الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والعبد الضعيف، جامع هذا الكتاب، قد مَنَّ الله عليه بفضله فأسمع صحيح مسلم رواية ودراية في مجالس من أربعين يومًا آخرها في 28 من شهر صفر الخير سنة "1316" وأسمع أيضًا سنن ابن ماجه كذلك في مجالس من إحدى وعشرين يومًا آخرها في 22 من شهر ربيع الأول سنة "1316" وأسمع أيضًا الموطأ كذلك مجالس من تسعة عشر يومًا آخرها في 15 من شهر ربيع الآخر سنة "1316"، وطالعت بنفسي لنفسي:"تقريب التهذيب" للحافظ ابن حجر مع تصحيح سهو القلم فيه وضبطه وتحشيته من نسخة مصححة جدًّا في مجالس من عشرة أيام آخرها في 18 من شهر ذي الحجة سنة "1315" أقول وهذه الكتب قرأتها بإثر بعضها فأجهدت نفسي وبصرى حتى رمدت بأثر ذلك شفاني الله بفضله وأشفقت من العود إلى مثل ذلك، وتبين أن الخيرة في الاعتدال نعم لا يُنكر أن بعض النفوس لا تتأثر بمثل ذلك لقوة حواسها، وللإنسان بصيرة على نفسه وهو أدري بها!
10-
قراءة البخاري لنازلة الوباء:
نقل القسطلاني رحمه الله تعالى، شارح البخاري، في مقدمة شرحه عن الشيخ أبي محمد عبد الله بن أبي جمرة، قال:"قال لي من العارفين، عمن لقيه من السادة المقر لهم: إن صحيح البخاري ما قرئ في شدة إلا فرجت، ولا ركب به مركب فغرقت". ا. هـ.
وقد جرى على العمل بذلك كثير من رؤساء العلم ومقدمي الأعيان إذا ألم بالبلاد نازلة مهمة فيوزعون أجزاء الصحيح على العلماء والطلبة ويعينون للختام يومًا يفدون فيه لمثل الجامع الأموي أمام المقام اليحيوي في دمشق وفي غيرها، كما يراه مقدموها، وهذا العمل ورثه جيل عن جيل مذ انتشار ذاك القول وتحسين الظن بقائله، بل كان ينتدب بعض المقدمين إلى قراءته موزعًا ثم ختمه اجتماعًا لمرض، والي بلدة أو عظيم من عظمائها مجانًا أو بجائزة، بل قد يستأجر من يقرؤه لخلاص وجيه من سجن أو شفائه من مرض على النحو المتقدم اعتقادًا ببركة هذا الصحيح وتقليدًا لمن مضى ووقوفًا مع ما مر عليه
قرون، وصقله العرف، وفي ذلك من تمكين الاعتقاد بصحيح البخاري والركون إليه، والحرص عليه، ما لا يخفى. ولم يكن يخطر لي أن يناقش أحد في هذا العمل، ويزيفة بمقالة رنانة تطبع وتنشر! نعم ربما يوجد من ينكر ذلك بقلبه، أو يشافه به خاصته، والله أعلم بالضمائر! ولغرابة تلك المقالة آثرت نقلها بحروفها؛ ليحيط الواقف علما بما وصلت إليه حرية الأفكار. وتلك المقالة قدمها أحد الفضلاء الأزهريين في جمادى الآخر سنة "1320" لإحدي المجلات العلمية في مصر فنشرتها عنه، وهاكها بحروفها تحت عنوان:
بماذا دفع العلماء نازلة الوباء؟
دفعوها يوم الأحد الماضي في الجامع الأزهر، بقراءة متن البخاري موزعًا كراريس على العلماء، وكبار المرشحين للتدريس، في نحو ساعة، جريًا على عادتهم من إعداد هذا المتن أو السلاح الجبري؛ لكشف الخطوب، وتفريج الكروب فهو يقوم عندهم في الحرب مقام المدفع والصرام والأسل، وفي الحريق مقام المضخة والماء، وفي الهيضة مقام الحيطة الصحيحة وعقاقير الأطباء، وفي البيوت مقام الخفراء والشرطة وعلى كل حال هو مستنزل الرحمات، ومستقر البركات ولما كان العلماء أهل الذكر والله يقول:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُون} 1، فقد جئت أسألهم بلسان كثير من المسترشدين عن مأخذ هذا الدواء من كتاب الله، أو صحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو رأي مستدل عليه لأحد المجتهدين الذين يقلدونهم، إن كانوا قد أتوا هذا العمل على أنه ديني، داخل في دائرة المأمور به. وإلا فعن أي حذاق الأطباء تلقوه ليتبين للناس منه أو من مؤلفاته عمل تلاوه متن البخاري في درء الهيضة عن الأمة، وأن هذا داخل في نواميس الفطرة أو خارج عنها خارق لها، وإذا كان هذا السر العجيب جاء من جهة أن المقروء حديث نبوي، فلم خص بهذه المزية مؤلف البخاري، ولِمَ لَمْ يجز في هذا موطأ مالك، وهو أعلى كعبًا وأعرق نسبًا وأغزر علمًا، ولا يزال مذهبه حيًّا مشهورًا، وإذا جروا على أن الأمر من وراء الأسباب فلم لا يقرؤه العلماء لدفع ألم الجوع كما يقرءونه لإزالة المغص أو
1 سورة النحل الآية: 43.
