المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ماهية الحديث والخبر والأثر - قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث

[جمال الدين القاسمي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات:

- ‌خطبة الكتاب:

- ‌الباب الأول: في التنويه بشأن الحديث وفيه مطالب

- ‌ شرف علم الحديث:

- ‌ فضل راوي الحديث:

- ‌ الأمر النبوي برواية الحديث وإسماعه:

- ‌ حث السلف على الحديث:

- ‌ إجلال الحديث وتعظيمه والرهبة من الزيغ عنه:

- ‌ فضل المحامي عن الحديث والمحيي للسنة:

- ‌ أجر المتمسك بالسنة إذا اتبعت الأهواء وأوثرت الدنيا:

- ‌ بيان أن الوقيعة في أهل الأثر من علامات أهل البدع:

- ‌ ما روي أن الحديث من الوحي:

- ‌ أيادي المحدثين البيضاء على الأمة وشكر مساعيهم:

- ‌الباب الثاني: في معنى الحديث وفيه مباحث

- ‌ماهية الحديث والخبر والأثر

- ‌ بيان الحديث القدسي:

- ‌ ذكر أول من دون الحديث:

- ‌ بيان أكثر الصحابة حديثا وفتوى:

- ‌ ذكر صدور التابعين في الحديث وألفتيا:

- ‌الباب الثالث: في بيان علم الحديث؛ وفيه مسائل

- ‌ ماهية علم الحديث؛ رواية ودراية وموضوعه وغايته:

- ‌ المقصود من علم الحديث:

- ‌ حد المسند والمحدث والحافظ:

- ‌الباب الرابع: في معرفة أنواع الحديث وفيه مقاصد

- ‌ بيان المجموع من أنواعه:

- ‌ بيان الصحيح:

- ‌بيان الصحيح لذاته والصحيح لغيره

- ‌ تفاوت رتب الصحيح:

- ‌ أثبت البلاد في الحديث الصحيح في عهد السلف:

- ‌ أقسام الصحيح:

- ‌ معنى قولهم أصح شيء في الباب كذا:

- ‌ أول من دون الصحيح:

- ‌ بيان أن الصحيح لم يستوعب في مصنف:

- ‌ بيان أن الأصول الخمسة لم يفتها من الصحيح إلا اليسير:

- ‌ ذكر من صنف في أصح الأحاديث:

- ‌بيان الثمرات المجتناة من شجرة الحديث المباركة

- ‌ بيان الحديث الحسن ذكر ماهيته:

- ‌ بيان الحسن لذاته ولغيره:

- ‌ ترقي الحسن لذاته إلى الصحيح بتعدد طرقه:

- ‌ بيان أول من شهر الحسن:

- ‌ معنى قول الترمذي: "حسن صحيح

- ‌ الجواب عن جمع الترمذي بين الحسن والغرابة على اصطلاحه:

- ‌ مناقشة الترمذي في بعض ما يصححه أو يحسنه:

- ‌ بيان أن الحسن على مراتب:

- ‌ بيان كون الحسن حجة في الأحكام:

- ‌ قبول زيادة راوي الصحيح والحسن:

- ‌بيان ألقاب للحديث تشمل الصحيح والحسن وهي الجيد والقوى والصالح والمعروف والمحفوظ والمجود والثابت والمقبول

- ‌ بيان الضعيف ماهية الضعيف وأقسامه:

- ‌ تفاوت الضعيف:

- ‌ بحث الضعيف إذا تعددت طرقه:

- ‌ذكر قول مسلم رحمه الله إن السراوى عن الضعفاء غاش آثم جاهل

- ‌ تشنيع الإمام مسلم على رواة الأحاديث الضعيفة والمنكرة وقذفهم بها إلى العوام، وإيجابه رواية ما عرفت صحة مخارجه:

- ‌ تحذير الإمام مسلم من روايات القصاص والصالحين:

- ‌ ذكر المذاهب في الأخذ بالضعيف واعتماد العمل به في الفضائل:

- ‌ الجواب عن رواية بعض كبار الأئمة عن الضعفاء:

- ‌ ما شرطه المحققون لقبول الضعيف:

- ‌تزييف درع الموسوسين في المتفق على ضعفه

- ‌ ترجيح الضعيف على رأي الرجال:

- ‌ بحث الدواني في الضعيف:

- ‌ مسائل تتعلق بالضعيف:

- ‌ ذكر أنواع تشترك في الصحيح والحسن والضعيف:

- ‌ ذكر أنواع تختص بالضعيف:

- ‌ ذكر مناقشة الفريق الأول لما ذكره أهل المذهب الثاني:

- ‌ ذكر المذهب الثالث في المرسل ممن اعتدل في شأنه وفصل فيه:

- ‌ بيان أكثر من تُروى عنهم المراسيل والموازنة بينهم:

- ‌ ذكر مرسل الصحابة:

- ‌ مراتب المرسل:

- ‌ بحث قول الصحابي من السنة كذا وقوله أمرنا بكذا ونهينا عن كذا:

- ‌ الكلام على الخبر المتواتر وخبر الآحاد:

- ‌ بيان أن خبر الواحد الثقة حجة يلزم به العمل:

- ‌ الكلام على الحديث الموضوع وفيه مباحث:

- ‌الباب الخامس: في الجرح والتعديل وفيه مسائل

- ‌ بيان طبقات السلف في ذلك:

- ‌ بيان أن جرح الضعفاء من النصيحة:

- ‌ بحث تعارض الجرح والتعديل:

- ‌ بيان أن تجريح بعض رجال الصحيحين لا يعبأ به:

- ‌ الناقلون المبدعون:

- ‌ الناقلون المجهولون:

- ‌ قول الراوي حدثني الثقة أو من لا يتهم هل هو تعديل له

- ‌ما وقع في الصحيحين وغيرهما من نحو: اين فلان، أو ولد فلان

- ‌ قولهم: عن فلان أو فلان وهما عدلان

- ‌ من لم يذكر في الصحيحين أو أحدهما لا يلزم منه جرحه:

- ‌ اقتصار البخاري على رواية من روايات إشارة إلى نقد في غيرها:

- ‌ ترك رواية البخاري لحديث لا يوهنه:

- ‌ بيان أن من روى له حديث في الصحيح لا يلزم صحة جميع حديثه:

- ‌ما كان من روى المناكير ضعيف

- ‌ متى يترك حديث المتكلم فيه:

- ‌ جواز ذكر الراوي بلقبه الذي يكرهه للتعريف وأنه ليس بغيبة له:

- ‌ الاعتماد في جرح الرواة وتعديلهم على الكتب المصنفة في ذلك:

- ‌ بيان عدالة الصحابة أجمعين:

- ‌بيان معنى الصحابي

- ‌ تفاضل الصحابة:

- ‌الباب السادس: في الإسناد؛ وفيه مباحث

- ‌ فضل الإسناد:

- ‌ معنى السند والإسناد والمسند والمتن:

- ‌ أقسام تحمل الحديث:

- ‌بحث وحيز في الإجازة، ومعنى قولهم: أجزت له كذا بشرطه

- ‌ أقدم إجازة عثرت عليها:

- ‌ هل قول المحدث حدثنا وأخبرنا وأنبأنا بمعنى واحد أم لا

- ‌ قول المحدث وبه قال حدثنا:

- ‌ الرمز بـ: "ثنا" و"نا" و"أنا" و"ح

- ‌ عادة المحدثين في قراءة الإسناد:

- ‌ الإتيان بصيغة الجزم في الحديث الصحيح والحسن دون الضعيف:

- ‌ متى يقول الراوي "أو كما قال

- ‌السر في تفرقة البخارى بين قوله: حديثا فلان، وقال لى فلان

- ‌ سر قولهم في خلال ذكر الرجال: يعني ابن فلان أو هو ابن فلان:

- ‌ قولهم: دخل حديث بعضهم في بعض:

- ‌ قولهم: "أصح شيء في الباب كذا

- ‌ قولهم: "وفي الباب عن فلان

- ‌ أكثر ما وجد من رواية التابعين بعضهم عن بعض:

- ‌ هل يشترط في رواية الأحاديث السند أم لا:

- ‌ فوائد الأسانيد المجموعة في الأثبات:

- ‌ ثمرة رواية الكتب بالأسانيد في الأعصار المتأخرة:

