الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب المسافر إذا جدَّ به السير يعجل إلى أهله
قوله: "إذا جدَّ به السير" أي: إذا اهتم به وأسرع فيه يقال: جد يجد من باب نصر وضرب.
وقوله: "يعجل إلى أهله" جواب إذا، وفي رواية الكشميهني والنسفي: ويعجل إلى أهله بالواو والجواب حينئذ محذوف تقديره ماذا يصنع ويعجل بضم الياء من التعجيل، ويروى: تعجل بفتح التاء المثناة من التعجيل.
الحديث الثاني والثلاثون
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما بِطَرِيقِ مَكَّةَ، فَبَلَغَهُ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ شِدَّةُ وَجَعٍ، فَأَسْرَعَ السَّيْرَ، حَتَّى كَانَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّفَقِ نَزَلَ، فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعَتَمَةَ، جَمَعَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا.
مطابقته للترجمة ظاهرة، وقد مرَّ هذا الحديث في أبواب تقصير الصلاة، في باب تصلى المغرب ثلاثًا، ومرَّ استيفاء الكلام عليه هناك، وسيأتي من هذا الوجه في أبواب الجهاد.
رجاله خمسة:
قد مرّوا: مرَّ سعيد بن أبي مريم في الأربعين من العلم، ومرَّ محمد بن جعفر في التاسع من الحيض، ومرَّ زيد بن أسلم في الثاني والعشرين من الإيمان، ومرَّ أبوه أسلم في الحادي والتسعين من الزكاة وفي الحديث ذكر صفية بنت أبي عبيد، وقد مرت في الثاني عشر من التقصير، ولا بأس بذكر أبيها أبي عبيد استطرادًا فأقول: هو أبو عبيد بن مسعود بن عمرو بن عمير بن عوف بن عبدة بن غيرة بن عوف بن ثقيف، ذكره ابن حجر وابن عبد البر في الصحابة، وقال الذهبي: أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو صاحب المنبر، استشهد هو وابنه جبر يوم الجسر، المعروف بجسر أبي عبيد في جمع من المسلمين قيل أربعة آلاف بين قتيل وغريق، وقيل: ألف وثمانمائة، وذلك أن عمر لما ولي الخلافة عزل خالد بن الوليد عن العراق والاعنة، وولى أبا عبيد، وذلك سنة ثلاث عشرة فلقي أبو عبيد جافان بين الحيرة
والقادسية، ففض جمعه وقتل أصحابه وأسره ففدى جافان نفسه منه، ثم جمع بزدجرد جموعا عظيمة ووجههم نحو أبي عبيد فالتقوا بعد أن عبر أبو عبيد الجسر أي: جسر الفرات إلى النهروان في المضيق فقطعوا الجسر خلفه واقتتلوا قتالًا عظيمًا ومعهم أفيلة كثيرة، وأمر أبو عبيد المسلمين أن يقتلوا الفيلة أولا، فاستوحشوها فقتلوها عن آخرها، وقدمت الفرس فيلًا أبيض عظيمًا فقدم إليه أبو عبيد فضربه بالسيف فقطع مشرفه، وقطع أبو محجن عرقوبه فحمل الفيل على أبي عبيد فتخبطه برجله، ووقف فوقه، ويقال: إنه برك عليه، وكان ذلك في آخر رمضان أو أول شوال سنة ثلاث عشرة بعد نكاية شديدة كانت منه في المشركين، وأوصى إلى عمر بن الخطاب، ورثاه أبو محجن الثقفي، وكان الذي بعث إليهم يزدجرد مردانشاه بن بهمن في أربعة آلاف دارع، وكان المثنى بن حارثة يومئذ مع أبي عبيد.
