الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مادة واحدة.
وقوله: "يجعلون له عدلا" أي: مثلًا، تعالى الله عن قولهم.
الحديث الخامس عشر
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: انْطَلَقَ أَبِي عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فَأَحْرَمَ أَصْحَابُهُ، وَلَمْ يُحْرِمْ، وَحُدِّثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ عَدُوًّا يَغْزُوهُ، فَانْطَلَقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَبَيْنَمَا أَنَا مَعَ أَصْحَابِهِ يَضْحَكُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا بِحِمَارِ وَحْشٍ، فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ، فَطَعَنْتُهُ، فَأَثْبَتُّهُ، وَاسْتَعَنْتُ بِهِمْ، فَأَبَوْا أَنْ يُعِينُونِي، فَأَكَلْنَا مِنْ لَحْمِهِ، وَخَشِينَا أَنْ نُقْتَطَعَ، فَطَلَبْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَرْفَعُ فَرَسِي شَأْوًا، وَأَسِيرُ شَأْوًا، فَلَقِيتُ رَجُلاً مِنْ بَنِي غِفَارٍ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ قُلْتُ: أَيْنَ تَرَكْتَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: تَرَكْتُهُ بِتَعْهِنَ، وَهُوَ قَائِلٌ السُّقْيَا. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَهْلَكَ يَقْرَءُونَ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَرَحْمَةَ اللَّهِ، إِنَّهُمْ قَدْ خَشُوا أَنْ يُقْتَطَعُوا دُونَكَ، فَانْتَظِرْهُمْ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَبْتُ حِمَارَ وَحْشٍ، وَعِنْدِي مِنْهُ فَاضِلَةٌ. فَقَالَ لِلْقَوْمِ:"كُلُوا" وَهُمْ مُحْرِمُونَ.
قوله: "عن عبد الله بن أبي قتادة" في رواية مسلم: أخبرني عبد الله بن أبي قتادة.
وقوله: "انطلق أبي عام الحديبية" هكذا ساقه مرسلًا، وكذا أخرجه مسلم وأحمد عن هشام، لكن أخرجه أبو داود الطيالسي عن هشام، عن يحيى فقال: عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه أنه انطلق مع النبي صلى الله عليه وسلم، وفي رواية عليّ بن المبارك، عن يحيى المذكورة في الباب الذي يليه: أن أباه حدَّثه.
وقوله: "بالحديبية" أصح من رواية الواقدي من وجه آخر عن عبد الله بن أبي قتادة أن ذلك كان في عمرة القضاء.
وقوله: "فأحرم أصحابه ولم يحرم" الضمير لأبي قتادة بينه مسلم "أحرم أصحابي ولم أحرم"، وفي رواية علي بن المبارك: وأنبئنا بعدو بغيقة، فتوجهنا نحوهم. وفي هذا السياق حذف بينته رواية ابن موهب بعد بابين بلفظ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حاجًّا فخرجوا معه، فصرف طائفة منهم، فيهم أبو قتادة. فقال: خذوا ساحل البحر حتى نلتقي فأخذوا ساحل البحر، فلما انصرفوا، أحرموا كلهم إلَاّ أبا قتادة، وبين المطلب عن أبي قتادة عند سعيد بن منصور مكان صرفهم ولفظه: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا بلغنا الروحاء. ويجمع بين قوله هنا: "عام الحديبية"، وبين قوله الآتي:"خرج حاجًّا" بأن الراوي أراد خرج محرمًا فعبر عن الإحرام بالحج غلطًا أو هو من المجاز السائغ، وأيضًا فالحج في الأصل قصد البيت فكأنه قال: خرج قاصدًا البيت، ولهذا يقال للعمرة: الحج الأصغر، وأخرج البيهقي عن محمد بن
أبي بكر المقدمي، عن أبي عوانة بلفظ خرج حاجًّا أو معتمرًا، فبان أن الشك فيه من أبي عوانة، وقد جزم يحيى بن أبي كثير بأن ذلك كان في عمرة الحديبية، وهذا هو المعتمد.
وقوله: "وحدث النبي" بضم أوله على البناء للمجهول.
