الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بحرام، إلى أمثال ذلك؛ فهذا كله يدخل في مسمى الحديث، وهو المقصود بعلم الحديث فإنه إنما يطلب ما يستدل به على الدين، وذلك إنما يكون بقوله أو فعله أو إقراره، وقد يدخل فيها بعض أخباره قبل النبوة وبعض سيرته قبل النبوة مثل تحنثه بغار حراء ومثل حسن سيرته لأن الحال يستفاد منه ما كان عليه قبل النبوة من كرائم الأخلاق، ومحاسن الأفعال كقول خديجة له:"كلا والله لا يخزيك الله إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضيف، وتكسب المعدوم وتعين على نوائب الحق". ومثل المعرفة فإنه كان أميًّا لا يكتب، ولا يقرأ وإنه كان معروفًا بالصدق، والأمانة، وأمثال ذلك مما يستدل به على أحواله التي تنفع في المعرفة بنبوته، وصدقة فهذه الأمور ينتفع بها في دلائل النبوة كثيرًا ولهذا يذكر مثل ذلك في كتب سيرته كما يذكر فيها نسبه وأقاربه وغير ذلك من أحواله، وهذا أيضًا قد يدخل في مسمى الحديث، والكتب التي فيها أخباره منها كتب التفسير ومنها كتب السيرة، والمغازي ومنها كتب الحديث، وكتب الحديث هي ما كان بعد النبوة أخص، وإن كان فيها أمور جرت قبل النبوة فإن تلك لا تذكر لتوحد وشرع فعله قبل النبوة بل قد أجمع المسلمون على أن الذي فرض على العباد الإيمان بهن والعمل هو ما جاء به بعد النبوة". ا. هـ.
2-
بيان الحديث القدسي:
قال العلامة الشهاب ابن حجر الهيتمي في شرح الأربعين النووية، في شرح الحديث الرابع والعشرين المسلسل بالدمشقيين وهو حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تعالى أنه قال: "يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا
…
" الحديث ما نصه:
"فائدة يعم نفعها، ويعظم وقعها في الفرق بين الوحي المتلو وهو: "القرآن" والوحي المروي عنه صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل، وهو ما ورد من الأحاديث الإلهية وتسمى: "القدسية"؛ وهي أكثر من مائة، وقد جمعها بعضهم في جزء كبير. وحديث: "أبي ذر" هذا من أجلها:
اعلم: أن الكلام المضاف إليه تعالى أقسام ثلاثة:
أولها- وهو أشرفها: "القرآن" لتميزه عن البقية بإعجازه من أوجه كثيرة، وكونه معجزة باقية على مر الدهر محفوظة من التغيير، والتبديل وبحرمة سمه لمحدث، وتلاوته لنحو الجنب، وروايته بالمعنى وبتعينه في الصلاة، وبتسميته قرآنا وبأن كل حرف منه بعشر حسنات، وبامتناع بيعه في رواية عند أحمد وكراهته عندنا، وبتسمية الجملة منه آية وسورة وغيره من بقية الكتب، والأحاديث القدسية لا يثبت لها شيء من ذكر فيجوز مسه، وتلاوته لمن ذكر وروايته بالمعنى ولا يجري في الصلاة بل يبطلها، ولا يسمى قرآنا ولا يعطى قارئة بكل حرف عشرا، ولا يمنع بيعه ولا يكره اتفاقًا ولا يسمى بعضه آية ولا سورة اتفاقًا أيضًا.
ثانيهًا- كتب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قبل تغييرها وتبديلها.
ثالثهًا- بقية الأحاديث القدسية وهي ما نقل إلينا آحادًا عنه صلى الله عليه وسلم مع إسناده لها عن ربه، فهي من كلامه تعالى فتضاف إليه وهو الأغلب، ونسبتها إليه حينئذ نسبة إنشاء لأنه المتكلم بها أولًا وقد تضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه المخبر بها عن الله تعالى بخلاف القرآن فإنه لا تضاف إلا إليه تعالى فيقال فيه:"قال الله تعالى" وفيها: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه تعالى" واختلف في بقية السنة هل هو كله يوحى أو لا وآية: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} 1 تؤيد الأول؟ ومن ثم قال -صلى الله عليه وسلم2: "ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه". ولا تنحصر تلك الأحاديث القدسية في كيفية من كيفيات الوحي بل يجوز أن تنزل بأي كيفية من كيفياته كرؤيا النوم، والإلقاء في الروع وعلى لسان الملك، ولراويها صيغتان إحداهما أن يقول:"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله تعالى فيما رواه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم والمعنى واحد". ا. هـ.
1 سورة النجم، آية:4.
2 من رواية أبي داود في سننه، وللترمذي: وأن ماحرم رسول الله كما حرم الله.