- ‌ بيان أن تحمل الأخبار على الكيفيات المعروفة من ملح العلم لا من صلبه وكذا استخراج الحديث من طرق كثيرة:

- ‌ توسع الحفاظ رحمهم الله تعالى في طبقات السماع:

- ‌ بيان الفرق بين المخرج "اسم فاعل" والمخرج "اسم مكان

- ‌ سر ذكر الصحابي في الأثر ومخرجه من المحدثين:

- ‌الباب السابع: في أحوال الرواية؛ وفيه مباحث:

- ‌ رواية الحديث بالمعنى:

- ‌ جواز رواية بعض الحديث بشروطه:

- ‌ سر تكرار الحديث في الجوامع والسنن والمسانيد:

- ‌5- ذكر الخلاف في الاستشهاد بالحديث على اللغة والنحو وكذلك بكلام الصحابة وآل البيت رضي الله عنهم:

- ‌الباب الثامن: في‌‌ آداب المحدثوطالب الحديث وغير ذلك؛ وفيه مسائل

- ‌ آداب المحدث

- ‌ آداب طالب الحديث:

- ‌ ما يفتقر إليه المحدث:

- ‌ما يستحب للمحدث عند التحديث

- ‌ بيان طرق درس الحديث:

- ‌ أمثلة من لا تقبل روايته ومنهم من يحدث لا من أصل مصحح:

- ‌ الأدب عند ذكره تعالى وذكر رسوله والصحابة والتابعين:

- ‌ الاهتمام بتجويد الحديث:

- ‌الباب التاسع: في كتب الحديث؛ وفيه فوائد

- ‌ بيان طبقات كتب الحديث:

- ‌ بيان الرموز لكتب الحديث على طريقة الحافظ ابن حجر في التدريب:

- ‌ بيان الرموز لكتب الحديث على طريقة السيوطي في الجامع الكبير والجامع الصغير:

- ‌بيان ما اشتمل على الصحيح فقظ أو مع غيره من هذه الكتب المرموز بها

- ‌ الرجوع إلى الأصول الصحيحة

- ‌ إذا كان عند العالم الصحيحان:

- ‌ هل يجوز الاحتجاج في الأحكام بجميع ما في هذه الكتب من غير توقف أم لا? وهل تعذر التصحيح في الأزمان المتأخرة أم لا

- ‌ الاهتمام بمطالعة كتب الحديث:

- ‌ ذكر أرباب الهمة الجليلة في قراءتهم كتب الحديث في أيام قليلة:

- ‌ قراءة البخاري لنازلة الوباء:

- ‌الباب العاشر: في فقه الحديث

- ‌ بيان أقسام ما دون في علم الحديث:

- ‌ بيان كيفية تلقي الأمة الشرع من النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌ بيان أن السنة حجة على جميع الأمة وليس عمل أحد حجة عليها:

- ‌ العمل بالحديث بحسب ما بدا لصاحب الفهم المستقيم:

- ‌ لزوم الإفتاء بلفظ النص مهما أمكن:

- ‌ حرمة الإفتاء بضد لفظ النص:

- ‌ رد ما خالف النص أو الإجماع:

- ‌ تشنيع المتقدمين على من يقول العمل على الفقه لا على الحديث:

- ‌ رد الإمام السندي الحنفي رحمه الله على من يقول ليس لمثلنا أن يفهم الحديث:

- ‌ رد الإمام السندي رحمه الله أيضًا على من يقرأ كتب الحديث لا للعمل:

- ‌ التحذير من التعسف في رد الأحاديث إلى المذاهب:

- ‌الترهيب من عدم توقير الحديث وهجر من يعرض عنه والغضب لله في ذلك

- ‌ما ينفى من قول أحد عند قول النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌ ما يقوله من بلغه حديث كان يعتقد خلافه:

- ‌ما روى عن السلف في الرجوع إلى حديث

- ‌ حق الأدب فيما لم تدرك حقيقة من الأخبار النبوية:

- ‌ بيان إمرار السلف الأحاديث على ظاهرها:

- ‌ قاعدة الإمام الشافعي رحمه الله في مختلف الحديث:

- ‌ فذلكة وجوه الترجيح بين ما ظاهره التعارض:

- ‌ بحث الناسخ والمنسوخ:

- ‌بحث التحيل على إسقاط حكم أو قلبه

- ‌ بيان أسباب اختلاف الصحابة والتابعين في الفروع:

- ‌ بيان أسباب اختلاف مذاهب الفقهاء:

- ‌ بيان الفرق بين أهل الحديث وأصحاب الرأي:

- ‌ بيان حال الناس في الصدر الأول وبعده:

- ‌ فتوى الإمام تقي الدين أبي العباس فيمن تفقه على مذهب:

- ‌ بيان معرفة الحق بالدليل:

- ‌ بيان أن معرفة الشيء ببرهانه طريقة القرآن الكريم:

- ‌ بيان أن من المصالح هذه المذاهب المدونة وفوائد مهمة من أصل التخريج على كلام الفقهاء وغير ذلك:

- ‌ بيان وجوب موالاة الأئمة المجتهدين وأنه إذا وجد لواحد منهم قول صح الحديث بخلافة فلا بد له من عذر في تركة وبيان العذر:

- ‌الخاتمة في فوائد متنوعة يضطر إليها الأثري:

- ‌ سبيل الترقي في علوم الدين:

- ‌ قاعدة المحققين في مسائل الدين وعلماء الفرق:

- ‌ وصية الغزالي في معاملة المتعصب:

- ‌ بيان من يسلم من الأغلاط:

- ‌تتمة في مقصدين:

- ‌فهرس:

الفصل: ‌ماهية الحديث والخبر والأثر

‌الباب الثاني: في معنى الحديث وفيه مباحث

‌ماهية الحديث والخبر والأثر

الباب الثاني: في معنى الحديث؛ وفيه مباحث

1-

ماهية الحديث والخير والأثر:

اعلم: أن هذه الثلاثة مترادفة عند المحدثين على معنى ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم قولًا أو فعلًا أو تقريرًا أو صفة وفقهاء خراسان يسمعون الموقوف أثرًا والمرفوع خبرًا وعلى هذه التفرقة جرى كثير من المصنفين وقال أبو البقاء1: الحديث هو اسم من التحديث وهو الإخبار ثم سُمي به قول أو فعل أو تقرير نسب إلى النبي عليه الصلاة والسلام ويجمع على: "أحاديث" على خلاف القياس. قال الفراء: واحد الأحاديث أحدوثة ثم جعلوه جمعًا للحديث، وفيه أنهم لم يقولوا أحدوثة النبي. وفي الكشاف:"الأحاديث اسم جمع ومنه حديث النبي". وفي البحر: ليس الأحاديث باسم جمع، بل هو جمع تكسير لحديث على غير القياس كأباطيل، واسم الجمع يأت على هذا الوزن وإنما سميت هذه الكلمات، والعبارات أحاديث كما قال الله تعالى {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِه} 2 لأن الكلمات إنما تتركب من الحروف المتعاقبة المتوالية، وكل واحد من تلك الحروف يحدث عقيب صاحبه؛ أو لأن سماعها يحدث في القلوب من العلوم والمعاني والحديث نقيض القديم كأنه لوحظ فيه مقابلة القرآن والحديث ما جاء عن النبي والخبر ما جاء عن غيره وقيل بينهما عموم وخصوص مطلق فكل حديث خبر من غير عكس". والأثر: ما روي عن الصحابة ويجوز إطلاقه على كلام النبي أيضًا". ا. هـ.

1 ص152.

2 سورة الطور، آية:34.

ص: 61

وفي التدريب1: "يقال أثرت الحديث بمعنى رويته، ويسمى المحدث أثريًّا نسبة للأثر".

