الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب المدينة طابة
أي: من أسمائها، إذ ليس في الحديث أنها لا تسمى بغير ذلك.
الحديث السادس
حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ رضي الله عنه: أَقْبَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ تَبُوكَ حَتَّى أَشْرَفْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ: "هَذِهِ طَابَةُ".
هذا طرف من حديث أبي حميد الساعدي الماضي مطولًا، في أواخر الزكاة في باب خرص التمر، ومرَّ الكلام عليه هناك مستوفى، وفي بعض طرقه: طابة، وفي بعضها: طيبة؛ وطيبة كهيبة، وطيبة كصيبة، وطائب ككاتب، فهذه الثلاثة مع طابة كشامة أخوات لفظًا ومعنى، مختلفات صيغة. ومبني، وروى مسلم عن جابر بن سمرة مرفوعًا:"إن الله سمى المدينة طابة" ورواه أبو داود الطيالسي في "مسنده"، عن شعبة، عن سماك بلفظ:"كانوا يسمون المدينة يثرب فسماها النبي صلى الله عليه وسلم طابة"، وأخرجه أبو عوانة، والطاب والطيب لغتان بمعنى، واشتقاقهما من الشيء الطيب، وقيل: لطهارة تربتها، أو لطهارتها من الشرك، وحلول الطيب عليه الصلاة والسلام بها، وقيل: لطيبها لساكنها، وقيل: من طيب العيش بها، وقال بعض أهل اللغة: وفي طيب ترابها وهوائها دليل شاهد على صحة هذه التسمية؛ لأن من أقام بها يجد من تربتها، وحيطانها رائحة طيبة، لا تكاد توجد في غيرها، وقال الحافظ: أمر المدينة في طيب ترابها وهوائها يجده من أقام بها، ويجد لطيبها أقوى رائحة، ويتضاعف طيبها فيها عن غيرها من البلاد، وكذلك العود وسائر أنواع الطيب، ولله در الإشبيلي حيث قال: لتربة المدينة نفحة ليس كما عهد من الطيب، بل هو عجيب من الأعاجيب، ولها أسماء كثيرة، وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى، منها: ما رواه عمر بن شبة في أخبار المدينة من رواية زيد بن أسلم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "للمدينة عشرة أسماء، هي: المدينة، وطابة، وطيبة، والمطيبة، والمسكينة، والدار، وجابرة، ومجبورة، ومنيرة، ويثرب"، وعن محمد بن أبي يحيى قال: لم أزل أسمع أن للمدينة عشرة أسماء هي: المدينة، وطيبة، وطابة، والمطيبة، والمسكينة، والمدرى، والجابرة، والمجبورة، والمحببة، المحبوبة، وزاد الزبير في أخبار المدينة عن ابن أبي يحيى:"والقاصمة" وعن أبي سهل بن مالك، عن كعب الأحبار قال نجد في كتاب الله
الذي أنزل على موسى أن الله قال للمدينة: يا طيبة، ويا طابة، ويا مسكينة! لا تقبلي الكنوز، أرفع أجاجيرك على القرى، وروى الزبير عن عبد الله بن جعفر قال: سمى الله المدينة: الدار والإيمان، ومن أسمائها بيت الرسول صلى الله عليه وسلم قال تعالى:{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ} أي: من المدينة لاختصاصها به؛ اختصاص البيت بساكنه، والحرم لتحريمها كما مرَّ، والحبيبة؛ لحبه عليه الصلاة والسلام لها، ودعائه به، وحرم الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنه الذي حرمها، وللطبراني بسند رجاله ثقات: حَرَمُ إبراهيمَ مكةٌ، وحرمي المدينةُ. وحسنة، قال الله تعالى:{لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} أي: مباءة حسنة وهي المدينة، ودار الأبرار، ودار الأخيار لأنها دار المختار، والمهاجرين والأنصار، وتنفي شرارها، ومن أقام بها منهم فليست له في الحقيقة بدار، وربما نقل منها بعد الأقبار، ودار السنة، ودار السلامة، ودار الفتح، ودار الهجرة؛ فمنها فتح سائر الأمصار، وإليها هجرة المختار، ومنها انتشرت السنة في الأقطار، والشافية؛ لحديث ترابها شفاء من كل داء، وذكر ابن مسدي الاستشفاء بتعليق أسمائها على المحموم، وقبة الإِسلام: لحديث: "المدينة قبة الإِسلام"، والمؤمنة؛ لتصديقها به حقيقة بخلقه، فيها قابلية ذلك كما في تسبيح الحصى، أو مجازًا لاتصاف أهلها وانتشاره منها، وفي خبر: والذي نفسي بيده إن تربتها لمؤمنة، وفي آخر: إنها لمكتوبة في التوراة مؤمنة، والمباركة؛ لأن الله تعالى بارك فيها بدعائه عليه الصلاة والسلام وحلوله فيها، والمختارة؛ لأن الله تعالى اختارها