المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ قراءة البخاري لنازلة الوباء: - قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث

[جمال الدين القاسمي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات:

- ‌خطبة الكتاب:

- ‌الباب الأول: في التنويه بشأن الحديث وفيه مطالب

- ‌ شرف علم الحديث:

- ‌ فضل راوي الحديث:

- ‌ الأمر النبوي برواية الحديث وإسماعه:

- ‌ حث السلف على الحديث:

- ‌ إجلال الحديث وتعظيمه والرهبة من الزيغ عنه:

- ‌ فضل المحامي عن الحديث والمحيي للسنة:

- ‌ أجر المتمسك بالسنة إذا اتبعت الأهواء وأوثرت الدنيا:

- ‌ بيان أن الوقيعة في أهل الأثر من علامات أهل البدع:

- ‌ ما روي أن الحديث من الوحي:

- ‌ أيادي المحدثين البيضاء على الأمة وشكر مساعيهم:

- ‌الباب الثاني: في معنى الحديث وفيه مباحث

- ‌ماهية الحديث والخبر والأثر

- ‌ بيان الحديث القدسي:

- ‌ ذكر أول من دون الحديث:

- ‌ بيان أكثر الصحابة حديثا وفتوى:

- ‌ ذكر صدور التابعين في الحديث وألفتيا:

- ‌الباب الثالث: في بيان علم الحديث؛ وفيه مسائل

- ‌ ماهية علم الحديث؛ رواية ودراية وموضوعه وغايته:

- ‌ المقصود من علم الحديث:

- ‌ حد المسند والمحدث والحافظ:

- ‌الباب الرابع: في معرفة أنواع الحديث وفيه مقاصد

- ‌ بيان المجموع من أنواعه:

- ‌ بيان الصحيح:

- ‌بيان الصحيح لذاته والصحيح لغيره

- ‌ تفاوت رتب الصحيح:

- ‌ أثبت البلاد في الحديث الصحيح في عهد السلف:

- ‌ أقسام الصحيح:

- ‌ معنى قولهم أصح شيء في الباب كذا:

- ‌ أول من دون الصحيح:

- ‌ بيان أن الصحيح لم يستوعب في مصنف:

- ‌ بيان أن الأصول الخمسة لم يفتها من الصحيح إلا اليسير:

- ‌ ذكر من صنف في أصح الأحاديث:

- ‌بيان الثمرات المجتناة من شجرة الحديث المباركة

- ‌ بيان الحديث الحسن ذكر ماهيته:

- ‌ بيان الحسن لذاته ولغيره:

- ‌ ترقي الحسن لذاته إلى الصحيح بتعدد طرقه:

- ‌ بيان أول من شهر الحسن:

- ‌ معنى قول الترمذي: "حسن صحيح

- ‌ الجواب عن جمع الترمذي بين الحسن والغرابة على اصطلاحه:

- ‌ مناقشة الترمذي في بعض ما يصححه أو يحسنه:

- ‌ بيان أن الحسن على مراتب:

- ‌ بيان كون الحسن حجة في الأحكام:

- ‌ قبول زيادة راوي الصحيح والحسن:

- ‌بيان ألقاب للحديث تشمل الصحيح والحسن وهي الجيد والقوى والصالح والمعروف والمحفوظ والمجود والثابت والمقبول

- ‌ بيان الضعيف ماهية الضعيف وأقسامه:

- ‌ تفاوت الضعيف:

- ‌ بحث الضعيف إذا تعددت طرقه:

- ‌ذكر قول مسلم رحمه الله إن السراوى عن الضعفاء غاش آثم جاهل

- ‌ تشنيع الإمام مسلم على رواة الأحاديث الضعيفة والمنكرة وقذفهم بها إلى العوام، وإيجابه رواية ما عرفت صحة مخارجه:

- ‌ تحذير الإمام مسلم من روايات القصاص والصالحين:

- ‌ ذكر المذاهب في الأخذ بالضعيف واعتماد العمل به في الفضائل:

- ‌ الجواب عن رواية بعض كبار الأئمة عن الضعفاء:

- ‌ ما شرطه المحققون لقبول الضعيف:

- ‌تزييف درع الموسوسين في المتفق على ضعفه

- ‌ ترجيح الضعيف على رأي الرجال:

- ‌ بحث الدواني في الضعيف:

- ‌ مسائل تتعلق بالضعيف:

- ‌ ذكر أنواع تشترك في الصحيح والحسن والضعيف:

- ‌ ذكر أنواع تختص بالضعيف:

- ‌ ذكر مناقشة الفريق الأول لما ذكره أهل المذهب الثاني:

- ‌ ذكر المذهب الثالث في المرسل ممن اعتدل في شأنه وفصل فيه:

- ‌ بيان أكثر من تُروى عنهم المراسيل والموازنة بينهم:

- ‌ ذكر مرسل الصحابة:

- ‌ مراتب المرسل:

- ‌ بحث قول الصحابي من السنة كذا وقوله أمرنا بكذا ونهينا عن كذا:

- ‌ الكلام على الخبر المتواتر وخبر الآحاد:

- ‌ بيان أن خبر الواحد الثقة حجة يلزم به العمل:

- ‌ الكلام على الحديث الموضوع وفيه مباحث:

- ‌الباب الخامس: في الجرح والتعديل وفيه مسائل

- ‌ بيان طبقات السلف في ذلك:

- ‌ بيان أن جرح الضعفاء من النصيحة:

- ‌ بحث تعارض الجرح والتعديل:

- ‌ بيان أن تجريح بعض رجال الصحيحين لا يعبأ به:

- ‌ الناقلون المبدعون:

- ‌ الناقلون المجهولون:

- ‌ قول الراوي حدثني الثقة أو من لا يتهم هل هو تعديل له

- ‌ما وقع في الصحيحين وغيرهما من نحو: اين فلان، أو ولد فلان

- ‌ قولهم: عن فلان أو فلان وهما عدلان

- ‌ من لم يذكر في الصحيحين أو أحدهما لا يلزم منه جرحه:

- ‌ اقتصار البخاري على رواية من روايات إشارة إلى نقد في غيرها:

- ‌ ترك رواية البخاري لحديث لا يوهنه:

- ‌ بيان أن من روى له حديث في الصحيح لا يلزم صحة جميع حديثه:

- ‌ما كان من روى المناكير ضعيف

- ‌ متى يترك حديث المتكلم فيه:

- ‌ جواز ذكر الراوي بلقبه الذي يكرهه للتعريف وأنه ليس بغيبة له:

- ‌ الاعتماد في جرح الرواة وتعديلهم على الكتب المصنفة في ذلك:

- ‌ بيان عدالة الصحابة أجمعين:

- ‌بيان معنى الصحابي

- ‌ تفاضل الصحابة:

- ‌الباب السادس: في الإسناد؛ وفيه مباحث

- ‌ فضل الإسناد:

- ‌ معنى السند والإسناد والمسند والمتن:

- ‌ أقسام تحمل الحديث:

- ‌بحث وحيز في الإجازة، ومعنى قولهم: أجزت له كذا بشرطه

- ‌ أقدم إجازة عثرت عليها:

- ‌ هل قول المحدث حدثنا وأخبرنا وأنبأنا بمعنى واحد أم لا

- ‌ قول المحدث وبه قال حدثنا:

- ‌ الرمز بـ: "ثنا" و"نا" و"أنا" و"ح

- ‌ عادة المحدثين في قراءة الإسناد:

- ‌ الإتيان بصيغة الجزم في الحديث الصحيح والحسن دون الضعيف:

- ‌ متى يقول الراوي "أو كما قال

- ‌السر في تفرقة البخارى بين قوله: حديثا فلان، وقال لى فلان

- ‌ سر قولهم في خلال ذكر الرجال: يعني ابن فلان أو هو ابن فلان:

- ‌ قولهم: دخل حديث بعضهم في بعض:

- ‌ قولهم: "أصح شيء في الباب كذا

- ‌ قولهم: "وفي الباب عن فلان

- ‌ أكثر ما وجد من رواية التابعين بعضهم عن بعض:

- ‌ هل يشترط في رواية الأحاديث السند أم لا:

- ‌ فوائد الأسانيد المجموعة في الأثبات:

- ‌ ثمرة رواية الكتب بالأسانيد في الأعصار المتأخرة:

- ‌ بيان أن تحمل الأخبار على الكيفيات المعروفة من ملح العلم لا من صلبه وكذا استخراج الحديث من طرق كثيرة:

- ‌ توسع الحفاظ رحمهم الله تعالى في طبقات السماع:

- ‌ بيان الفرق بين المخرج "اسم فاعل" والمخرج "اسم مكان

- ‌ سر ذكر الصحابي في الأثر ومخرجه من المحدثين:

- ‌الباب السابع: في أحوال الرواية؛ وفيه مباحث:

- ‌ رواية الحديث بالمعنى:

- ‌ جواز رواية بعض الحديث بشروطه:

- ‌ سر تكرار الحديث في الجوامع والسنن والمسانيد:

- ‌5- ذكر الخلاف في الاستشهاد بالحديث على اللغة والنحو وكذلك بكلام الصحابة وآل البيت رضي الله عنهم:

- ‌الباب الثامن: في‌‌ آداب المحدثوطالب الحديث وغير ذلك؛ وفيه مسائل

- ‌ آداب المحدث

- ‌ آداب طالب الحديث:

- ‌ ما يفتقر إليه المحدث:

- ‌ما يستحب للمحدث عند التحديث

- ‌ بيان طرق درس الحديث:

- ‌ أمثلة من لا تقبل روايته ومنهم من يحدث لا من أصل مصحح:

- ‌ الأدب عند ذكره تعالى وذكر رسوله والصحابة والتابعين:

- ‌ الاهتمام بتجويد الحديث:

- ‌الباب التاسع: في كتب الحديث؛ وفيه فوائد

- ‌ بيان طبقات كتب الحديث:

- ‌ بيان الرموز لكتب الحديث على طريقة الحافظ ابن حجر في التدريب:

- ‌ بيان الرموز لكتب الحديث على طريقة السيوطي في الجامع الكبير والجامع الصغير:

- ‌بيان ما اشتمل على الصحيح فقظ أو مع غيره من هذه الكتب المرموز بها

- ‌ الرجوع إلى الأصول الصحيحة

- ‌ إذا كان عند العالم الصحيحان:

- ‌ هل يجوز الاحتجاج في الأحكام بجميع ما في هذه الكتب من غير توقف أم لا? وهل تعذر التصحيح في الأزمان المتأخرة أم لا

- ‌ الاهتمام بمطالعة كتب الحديث:

- ‌ ذكر أرباب الهمة الجليلة في قراءتهم كتب الحديث في أيام قليلة:

- ‌ قراءة البخاري لنازلة الوباء:

- ‌الباب العاشر: في فقه الحديث

- ‌ بيان أقسام ما دون في علم الحديث:

- ‌ بيان كيفية تلقي الأمة الشرع من النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌ بيان أن السنة حجة على جميع الأمة وليس عمل أحد حجة عليها:

- ‌ العمل بالحديث بحسب ما بدا لصاحب الفهم المستقيم:

- ‌ لزوم الإفتاء بلفظ النص مهما أمكن:

- ‌ حرمة الإفتاء بضد لفظ النص:

- ‌ رد ما خالف النص أو الإجماع:

- ‌ تشنيع المتقدمين على من يقول العمل على الفقه لا على الحديث:

- ‌ رد الإمام السندي الحنفي رحمه الله على من يقول ليس لمثلنا أن يفهم الحديث:

- ‌ رد الإمام السندي رحمه الله أيضًا على من يقرأ كتب الحديث لا للعمل:

- ‌ التحذير من التعسف في رد الأحاديث إلى المذاهب:

- ‌الترهيب من عدم توقير الحديث وهجر من يعرض عنه والغضب لله في ذلك

- ‌ما ينفى من قول أحد عند قول النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌ ما يقوله من بلغه حديث كان يعتقد خلافه:

- ‌ما روى عن السلف في الرجوع إلى حديث

- ‌ حق الأدب فيما لم تدرك حقيقة من الأخبار النبوية:

- ‌ بيان إمرار السلف الأحاديث على ظاهرها:

- ‌ قاعدة الإمام الشافعي رحمه الله في مختلف الحديث:

- ‌ فذلكة وجوه الترجيح بين ما ظاهره التعارض:

- ‌ بحث الناسخ والمنسوخ:

- ‌بحث التحيل على إسقاط حكم أو قلبه

- ‌ بيان أسباب اختلاف الصحابة والتابعين في الفروع:

- ‌ بيان أسباب اختلاف مذاهب الفقهاء:

- ‌ بيان الفرق بين أهل الحديث وأصحاب الرأي:

- ‌ بيان حال الناس في الصدر الأول وبعده:

- ‌ فتوى الإمام تقي الدين أبي العباس فيمن تفقه على مذهب:

- ‌ بيان معرفة الحق بالدليل:

- ‌ بيان أن معرفة الشيء ببرهانه طريقة القرآن الكريم:

- ‌ بيان أن من المصالح هذه المذاهب المدونة وفوائد مهمة من أصل التخريج على كلام الفقهاء وغير ذلك:

- ‌ بيان وجوب موالاة الأئمة المجتهدين وأنه إذا وجد لواحد منهم قول صح الحديث بخلافة فلا بد له من عذر في تركة وبيان العذر:

- ‌الخاتمة في فوائد متنوعة يضطر إليها الأثري:

- ‌ سبيل الترقي في علوم الدين:

- ‌ قاعدة المحققين في مسائل الدين وعلماء الفرق:

- ‌ وصية الغزالي في معاملة المتعصب:

- ‌ بيان من يسلم من الأغلاط:

- ‌تتمة في مقصدين:

- ‌فهرس:

الفصل: ‌ قراءة البخاري لنازلة الوباء:

والعبد الضعيف، جامع هذا الكتاب، قد مَنَّ الله عليه بفضله فأسمع صحيح مسلم رواية ودراية في مجالس من أربعين يومًا آخرها في 28 من شهر صفر الخير سنة "1316" وأسمع أيضًا سنن ابن ماجه كذلك في مجالس من إحدى وعشرين يومًا آخرها في 22 من شهر ربيع الأول سنة "1316" وأسمع أيضًا الموطأ كذلك مجالس من تسعة عشر يومًا آخرها في 15 من شهر ربيع الآخر سنة "1316"، وطالعت بنفسي لنفسي:"تقريب التهذيب" للحافظ ابن حجر مع تصحيح سهو القلم فيه وضبطه وتحشيته من نسخة مصححة جدًّا في مجالس من عشرة أيام آخرها في 18 من شهر ذي الحجة سنة "1315" أقول وهذه الكتب قرأتها بإثر بعضها فأجهدت نفسي وبصرى حتى رمدت بأثر ذلك شفاني الله بفضله وأشفقت من العود إلى مثل ذلك، وتبين أن الخيرة في الاعتدال نعم لا يُنكر أن بعض النفوس لا تتأثر بمثل ذلك لقوة حواسها، وللإنسان بصيرة على نفسه وهو أدري بها!

