المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أبواب المحصر، وجزاء الصيد - كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري - جـ ١٤

[محمد الخضر الشنقيطي]

فهرس الكتاب

- ‌أبواب العمرة

- ‌باب وجوب العمرة وفضلها

- ‌الحديث الأول

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب من اعتمر قبل الحج

- ‌الحديث الثاني

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثالث

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الرابع

- ‌رجاله سبعة:

- ‌الحديث الخامس

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث السادس

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌رجاله تسعة

- ‌باب عمرة في رمضان

- ‌الحديث العاشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب العمرة ليلة الحصبة

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب عمرة التنعيم

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب الإعتمار بعد الحج بغير هدي

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب أجر العمرة على قدر النصب

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌رجاله سبعة:

- ‌باب المعتمر إذا طاف طواف العمرة، ثم خرج هل يجزئه من طواف الوداع

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌رجاله أربعة

- ‌باب يفعل بالعمرة ما يفعل بالحج

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌رجاله خمسة

- ‌باب متى يحل المعتمر

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث العشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الحادي والعشرون

- ‌رجاله ستة:

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب ما يقول إذا رجع من الحج أو العمرة أو الغزو

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب استقبال الحاج القادمين والثلاثة على الدابة

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب القدوم بالغداة

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب الدخول بالعشي

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب لا يطرق أهله إذا بلغ المدينة

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب من أسرع ناقته إذا بلغ المدينة

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌رجاله أربعة

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب قول الله تعالى: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا}

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب السفر قطعة من العذاب

- ‌الحديث الحادي والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب المسافر إذا جدَّ به السير يعجل إلى أهله

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌خاتمة

- ‌أبواب المحصر، وجزاء الصيد

- ‌باب إذا أحصر المعتمر

- ‌الحديث الأول

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث الثاني

- ‌رجاله سبعة:

- ‌الحديث الثالث

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث الرابع

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب الإحصار في الحج

- ‌الحديث الخامس

- ‌رجاله ستة:

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب النحر قبل الحلق في الحصر

- ‌الحديث السادس

- ‌رجاله ستة:

- ‌الحديث السابع

- ‌رجاله سبعة:

- ‌باب من قال ليس على المحصر بدل

- ‌الحديث الثامن

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب قوله تعالى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}

- ‌الحديث التاسع

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب قول الله عز وجل {أَوْ صَدَقَةٍ} وهي إطعام ستة مساكين

- ‌الحديث العاشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب الإطعام في الفدية نصف صاع

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب النسك بشاة

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌رجاله سبعة:

- ‌باب قول الله عز وجل {فَلَا رَفَثَ}

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب قول الله عز وجل {وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب جزاء الصيد ونحره

- ‌باب إذا صاد الحلال فأهدي للمحرم الصيد أكله

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب إذا رأى المحرمون صيدًا فضحكوا ففطن الحلال

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب لا يعين المحرم الحل الذي قتل الصيد

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب لا يشر المحرم إلى الصيد لكي يصطاده الحلال

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب إذا أهدي للمحرم حمارًا وحشيًا حيًا لم يقبل

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب ما يقتل المحرم من الدواب

- ‌الحديث العشرون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث الحادي والعشرون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌رجاله ستة:

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌رجاله ستة

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب لا يعضد شجر الحرم

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب لا ينفر صيد الحرم

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب لا يحل القتال بمكة

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌باب الحجامة للمحرم

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌رجاله ستة:

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب تزويج المحرم

- ‌الحديث الحادي والثلاثون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب ما ينهى من الطيب للمحرم والمحرمة

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث الثالث والثلاثون

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب الاغتسال للمحرم

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌رجاله ثمانية:

- ‌باب لبس الخفين للمحرم إذا لم يجد النعلين

- ‌الحديث الخامس والثلاثون

- ‌‌‌رجاله خمسة:

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌باب إذا لم يجد الإزار فليلبس السراويل