القيء أو الإسهال، حتى تذهب شحناء الجراية من صدور كثير من أهل العلم "أي من أهل جامع الأزهر" وعلى هذا القياس يقرأ لكل شيء، ما دامت العلاقة بين الشيء وسببه مفصومة فإن لم يستطيعوا عزو هذا الداء إلى نطاس الأطباء، سألت الملم منهم بالتاريخ أن يرشدنا إلى من سن هذه السنة في الإسلام، وهل قرئ البخاري لدفع الوباء قبل هذه المرة، فإنا نعلم أنه قرئ للعرابيين في واقعة التل الكبير "أي في مصر" فلم يلبثوا أن فشلوا، ومزقوا شر ممزق، ونعلم أنه يقرأ في البيوت لتأمن الحريق والسرقة، ولكن بأجر ليس شيئًا مذكورًا في جانب أجر شركة التأمين المعروفة مع أن الناس يتسابقون إليها تسابقهم إلى شراء الدواء إذا نزل الداء، ويعدلون عن الوقاية التي نحن بصددها، وهي تكاد تتكون بالمجان ويجدون في نفوسهم اطمئنانا لذلك دون هذه فإن لم يجد العلماء عن هذه المسألة إجابة شافية خشيت -كما يخشى العقلاء حملة الأقلام- عليهم حملة تسقط الثقة بهم، حتى من نفس العامة وحينئذ تقع الفوضى الدينية المتوقعة من ضعف الثقة، واتهام العلماء بالتقصير وكون أعمالهم حجة على الدين، هذا وقد لهج الناس بآراء على أثر الاجتماع الهيضي الأزهري، فمن قائل: إن العلماء المتأخرين من عادتهم أن يهربوا في مثل هذه النوازل من الأخذ بالأسباب، والاصطبار على تحملها لمشقتها الشديدة، ويلجئون إلى ما وراء الأسباب من خوارق العادات لسهولته ولإيهام العامة أنهم مرتبطون بعالم أرقى من هذا العالم المعروف النظام فيكسبون الراحة والاحترام معًا فيظهرون على الأمة ظهور إجلال، ويمتكلون قلوبهم ويسيطرون على أروحهم ولهذا تمكثوا حتى فترت شرة الوباء فقرءوا تميمتهم، ليوهموا أن الخطر إنما زال ببركة تميمتهم، وطالع يمنهم ومن قائل: إنهم يخدعون أنفسهم بمثل هذه الأعمال بدليل أن من يصاب منهم لا يعالج مرضه بقراءة كراسة من ذلك الكتاب، بل يعمد إلى المجربات من النعنع والخل وماء البصل وما شابه أو يلجأ إلى الطبيب لا تلتفت نفسه إلى الكراسة التي يعالج بها الأمة فهذا يدل على أن القوم يعملون على خلاف ما في وجدانهم لهذه الأمة خادعين أنفسهم بتسليم أعمل سلفهم، ومن قائل: إن عدوا من أعداء الدين الإسلامي أراد أن يشكك المسلمين فيه فدخل عليهم من جهة تعظيمه
فأوحى إلى قوم من متعالمية السابقين أن يعظموا من شأنه ويرفعوا من قدره حتى يجعلوه فوق ما جاءت له الأديان فيدعون كشف نوائب الأيام بتلاوة أحاديث خير الأيام ويروجون ما يقولون بأنه جرب، وأن من شك فيه فقد طعن في مقام النبوة حتى إذا رسخت هذه العقيدة في الناس وصارت ملكة دينية راسخة عند العوام وجربوها فلم تفلح وقعوا -والعياذ بالله- في الشك وأصابهم دوار الحيرة كما حصل ذلك على أثر واقعة التل الكبير من كثير من الذين لم يتذوقوا الدين من المسلمين حتى كانوا يسألون عن قوة:"البخاري" الحربية