الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6-
إذا كان عند العالم الصحيحان:
أو أحدهما أو كتاب من السنن موثوق به هل له أن يفتي بما فيه.
قال المسند الجليل علم الدين الفلاني في: "إيقاظ الهمم": "قال الإمام ابن القيم: إذا كان عند الرجل الصحيحان أو أحدهما، أو كتاب من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم موثوق بما فيه فهل له أن يفتي بما يجده فيه فقالت طائفة من المتأخرين ليس "له" ذلك لأنه قد يكون منسوخًا أو له معارض أو يفهم من دلالته خلاف ما دل عليه، أو يكون أمر ندب فيفهم منه الإيجاب، أو يكون عاما له مخصص أو مطلقا له مقيد، فلا يجوز له العمل به ولا الفتيا حتى يسأل أهل الفقه والفتيا، وقالت طائفة: بل له أن يعمل به ويفتي بل متعين عليه كما كان الصحابة يفعلون إذا بلغهم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدث به بعضهم بعضا بادروا إلى العمل به، من غير توقف، ولا بحث عن معارض، ولا يقول أحد منهم قط هل عمل بهذا فلان وفلان ولو رأوا ذلك لأنكروا عليه أشد الإنكار، وكذلك التابعون وهذا معلوم بالضرورة لمن له أدنى خبرة بحال القوم وسيرتهم وطول العهد بالسنة وبعد الزمان، ولو كانت سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسوغ العمل بها بعد صحتها حتى يعمل بها فلان وفلان لكان قول فلان وفلان عيارًا على السنن ومزكيا لها وشرطا في العمل بها، وهذا من أبطل الباطل وقد أقام الله الحجة برسول الله صلى الله عليه وسلم دون آحاد الأمة، وقد أمر النبي بتبليغ سننه ودعا لمن بلغها فلو كان من بلغته لا يعمل بها حتى يعمل بها الإمام فلان والإمام فلان لم يكن في تبليغها فائدة وحصل الاكتفاء بقول فلان وفلان.
قالوا: والنسخ الواقع الذي أجمعت عليه الأمة لا يبلغ عشرة أحاديث البتة، بل ولا شطرها فتقدير وقوع الخطأ في الذهاب إلى المنسوخ أقل بكثير في وقوع الخطأ من تقليد من يصيب ويخطئ، ويجوز عليه التناقض والاختلاف ويقول القول ويرجع عنه ويحكي
عنه في المسألة الواحدة عدة أقوال، ووقوع الخطأ في فهم كلام المعصوم أقل بكثير من وقوع الخطأ في فهم كلام الفقيه المعين، فلا يعرض احتمال خطأ لمن عمل بالحديث وأفتى به إلا وأضعاف أضعافه حاصل لمن قلد من لا يعلم خطأه من صوابه، والصواب في هذه المسألة التفصيل: فإن كانت دلالة الحديث ظاهرة بينة لكل من سمعه لا يحتمل غير المراد فله أن يعمل به ويفتي به ولا يطلب له التزكية من قول فقيه وإمام، بل الحجة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن خالفه من خالفه، وإن كانت دلالة خفية لا يتبين له المراد فيها لم يجز له أن يعمل ولا يفتي بما يتوهمه مرادًا، حتى يسأل ويطلب بيان الحديث ووجهه وإن كانت دلالة ظاهرة كالعام على أفراده، والأمر على الوجوب، والنهي على التحريم فهل له العمل والفتوى يخرج على أصل وهو العمل بالظواهر قبل البحث على المعارض، وفيه ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره الجواز والمنع والفرق بين العام، فلا يعمل به قبل البحث عن المخصص والأمر والنهي فيعمل به قبل البحث من المعارض، وهذا كله إذا كان ثَمَّ أهلية، ولكنه قاصر في معرفة الفروع وقواعد الأصوليين والعربية، وأما إذا لم يكن ثم أهلية ففرضه ما قال الله:{فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} وقول النبي -صلى الله عليه وسلم1: "ألا اسألوا إذا لم تعلموا، إنما شفاء العي السؤال". وإذا جاز اعتماد المستفتي على ما يكتبه المفتي من كلامه وكلام شيخه وإن علا، فاعتماد الرجل على ما كتبه الثقات من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بالجواز وإذا قدر أنه لم يفهم الحديث كما لو لم يفهم فتوى المفتي، فيسأل من يعرفه معناه كما يسأل من يعرفه معنى جواب المفتي وبالله التوفيق.
1 من حديث جابر عند أبي داود والدارقطني، وأخرجه غيرهما وله تتمة.