- ‌الحديث السابع والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب لبس السلاح للمحرم

- ‌الحديث الثامن والثلاثون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب دخول الحرم ومكة بغير إحرام

- ‌الحديث التاسع والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الأربعون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب إذا أحرم جاهلاً وعليه قميص

- ‌الحديث الحادي والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب المحرم يموت بعرفة

- ‌الحديث الثاني والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثالث والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب سنة المحرم إذا مات

- ‌الحديث الرابع والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب الحج والنذور عن الميت والرجل يحج عن المرأة

- ‌الحديث الخامس والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب الحج عمن لا يستطيع الثبوت على الراحلة

- ‌الحديث السادس والأربعون

- ‌رجاله ثمانية:

- ‌باب حج المرأة عن الرجل

- ‌الحديث السابع والأربعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب حج الصبيان

- ‌الحديث الثامن والأربعون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث التاسع والأربعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌الحديث الخمسون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الحادي والخمسون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب حج النساء

- ‌الحديث الثاني والخمسون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثالث والخمسون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الرابع والخمسون

- ‌‌‌رجاله خمسة:

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الخامس والخمسون

- ‌ورجاله أربعة:

- ‌الحديث السادس والخمسون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب من نذر المشي إلى الكعبة

- ‌الحديث السابع والخمسون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثامن والخمسون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث التاسع والخمسون

- ‌خاتمة:

- ‌فضائل المدينة

- ‌باب حرم المدينة

- ‌الحديث الأول

- ‌‌‌رجاله أربعة:

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الرابع

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب فضل المدينة وأنها تنفي الناس

- ‌الحديث الخامس

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب المدينة طابة

- ‌الحديث السادس

- ‌‌‌رجاله خمسة:

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب لابتي المدينة

- ‌الحديث السابع

- ‌باب من رغب عن المدينة

- ‌الحديث الثامن

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث التاسع

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الإيمان يأرز إلى المدينة

- ‌الحديث العاشر

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب إثم من كاد أهل المدينة

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب آطام المدينة

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب لا يدخل الدجال المدينة

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب المدينة تنفي الخبث

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌رجاله ستة:

- ‌الحديث العشرون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب كراهية النبي صلى الله عليه وسلم أن تعرى المدينة

- ‌الحديث الحادي والعشرون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب

- ‌الحديث الثاني والعشرين

- ‌رجاله ستة:

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌ورجاله خمسة:

- ‌خاتمة

- ‌تنويه من الناشر

- ‌خاتمة

الفصل: ‌أبواب المحصر، وجزاء الصيد

بسم الله الرحمن الرحيم

‌أبواب المحصر، وجزاء الصيد

وقول الله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} ثبتت البسملة للجميع، وذكر أبو ذر أبواب بلفظ الجمع، وللباقين باب بالإفراد، وقول الله بالجر عطف على المحصر وفي تفسير الإحصار اختلاف بين الصحابة وغيرهم، فقال كثير منهم: الإحصار من كل حابس حبس الحاج، من عدو ومن مرض وغير ذلك، حتى أفتى ابن مسعود رجلًا لدغ بأنه محصر، أخرجه ابن جرير عنه بإسناد صحيح، وبهذا قال عطاء بن أبي رباح، وإبراهيم النخعي والثوري، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، واحتج هؤلاء بحديث الحجاج بن عمرو الأنصاري، عند أحمد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كسر أو عرج فقد حل، وعليه حجة أخرى قال: فذكرت ذلك لابن عباس وأبي هريرة فقالا: صدق، وقد أخرجه الأربعة عن يحيى بن أبي كثير به، وفي رواية لأبي داود، وابن ماجه من عرج أو كسر أو مرض، فذكر معناه، وقال آخرون: وهم: الليث بن سعد ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق: لا يكون الإحصار إلَاّ بالعدو فقط، فالمحصر بالمرض لا يحل دون البيت، وسواء عند مالك شرط على نفسه عند إحرامه التحلل أو لم يشترط، وقال الشافعي: له شرطه، وإذا نحر هديه وتحلل ينصرف، ولا قضاء عليه إلَاّ أن يكون ضرورة فيحج الفريضة، ولا خلاف بين مالك والشافعي وأصحابهما في ذلك، وقال مالك: أهل مكة في ذلك كأهل الآفاق؛ لأن الإِحصار عنده في المكي: الحبس عن عرفة خاصة، قال: فإن احتاج المريض إلى دواء تداوى به، وافتدى وهو على إحرامه لا يحل من شيء، حتى يبرأ من مرضه، فإذا برأ من مرضه مضى إلى البيت، فطاف به سبعًا، وسعى بين الصفا والمروة، وحل من حجه أو عمرته، وإذا نحر المحصر هديه هل يحلق رأسه أم لا؟ فقال قوم: ليس عليه أن يحلق؛ لأنه قد ذهب عنه النسك كله، وهذا قول أبي حنيفة ومحمد، وقال آخرون: بل يحلق؛ فإن لم يحلق فلا شيء عليه، وهذا قول أبي يوسف، وقال آخرون: يحلق ويجب عليه ما يجب على الحاج والمعتمر، وهو قول مالك والشافعي، واحتج مالك والشافعي وموافقوهم على أن الإِحصار بالعدو خاصة؛ بما أخرجه عبد الرزاق والشافعي عن ابن عباس أنه قال: لا حصر إلَاّ من حبسه عدو فيحل بعمرة، وليس عليه حج ولا عمرة، وروى مالك في الموطأ والشافعي عنه عن ابن عمر قال: من حبس دون البيت بالمرض، فإنه لا يحل

ص: 68

حتى يطوف بالبيت، وروى مالك عن أيوب، عن رجل من أهل البصرة قال: خرجت إلى مكة حتى إذا كنت بالطريق كسرت فخذي فأرسلت إلى مكة وبها عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر والناس فلم يرخص لي أحد أن أحل، فأقمت على ذلك الماء تسعة أشهر، ثم حللت بعمرة، وأخرجه ابن جرير من طرق، وسمى الرجل يزيد بن عبد الله بن الشخير، وقال الشافعي: جعل الله على الناس إتمام الحج والعمرة، وجعل التحلل للمحصر رخصة، وكانت الآية في شأن منع العدو فلم نعد بالرخصة موضعها.

والثالث: قول ابني الزبير عبد الله وعروة: إن المرض والعدو سواء، لا يحل بالطواف، ولا نعلم لهما موافقًا من فقهاء الأمصار.

والقول الرابع: حكاه ابن جرير وغيره: وهو أنه لا حصر بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وروى مالك في الموطأ عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه: المحرم لا يحل حتى يطوف أخرجه في باب ما يفعل من أحصر بغير عدو، وأخرج ابن جرير عن عائشة بإسناد صحيح قالت: لا أعلم المحرم يحل بشيء دون البيت، وعن ابن عباس بإسناد ضعيف قال: لا إحصار اليوم، وروي ذلك عن عبد الله بن الزبير، والسبب في اختلافهم في ذلك اختلافهم في تفسير الإِحصار، فالمشهور عن أكثر أهل اللغة، منهم: الأخفش والكسائي، أن الإحصار إنما يكون بالمرض، وأما بالعدو فهو الحصر، وبهذا جزم النحاس وأثبت بعضهم أن أحصر وحصر بمعنى واحد، يقال في جميع ما يمنع الإنسان من التصرف، قال تعالى {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ} وإنما كانوا لا يستطيعون من منع العدو إياهم، وأما مالك والشافعي فحجتهم في أن لا إحصار بالعدو اتفاق أهل النقل على أن الآيات نزلت في قصة الحديبية حين صد النبي صلى الله عليه وسلم عن البيت فسمى الله تعالى صدر البيت إحصارًا، وحجة الآخرين التمسك بعموم قوله تعالى:{فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} وما مرَّ من الأحاديث، وقوله تعالى {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} روي عن ابن عباس أنه قال: من الأزواج الثمانية، وروي عنه أنه قال: شاة، وبهذا قال عطاء، ومجاهد، وهو مذهب الأئمة الأربعة، وروى عبد الرزاق عنه أنه قال: بقدر يسارته، وقال العوفي عنه: إن موسرًا فمن الإبل، وإلا فمن البقر، وإلَاّ فمن الغنم، وروى ابن أبي حاتم عن عائشة، وابن عمر أنهما كانا لا يريان ما استيسر من الهدي إلَاّ من الإبل والبقر، والظاهر أن مستند هؤلاء فيما ذهبوا إليه قصة الحديبية، فإنه لم ينقل عن أحد منهم أنه ذبح في تحلله ذاك شاة، وإنما ذبحوا الإبل والبقر ففي الصحيحين عن جابر قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بقرة.

وقوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} عطف على قوله {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} وليس معطوفا على قوله {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} كما زعمه ابن جرير؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عام

ص: 69

الحديبية لما حصرهم كفار قريش عن الدخول إلى الحرم، حلقوا وذبحوا هديهم خارج الحرم، وأما في حال الأمن والوصول، فلا يجوز الحلق حتى يبلغ الهدي محله، ويفرغ الناس من أفعال الحج والعمرة -إن كان قارنًا- أو من فعل أحدهما -إن كان مفردًا- أو متمتعًا.

ثم قال: "وقال عطاء: الإحصار من كل شيء يحبسه".

في اقتصاره على تفسير عطاء إشارة إلى أنه اختار القول بتعميم الإحصار، وهي مسألة اختلاف كما مرَّ مستوفى قريبًا، وهذا الأثر وصله عبد بن حميد عن ابن جريج، عنه قال: في قوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} قال: الإحصار من كل شيء يحبسه، وروى ابن المنذر، عن ابن عباس نحوه، ولفظه، فإن أُحصرتم قال: من أحرم بحج أو عمرة، ثم حبس عن البيت بمرض يجهده، أو عدو يحبسه، فعليه ذبح ما استيسر من الهدي، فإن كانت حجة الإِسلام فعليه قضاؤها، وإن كانت حجة بعد الفريضة فلا قضاء عليه، وقد وصله ابن أبي شيبة أيضًا، وعطاء قد مرَّ في التاسع والثلاثين من العلم.

ثم قال: "قال أبو عبد الله: حصورا لا يأتي النساء".

هكذا ثبت هذا التفسير هنا في رواية المستملي خاصة، ونقله الطبري عن سعيد بن جبير وعطاء ومجاهد، وقد حكاه أبو عبيدة في المجاز، وقال: إن له معاني أخرى فذكرها، وهو بمعنى محصور؛ لأنه منع مما يكون من الرجال، وقد ورد فعول بمعنى مفعول كثيرًا، وكان البخاري أراد بذكر هذه الآية الإشارة إلى أن المادة واحدة، والجامع بين معانيها المنع، قال القاضي عياض: اعلم أن ثناء الله تعالى على يحيى بأنه حصور ليس كما قاله بعضهم من أنه كان هيوبا أو لا ذكر له، بل أنكر حذاق المفسرين ونقاد العلماء وقالوا: هذه عيب ونقيصة، ولا يليق بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وإنما معناه معصوم من الذنوب لا يأتيها، كأنه حصر عنها، وقيل: مانعًا نفسه من الشهوات، وقيل: ليست له شهوة في النساء، والمقصود أنه مدح يحيى بأنه حصور ليس أنه لا يأتي النساء كما قيل، بل معناه أنه معصوم من الفواحش والقاذورات، ولا يمنع ذلك من تزويجه بالنساء الحلال، وغشيانهن وإيلادهن بل قد يفهم وجود النسل من دعاء زكريا عليه السلام حيث قال:{هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} كأنه سأل ولدا له ذرية ونسل وعقب.

ثم قال المصنف:

ص: 70