ص: 263

10-

‌ قراءة البخاري لنازلة الوباء:

نقل القسطلاني رحمه الله تعالى، شارح البخاري، في مقدمة شرحه عن الشيخ أبي محمد عبد الله بن أبي جمرة، قال:"قال لي من العارفين، عمن لقيه من السادة المقر لهم: إن صحيح البخاري ما قرئ في شدة إلا فرجت، ولا ركب به مركب فغرقت". ا. هـ.

وقد جرى على العمل بذلك كثير من رؤساء العلم ومقدمي الأعيان إذا ألم بالبلاد نازلة مهمة فيوزعون أجزاء الصحيح على العلماء والطلبة ويعينون للختام يومًا يفدون فيه لمثل الجامع الأموي أمام المقام اليحيوي في دمشق وفي غيرها، كما يراه مقدموها، وهذا العمل ورثه جيل عن جيل مذ انتشار ذاك القول وتحسين الظن بقائله، بل كان ينتدب بعض المقدمين إلى قراءته موزعًا ثم ختمه اجتماعًا لمرض، والي بلدة أو عظيم من عظمائها مجانًا أو بجائزة، بل قد يستأجر من يقرؤه لخلاص وجيه من سجن أو شفائه من مرض على النحو المتقدم اعتقادًا ببركة هذا الصحيح وتقليدًا لمن مضى ووقوفًا مع ما مر عليه

ص: 263

قرون، وصقله العرف، وفي ذلك من تمكين الاعتقاد بصحيح البخاري والركون إليه، والحرص عليه، ما لا يخفى. ولم يكن يخطر لي أن يناقش أحد في هذا العمل، ويزيفة بمقالة رنانة تطبع وتنشر! نعم ربما يوجد من ينكر ذلك بقلبه، أو يشافه به خاصته، والله أعلم بالضمائر! ولغرابة تلك المقالة آثرت نقلها بحروفها؛ ليحيط الواقف علما بما وصلت إليه حرية الأفكار. وتلك المقالة قدمها أحد الفضلاء الأزهريين في جمادى الآخر سنة "1320" لإحدي المجلات العلمية في مصر فنشرتها عنه، وهاكها بحروفها تحت عنوان:

بماذا دفع العلماء نازلة الوباء؟

دفعوها يوم الأحد الماضي في الجامع الأزهر، بقراءة متن البخاري موزعًا كراريس على العلماء، وكبار المرشحين للتدريس، في نحو ساعة، جريًا على عادتهم من إعداد هذا المتن أو السلاح الجبري؛ لكشف الخطوب، وتفريج الكروب فهو يقوم عندهم في الحرب مقام المدفع والصرام والأسل، وفي الحريق مقام المضخة والماء، وفي الهيضة مقام الحيطة الصحيحة وعقاقير الأطباء، وفي البيوت مقام الخفراء والشرطة وعلى كل حال هو مستنزل الرحمات، ومستقر البركات ولما كان العلماء أهل الذكر والله يقول:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُون} 1، فقد جئت أسألهم بلسان كثير من المسترشدين عن مأخذ هذا الدواء من كتاب الله، أو صحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو رأي مستدل عليه لأحد المجتهدين الذين يقلدونهم، إن كانوا قد أتوا هذا العمل على أنه ديني، داخل في دائرة المأمور به. وإلا فعن أي حذاق الأطباء تلقوه ليتبين للناس منه أو من مؤلفاته عمل تلاوه متن البخاري في درء الهيضة عن الأمة، وأن هذا داخل في نواميس الفطرة أو خارج عنها خارق لها، وإذا كان هذا السر العجيب جاء من جهة أن المقروء حديث نبوي، فلم خص بهذه المزية مؤلف البخاري، ولِمَ لَمْ يجز في هذا موطأ مالك، وهو أعلى كعبًا وأعرق نسبًا وأغزر علمًا، ولا يزال مذهبه حيًّا مشهورًا، وإذا جروا على أن الأمر من وراء الأسباب فلم لا يقرؤه العلماء لدفع ألم الجوع كما يقرءونه لإزالة المغص أو

1 سورة النحل الآية: 43.

