الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب العاشر: في فقه الحديث
1-
بيان أقسام ما دون في علم الحديث:
قال الإمام ولي الله الدهلوي، قدس سره في الحجة البالغة ما نصه1، "اعلم أن ما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم ودون في كتب الحديث على قسمين:
"أحدهما: ما سبيله سبيل تبليغ الرسالة، وفيه قوله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} منه علوم المعاد، وعجائب الملكوت، وهذا كله مستند إلى الوحي2 ومنه شرائع وضبط للعبادات، والارتفاقات، وهذه بعضها مستند إلى الوحي، وبعضها مستند إلى الاجتهاد، واجتهاده صلى الله عليه وسلم بمنزلة الوحي؛ لأن الله تعالى عصمه من أن يتقرر رأيه على الخطإ، وليس يجب أن يكون اجتهاده استنباطًا من المنصوص، كما يظن، بل أكثره أن يكون علمه الله تعالى مقاصد الشرع وقانون التشريع والتيسير والأحكام؛ فبين المقاصد المتلقاة بالوحي بذلك القانون. ومنه3 حكم مرسلة ومصالح مطلقة، لم يُوقتها، ولم يبيح حدودها، كبيان الأخلاق الصالحة وأضدادها، ومستندها غالبًا الاجتهاد، بمعنى أن الله تعالى علمه قوانين الارتفاقات، فاستنبط منها حكمة وجعل فيها كلية. ومنه فضائل الأعمال، ومناقب العمال؛ وأرى أن بعضها مستند إلى الوحي، وبعضها إلى الاجتهاد، وهذا القسم هو الذي نقصد شرحه وبيان معانيه.
1 ص102.
2 أي ليس للاجتهاد فيها دخل. ا. هـ. دهلوي.
3 أي مما سبيله تبليغ الرسالة. ا. هـ. دهلوى.
وثانيهما: ما ليس من باب تبليغ الرسالة، وفيه قوله -صلى الله عليه وسلم1:"إنما أنا بشر، إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أن بشر" وقوله صلى الله عليه وسلم في قصة تأبير النخل1: "فإني إنما ظننت ظنًّا، ولا تُؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئًا فخذوا به، فإني لم أكذب على الله". فمنه الطب ومنه باب قوله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالأدهم والأقرح" ومستنده التجربة، ومنه ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل العادة، دون العبادة، وبحسب الاتفاق، دون القصد، ومنه ما ذكره كما كان يذكر قومه، كحديث أم زرع2، وحديث خرافة3، وهو قول زيد بن ثابت، حيث دخل عليه نفر، فقالوا: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كنت جاره، فكان إذا نزل عليه الوحي، بعث إليَّّ فكتبته له، فكنا إذا ذكرنا الدنيا، ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الآخرة ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الطعام ذكره معنا، وكل هذا أحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومه ما قصد به مصلحة جزئية يومئذ، وليس من الأمور اللازمة لجميع الأمة، وذلك مثل ما يأمر به الخليفة من تعبئة الجيوش، وتعيين الشعار، وهو قول عمر رضي الله عنه:"ما لنا وللرمل، كما نتراءى به قومًا قد أهلكهم الله! " ثم خشي أن يكون له سبب آخر، وقد حمل كثير من الأحكام عليه كقوله -صلى الله عليه وسلم4:"من قتل قتيلًا فله سلبه" ومنه حكم وقضاء خاص، وإنما كان يتبع فيه البينات والأيمان، وهو قوله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه5:"الشاهد يرى ما لا يراه الغائب". ا. هـ.
1 روى مسلم هذه القصة من حديث موسى بن طلحة عن أبية، ورافع بن خديج، وعائشة، وأنس "رض"، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما أن بشر
…
" فهو من تمام القصة في رواية رافع.
2 هي من الأزواج الإحدى عشرة اللاتي اجتمعن في الجاهلية، فتعاهدن لتخبرن كل امرأة بما في زوجها ولا تكذب، والرواية في الصحيحين من حديث عائشة "رض".
3 هو عند أحمد في مسنده من حديث عائشة "رض".
4 أخرجه البخاري من حديث أبي قتادة.
5 أخرجه الإمام أحمد في مسنده.