ونسبته إلى البوارج ساخرين منه ومن قارئة، ولولا وقوف أهل الفكر منهم على أن هذا العمل ليس من الدين وأن القرآن يقول:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} 1 لضلوا وأضلوا وقد جرأ هذا الأمر غير المسلمين على الخوض في الدين الإسلامي وإقامة الحجة على المسلمين من عمل علمائهم ولا حول ولا قوة إلا بالله، ويقول قوم: إن التقليد بلغ بالعلماء مبلغًا حرم على العقول النظر في علم السلف وإن كذبته العينان وخالف الحسن والوجدان ويقول آخرون -ممن لا خبرة لهم بهمة العلماء في مثل هذه الكوارث- أما كان ينبغي لهم أن ينبثوا في المساجد والأبدية والولائم حاثين الناس على الوقاية من العدوى معاضدين الحكومة في تسكين سورة الأهلين مفاوضين الصحة في فتح المساجد وتعهدها بالنظافة فإن هذا يرتبط بهم أكثر مما يرتبط بوفد أعيان القاهرة جزاه الله خير الجزاء، فإن أعوزهم البيان وخلب القلوب بذلاقة اللسان فلا أقل من أن يؤلفوا رسالة في فهم ما ورد متشابهًا في موضوع العدوى حتى يعلم الناس أن الوقاية من الداء مأمور بها شرعًا وعقلًا وسياسة، فيكون كل فرد عارف عضدًا للحكومة ولو طلبوا من الصحة طبع ما ألفوا وتوزيعه على المصالح والنواحي للبت ذلك شاكرة وكان لهم الأثر النافع.
"وهذا ما يقوله القوم في شأن علمائهم نرفعه إليهم ليكونوا على بينه منه؛ لأنهم لا يختلطون بالناس غالبًا إلا في الولائم والمآتم وإن اختلطوا فقلما يناقشونهم في شيء تحرزًا
1 سورة الأنفال، الآية:61.
من حديثهم في المناقشة، ورميهم مناظرهم بأول وهلة بالزيغ والزندقة؛ فلذلك يجاملونهم ويوافقونهم خشية الهجر والمعاندة. أما أنا فإني لا أزال ألح في طلب الجواب الشافي عن أصل دفع الوباء بقراءة الحديث، وعن منح متن البخاري مزية لم يمنحها كتاب الله الذي نعتقد أنه متعبد بتلاوته دون الحديث؛ ولو كان هذا العمل من غير العلماء الرسميين لضربت عنهم وعن عملهم صفحًا، ولما خططت كلمة، ولكنه من علماء لهم مراكز رسمية، يزاحمون بها مراكز الأمراء، فيجب أن يؤبه لهم، وأن ينظر لعملهم بإزاء مركزهم عن الأمة التي يسألون عنها، والله ولي التوفيق".
هذا ما رأيته، أثبته بحروفه، وقد وقع منشئها بإمضاء "متنصح"، ولو عرفنا اسمه لنسبناه إليه أداء للأمانة إلى أهلها.
ثم رأيت العلامة عصام الدين الطاشكبري الحنفي ذكر في رسالة "الشفاء، لأدواء الوباء" في المطلب السادس نقلًا عن السيوطي أن الدعاء يرفع الطاعون والاجتماع له بدعة، قال: "لأنه وقع في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والصحابة يومئذ متوافرون وأكابرهم موجودون، فلم ينقل عن أحد منهم أنه فعل شيئًا من ذلك، ولا أمر به.
وكذا في القرن الثاني، وفيه خيار التابعين وأتباعهم؛ وكذا في القرن الثالث والرابع. وإنما حدث الدعاء برفعه في الزمن الأخير، وذلك في سنة 749".