المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ قاعدة الإمام الشافعي رحمه الله في مختلف الحديث: - قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث

[جمال الدين القاسمي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات:

- ‌خطبة الكتاب:

- ‌الباب الأول: في التنويه بشأن الحديث وفيه مطالب

- ‌ شرف علم الحديث:

- ‌ فضل راوي الحديث:

- ‌ الأمر النبوي برواية الحديث وإسماعه:

- ‌ حث السلف على الحديث:

- ‌ إجلال الحديث وتعظيمه والرهبة من الزيغ عنه:

- ‌ فضل المحامي عن الحديث والمحيي للسنة:

- ‌ أجر المتمسك بالسنة إذا اتبعت الأهواء وأوثرت الدنيا:

- ‌ بيان أن الوقيعة في أهل الأثر من علامات أهل البدع:

- ‌ ما روي أن الحديث من الوحي:

- ‌ أيادي المحدثين البيضاء على الأمة وشكر مساعيهم:

- ‌الباب الثاني: في معنى الحديث وفيه مباحث

- ‌ماهية الحديث والخبر والأثر

- ‌ بيان الحديث القدسي:

- ‌ ذكر أول من دون الحديث:

- ‌ بيان أكثر الصحابة حديثا وفتوى:

- ‌ ذكر صدور التابعين في الحديث وألفتيا:

- ‌الباب الثالث: في بيان علم الحديث؛ وفيه مسائل

- ‌ ماهية علم الحديث؛ رواية ودراية وموضوعه وغايته:

- ‌ المقصود من علم الحديث:

- ‌ حد المسند والمحدث والحافظ:

- ‌الباب الرابع: في معرفة أنواع الحديث وفيه مقاصد

- ‌ بيان المجموع من أنواعه:

- ‌ بيان الصحيح:

- ‌بيان الصحيح لذاته والصحيح لغيره

- ‌ تفاوت رتب الصحيح:

- ‌ أثبت البلاد في الحديث الصحيح في عهد السلف:

- ‌ أقسام الصحيح:

- ‌ معنى قولهم أصح شيء في الباب كذا:

- ‌ أول من دون الصحيح:

- ‌ بيان أن الصحيح لم يستوعب في مصنف:

- ‌ بيان أن الأصول الخمسة لم يفتها من الصحيح إلا اليسير:

- ‌ ذكر من صنف في أصح الأحاديث:

- ‌بيان الثمرات المجتناة من شجرة الحديث المباركة

- ‌ بيان الحديث الحسن ذكر ماهيته:

- ‌ بيان الحسن لذاته ولغيره:

- ‌ ترقي الحسن لذاته إلى الصحيح بتعدد طرقه:

- ‌ بيان أول من شهر الحسن:

- ‌ معنى قول الترمذي: "حسن صحيح

- ‌ الجواب عن جمع الترمذي بين الحسن والغرابة على اصطلاحه:

- ‌ مناقشة الترمذي في بعض ما يصححه أو يحسنه:

- ‌ بيان أن الحسن على مراتب:

- ‌ بيان كون الحسن حجة في الأحكام:

- ‌ قبول زيادة راوي الصحيح والحسن:

- ‌بيان ألقاب للحديث تشمل الصحيح والحسن وهي الجيد والقوى والصالح والمعروف والمحفوظ والمجود والثابت والمقبول

- ‌ بيان الضعيف ماهية الضعيف وأقسامه:

- ‌ تفاوت الضعيف:

- ‌ بحث الضعيف إذا تعددت طرقه:

- ‌ذكر قول مسلم رحمه الله إن السراوى عن الضعفاء غاش آثم جاهل

- ‌ تشنيع الإمام مسلم على رواة الأحاديث الضعيفة والمنكرة وقذفهم بها إلى العوام، وإيجابه رواية ما عرفت صحة مخارجه:

- ‌ تحذير الإمام مسلم من روايات القصاص والصالحين:

- ‌ ذكر المذاهب في الأخذ بالضعيف واعتماد العمل به في الفضائل:

- ‌ الجواب عن رواية بعض كبار الأئمة عن الضعفاء:

- ‌ ما شرطه المحققون لقبول الضعيف:

- ‌تزييف درع الموسوسين في المتفق على ضعفه

- ‌ ترجيح الضعيف على رأي الرجال:

- ‌ بحث الدواني في الضعيف:

- ‌ مسائل تتعلق بالضعيف:

- ‌ ذكر أنواع تشترك في الصحيح والحسن والضعيف:

- ‌ ذكر أنواع تختص بالضعيف:

- ‌ ذكر مناقشة الفريق الأول لما ذكره أهل المذهب الثاني:

- ‌ ذكر المذهب الثالث في المرسل ممن اعتدل في شأنه وفصل فيه:

- ‌ بيان أكثر من تُروى عنهم المراسيل والموازنة بينهم:

- ‌ ذكر مرسل الصحابة:

- ‌ مراتب المرسل:

- ‌ بحث قول الصحابي من السنة كذا وقوله أمرنا بكذا ونهينا عن كذا:

- ‌ الكلام على الخبر المتواتر وخبر الآحاد:

- ‌ بيان أن خبر الواحد الثقة حجة يلزم به العمل:

- ‌ الكلام على الحديث الموضوع وفيه مباحث:

- ‌الباب الخامس: في الجرح والتعديل وفيه مسائل

- ‌ بيان طبقات السلف في ذلك:

- ‌ بيان أن جرح الضعفاء من النصيحة:

- ‌ بحث تعارض الجرح والتعديل:

- ‌ بيان أن تجريح بعض رجال الصحيحين لا يعبأ به:

- ‌ الناقلون المبدعون:

- ‌ الناقلون المجهولون:

- ‌ قول الراوي حدثني الثقة أو من لا يتهم هل هو تعديل له

- ‌ما وقع في الصحيحين وغيرهما من نحو: اين فلان، أو ولد فلان

- ‌ قولهم: عن فلان أو فلان وهما عدلان

- ‌ من لم يذكر في الصحيحين أو أحدهما لا يلزم منه جرحه:

- ‌ اقتصار البخاري على رواية من روايات إشارة إلى نقد في غيرها:

- ‌ ترك رواية البخاري لحديث لا يوهنه:

- ‌ بيان أن من روى له حديث في الصحيح لا يلزم صحة جميع حديثه:

- ‌ما كان من روى المناكير ضعيف

- ‌ متى يترك حديث المتكلم فيه:

- ‌ جواز ذكر الراوي بلقبه الذي يكرهه للتعريف وأنه ليس بغيبة له:

- ‌ الاعتماد في جرح الرواة وتعديلهم على الكتب المصنفة في ذلك:

- ‌ بيان عدالة الصحابة أجمعين:

- ‌بيان معنى الصحابي

- ‌ تفاضل الصحابة:

- ‌الباب السادس: في الإسناد؛ وفيه مباحث

- ‌ فضل الإسناد:

- ‌ معنى السند والإسناد والمسند والمتن:

- ‌ أقسام تحمل الحديث:

- ‌بحث وحيز في الإجازة، ومعنى قولهم: أجزت له كذا بشرطه

- ‌ أقدم إجازة عثرت عليها:

- ‌ هل قول المحدث حدثنا وأخبرنا وأنبأنا بمعنى واحد أم لا

- ‌ قول المحدث وبه قال حدثنا:

- ‌ الرمز بـ: "ثنا" و"نا" و"أنا" و"ح

- ‌ عادة المحدثين في قراءة الإسناد:

- ‌ الإتيان بصيغة الجزم في الحديث الصحيح والحسن دون الضعيف:

- ‌ متى يقول الراوي "أو كما قال

- ‌السر في تفرقة البخارى بين قوله: حديثا فلان، وقال لى فلان

- ‌ سر قولهم في خلال ذكر الرجال: يعني ابن فلان أو هو ابن فلان:

- ‌ قولهم: دخل حديث بعضهم في بعض:

- ‌ قولهم: "أصح شيء في الباب كذا

- ‌ قولهم: "وفي الباب عن فلان

- ‌ أكثر ما وجد من رواية التابعين بعضهم عن بعض:

- ‌ هل يشترط في رواية الأحاديث السند أم لا:

- ‌ فوائد الأسانيد المجموعة في الأثبات:

- ‌ ثمرة رواية الكتب بالأسانيد في الأعصار المتأخرة:

- ‌ بيان أن تحمل الأخبار على الكيفيات المعروفة من ملح العلم لا من صلبه وكذا استخراج الحديث من طرق كثيرة:

- ‌ توسع الحفاظ رحمهم الله تعالى في طبقات السماع:

- ‌ بيان الفرق بين المخرج "اسم فاعل" والمخرج "اسم مكان

- ‌ سر ذكر الصحابي في الأثر ومخرجه من المحدثين:

- ‌الباب السابع: في أحوال الرواية؛ وفيه مباحث:

- ‌ رواية الحديث بالمعنى:

- ‌ جواز رواية بعض الحديث بشروطه:

- ‌ سر تكرار الحديث في الجوامع والسنن والمسانيد:

- ‌5- ذكر الخلاف في الاستشهاد بالحديث على اللغة والنحو وكذلك بكلام الصحابة وآل البيت رضي الله عنهم:

- ‌الباب الثامن: في‌‌ آداب المحدثوطالب الحديث وغير ذلك؛ وفيه مسائل

- ‌ آداب المحدث

- ‌ آداب طالب الحديث:

- ‌ ما يفتقر إليه المحدث:

- ‌ما يستحب للمحدث عند التحديث

- ‌ بيان طرق درس الحديث:

- ‌ أمثلة من لا تقبل روايته ومنهم من يحدث لا من أصل مصحح:

- ‌ الأدب عند ذكره تعالى وذكر رسوله والصحابة والتابعين:

- ‌ الاهتمام بتجويد الحديث:

- ‌الباب التاسع: في كتب الحديث؛ وفيه فوائد

- ‌ بيان طبقات كتب الحديث:

- ‌ بيان الرموز لكتب الحديث على طريقة الحافظ ابن حجر في التدريب:

- ‌ بيان الرموز لكتب الحديث على طريقة السيوطي في الجامع الكبير والجامع الصغير:

- ‌بيان ما اشتمل على الصحيح فقظ أو مع غيره من هذه الكتب المرموز بها

- ‌ الرجوع إلى الأصول الصحيحة

- ‌ إذا كان عند العالم الصحيحان:

- ‌ هل يجوز الاحتجاج في الأحكام بجميع ما في هذه الكتب من غير توقف أم لا? وهل تعذر التصحيح في الأزمان المتأخرة أم لا

- ‌ الاهتمام بمطالعة كتب الحديث:

- ‌ ذكر أرباب الهمة الجليلة في قراءتهم كتب الحديث في أيام قليلة:

- ‌ قراءة البخاري لنازلة الوباء:

- ‌الباب العاشر: في فقه الحديث

- ‌ بيان أقسام ما دون في علم الحديث:

- ‌ بيان كيفية تلقي الأمة الشرع من النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌ بيان أن السنة حجة على جميع الأمة وليس عمل أحد حجة عليها:

- ‌ العمل بالحديث بحسب ما بدا لصاحب الفهم المستقيم:

- ‌ لزوم الإفتاء بلفظ النص مهما أمكن:

- ‌ حرمة الإفتاء بضد لفظ النص:

- ‌ رد ما خالف النص أو الإجماع:

- ‌ تشنيع المتقدمين على من يقول العمل على الفقه لا على الحديث:

- ‌ رد الإمام السندي الحنفي رحمه الله على من يقول ليس لمثلنا أن يفهم الحديث:

- ‌ رد الإمام السندي رحمه الله أيضًا على من يقرأ كتب الحديث لا للعمل:

- ‌ التحذير من التعسف في رد الأحاديث إلى المذاهب:

- ‌الترهيب من عدم توقير الحديث وهجر من يعرض عنه والغضب لله في ذلك

- ‌ما ينفى من قول أحد عند قول النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌ ما يقوله من بلغه حديث كان يعتقد خلافه:

- ‌ما روى عن السلف في الرجوع إلى حديث

- ‌ حق الأدب فيما لم تدرك حقيقة من الأخبار النبوية:

- ‌ بيان إمرار السلف الأحاديث على ظاهرها:

- ‌ قاعدة الإمام الشافعي رحمه الله في مختلف الحديث:

- ‌ فذلكة وجوه الترجيح بين ما ظاهره التعارض:

- ‌ بحث الناسخ والمنسوخ:

- ‌بحث التحيل على إسقاط حكم أو قلبه

- ‌ بيان أسباب اختلاف الصحابة والتابعين في الفروع:

- ‌ بيان أسباب اختلاف مذاهب الفقهاء:

- ‌ بيان الفرق بين أهل الحديث وأصحاب الرأي:

- ‌ بيان حال الناس في الصدر الأول وبعده:

- ‌ فتوى الإمام تقي الدين أبي العباس فيمن تفقه على مذهب:

- ‌ بيان معرفة الحق بالدليل:

- ‌ بيان أن معرفة الشيء ببرهانه طريقة القرآن الكريم:

- ‌ بيان أن من المصالح هذه المذاهب المدونة وفوائد مهمة من أصل التخريج على كلام الفقهاء وغير ذلك:

- ‌ بيان وجوب موالاة الأئمة المجتهدين وأنه إذا وجد لواحد منهم قول صح الحديث بخلافة فلا بد له من عذر في تركة وبيان العذر:

- ‌الخاتمة في فوائد متنوعة يضطر إليها الأثري:

- ‌ سبيل الترقي في علوم الدين:

- ‌ قاعدة المحققين في مسائل الدين وعلماء الفرق:

- ‌ وصية الغزالي في معاملة المتعصب:

- ‌ بيان من يسلم من الأغلاط:

- ‌تتمة في مقصدين:

- ‌فهرس:

الفصل: ‌ قاعدة الإمام الشافعي رحمه الله في مختلف الحديث:

18-

‌ قاعدة الإمام الشافعي رحمه الله في مختلف الحديث:

ساقها ضمن محاورة مع باحث فيما ورد في التغليس بالفجر والإسفار:

قال رضي الله عنه في رسالته في باب: "ما يعد مختلفًا وليس عندنا بمختلف" أخبرنا ابن عيينة عن محمد بن عجلان عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن رافع بن خديج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أسفروا بصلاة الفجر فإن ذلك أعظم للأجر، أو أعظم لأجوركم" قال الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: كنَّ من نساء المؤمنات يصلين مع النبي صلى الله عليه وسلم الصبح ثم ينصرفن وهن متلفعات بمروجهن ما يعرفهن أحد من الغلس قال الشافعي، وذكر تغليس النبي بالفجر سهل بن سعد وزيد بن ثابت وغيرهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شبيهًا بمعنى حديث عائشة قال الشافعي: "قال لي قائل نحن نرى أن يسفر بالفجر اعتمادًا على حديث رافع، ونزعم أن الفضل في ذلك، وأنت ترى جائزًا لنا إذا اختلف الحديثان أن نأخذ بأحدهما، ونحن نعد هذا مخالفًا لحديث عائشة قال الشافعي: فقلت له إن كان مخالفًا لحديث عائشة، فكأن الذي يلزمنا وإياك أن نصير إلى حديث عائشة دونه لأن أصل ما نبني نحن، وأنتم عليه أن الأحاديث إذا اختلفت لم نذهب إلى واحد منها دون غيره إلا بسبب يدل على أن الذي ذهبنا إليه أقوى من الذي تركنا قال: وما ذلك السبب قلت: أن يكون أحد الحديثين أشبه بكتاب الله فإذا أشبه كتاب الله كانت فيه الحجة قال: هكذا نقول، قلت: فإن

ص: 308

لم يكن فيه نص في كتاب الله كان أولاهما بنا الأثبت منهما، وذلك أن يكون من رواه أعرف إسنادًا، وأشهر بالعلم والحفظ له من الإملاء أو يكون روى الحديث الذي ذهبنا إليه من وجهين أو أكثر، والذي تركنا من وجه فيكون الأكثر أولى بالحفظ من الأقل، أو يكون الذي ذهبنا إليه أشبه بمعنى كتاب الله أو أشبه بما سواهما من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولى بما يعرف أهل العلم وأوضح في القياس، والذي عليه الأكثر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: وهكذا نقول ويقول أهل العلم. قلت: فحديث عائشة أشبه بكتاب الله؛ لأن الله عز وجل يقول: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} فإذا حل الوقت فأولى المصلين بالمحافظة المقدم للصلاة. وهو أيضًا أشهر رجل بالفقه وأحفظ ومع حديث عائشة ثلاثة، كلهم يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل معنى حديث عائشة: زيد بن ثابت، وسهل بن سعد؛ والعدد الأكثر أولى بالحفظ والنقل، وهذا أشبه بسنن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث رافع بن خديج قال: وأي سنن قلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أول الوقت رضوان الله وآخره عفوه"1. وهو لا يؤثر على رضوان الله شيئًا والعفو لا يحتمل إلا معنيين عفوًا عن تقصير، أو توسعة، والتوسعة تشبه أن يكون الفضل في غيرها إذ لم يؤمر بترك ذلك لغير التي وسع في خلافها. قال: وما تريد بهذا؟ قلت: إذا لم يؤمر بترك الوقت الأول وكان جائزًا أن يصلي فيه، وفي غيره قبله فالفضل في التقديم والتأخير تقصير موسع، وقد أبان رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما قلنا وسئل: أي الأعمال أفضل؟ قال: "الصلاة في أول وقتها" 2 وهو لا يدع موضع الفضل ولا يأمر الناس إلا به وهو الذي لا يجهله عالم أن تقديم الصلاة في أول وقتها أولي بالفضل لما يعرض للآدميين من الأشغال والنسيان والعلل التي لا تجهلها العقول وهو أشبه بمعنى كتاب الله قال أين هو من الكتاب؟ قلت: قال الله جل ثناؤه: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} ومن قدم الصلاة في أول وقتها كان أولى بالمحافظة عليها ممن أخرها عن

