الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني: في معنى الحديث وفيه مباحث
ماهية الحديث والخبر والأثر
…
الباب الثاني: في معنى الحديث؛ وفيه مباحث
1-
ماهية الحديث والخير والأثر:
اعلم: أن هذه الثلاثة مترادفة عند المحدثين على معنى ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم قولًا أو فعلًا أو تقريرًا أو صفة وفقهاء خراسان يسمعون الموقوف أثرًا والمرفوع خبرًا وعلى هذه التفرقة جرى كثير من المصنفين وقال أبو البقاء1: الحديث هو اسم من التحديث وهو الإخبار ثم سُمي به قول أو فعل أو تقرير نسب إلى النبي عليه الصلاة والسلام ويجمع على: "أحاديث" على خلاف القياس. قال الفراء: واحد الأحاديث أحدوثة ثم جعلوه جمعًا للحديث، وفيه أنهم لم يقولوا أحدوثة النبي. وفي الكشاف:"الأحاديث اسم جمع ومنه حديث النبي". وفي البحر: ليس الأحاديث باسم جمع، بل هو جمع تكسير لحديث على غير القياس كأباطيل، واسم الجمع يأت على هذا الوزن وإنما سميت هذه الكلمات، والعبارات أحاديث كما قال الله تعالى {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِه} 2 لأن الكلمات إنما تتركب من الحروف المتعاقبة المتوالية، وكل واحد من تلك الحروف يحدث عقيب صاحبه؛ أو لأن سماعها يحدث في القلوب من العلوم والمعاني والحديث نقيض القديم كأنه لوحظ فيه مقابلة القرآن والحديث ما جاء عن النبي والخبر ما جاء عن غيره وقيل بينهما عموم وخصوص مطلق فكل حديث خبر من غير عكس". والأثر: ما روي عن الصحابة ويجوز إطلاقه على كلام النبي أيضًا". ا. هـ.
1 ص152.
2 سورة الطور، آية:34.
وفي التدريب1: "يقال أثرت الحديث بمعنى رويته، ويسمى المحدث أثريًّا نسبة للأثر".
وقال الإمام تقي الدين بن تيميه في بعض فتاويه: "الحديث النبوي: هو عند الإطلاق ينصرف إلى ما حُدث به عنه صلى الله عليه وسلم بعد النبوة، من قوله، وفعله، وإقراره، فإن سنته ثبتت من هذه الوجوه الثلاثة، فما قاله، إن كان خبرًا، وجب تصديقه به، وإن كان تشريعًا إيجابا أو تحريما أو إباحة وجب اتباعه فيه، فإن الآيات الدالة على نبوة الأنبياء، دلت على أنهم معصومون فيما يخبرون به عن الله عز وجل فلا يكون خبرهم إلا حقًّا، وهذا معنى النبوة وهو يتضمن أن الله ينبئه بالغيب وأنه ينبئ الناس بالغيب، والرسول مأمور بدعوة الخلق وتبليغهم رسالات ربه". وقد رُوي أن عبد الله بن عمرو كان يكتب ما يسمع من النبي فقال له بعض الناس: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكلم في الغضب فلا تكتب كل ما تسمع". فسأل النبي عن ذلك فقال2: "اكتب! فوالذي نفسي بيده ما خرج من بينهما إلا حق". يعني شفتيه الكريمتين وقد ثبت عن أبي هريرة أنه قال: "لم يكن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحفظ مني إلا عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب بيده ويعي بقلبه، وكنت أعي بقلبي ولا أكتب بيدي". وكان عند آل عبد الله بن عمرو بن العاص نسخة كتبها عن النبي وبهذا طعن بعض الناس في حديث عمرو بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص وقالوا: "إن عنى جده الأدنى محمدًا، فهو مرسل فإنه لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم وإن عنى جده الأعلى فهو منقطع فإن شعيبًا لم يدركه" وأما أئمة الإسلام، وجمهور العلماء فيحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إذا صح النقل إليه مثل مالك بن أنس وسفيان بن عيينة ونحوهما، ومثل الشافعي وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه وغيرهم قالوا: "الجد هو عبد الله
1 ص4.
2 أخرجه أبو داود.
فإنه يجيء مسمى، ومحمد أدركه"، قالوا: "وإذا كانت نسخة مكتوبة من عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان هذا أوكد لها وأدل على صحتها"، ولهذا كان في نسخة عمرو بن شعيب من الأحاديث الفقهية، التي فيها مقدرات ما احتاج إليه عامة علماء الإسلام.
والمقصود أن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أطلق دخل فيه ذكر ما قاله بعد النبوة وذكر ما فعله فإن أفعاله التي أقر عليها حجة لا سيما إذا أمرنا أن نتبعها كقوله1: "صلوا كما رأيتموني أصلى" وقوله2: "لتأخذوا عني مناسككم". وكذلك ما أحله الله له فهو حلال للأمة ما لم يقم دليل التخصيص؛ ولهذا قال: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا} 3 ولما أحل الله له الموهوبة قال: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} 4 ولهذا كان النبي إذا سئل عن الفعل يذكر للسائل أنه يفعله ليبين للسائل أنه مباح وكان إذا قيل له قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قال5:"إني أخشاكم لله وأعلمكم بحدوده". ومما يدخل في مسمى حديثه ما كان يقرهم عليه، مثل إقراره على المضاربة التي كانوا يعتادونها6، وإقراره لعائشة على اللعب بالبنات7، وإقراره في الأعياد على مثل غناء الجاريتين8، ومثل لعب الحبشة بالحراب في المسجد9، ونحو ذلك وإقراره لهم على أكل الضب على مائدته10، وإن كان قد صح عنه أنه ليس
1 رواه أحمد والشيخان والنسائي من حديث مالك بن حويرث.
2 رواه مسلم عن جابر.
3 سورة الأحزاب، الآية:37.
4 سورة الأحزاب، الآية:5.
5 رواه البخاري من حديث عائشة بلفظ آخر.
6 دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يهود خيبر نخلها وأرضها. على أن يعتملوها من أموالهم، وللنبي صلى الله عليه وسلم شطر تمرها وأخرجه الشيخان وأصحاب السنن من حديث ابن عمر.
7 رواه البخاري ومسلم وأبو داود من حديث عائشة رضي الله عنها.
8 لم أجده.
9 عن أنس رضي الله عنه: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة لعبت الحبشة لقدومه فرحًا بذلك متفق عليه.
10 في "باب ما جاء في الضب" أحاديث، منها حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الضب فقال:"لا آكله ولا أحرمه" -متفق عليه- ومن حديث آخر: "لم يكن بأرض قومي، فأجدني أعافه".