الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأن كلا منهما كان من الحديبية، ويحتمل أن يكون قوله: عمرة الحديبية يتعلق بقوله: حيث ردوه.
قلت: وعلى هذا لابد من تقدير حرف جر باء أو فاء.
سند هذا هو سند الذي قبله إلا أبا الوليد، وهو قد مرَّ في العاشر من الإيمان.
الحديث الثامن
حَدَّثَنَا هُدْبَةُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، وَقَالَ: اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ إِلَاّ الَّتِي اعْتَمَرَ مَعَ حَجَّتِهِ عُمْرَتَهُ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَمِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، وَمِنَ الْجِعْرَانَةِ، حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ، وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ.
قوله: "وقال: اعتمر"، أي: بالإسناد المذكور، وهو عن قتادة، أن أنس بن مالك أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا التي مع حجته، الحديث وكذا ساقه مسلم عن هداب بن خالد، وهو هدبة المذكور.
وقوله: "إلا التي مع حجته" استشكل ابن التين هذا الإِسناد فقال: هو كلام زائد، والصواب أربع عمر في ذي القعدة، قال: وقد عد التي مع حجته في الحديث، فكيف يستثنيها أولًا، وأجاب عياض بأن الراوية صواب، وكأنه قال: في ذي القعدة منها ثلاث، والرابعة عمرته في حجته أو المعنى كلها في ذي القعدة إلا التي اعتمر في حجته؛ لأن التي في حجته كانت في ذي الحجة.
رجاله رجال الأول إلا هدبة ابن خالد، وهو قد مرَّ في الخمسين من مواقيت الصلاة.
الحديث التاسع
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَأَلْتُ مَسْرُوقًا وَعَطَاءً، وَمُجَاهِدًا. فَقَالُوا: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذِي الْقَعْدَةِ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ. وَقَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رضي الله عنهما يَقُولُ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذِي الْقَعْدَةِ، قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ مَرَّتَيْنِ.
قد تقدم الكلام على الخلاف فيما كان صلى الله عليه وسلم به محرمًا في حجته، والجمع بين ما اختلف فيه من ذلك، فأغنى عن إعادته، والمشهور عن عائشة أنه كان مفردًا، وحديثه هذا يشعر بأنه كان قارنًا؛ لأنه لم ينقل أنه اعتمر بعد حجته فلم يبق إلا أنه اعتمر مع حجته، ولم يكن متمتعًا؛ لأنه اعتذر عن ذلك بكونه ساق الهدي، واحتاج ابن بطال إلى تأويل ما وقع عن عائشة وابن عمر هنا، فقال: إنما تجوز نسبة العمرة الرابعة إليه باعتبار أنه أمر الناس بها، وعملت بحضرته لا أنه عليه الصلاة والسلام اعتمرها بنفسه، ومن تأمل ما تقدم من الجمع
استغنى عن هذا التأويل المتعسف.
وقوله: "وقال: سمعت البراء بن عازب إلى قوله: في ذي القعدة قبل أن يحج مرتين"، والجمع بينه وبين ما روى عن غيره من كونها أربعًا هو أنه لم يعد العمرة التي قرنها بحجته، لأن حديثه مقيد يكون ذلك وقع في ذي القعدة والتي في حجته كانت في ذي الحجة، وكأنه لم يعد أيضًا التي صد عنها، وإن كانت وقعت في ذي القعدة أو عدها ولم يعد عمرة الجعرانة لخفائها عليه، كما خفيت على غيره، كما ذكر ذلك محرش الكعبي فيما أخرجه الترمذي، ومن ثم اختلف في عدد عمره فمن قال: أربعًا فهذا وجهه، ومن قال: ثلاثًا أسقط الأخيرة لدخول أفعالها في الحج، ومن قال: اعتمر عمرتين أسقط عمرة الحديبية لكونهم صدوا عنها، وأسقط الأخيرة، لما ذكر، واثبت عمرة القضية والجعرانة، وكل عمره الأربعة كانت في ذي القعدة في أربعة أعوام على ما هو الحق، كما ثبت عن عائشة وابن عباس رضي الله تعالى عنهم لم يعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في ذي القعدة، ولا ينافيه كون عمرته التي مع حجته في ذي الحجة؛ لأن مبدأها كان في ذي القعدة؛ لأنهم خرجوا لخمس بقين من ذي القعدة، كما في الصحيح، وكان إحرامه بها في وادي العقيق قبل أن يدخل ذو الحجة، وفعلها كان في ذي الحجة، فصح طريقا الإثبات والنفي، وأما ما رواه الدارقطني عن عائشة: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة رمضان، فقد حكم الحفاظ بغلط هذا الحديث إذ لا خلاف أن عمره لم تزد على أربع، وقد عينها أنس وعدها وليس فيها ذكر شيء منها في غير ذي القعدة سوى التي مع حجته ولو كانت له عمرة في رجب وأخرى في رمضان لكانت ستًا، ولو كانت أخرى في شوال كما هو في سنن أبي داود عن عائشة أنه عليه الصلاة والسلام اعتمر في شوال كانت سبعًا، والحق في ذلك أنَّ ما أمكن فيه الجمع وجب ارتكابه دفعًا للمعارضة، وما لم يمكن فيه حكم بمقتضى الأصح والأثبت، وهذا أيضًا ممكن فيه الجمع بإرادة عمرة الجعرانة فإنه عليه الصلاة والسلام خرج إلى حنين في شوال والإحرام بها في ذي القعدة، فكان مجازًا للقرب، هذا إن صح وحفظ وإلَاّ فالمعول عليه الثابت، وقال ابن التين: في عدهم عمرة الحديبية التي صد عنها ما يدل على أنها عمرة تامة وفيه إشارة إلى صحة قول الجمهور: إنه لا يجب القضاء على من صد عن البيت خلافًا للحنفية ولو كانت عمرة القضية بدلًا عن عمرة الحديبية لكانتا واحدة، وإنما سميت عمرة القضية والقضاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم قاضى قريشًا فيها، أنها وقعت قضاء عن العمرة التي صد عنها، إذ لو كانت كذلك لكانت عمرة واحدة. وفيه دلالة على جواز الاعتمار في أشهر الحج خلافًا لما كان عليه المشركون، وفي هذا الحديث أن الصحابي الجليل المكثر الشديد الملازمة للنبي صلى الله عليه وسلم قد يخفى عليه بعض أحواله وقد يدخله الوهم والنسيان، لكونه غير معصوم، وفيه رد بعض العلماء على بعض، وحسن الأدب في الرد وحسن التلطف في استكشاف الصواب، إذ ظن السامع خطأ المحدث.