الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
أبواب العمرة
باب وجوب العمرة وفضلها
سقطت البسملة لأبي ذر، وثبتت الترجمة هكذا في روايته عن المستملي، وسقط عنده عن غيره أبواب العمرة، وثبت لأبي نعيم في "المستخرج" كتاب العمرة، وللأصيلي وكريمة باب العمرة وفضلها حسب.
والعمرة في اللغة: الزيارة، وقيل إنها مشتقة من عمارة المسجد الحرام، وجزم المصنف بوجوب العمرة، وهو متابع في ذلك للمشهور عن الشافعي وأحمد وغيرهما من أهل الأثر، والمشهور عن المالكية أن العمرة تطوع وهو قول الحنفية، واستدل الأولون بما في هذا الباب عن ابن عمر، وابن عباس، وبما روي عن جابر مرفوعًا:"الحج والعمرة فريضتان" أخرجه ابن عدي عن ابن لهيعة، وهو ضعيف، ولا يثبت في هذا الباب عن جابر شيء، وبقول صُبي بن معبد لعمر: رأيت الحج والعمرة مكتوبين عليَّ، فأهللت بهما، فقال له: هُديتَ لسنة نبيك، أخرجه أبو داود. وروى ابن خزيمة وغيره في حديث عمر سؤال جبريل عن الإيمان والإِسلام، فوقع فيه:"وأن تحج وتعتمر" وإسناده قد أخرجه مسلم لكن لم يسق لفظه. وبما أخرجه الحاكم والدارقطني عن زيد ابن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحج والعمرة فريضتان" لكن قال الحاكم: الصحيح عن زيد بن ثابت، أنه من قوله، وفيه إسماعيل بن مسلم ضعفوه. وعند ابن ماجه والبيهقي وغيرهما عن عائشة بأسانيد صحيحة، قالت: قلت: يا رسول الله هل على النساء جهاد؟ قال: "نعم جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة".
وروى الترمذي وصححه أن أبا رزين لقيط بن عامر العقيلي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن قال: "حج عن أبيك واعتمر" واستدلوا أيضًا بقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} فوجوب العمرة من عطفها على الحج الواجب، وأيضًا إذا كان الإِتمام واجبًا كان الإبتداء واجبًا، وأيضًا معنى أتموا: أقيموا. وقال الشافعي: في "المعرفة" للبيهقي: والذي هو أشبه بظاهر القرآن، وأولى بأهل العلم عندي وأسأل الله التوفيق، أن تكون العمرة واجبة بأن الله تعالى قرنها مع الحج، فقال:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر قبل أن يحج، وأنه عليه الصلاة
والسلام: "سن إحرامها والخروج منها بطواف وسعي، وحلاق، وميقات، وفي الحج زيادة عمل على العمرة، وظاهر القرآن أولى إذا لم تكن دلالة. وقول الترمذي: عن الشافعي أنه قال: "العمرة سنة لا نعلم أحدًا رخص في تركها وليس فيها شيء ثابت بأنها تطوع" لا يريد به أنها ليست واجبة بدليل قوله: "لا نعلم أحدًا رخص في تركها" لأن السنة التي يراد بها خلاف الواجب يرخص في تركها قطعًا، والسنة تطلق ويراد بها الطريقة، قاله الزين العراقي.
ومذهب الحنابلة الوجوب كالحج، ذكره الأصحاب، لكن قال الزركشي منهم: جزم جمهور الأصحاب بالوجوب، وعنه أنه سنة، واستدل القائلون بالسنة بحديث:"بني الإِسلام على خمس" فذكر الحج دون العمرة، وأجابوا عن ثبوتها في حديث الدارقطني بأنها شاذة، وبحديث الحجاج بن أرطأة عند الترمذي، وقال: حسن صحيح عن جابر قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العمرة أواجبة هي؟ قال: لا وإن تعتمر فهو أفضل. لكن قال: في "شرح المهذب": اتفق الحفاظ على أنه ضعيف، ولا يغتر بقول الترمذي حسن صحيح، وقال الكمال بن الهمام في "فتح القدير": إنه لا ينزل عن كونه حسنًا، والحسن حجة اتفاقًا، وإن قال الدارقطني الحجاج بن ارطأة: لا يحتج به، فقد اتفقت الروايات عن الترمذي على تحسين حديثه هذا. وقد رواه ابن جريج عن محمد بن المنكدر عن جابر وأخرجه الطبراني في الصغير، والدارقطني بطريق آخر عن جابر فيه يحيى بن أيوب، وضعفه، وروى عبد الباقي بن قانع، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحج جهاد والعمرة تطوع" وهو أيضًا حجة وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه: "الحج فريضة، والعمرة تطوع"، وكفى بعبد الله قدوة وتعدد طرق حديث الترمذي الذي اتفقت الروايات على تحسينه يرفعه إلى درجة الصحيح، كما أن تعدد طرق الضعيف ترفعه إلى درجة الحسن، فقام ركن المعارضة، والافتراض لا يثبت مع المعارضة، لأن المعارضة تمنعه من إثبات مقتضاه، ولا يخفى أن المراد من قول الشافعي:"الفرض الظني هو الوجوب عندنا"، ومقتضى ما ذكرناه أن لا يثبت مقتضى ما رويناه أيضًا للاشتراك. في موجب المعارضة، فحاصل التقرير حينئذٍ تعارض مقتضيات الوجوب والنقل فلا يثبت، ويبقى مجرد فعله عليه الصلاة والسلام وأصحابه والتابعين وذلك يوجب السنة، فقلنا بها، وأجابوا عن الآية بأنه لا يلزم من الاقتران بالحج أن تكون العمرة واجبة، فهذا الإستدلال ضعيف، وبأن في قراءة الشعبي والعمرة بالرفع ففصل في هذه القراءة عطف العمرة على الحج ليرتفع الإشكال.
ثم اعلم أن الشافعي ذهب إلى استحباب تكرار العمرة في السنة الواحدة مرارًا، وقال مالك وأصحابه: يكره أن يعتمر في السنة الواحدة أكثر من عمرة واحدة، وقال ابن قدامة: قال آخرون: لا يعتمر في شهر أكثر من عمرة واحدة، وعند أبي حنيفة تكره العمرة في خمسة أيام: يوم عرفة، والنحر وأيام التشريق، وقال أبو يوسف: تكره في أربعة أيام عرفة والتشريق.