وقوله: "بغيقة" أي: في غيقة وهو بفتح الغين المعجمة بعدها ياء ساكنة ثم قاف مفتوحة ثم هاء، قال السكوني: هو ماء لبني غفار بين مكة والمدينة، وقال يعقوب: هو قليب لبني ثعلبة يصب فيه ماء رضوى، ويصب هو في البحر. وحاصل القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج في عمرة الحديبية فبلغ الروحاء، وهي من ذي الحليفة على أربعة وثلاثين ميلًا، أخبروه بأن عدوًّا من المشركين بوادي غيقة، يخشى منهم أن يقصدوا غرته، فجهز طائفة من أصحابه فيهم أبو قتادة إِلى جهتهم، ليأمن شرهم، فلما أمنوا ذلك لحق أبو قتادة وأصحابه بالنبي صلى الله عليه وسلم، فأحرموا إلَاّ هو فاستمر حلالًا؛ لأنه إما لم يجاوز الميقات، وإما لم يقصد العمرة، وبهذا يرتفع الإشكال الذي ذكره أبو بكر الأثرم، قال: كنت أسمع أصحابنا يتعجبون من هذا الحديث ويقولون: كيف جاز لأبي قتادة أن يجاوز الميقات وهو غير محرم؟ ولا يدرون ما وجهه، قال: حتى وجدته في رواية من حديث أبي سعيد فيها: فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحرمنا فلما كنا بمكان كذا إذا نحن بأبي قتادة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في وجه الحديث قال: فإذا أبو قتادة إنما جاز له ذلك لأنه لم يخرج يريد مكة، وهذه الرواية التي أشار إليها تقتضي أن أبا قتادة لم يخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة، وليس كذلك لما بيناه، ولكن في "صحيح ابن حبان" والبزار عن أبي سعيد قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا قتادة على الصدقة، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم محرمون، حتى نزلوا بعسفان، فهذا سبب آخر، ويحتمل جمعهما، والذي يظهر أن أبا قتادة إنما أخر الإحرام لأنه لم يتحقق أنه يدخل مكة، فساغ له التأخير، وقد استدل بقصة أبي قتادة على جواز دخول الحرم بغير إحرام لمن لم يرد حجًا ولا عمرة، وقيل: كانت هذه القصة قبل أن يوقت النبي صلى الله عليه وسلم المواقيت، وأما قول عياض ومن تبعه: إن أبا قتادة لم يكن خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة، وإنما بعثه أهل المدينة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعلمونه أن بعض العرب قصدوا الإغارة على المدينة، فهو ضعيف مخالف لما ثبت في طريق عثمان بن موهب الصحيحة الآتية بعد بابين.
وقوله: "فبينا أبي مع أصحابه يضحك بعضهم إلى بعض"، في رواية علي بن المبارك: فبصر أصحابي بحمار وحش، فجعل بعضهم يضحك إلى بعض، زاد في رواية أبي حازم: وأحبوا لو أني أبصرته، كذا في جميع الروايات، وفي رواية لمسلم:"فجعل بعضهم يضحك إليَّ" بتشديد الياء من إلى، قال عياض: هو خطأ وتصحيف، وإنما سقط عليه لفظة بعض، ثم احتج لضعفها بأنهم لو ضحكوا إليه لكانت أكبر إشارة، وقد قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: هل منكم أحد أمره أو أشار إليه؟ قالوا: لا، وإذا دل المحرم الحلال على الصيد لم يأكل منه اتفاقًا،
وإنما اختلفوا في وجوب الجزاء، وتعقبه النووي بأنه لا يمكن رد هذه الرواية لصحتها، وصحة الرواية الأخرى، وليس في واحدة منهما دلالة ولا إشارة، فإن مجرد الضحك ليس فيه إشارة، قال بعض العلماء: وإنما ضحكوا تعجبًا من عروض الصيد لهم، ولا قدرة لهم عليه، وقول النووي: فإن مجرد الضحك ليس فيه إشارة، صحيح، ولكن لا يكفي في رد دعوى القاضي، فإن قوله:"يضحك بعضهم إلى بعض" هو مجرد ضحك، وقوله:"يضحك بعضهم إليَّ" فيه مزيد أمر على مجرد الضحك والفرق بين الموضعين أنهم اشتركوا في رؤيته فاستووا في ضحك بعضهم إلى بعض، وأبو قتادة لم يكن رآه، فيكون ضحك بعضهم إليه بغير سبب، باعثًا له على التفطن إلى رؤيته، ويؤيد ما قال القاضي ما في رواية مولى أبي قتادة الآتية في الصيد بلفظ:"إذ رأيت الناس متشوفين لشيء، فذهبت انظر، فإذا هو حمار وحش، فقلت: ما هذا؟ قالوا: لا ندري، فقلت: هو حمار وحش، فقالو: هو ما رأيت"، وفي حديث أبي سعيد عند البزار والطحاوي وابن حبان في هذه القصة: وجاء أبو قتادة -وهو حل- فنكسوا رؤسهم كراهية أن يحدوا أبصارهم إليه، فيفطن فيراه.