1 أخرجه الدارقطني عن جرير ورمز إليه في الجامع الصغير بالضعف.

2 أخرجه أبو داود والترمذي عن أم فروة.

ص: 309

أول الوقت. وقد رأينا الناس فيما وجب عليهم وفيما تطوعوا به، يؤمرون بتعجيله إذا أمكن، لما يعرض للآدميين من الأشغال والنسيان والعلل التي لا تجهلها العقول، وأن تقديم صلاة الفجر في أول وقتها عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وأبي موسى الأشعري وأنس بن مالك وغيرهم رضي الله عنهم مثبت قال الشافعي: فقال إن أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، دخلوا الصلاة مغلسين وخرجوا منها مسفرين، بإطاله القراءة، فقلت له قد أطالوا القراءة وأوجزوها، والوقت في الدخول لا في الخروج من الصلاة، وكلهم دخل مغلسًا، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم منها مغلسًا فخالفت الذي هو أولى بك أن تصير إليه مما ثبت عن رسول، وخالفتهم فقلت يدخل الداخل منها مسفرًا ويخرج مسفرًا، ويوجز القراءة فخالفتهم في الدخول وما احتججت به، من طول القراءة وفي الأحاديث عن بعضهم أنه خرج منها مغلسًا قال الشافعي: فقلت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حض الناس على تقديم الصلاة وأخبر بالفضل فيها احتمل أن يكون من الراغبين من يقدمها قبل الفجر الآخر فقال: "أسفروا بالفجر" يعني حتى يتبين الفجر الآخر معترضًا، قال أفيحتمل معنى غير ذلك قال: نعم، يحتمل ما قلت؛ وما بين ما قلنا وقلت، وكل معنى يقع عليه اسم الإسفار. قال: فما جعل معناكم أولى من معنانا؟ قلت: بما وصفت لك من الدليل وبأن النبي -صلى الله عليه وسلم1: قال: هما فجران: "فأما الذي كأنه ذنب السرحان فلا يحل شيئا ولا يحرمه وأما الفجر المعترض فيحل الصلاة ويحرم الطعام". يعني على من أراد الصيام". ا. هـ.

وقال رضي الله عنه قبل ذلك في باب وجه آخر من الاختلاف: "قال الشافعي: فقال لي قائل قد اختلف في التشهد فروى ابن مسعود2 عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يعلمهم التشهد كما يعلمهم السورة من القرآن فقال في مبتدئة ثلاث كلمات التحيات لله فبأي التشهد أخذت قلت: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن

1 السرحان: الذئب، والحديث أخرجه الحاكم والبيهقي عن جابر مرفوعًا.

2 أخرجه الستة إلا مالكا من حديث ابن مسعود.