ص: 264

القيء أو الإسهال، حتى تذهب شحناء الجراية من صدور كثير من أهل العلم "أي من أهل جامع الأزهر" وعلى هذا القياس يقرأ لكل شيء، ما دامت العلاقة بين الشيء وسببه مفصومة فإن لم يستطيعوا عزو هذا الداء إلى نطاس الأطباء، سألت الملم منهم بالتاريخ أن يرشدنا إلى من سن هذه السنة في الإسلام، وهل قرئ البخاري لدفع الوباء قبل هذه المرة، فإنا نعلم أنه قرئ للعرابيين في واقعة التل الكبير "أي في مصر" فلم يلبثوا أن فشلوا، ومزقوا شر ممزق، ونعلم أنه يقرأ في البيوت لتأمن الحريق والسرقة، ولكن بأجر ليس شيئًا مذكورًا في جانب أجر شركة التأمين المعروفة مع أن الناس يتسابقون إليها تسابقهم إلى شراء الدواء إذا نزل الداء، ويعدلون عن الوقاية التي نحن بصددها، وهي تكاد تتكون بالمجان ويجدون في نفوسهم اطمئنانا لذلك دون هذه فإن لم يجد العلماء عن هذه المسألة إجابة شافية خشيت -كما يخشى العقلاء حملة الأقلام- عليهم حملة تسقط الثقة بهم، حتى من نفس العامة وحينئذ تقع الفوضى الدينية المتوقعة من ضعف الثقة، واتهام العلماء بالتقصير وكون أعمالهم حجة على الدين، هذا وقد لهج الناس بآراء على أثر الاجتماع الهيضي الأزهري، فمن قائل: إن العلماء المتأخرين من عادتهم أن يهربوا في مثل هذه النوازل من الأخذ بالأسباب، والاصطبار على تحملها لمشقتها الشديدة، ويلجئون إلى ما وراء الأسباب من خوارق العادات لسهولته ولإيهام العامة أنهم مرتبطون بعالم أرقى من هذا العالم المعروف النظام فيكسبون الراحة والاحترام معًا فيظهرون على الأمة ظهور إجلال، ويمتكلون قلوبهم ويسيطرون على أروحهم ولهذا تمكثوا حتى فترت شرة الوباء فقرءوا تميمتهم، ليوهموا أن الخطر إنما زال ببركة تميمتهم، وطالع يمنهم ومن قائل: إنهم يخدعون أنفسهم بمثل هذه الأعمال بدليل أن من يصاب منهم لا يعالج مرضه بقراءة كراسة من ذلك الكتاب، بل يعمد إلى المجربات من النعنع والخل وماء البصل وما شابه أو يلجأ إلى الطبيب لا تلتفت نفسه إلى الكراسة التي يعالج بها الأمة فهذا يدل على أن القوم يعملون على خلاف ما في وجدانهم لهذه الأمة خادعين أنفسهم بتسليم أعمل سلفهم، ومن قائل: إن عدوا من أعداء الدين الإسلامي أراد أن يشكك المسلمين فيه فدخل عليهم من جهة تعظيمه

