الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعزاه للفتح، ولم أره فيه في محل من محال الحديث الذي ذكره فيه، وبنى القسطلاني على ما عزاه للفتح قوله: لكن لا أعلم هل خرج عبد الله بن جعفر من المدينة إلى مكة، بعد أن دخلها مع أبيه من الحبشة، حتى استقبل النبي صلى الله عليه وسلم حين قدومه مكة في الفتح، فلينظر ذلك، قلت: لم نجد في كتاب ما يدل على أنه خرج من المدينة إلى مكة، وعند الطبراني عن ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام كان حينئذ راكبًا على ناقته، وأخرج مسلم عن سلمة بن الأكوع: لقد قلت بنبيِّ الله صلى الله عليه وسلم والحسن والحسين بغلته الشهباء حتى أدخلتهم حجرة النبي صلى الله عليه وسلم، هذا قدّامه وهذا خلفه، وقول صاحب الفتح: وكون الترجمة لتلقي القادم من الحج، والحديث دال على تلقي القادم للحج ليس بينهما تخالف لاتفاقهما من حيث المعنى، تعقبه العيني فقال: لا نسلم كون الترجمة لتلقي القادم من الحج، بل هي لتلقي القادم للحج، والحديث يطابقه، وقد ظن هذا القائل ذهولًا منه أن الترجمة وضعت لتلقي القادم من الحج وليس كذلك، ولو علم أن لفظ الاستقبال في الترجمة مصدر مضاف إلى مفعوله، والفاعل ذكره مطوي لما احتاج إلى قوله: وكون الترجمة إلى آخره، فالحديث فيه تلقي القادم للحج، وتلك العادة إلى الآن يتلقى المجاورون وأهل مكة القادمين من الركبان، نعم يؤخذ منه بطريق القياس تلقي القادمين من الحج. بل ومَن في معناهم كمن قدم من جهاد أو سفر تأنيسًا وتطييبًا لقلوبهم، وفي المسند وصحيح الحاكم عن عائشة قالت: أقبلنا من مكة في حج أو عمرة، فتلقانا غلمان من الأنصار كانوا يتلقون أهاليهم إذا قدموا، وذكر ابن رجب في الطائفة عن الحكم قال: قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: لو يعلم المقيمون ما للحجاج عليهم من الحق، لأتوهم حين يقدمون حتى يقبلوا رواحلهم؛ لأنهم وفد الله في جميع الناس، وما للمنقطع حيلة سوى التعلق بأذيال الواصلين، وفي الحديث جواز ركوب الثلاثة فأكثر على دابة عند الطاقة، وما روى من كراهة ركوب الثلاثة على دابة لا يصح، قال في الفتح: قد يجمع بين مختلف الحديث في ذلك فيحمل ما ورد في الزجر عن ذلك، على ما إذا كانت الدابة غير مطيقة، كالحمار مثلًا وعكسه على عكسه كالناقة والبغلة، قال النووي: مذهبنا ومذهب العلماء كافّة جواز ركوب ثلاثة على الدابة، إذا كانت مطيقة، وحكى القاضي عياض معه عن بعضهم مطلقًا، وهو فاسد، قال في الفتح: لم يصرح أحد بالجواز مع العجز، ولا بالمنع مع الطاقة، بل المنقول من المطلق في المنع والجواز محمول على المقيد.
رجاله خمسة:
قد مرّوا: وفيه حمله عليه الصلاة والسلام واحدًا بين يديه وآخر خلفه. مرَّ معلي بن أسد في الرابع والثلاثين من الحيض، ومرَّ يزيد ابن زريع في السادس والتسعين من الوضوء، ومرَّ خالد الحذاء وعكرمة في السابع عشر من العلم، ومرَّ العباس في الخامس من بدء الوحي، والذي بين يديه عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، والذي خلفه قثم بن العباس، هكذا قال في الفتح.
والأول: عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم أبو محمد أو أبو هاشم أو أبو جعفر وهي أشهر، أمه أسماء بنت عميس الخثعمية، ولد بأرض الحبشة لما هاجر أبواه إليها، وهو أول مولود ولد من المسلمين بها، وولد بها أيضًا أخواه محمد وعون وولد للنجاشي ولد فسماه عبد الله فأرضعته أسماء حتى فطمته ولما توجه جعفر في السفينة إلى النبي صلى الله عليه وسلم حمل امرأته أسماء وأولاده منها عبد الله، ومحمدًا وعونًا حتى قدموا المدينة، روى ابن جريج أن عبد الله بن جعفر قال: مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسي وقال: "اللهم اخلف جعفرًا في ولده" وأخرج أحمد بسند قوي أنه قال: كنا نلعب فمر بنا على دابة فحملني أمامه، ومن طريق محمد بن أبي يعقوب في قصة موته أنه عليه الصلاة والسلام قال:"أما عبد الله فيشبه خلقي وخلقي" ثم أخذ بيدي فقال: "اللهم اخلف جعفرًا في أهله، وبارك لعبد الله في صفقة يمينه" قالها ثلاث مرات، وفيه:"وأنا وليهم في الدنيا والآخرة" وروى البغوي أنه عليه الصلاة والسلام مرَّ بعبد الله ابن جعفر وهو يبيع مع الصبيان، فقال:"اللهم بارك له في بيعه أو صفقته" وروى مسلم عنه أنه قال: أردفني النبي صلى الله عليه وسلم يومًا فأسر إليَّ حديثا لا أحدث به أحدًا من الناس الحديث، تزوج أمَّه أبو بكر الصديق، فكان محمد أخاه لأمه، ثم تزوجها عليّ فولدت له يحيى، وكان أحد أمراء عليّ يوم صفين، وكان يقال له: قطب السخاء، قال ابن عبد البر: كان كريمًا جوادًا ظريفًا عفيفًا سخيًا، يسمى بحر الجود، ويقال: إنه لم يكن في الإِسلام أسخى منه، وكان لا يرى بأسا بسماع الغناء، وكان إذا قدم على معاوية أنزله داره، وأظهر له من بره وإكرامه ما يستحقه، وكان ذلك يغيظ فاختة بنت قرظة بن عبد عمرو بن نوفل بن عبد مناف، زوجة معاوية، فسمعت ليلة غناء عند عبد الله بن جعفر فجاءت إلى معاوية فسمع وقالت هلم فاسمع ما في منزل هذا الرجل الذي جعلته بين لحمك ودمك فجاء معاوية وانصرف، فلما كان في آخر الليل سمع معاوية قراءة عبد الله بن جعفر فجاء فانبه فاختة وقال لها: اسمعي مكان ما أسمعتني، ويقولون إن أجواد العرب في الإِسلام عشرة.