وقال الإمام تقي الدين بن تيميه في بعض فتاويه: "الحديث النبوي: هو عند الإطلاق ينصرف إلى ما حُدث به عنه صلى الله عليه وسلم بعد النبوة، من قوله، وفعله، وإقراره، فإن سنته ثبتت من هذه الوجوه الثلاثة، فما قاله، إن كان خبرًا، وجب تصديقه به، وإن كان تشريعًا إيجابا أو تحريما أو إباحة وجب اتباعه فيه، فإن الآيات الدالة على نبوة الأنبياء، دلت على أنهم معصومون فيما يخبرون به عن الله عز وجل فلا يكون خبرهم إلا حقًّا، وهذا معنى النبوة وهو يتضمن أن الله ينبئه بالغيب وأنه ينبئ الناس بالغيب، والرسول مأمور بدعوة الخلق وتبليغهم رسالات ربه". وقد رُوي أن عبد الله بن عمرو كان يكتب ما يسمع من النبي فقال له بعض الناس: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكلم في الغضب فلا تكتب كل ما تسمع". فسأل النبي عن ذلك فقال2: "اكتب! فوالذي نفسي بيده ما خرج من بينهما إلا حق". يعني شفتيه الكريمتين وقد ثبت عن أبي هريرة أنه قال: "لم يكن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحفظ مني إلا عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب بيده ويعي بقلبه، وكنت أعي بقلبي ولا أكتب بيدي". وكان عند آل عبد الله بن عمرو بن العاص نسخة كتبها عن النبي وبهذا طعن بعض الناس في حديث عمرو بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص وقالوا: "إن عنى جده الأدنى محمدًا، فهو مرسل فإنه لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم وإن عنى جده الأعلى فهو منقطع فإن شعيبًا لم يدركه" وأما أئمة الإسلام، وجمهور العلماء فيحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إذا صح النقل إليه مثل مالك بن أنس وسفيان بن عيينة ونحوهما، ومثل الشافعي وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه وغيرهم قالوا: "الجد هو عبد الله

1 ص4.

2 أخرجه أبو داود.

ص: 62

فإنه يجيء مسمى، ومحمد أدركه"، قالوا: "وإذا كانت نسخة مكتوبة من عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان هذا أوكد لها وأدل على صحتها"، ولهذا كان في نسخة عمرو بن شعيب من الأحاديث الفقهية، التي فيها مقدرات ما احتاج إليه عامة علماء الإسلام.

والمقصود أن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أطلق دخل فيه ذكر ما قاله بعد النبوة وذكر ما فعله فإن أفعاله التي أقر عليها حجة لا سيما إذا أمرنا أن نتبعها كقوله1: "صلوا كما رأيتموني أصلى" وقوله2: "لتأخذوا عني مناسككم". وكذلك ما أحله الله له فهو حلال للأمة ما لم يقم دليل التخصيص؛ ولهذا قال: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا} 3 ولما أحل الله له الموهوبة قال: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} 4 ولهذا كان النبي إذا سئل عن الفعل يذكر للسائل أنه يفعله ليبين للسائل أنه مباح وكان إذا قيل له قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قال5:"إني أخشاكم لله وأعلمكم بحدوده". ومما يدخل في مسمى حديثه ما كان يقرهم عليه، مثل إقراره على المضاربة التي كانوا يعتادونها6، وإقراره لعائشة على اللعب بالبنات7، وإقراره في الأعياد على مثل غناء الجاريتين8، ومثل لعب الحبشة بالحراب في المسجد9، ونحو ذلك وإقراره لهم على أكل الضب على مائدته10، وإن كان قد صح عنه أنه ليس

1 رواه أحمد والشيخان والنسائي من حديث مالك بن حويرث.

2 رواه مسلم عن جابر.

3 سورة الأحزاب، الآية:37.

4 سورة الأحزاب، الآية:5.

5 رواه البخاري من حديث عائشة بلفظ آخر.

6 دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يهود خيبر نخلها وأرضها. على أن يعتملوها من أموالهم، وللنبي صلى الله عليه وسلم شطر تمرها وأخرجه الشيخان وأصحاب السنن من حديث ابن عمر.

7 رواه البخاري ومسلم وأبو داود من حديث عائشة رضي الله عنها.

8 لم أجده.

9 عن أنس رضي الله عنه: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة لعبت الحبشة لقدومه فرحًا بذلك متفق عليه.

10 في "باب ما جاء في الضب" أحاديث، منها حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الضب فقال:"لا آكله ولا أحرمه" -متفق عليه- ومن حديث آخر: "لم يكن بأرض قومي، فأجدني أعافه".

ص: 63