ص: 265

فأوحى إلى قوم من متعالمية السابقين أن يعظموا من شأنه ويرفعوا من قدره حتى يجعلوه فوق ما جاءت له الأديان فيدعون كشف نوائب الأيام بتلاوة أحاديث خير الأيام ويروجون ما يقولون بأنه جرب، وأن من شك فيه فقد طعن في مقام النبوة حتى إذا رسخت هذه العقيدة في الناس وصارت ملكة دينية راسخة عند العوام وجربوها فلم تفلح وقعوا -والعياذ بالله- في الشك وأصابهم دوار الحيرة كما حصل ذلك على أثر واقعة التل الكبير من كثير من الذين لم يتذوقوا الدين من المسلمين حتى كانوا يسألون عن قوة:"البخاري" الحربية ونسبته إلى البوارج ساخرين منه ومن قارئة، ولولا وقوف أهل الفكر منهم على أن هذا العمل ليس من الدين وأن القرآن يقول:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} 1 لضلوا وأضلوا وقد جرأ هذا الأمر غير المسلمين على الخوض في الدين الإسلامي وإقامة الحجة على المسلمين من عمل علمائهم ولا حول ولا قوة إلا بالله، ويقول قوم: إن التقليد بلغ بالعلماء مبلغًا حرم على العقول النظر في علم السلف وإن كذبته العينان وخالف الحسن والوجدان ويقول آخرون -ممن لا خبرة لهم بهمة العلماء في مثل هذه الكوارث- أما كان ينبغي لهم أن ينبثوا في المساجد والأبدية والولائم حاثين الناس على الوقاية من العدوى معاضدين الحكومة في تسكين سورة الأهلين مفاوضين الصحة في فتح المساجد وتعهدها بالنظافة فإن هذا يرتبط بهم أكثر مما يرتبط بوفد أعيان القاهرة جزاه الله خير الجزاء، فإن أعوزهم البيان وخلب القلوب بذلاقة اللسان فلا أقل من أن يؤلفوا رسالة في فهم ما ورد متشابهًا في موضوع العدوى حتى يعلم الناس أن الوقاية من الداء مأمور بها شرعًا وعقلًا وسياسة، فيكون كل فرد عارف عضدًا للحكومة ولو طلبوا من الصحة طبع ما ألفوا وتوزيعه على المصالح والنواحي للبت ذلك شاكرة وكان لهم الأثر النافع.

"وهذا ما يقوله القوم في شأن علمائهم نرفعه إليهم ليكونوا على بينه منه؛ لأنهم لا يختلطون بالناس غالبًا إلا في الولائم والمآتم وإن اختلطوا فقلما يناقشونهم في شيء تحرزًا

1 سورة الأنفال، الآية:61.

ص: 266

من حديثهم في المناقشة، ورميهم مناظرهم بأول وهلة بالزيغ والزندقة؛ فلذلك يجاملونهم ويوافقونهم خشية الهجر والمعاندة. أما أنا فإني لا أزال ألح في طلب الجواب الشافي عن أصل دفع الوباء بقراءة الحديث، وعن منح متن البخاري مزية لم يمنحها كتاب الله الذي نعتقد أنه متعبد بتلاوته دون الحديث؛ ولو كان هذا العمل من غير العلماء الرسميين لضربت عنهم وعن عملهم صفحًا، ولما خططت كلمة، ولكنه من علماء لهم مراكز رسمية، يزاحمون بها مراكز الأمراء، فيجب أن يؤبه لهم، وأن ينظر لعملهم بإزاء مركزهم عن الأمة التي يسألون عنها، والله ولي التوفيق".

هذا ما رأيته، أثبته بحروفه، وقد وقع منشئها بإمضاء "متنصح"، ولو عرفنا اسمه لنسبناه إليه أداء للأمانة إلى أهلها.

ثم رأيت العلامة عصام الدين الطاشكبري الحنفي ذكر في رسالة "الشفاء، لأدواء الوباء" في المطلب السادس نقلًا عن السيوطي أن الدعاء يرفع الطاعون والاجتماع له بدعة، قال: "لأنه وقع في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والصحابة يومئذ متوافرون وأكابرهم موجودون، فلم ينقل عن أحد منهم أنه فعل شيئًا من ذلك، ولا أمر به.

وكذا في القرن الثاني، وفيه خيار التابعين وأتباعهم؛ وكذا في القرن الثالث والرابع. وإنما حدث الدعاء برفعه في الزمن الأخير، وذلك في سنة 749".

ص: 267