فأجود أهل الحجاز: عبد الله بن جعفر وعبيد الله بن العباس وسعيد ابن العاص.
وأجود أهل الكوفة: عتاب بن ورقاء -أحد بني رباح بن يربوع- وأسماء بن خارجة بن حفص الفزاري، وعكرمة بن ربعي الفياض -أحد بني تيم الله بن ثعلبة-.
وأجود أهل البصرة: عمرو بن عبيد الله بن معمر وطلحة بن عبد الله بن خلف الخزاعي ثم أحد بني مليح وهو طلحة الطلحات، وعبيد الله بن أبي بكرة.
وأجود أهل الشام: خالد بن عبد الله بن خالد بن أسد بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، وليس في هؤلاء كلهم أجود من عبد الله بن جعفر، ولم يكن مسلم يبلغ مبلغه في الجود وعوتب في ذلك فقال: إن ربي عودني عادة، وعودت الناس عادة فأنا أخاف إن قطعتها قطعت عني، ومدحه نصيب فأعطاه إبلا وخيلًا وثيابًا ودنانير ودراهم، فقيل له: تعطي لهذا
الأسود مثل هذا، فقال: إن كان أسود فشعره أبيض، ولقد استحق بما قال أكثر مما نال، وهل أعطيناه إلا ما يفنى ويبلى، وأعطانا مدحا يروى وثناء يبقى، وقيل: إنما جرى هذا الخبر لعبد الله بن جعفر مع عبد الله بن قيس الرقيات، وأخباره في الجود كثيرة جدًا شهيرة، ومن سخائه ما روي أنه أسلف الزبير ألف ألف درهم، فلما توفي الزبير جاء ابنه عبد الله إلى ابن جعفر وقال له: إني وجدت في كتب أبي أن له عليك ألف ألف درهم، فقال: هو صادق، فاقبضها إذا شئت، ثم وجده فقال: وهمت المال لك عليه، فقال: لا أريد ذلك.
له خمسة وعشرون حديثًا، اتفقا على حدثيين، روى عن عمه علي وأبي بكر، وعثمان، وعمار بن ياسر، وروى عنه بنوه إسماعيل وإسحاق ومعاوية، وأبو جعفر الباقر وغيرهم، كان له عند موت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، ومات سنة ثمانين عام الجحاف، وهو سيل كان ببطن مكة جحف الحاج، وذهب بالإبل، وعليها الحمولة وصلى عليه أبان بن عثمان، وهو أمير المدينة حينئذ لعبد الملك بن مروان وكان له يوم مات تسعون سنة أو ثمانون.
والثاني: قثم بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم أخو عبد الله وأخوته، أمه أم الفضل، قال ابن السكن: كان يشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصح سماعه منه، وأخرج البغوي أن أم الفضل قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: رأيت كان في بيتي عضوًا من أعضائك قال: "خيرًا رأيت، تلد فاطمة غلامًا، ترضعينه بلبن ابنك قثم" فولدت الحسن الحديث، وهذا الحديث يدل على أن الحسن أصغر من قثم، وقال البخاري في التاريخ: عن عبد الله بن جعفر قال: لو رأيتني وقثم بن العباس وعبيد الله بن العباس نلعب، إذ مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم على دابته، فقال:"ارفعوا هذا إليَّ فحملني أمامه، ثم قال لقثم: ارفعوا هذا إليَّ فحمله وراءه" وكان عبيد الله أحب إلى العباس، فلم يستح من عمه أن قثما تركه، وقال ابن عباس: وعلى أن قثما كان آخر الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك أنه كان آخر من خرج من قبره، ممن نزل فيه، وقد ادعى ذلك المغيرة بن شعبة في قصة لم تثبت، كان قثم واليًا لعلي رضي الله تعالى عنه على مكة، وذلك أن عليًا لما ولي الخلافة عزل خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة المخزومي عن مكة، وولاها أبا قتادة الأنصاري، ثم عزله وولى قثم بن العباس، ولم يزل واليا إلى أن قتل علي رضي الله تعالى عنه، وقيل: إنه كان واليا على المدينة، مات قثم بسمرقند، واستشهد بها، وكان خرج إليها مع سعيد بن عثمان بن عفان زمن معاوية، وفيه يقول داود بن سلم:
عتقت من حلي ومن رحلتي
…
يا ناق إن أدنيتني من قثم
إنك إن أدنيت منه غدًا
…
حالفني اليسر ومات العدم
في كفه بحر وفي وجهه
…
بدر وفي العرنين منه شمم
أصم عن فعل الخنا سمعه
…
وما عن الخير به من صمم
لم يدر مالا وبلى قد درى
…
فعافها واعتاض منها نعم