال والفهوم يعرض على الكتاب والسنة فإن قبلاه صح وإلا لم يصح، قال ثم نقول ثانيًا إن نظرنا في رسومهم التي حددوها وأعمالهم التي امتازوا بها عن غيرهم بحسب تحسين الظن، والتماس أحسن المخارج ولم نعرف له مخرجًا فالواجب التوقف عن الاقتداء، وإن كانوا في جنس من يقتدي بهم لا ردا له، ولا اعتراضًا عليه بل لأن لم نفهم وجه
رجوعه إلى القواعد الشرعية كما فهمنا غيره. ثم قال بعد كلام: فوجب بحسب الجريان على آرائهم في سلوك أن لا يُعمل بما رسموه، بما فيه معارضة بأدلة الشرع، ونكون في ذلك متبعين لآثارهم مهتدين بأنوارهم خلافًا لمن يعرض عن الأدلة ويجمد على تقليدهم فيه فيما لا يصح تقليدهم على مذهبهم فالأدلة الشرعية، والأنظار الفقهية، والرسوم الصوفية تذمه، وترده وتحمد من تحرى واحتاط وتوقف عند الاشتباه، واستبرأ لدينه وعرضه، وهو من مكنون العلم وبالله التوفيق. ا. هـ.
وقال شمس الدين ابن القيم في كتاب: "الروح": "اعلم أنه لا يعترض على الأدلة من الكتاب والسنة بخلاف المخالف، فإن هذا عكس طريقة أهل العلم، فإن الأدلة هي التي تبطل ما خالفها من الأقوال، ويعترض بها على خالف موجبها فتقدم على كل قول اقتضى خلافها لا أن أقوال المجتهدين تعارض بها الأدلة، وتبطل بمقتضاها وتعدم عليها". ا. هـ.
وقال رحمه الله أيضًا في الكتاب المذكور: "الفرق بين الحكم المنزل الواجب الاتباع، والحكم المؤول الذي غايته أن يكون جائز الاتباع أن الحكم المنزل هو الذي أنزله الله عز وجل على رسوله وحكم به بين عبادة وهو الحكم الذي لا حكم له سواه، وأما الحكم المؤول فهو أقوال المجتهدين المختلفة التي لا يجب اتباعها، ولا يكفر ولا يفسق من خالفها فإن أصحابها لم يقولوا هذا حكم الله ورسوله، بل قالوا اجتهدنا رأنا فمن شاء قبله، ومن شاء لم يقبله، قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: هذا رأي فمن جاءنا بخير منه قبلناه، ولو كان هو حكم الله لما ساغ لأبي يوسف ومحمد مخالفتهما فيه وكذلك مالك استشاره الرشيد أن يحمل الناس على ما في: "الموطأ" فمنعه مالك، وقال: قد تفرق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في البلاد وصار عند كل قوم علم غير ما عند الآخرين، وهكذا الشافعي ينهى أصحابه عن تقليده بترك قوله إذا جاء الحديث بخلافه، وهذا الإمام أحمد ينكر على من كتب فتاوية ودونها ويقول: لا تقلدوني ولا تقلد فلانًا ولا فلانًا وخذ من حيث أخذوا ولو علموا رضي الله تعالى