وفي كليات أبي البقاء في الفرق بين القرآن والحديث القدسي1: "أن القرآن ما كان لفظه ومعناه من عند الله بوحي جلي، وأما الحديث القدسي، فهو ما كان لفظه من عند الرسول، ومعناه من عند الله بالإلهام أو المنام". وقال بعضهم: "القرآن لفظ معجز، ومنزل بواسطة جبريل، والحديث القدسي غير معجز، وبدون الواسطة، ومثله يسمى بالحديث القدسي والإلهي والرباني" وقال الطيبى: "القرآن هو اللفظ المنزل به جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم والقدسي إخبار الله معناه بالإلهام أو بالمنام فأخبر النبي أمته بعبارة نفسه، وسائر الأحاديث لم يضفها إلى الله تعالى ولم يروها عنه تعالى". ا. هـ.
وقال العلامة السيد أحمد بن المبارك رحمه اله تعالى في الإبريز2: "وسألته -يعني أستاذه نجم العرفان السيد عبد العزيز الدباغ قدس سره- الفرق بين هذه الثلاثة يعني القرآن والحديث القدسي وغير القدسي فقال قدس سره:
"الفرق بين هذه الثلاثة وإن كانت كلها خرجت من بين شفتيه صلى الله عليه وسلم وكلها معها أنوار من أنواره صلى الله عليه وسلم: أن النور الذي في القرآن، قديم من ذات الحق سبحانه لأن كلامه تعالى قديم والنور الذي في الحديث القدسي من روحه صلى الله عليه وسلم وليس هو مثل نور القرآن، فإن نور القرآن قديم، ونور هذا ليس بقديم، والنور الذي في الحديث الذي ليس بقدسي من ذاته صلى الله عليه وسلم فهي أنوار ثلاثة، اختلفت بالإضافة، فنور القرآن من ذات الحق سبحانه، ونور الحديث القدسي من روحه صلى الله عليه وسلم نور ما ليس بقدسي من ذاته صلى الله عليه وسلم."
فقلت: "ما الفرق بين نور الروح ونور الذات؟ ".
فقال رضي الله عنه: "الذات خلقت من تراب، ومن التراب خلق سائر العباد؛ والروح من الملأ الأعلى، وهم أعرف الخلق بالحق سبحانه، وكل واحد يحن إلى أصله فكان نور الروح متعلقا بالحق سبحانه ونور الذات متعلقًا بالخلق؛ فلذات ترى الأحاديث القدسية تتعلق بالحق سبحانه وتعالى بتبيين عظمته أو لإظهار رحمته أو بالتنبيه على سعة ملكه وكثرة عطائه فمن الأول حديث: "يا عبادي لو أن أولكم وآخركم،
1 ص288 "ذ. س".
2 ص66 طبع حجر، 1287.
وإنسكم وجنكم
…
" إلى آخره وهو حديث أبي ذر في مسلم. ومن الثاني حديث: "أعددت لعبادي الصالحين
…
" 1 الحديث. ومن الثالث حديث: "يد الله ملأى، لا يغيضها نفقه، سحاء الليل والنهار
…
" 2 إلخ وهذه من علوم الروح في الحق سبحانه، وترى الأحاديث التي ليست بقدسية تتكلم على ما يصلح البلاد، والعباد بذكر الحلال، والحرام والحث على الامتثال بذكر الوعد والوعيد". هذا بعض ما فهمت من كلامه رضي الله عنه والحق أني لم أوف به، ولم آت بجميع المعنى الذي أشار إليه.
فقلتك: "الحديث القدسي من كلام الله عز وجل أم لا؟ ".
فقال: "ليس هو من كلامه وإنما هو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم:".
فقلت: "فلم أضيف للرب سبحانه فقيل فيه: "حديث قدسي" وقيل فيه: "فيما يرويه عن ربه"، وإذا كان من كلامه عليه السلام فأي رواية له فيه عن ربه وكيف نعمل مع هذه الضمائر في قوله: "يا عبادي لو أن أولكم وآخركم
…
" إلخ وقوله: "أعددت لعبادي الصالحين
…
" وقوله: "أصبح من عبادي مؤمن بي وكاف ر3
…
"؟ فإن هذه الضمائر لا تليق إلا بالله فتكون الأحاديث القدسية من كلام الله تعالى وإن لم تكن ألفاظها لإعجاز ولا تعبدنا بتلاوتها".
فقال رضي الله عنه مرة: "إن الأنوار من الحق سبحانه تهب على ذات النبي صلى الله عليه وسلم حتى تحصل له مشاهدة خاصة -وإن كان دائمًا في المشاهدة- فإن سمع من الأنوار كلام الحق سبحانه، أو نزل عليه ملك فذلك هو: "القرآن"؛ وإن لم يسمع كلامًا، ولا نزل عليه ملك فذلك وقت الحديث القدسي. فيتكلم عليه الصلاة والسلام ولا يتكلم حينئذ إلا في شأن الربوبية بتعظيمها، وذكر حقوقها، ووجه إضافة هذا الكلام إلى الرب سبحانه أنه كان مع هذه المشاهدة التي اختلطت فيها الأمور حتى رجع الغيب شهادة، والباطن ظاهرًا فأضيف إلى الرب وقيل فيه: "حديث رباني"، وقيل فيه: "فيما يرويه عن
1 أخرجه في الصحيحين من رواية عبد الرزاق وغيرهما.