وأما ابنه المختار، ويكنى بأبي إسحاق فلم يكن بالمختار، ولد عام الهجرة وليست له صحبة، ولا رؤية، وأخباره غير مرضية حكاها عنه الثقات، مثل الشعبي وسويد بن غفلة وغيرهما، وكان في أول مرة معدودًا في أهل الفضل والخير، إلى أن فارق ابن الزبير، وكان يتزين بطلب دم الحسين، ويسر طلب الدنيا، فيأتي بالكذب والجنون، وكانت إمارته ستة عشر شهرًا، وروي عن ثابت بن هرمز قال: حمل المختار مالًا من المدائن، من عند عمه إلى عليّ، فأخرج كيسًا فيه خمسة عشر درهما فقال: هذا من أجور المومسات فقال له: ويلك ما لي وللمومسات، ثم قام وعليه مقطعة حمراء، فلما سلم قال عليّ: ما له قاتله الله، لو شق عن قلب هذا الآن لوجد ملآن من حب اللات والعزى!! ويقال: إنه كان في أول أمره خارجيًا، ثم صار زيديًا، ثم صار رافضيًا، وكان يضمر بغض عليّ رضي الله تعالى عنه، وأول أمره أنه بعد موت أبيه كان بالمدينة منقطعًا إلى بني هاشم، ثم كان مع علي بالعراق، وسكن البصرة بعد عليّ، وله قصة مع الحسن بن علي لما ولي الخلافة، ووشي إلى عبيد الله بن زياد عنه، بأنه ينكر قتل الحسين فأمر بجلده وحبسه حتى أرسل ابن عمر يشفع فيه، فنفاه إلى الطائف فأقام بها حتى مات يزيد بن معاوية، وقام ابن الزبير في طلب الخلافة فحضر إليه، وعاضده وناصحه، وكان ابن الزبير ولى عبد الله بن مطيع أمر الكوفة، فطلب منه المختار أن يرسله إلى الكوفة ليؤكد أمر بيعته فأرسله ووثق به ووصى عليه، فأظهر المختار أن ابن الزبير دعا في السر للطلب بدم الحسين، ثم أراد تأكيد أمره فادعى أن محمد بن الحنفية هو المهدي الذي سيخرج في آخر الزمان، وأنه أمره أن يدعو الناس إلى بيعته، وزور على لسانه كتابًا فدخل في طاعته جم كثير، فتقوّى بهم، وقام يطلب بثأر الحسين، فاجتمع عليه بشر كثير من الشيعة بالكوفة فتغلب عليها، وتطلب قتلة الحسين، فقتلهم، قتل شمر بن ذي الجوشن الذي باشر قتل الحسين وخولي بن يزيد الذي سار برأسه إلى الكوفة، وعمر بن سعد بن أبي وقاص أمير الجيش الذين حاربوا الحسين حتى قتلوه، وقتل معه ولده حفصًا،
وأرسل إبراهيم بن الأشتر في عسكر كثيف، فلقي عبيد الله بن زياد الذي كان جهز الجيش إلى الحسين فحاربوه، فقتل عبيد الله في تلك الوقعة، فلذلك أحب المختار كثير من المسلمين، فإنه أبلى في ذلك بلاءً حسنًا، وكان يرسل المال إلى ابن عمر، وهو صهره زوج أخته صفية، وإلى ابن عباس، وإلى ابن الحنفية، ويقبلونه، ثم وقع بين ابن الزبير وابن العباس وابن الحنفية ما وقع لكونهما امتنعا من بيعته، فحصرهما ومن كان من جهتهما في الشعب، فبلغ ذلك المختار فأرسل عسكرًا كثيفًا، وأمَّر عليهم أبا عبد الله الجدلي فهجموا مكة وأخرجوهما من الشعب، فلحقا بالطائف فشكر الناس للمختار ذلك، وفي ذلك يقول المختار أنشده له المرزباني:
تسربلت من همدان درعا حصينة
…
ترد العوالي بالأنوف الرواغم
همو نصروا آل النبي محمد
…
وقد أجحفت بالناس إحدى العظائم
وفوا حين أعطوا عهدهم لإمامهم
…
وكفوا عن الإِسلام سيف المظالم
ثم قوي مصعب بن الزبير أمير البصرة عن أخيه عبد الله على المختار بكثير من أهل الكوفة، ممن كان دخل في طاعة المختار، ورجع عنه، فلما التقى المختار ومصعب خذل المختار أولئك الذين كانوا معه، فحوصر المختار في القصر إلى أن قتل هو ومن معه، ولما انقضى المختار سار عبد الملك بن مروان، بعد قليل بجيوش الشام إلى مصعب بن الزبير فقتل، واستولى عبد الملك على البصرة، ثم على الكوفة، وذكر عبد الملك بن عمير أنه رأى عبيد الله بن زياد، وقد أتى برأس الحسين رضي الله تعالى عنه، ثم رأى المختار وقد أتي برأس عبيد الله بن زياد، ثم رأى مصعب بن الزبير وقد أتي برأس المختار، ثم رأى عبد الملك وقد أتي برأس مصعب، وقد شهد على المختار بدعوى النبوءة والكذب الصريح جماعة من أهل البيت، ومما ورد في ذلك ما أخرجه أحمد في مسند عمرو بن الحمق، عن رفاعة الغساني قال: دخلت على المختار فألقى إلى وسادة، وقال: لولا أن أخي جبرئيل قام عن هذه -وأشار إلى أخرى عنده- لألقيتها إليك، فأردت أن أضرب عنقه إلخ الحديث وقال ابن حبان في ترجمة صفية بنت أبي عبيد في الثقات: هي أخت المختار المتنبي بالعراق، وأقوى ما ورد في ذمه ما أخرجه مسلم في صحيحه عن أسماء بنت أبي بكر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"يكون في ثقيف كذاب، ومبير" فشهدت أسماء أن الكذاب هو المختار المذكور وقد قتل المختار محمد بن عمار بن ياسر ظلمًا؛ لأنه سأله أن يحدث عن أبيه بحديث كذب، فلم يفعل فقتله، وقد قال في الإصابة: إنه إذا كان ولد سنة الهجرة، وقد صح أنه لم يبق بمكة، ولا الطائف أحد من قريش ولا ثقيف إلا شهد حجة الوداع، قال: فمن ثم يكون المختار من هذا القسم إلَاّ أن أخباره رديئة. وهذا يرد ما مرَّ من كونه لا رؤية له.