ص: 310

عبد الرحمن بن عبد القارئ أنه سمع عمر بن الخطاب1 رضي الله عنه يقول على المنبر هو يعلم الناس التشهد -يقول قولوا: "التحيات لله الزاكيات لله الطيبات، لله الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمه الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده وروسوله" قال الشافعي: هذا الذي علمنا من سبقنا بالعلم من فقهائنا صغارًا، ثم سمعناه بإسناده وسمعنا ما يخالفه فلم نسمع إسنادًا في التشهد يخالفه، ولا يوافقه أثبت عندنا منه وإن كان غيره ثابتًا، وكان الذي نذهب إليه أن عمر لا يعلم الناس على المنبر بين ظهراني أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ما علمهم النبي صلى الله عليه وسلم فلما انتهى إلينا من حديث أصحابنا حديث نثبته عن النبي صلى الله عليه وسلم صرنا إليه وكان أولى بنا قال: وما هو قلت أخبرنا الثقة وهو يحيى بن حسان عن الليث بن سعد عن أبي الزبير المكي عن سعيد بن جبير، وطاوس عن ابن عباس أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن فكان يقول التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله السلام عليك أيها النبي ورحمه الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله قال الشافعي: فإن قال قائل: فإنا نرى الرواية اختلفت فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم فروى2 ابن مسعود خلاف هذا، وأبو موسى3 خلاف هذا وجابر4 خلاف هذا، وكلها قد يخالف بعضها بعضًا في شيء من لفظه ثم علم عمر خلاف هذا كله في بعض لفظه، وكذلك تشهد عائشة رضي الله عنها وعن أبيها وكذلك تشهد ابن عمر ليس فيها شيء إلا في لفظه شيء غير ما في لفظ صاحبه، وقد يزيد بعضهم الشيء على البعض قال الشافعي: فقلت له الأمر في هذا بين قال فأبنه لي قلت كل كلام

1 هو في موطأ مالك.

2 أخرجه مسلم عن ابن عباس.

3 رواية ابن مسعود تقدمت، وللنسائي عن أبي موسى رفعه: إذا كان عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم: التحيات لله

إلى قوله لا شريك له. وله عن جابر: كان "ص" يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن: بسم الله وبالله التحيات لله

إلخ تشهد ابن مسعود.

4 تشهد عائشة وابن عمر يراجعان في موطأ مالك. وتركنا ذكرهما اختصارًا.

ص: 311

أريد به تعظيم الله جل ثناؤه فعلمهموه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلعله جعل يعلمه الرجل فينسى، والآخر فيحفظه وما أخذ خفظًا فأكثر ما يحترس فيه منه إحالة المعنى. فلم يكن فيه زيادة ولا نقص ولا اختلاف شيء من كلامه يحيل المعنى فلا يسع إحالته، فلعل النبي صلى الله عليه وسلم أجاز لكل امرئ منهم ما حفظ كما حفظ إذ كان لا معنى فيه يحيل شيئا عن حكمه، ولعل من اختلفت روايته، واختلف تشهده إنما توسعوا فيه فقالوا على ما حفظوا على ما حضرهم فأجيز لهم قال أتجد شيئًا يدل على إجازة ما وصفت فقلت: نعم قال: وما هو؟ قلت: أخبرنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القارئ قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: سمعت هشام بن حكيم بن حزام، يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها وكان النبي صلى الله عليه وسلم أقرأنيها فكدت أن أعجل عليه ثم أمهلته حتى انصرف ثم لببته بردائه فجئت به النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرأ" فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هكذا أنزلت" ثم قال: "اقرأ" فقرأت فقال: "هكذا أنزلت إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه" 1 قال الشافعي: فإذا كان الله جل ثناؤه لرأفته بخلقه انزل كتابه على سبعة أحرف معرفة منه بأن الحفظ منه قد يزل ليحل لهم يعني قراءته، وإن اختلف اللفظ فيه ما لم يكن في اختلافهم إحالة معنى كان ما سوى كتاب الله أولى أن يجوز فيه اختلاف اللفظ ما لم يحل معناه، وكل ما لم يكن فيه حكم فاختلاف اللفظ فيه لا يحيل معناه، وقد قال بعض التابعين: رأيت أناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجمعوا لي في المعنى، واختلفوا في اللفظ فقلت لبعضهم ذلك فقال: لا بأس ما لم يحل المعنى قال الشافعي: فقال ما في التشهد إلا تعظيم الله، وإني لأرجو أن يكون كل هذا فيه واسعًا، وأن لا يكون الاختلاف فيه إلا من حيث ما ذكرت، ومثل هذا كما قلت يمكن في صلاة الخوف فيكون إذا جاء بكمال الصلاة على أي الوجوه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم. اجزأه إذ خالف الله عز وجل بينها وبين ما سواها من الصلوات قال: ولكن كيف صرت إلى اختيار حديث ابن ابن عباس عن النبي في التشهد دون غيره؟ قلت: لما رأيته واسعًا وسمعته عن ابن عباس صحيحًا كان عندي أجمع وأكثر لفظا من غيره فأخذت به غير معنف لمن أخذ بغيره مما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ا. هـ.

1 أخرجه الشيخان وأصحاب السنن من حديث عمر.

ص: 312