2 أخرجه البخاري في كتاب التوحيد من حديث أبي هريرة.
3 أخرجه الشيخان في صحيحيهما وغيرهما بألفاظ مختلفة.
ربه عز وجل"؛ ووجه الضمائر، أن كلامه عليه السلام، خرج على حكاية لسان الحال التي شاهدها من ربه عز وجل. وأما الحديث الذي ليس بقدسي فإنه يخرج مع النور الساكن في ذاته عليه السلام الذي لا يغيب عنها أبدًا، وذلك أنه عز وجل أمد ذاته عليه السلام بأنوار الحق كما أمد جرم الشمس بالأنوار المحسوسة فالنور لازم للذات الشريفة لزوم نور الشمس لها.
وقال مرة أخرى: "وإذا فرضنا محمومًا دامت عليه الحمى على قدر معلوم وفرضناها تارة تقوى حتى يخرج بها عن حسه، ويتكلم بما لا يدري وفرضناها مرة أخرى تقوى، ولا تخرجه عن حسه ويبقي على عقله، ويتكلم بما يدري فصار لهذه الحمى ثلاثة أحوال قدرها المعلوم، وقوتها المخرجة عن الحس وقوتها التي لا تخرج عن الحس فكذا الأنوار في ذاته عليه السلام فإن كانت على القدر المعلوم فما كان من الكلام حينئذ فهو الحديث الذي ليس بقدسي، وإن سطعت الأنوار وشغلت في الذات حتى خرج بها عليه السلام عن حالته المعلومة فما كان من الكلام حينئذ فهو كلام الله سبحانه، وهذه كانت حالته عليه السلام عند نزول القرآن عليه، وإن سطعت الأنوار ولم تخرجه عن حالته عليه السلام فيما كان من الكلام حينئذ قيل فيه: حديث قدسي".
وقال مرة: "إذا تكلم النبي صلى الله عليه وسلم وكان الكلام بغير اختياره، فهو: "القرآن"، وإن كان باختياره، فإن سطعت حينئذ أنوار عارضة، فهو الحديث القدسي وإن كانت الأنوار الدائمة فهو الحديث الذي ليس بقدسي ولأجل أن كلامه لا بد أن تكون معه أنوار الحق سبحانه كان جميع ما يتكلم به صلى الله عليه وسلم وحيًا يوحى وباختلاف أحوال الأنوار افترق إلى الأقسام الثلاثة والله أعلم".
قال السيد أحمد بن المبارك: "فقلت هذا كلام في غاية الحسن ولكن ما الدليل على أن الحديث القدسي ليس من كلامه عز وجل؟ ".
فقال رضي الله عنه: "كلامه تعالى لا يخفى" فقلت: "بكشف؟ " فقال رضي الله عنه: "بكشف وبغير كشف، ولك من له عقل، وأنصت للقرآن ثم أنصت لغيره أدرك
الفرق لا محالة. والصحابة رضي الله عنهم أعقل الناس، وما تركوا دينهم الذي كانت عليه الآباء إلا بما وضح من كلامه تعالى، ولو لم يكن عند النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما يشبه الأحاديث القدسية ما آمن من الناس أحد، ولكن الذي ظلت له الأعناق خاضعة هو القرآن العزيز الذي هو كلام الرب سبحانه وتعالى.
فقلت له: "ومن أين لهم أنه كلام الرب تعالى وإنما كانوا على عبادة الأوثان، ولم تسبق لهم معرفة بالله عز وجل، حتى يعلموا أنه كلامه وغاية ما أدركوه أنه كلام خارج عن طوق البشر فلعله من عند الملائكة مثلًا؟ ".
فقال رضي الله عنه: "كل من استمع القرآن، وأجرى معانيه على قلبه علم علمًا ضروريًّا أنه كلام الرب سبحانه فإن العظمة التي فيه والسطوة التي عليه ليست إلا عظمه الربوبية، وسطوة الألوهية والعاقل الكيس إذا استمع لكلام السلطان الحادث ثم استمع لكلام رعيته، وجد لكلام السلطان نفسًا به يعرف حتى إنا فرضناه أعمى، وجاء إلى جماعة يتكلمون والسلطان معمور فيهم، وهم يتناوبون الكلام لميز كلام السلطان من غيره بحيث لا تدخله في ذلك ريبة هذا في الحادث مع الحادث فكيف بكلام القديم، وقد عرف الصحابة رضي الله عنهم من القرآن ربهم عز وجل وعرفوا صفاته وما يستحقه من ربوبيته، وقام لهم سماع القرآن في إفادة العلم القطعي به عز وجل مقام المعاينة والمشاهدة وحتى صار الحق سبحانه عندهم بمنزلة الجليس ولا يخفى على أحد جليسه؟ ".
ثم نقل ابن المبارك كلام أستاذه المنوه به، في ما يعرف به كلامه تعالى فانظره، وما نقلنا بحثه المذكور إلا لنفاسته لأنه منزع بديع ينشرح له القلب والله العليم.