فكيف يظن بهم مع ذلك أنهم ضحكوا إليه، فتبين أن الصواب ما قال القاضي، وفي قول النووي:"قد صحت الرواية" نظر؛ لأن الاختلاف في إثبات هذه اللفظة وحذفها، لم يقع في طريقين مختلفين، وإنما وقع في سياق إسناد واحد، مما عند مسلم، فكان مع من أثبت لفظ بعض زيادة علم سالمة من الاشكال، فهي مقدمة. وبين أبو حازم في روايته عن عبد الله بن أبي قتادة كما يأتي في الهبة، أن قصة صيده للحمار، كانت بعد أن اجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ونزلوا في بعض المنازل، ولفظه: كنت يومًا جالسًا مع رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في منزل في طريق مكة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم نازل أمامنا والقوم محرمون وأنا غير محرم، وبين في هذه الرواية السبب الموجب لرؤيتهم إياه دون أبي قتادة، بقوله: فأبصروا حمارًا وحشيًّا وأنا مشغول أخصف نعلي، فلم يؤذنوني به، وأحبوا لو أني أبصرته، والتفت فأبصرته. وفي حديث أبي سعيد المذكور أن ذلك وقع وهم بعسفان، وفيه نظر. والصحيح ما يأتي بعد باب عن أبي محمد مولى أبي قتادة، عنه، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالقاحة، ومنا المحرم وغير المحرم، فرأيت أصحابي يتراؤن شيئًا، فنظرت فإذا حمار وحش الحديث، والقاحة بالقاف ومهملة خفيفة بعد الألف: موضع قريب من السقيا، كما سيأتي.
وقوله: "فنظرت" فيه التفات فإن السياق الماضي يقتضي أن يقول: فنظر لقوله. فبينا أبي مع أصحابه، فالتقدير قال أبي: فنظرت، وهذا يؤيد الرواية الموصولة.
وقوله: "فإذا بحمار وحش" قد تقدم أن رؤيته له كانت متأخرة عن رؤية أصحابه، وصرح بذلك في رواية أبي حازم الآتية في الجهاد، ولفظه:"فرأوا حمارًا وحشيًا قبل أن يراه أبو قتادة، فلما رأوه تركوه حتى رآه فركب".
وقوله: "فحملت عليه" في رواية محمد بن جعفر: "فقمت إلى الفرس فأسرجته، ثم ركبت، ونسيت السوط والرمح فقلت لهم: ناولوني السوط والرمح، فقالوا: لا والله لا نعينك عليه بشيء، فغضبت، فنزلت، فأخذتهما، ثم ركبت" وفي رواية فضيل بن سليمان: "فركب فرسًا له -يقال لها: الجرادة- فسألهم أن يناولوه سوطه، فأبوا، فتناوله" وفي رواية أبي النضر: "وكنت نسيت سوطي فقلت لهم: ناولوني سوطي، فقالوا: لا نعينك عليه، فنزلت فأخذته" وعند النسائي عن عثمان بن موهب، وعند ابن أبي شيبة عن عبد العزيز بن رفيع، وأخرج مسلم إسنادهما كلاهما عن أبي قتادة: فاختلس من بعضهم سوطًا. والرواية الأولى أقوى، ويمكن الجمع بينهما بأنه رأى في سوط نفسه تقصيرًا، فأخذ سوط غيره، واحتاج إلى اختلاسه لأنه لو طلبه منه اختيارًا لامتنع.
وقوله: "فطعنته، فأثبته" بالمثلثة ثم الموحدة ثم المثناة: أي جعلته ثابتًا في مكانه لا حراك به، وفي رواية أبي حازم:"فشددت على الحمار فعقرته، ثم جئت به وقد مات" وفي رواية أبي النضر: "حتى عقرته، فأتيت إليهم، فقلت لهم: قوموا فاحتملوا، فقالوا: لا نمسه، فحملته حتى جئتهم به".
وقوله: "فأكلنا من لحمه" في رواية فضيل عن أبي حازم: "فأكلوا فندموا" وفي رواية محمد بن جعفر عن أبي حازم: "فوقعوا يأكلون منه، ثم إنهم شكوا في أكلهم إياه وهم حرم، فرحنا، وخبأت العضد معي"، وفي رواية مالك عن أبي النضر:"فأكل منه بعضهم، وأبى بعضهم" وفي رواية أبي سعيد: "فجعلوا يشوون منه" وفي رواية المطلب عن أبي قتادة، عن سعيد بن منصور:"فظللنا نأكل منه ما شئنا طبيخًا وشواء، ثم تزودنا منه".
وقوله: "وخشينا أن نقتطع" أي: نصير مقطوعين عن النبي صلى الله عليه وسلم، منفصلين عنه لكونه سبقهم، وكذا قوله بعد هذا:"وخشوا أن يقتطعوا دونك" وبيّن ذلك رواية علي بن المبارك عند أبي عوانة بلفظ: "وخشينا أن يقتطعنا العدو"، وفيها عند المصنف:"وخشوا أن يقتطعهم العدو دونك" وهذا يشعر بأن سبب إسراع أبي قتادة لإدراك النبي صلى الله عليه وسلم خشيةً على أصحابه أن ينالهم بعض أعدائهم، وفي رواية أبي النضر الآتية في الصيد:"فأبى بعضهم أن يأكل، فقلت: أنا أستوقف لكم النبي صلى الله عليه وسلم، فأدركته فحدثته" الحديث، ففي هذا أن سبب إدراكه أن يستفتيه عن قصة أكل الحمار، ويمكن الجمع بأن يكون ذلك بسبب الأمرين.
وقوله: "أرفع فرسي" بالتخفيف والتشديد أي أكلفه السير.
وقوله: "شأواً" بالشين المعجمة بعدها همزة ساكنة أي: تارة والمراد أنه يركضه تارة، ويسير بسهولة أخرى.
وقوله: "فلقيت رجلًا من بني غفار" قال في "الفتح": لم أقف على اسمه.
وقوله "تركته بتعهن" بموحدة مكسورة فمثناه مفتوحة فعين مهملة ساكنة فهاء مكسورة ثم نون لأبي ذر، وللكشميهني "بتعهن" بكسر الفوقية والهاء، ولغيره بفتحهما، وحكى أبو ذر الهروي أنه سمع أهل ذلك المكان يفتحون الهاء، وفي "القاموس": تعهن -مثلث الأول مكسور الهاء-: وهي عين ماء على ثلاثة أميال من السقيا.
وقوله: "وهو قائل السقيا" بضم السين المهملة وإسكان القاف ثم مثناه تحتية مفتوحة مقصور قرية جامعة بين مكة والمدينة، وهي من أعمال الفرع بضم الفاء وسكون الراء آخره عين مهملة، و"قايل" بالمثناة التحتية من غير همز كما في الفرع وصحح عليه، وفي غيره بالهمزة، وقال النووي: روي بوجهين أصحهما وأشهرهما بهمزة بين الألف واللام من القيلولة أي: تركته بتعهن، وفي عزمه أن يقيل بالسقيا، ومعنى قائل: سيقيل، والوجه الثاني: قابل بالموحدة، وهو ضعيف وغريب وتصحيف، وإن صح فمعناه أن تعهن موضع مقابل السقيا، وقال في "المفهم" وتبعه في "التنقيح": وهو قائل اسم فاعل من القول، ومن القائلة أيضًا، والأول هو المراد هنا، والسقيا مفعول بفعل مقدر كأنه كان بتعهن، وهو يقول لأصحابه اقصدوا السقيا، قال في "المصابيح": يصح كل من الوجهين أي: القول والقائلة، فإنه أدركه في وقت قيلولته، وهو عازم على المسير إلى السقيا، إما بقرينة حالية أو مقالية، ولا مانع من ذلك أصلًا وليتأمل قوله:"فإنه أدركه وقت قيلولته" فإن لقي أبي قتادة الغفاري كان في جوف الليل، وقصة الحمار كانت بالقاحة كما يأتي بعد باب، وهي على ميل من السقيا إلى جهة المدينة، فالظاهر أن لقيا الغفاري له عليه الصلاة والسلام إنما كان ليلًا لا نهارًا، وعلى الوجه الأول: الضمير في قوله وهو للنبي صلى الله عليه وسلم، وعلى الثاني: الضمير لموضع وهو تعهن ولا شك أن الأول أصوب وأكثر فائدة، وعند الإسماعيلي عن هشام: وهو قائم بالسقيا، فأبدل اللام في قائل ميما وزاد الباء في السقيا، قال الإسماعيلي: الصحيح قائل باللام وزيادة الباء توهي الاحتمال الأخير المذكور.
وقوله: "فقلت: يا رسول الله" في السياق حذف، تقديره: فسرت فأدركته فقلت، ويوضحه رواية عليّ بن المبارك في الباب الذي يليه بلفظ: فلحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتيته فقلت: يا رسول الله.
وقوله: "إن أهلك يقرؤن عليك السلام" المراد بالأهل هنا الأصحاب بدليل رواية مسلم وأحمد وغيرهما من هذا الوجه بلفظ: إن أصحابك.
وقوله: "فانتظرهم" بصيغة فعل الأمر من الانتظار زاد مسلم من هذا الوجه: "فانتظرهم" بصيغة الفعل الماضي منه، ومثله لأحمد عن ابن علية، وفي رواية عليّ بن المبارك: فانتظرهم ففعل.