للمختار من خلقه، والمحفوظة؛ لحفظها من الطاعون والدجال وغيرهما، ومدخل صدق، والمرزوقة أي: مرزوق أهلها، والمسكينة كما مرَّ عن التوراة والمسكنة الخضوع والخشوع خلقه الله فيها، أو هي مسكن الخاشعين -أسال الله العظيم بوجاهة وجهه الوجيهة ونبيه النبيه عليه الصلاة والسلام أن يجعلني من ساكنيها المقربين حيًّا وميتًا؛ إنه جابر المنكسرين، وواصل المنقطعين- ومنها المقدسة؛ لتنزهها عن الشرك وكونها تنفي الذنوب، وأكالة القرى لغلبتها الجميع فضلًا، وتسلطها عليها، وافتتاحها بأيدي أهلها فغنموها وأكلوها، وروى الزبير في أخبار المدينة عبد العزيز الدراوردي أنه قال: بلغني أن للمدينة في التورية أربعين اسمًا، وذكر الشامي في "سيرته": لها نحو مائة اسم، وها أنا أذكر بعضًا مما لم يذكر فيما مرَّ فمنها: البحيرة كرغيفة، فالبحر الاتساع وهي بمتسع من الأرض، والبلاط كسحاب إذ هو الحجارة المفروشة، وذلك كثير فيها، والبلد قال الله تعالى:{لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَد} قيل: مكة، وقيل: المدينة، وتندد -بالمثناة الفوقية، والنون، والدالين المهملتين- كجعفر، ويروى ياء بدل التاء من الند الطيب المعروف أو من الند التل المرتفع، والجبارة، وجبار كخدام لجبرها الكسير وإغنائها الفقير، وجزيرة العرب لقول بعضهم: إنها المراد في حديث: "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب" والجُنة بضم الجيم وهي الوقاية والخيرة بالتخفيف والتشديد، وذات الحجر بضم الحاء وفتح الجيم لاشتمالها عليها، وذات
الحِرار بكسر الحاء وبراءين مهملتين لكثرة الحجارة السود بها، والسلقة بالقاف وبفتح اللام وكسرها وسكونها لاتساعها وتباعد جبالها، وطباطب بكسر المهملة أي: القطعة المستطيلة من الأرض، والقاصمة لأنها لا يدخلها الطاعون، ولا الدجال، ومن أرادها بسوء أذابه الله.
والعذراء بالعين المهملة والذال المعجمة لصعوبتها على الأعداء، والعراء لعدم ارتفاع أبنيتها، والعروض كصبور لانخفاض مواضع فيها، والغراء من الغرة لاشتهارها على سائر البلاد، والفاضحة لأنها تفضح من أضمر فيها سوءًا، والقاصمة لقصمها كل جبار، والمحبورة من الحبور وهو السرور، والمحروسة، والمحفوظة لأنها محفوفة بالملائكة، والمرحومة لأنها تتنزل فيها الرحمات، والمرزوقة أي: المرزوق أهلها أو أنها لا يخرج عنه أحد إلا أبدلها الله خيرًا منه، أظن أن هذا خاص بمن خرج منها كراهية لها، لا من خرج منها لعذر، والمسجد الأقصى ومضجع الرسول صلى الله عليه وسلم والناجية لنجاتها بحوزها أشرف الخلق، ونبلاء بفتح النون وسكون الموحدة والمد من النبل، وهو الفضل، والبارَّة، والبرَّة، وهما من قولك امرأة بارَّة، والبحرة، والبحيرة بالتصغير وتندر، ويندر بالدال والراء المهملتين، وجبار كخدام، ودار الإيمان، وذات النخل، وسيدة البلدان، وظبابا، إما بكسر المهملة أو بفتح المعجمة الأول بمعنى القطعة المستطيلة، والثاني من ظبب أو ظبظب إذا حم لأنها كانت لا يدخلها أحد إلا حم، وغلبة بالتحريك من الغلب وهو الظهور على الشيء، وقرية الأنصار، وقرية الرسول عليه الصلاة والسلام، وقلب الإيمان، ومُبَوءُ الحلال والحرام، ومبين الحلال والحرام، والمحبة بضم الميم وبالحاء المهملة وبتشديد الموحدة، والمحرمة، ومدينة الرسول، والمسلمة المؤمنة، والمقرّ بالقاف من القرار "يجيب" والمكتان، والمكينة، لتمكنها في المكانة والمنزلة عند الله، ومهاجر الرسول صلى الله عليه وسلم، والموفية بتشديد الفاء من التوفية ويجوز تخفيفها إذ الإيفاء والتوفية بمعنى، والنحر بفتح النون وسكون الحاء سميت به إما لشدة حرها، وإما لإطلاق النحر على الأصل والهذراء بالذال المعجمة لشدة حرها يقال: يوم هاذر أي: شديد الحر، أو بالمهملة من هدر الحمام إذا صوت، وأثرب كمسجد، وأرض الله، وأرض الهجرة، وأكالة البلدان، ومجنة، وقدسية.
هذا ما وقفت عليه من أسمائها وأسأل الله تعالى بحرمة من سكنها حيًّا وميتًا سيد البشر صلى الله عليه وسلم وبحرمة من سكنها من أصحابه عليهم رضوان الله وتابعيهم وتابعي تابعيهم إلى يوم الدين أن يختم لي ولمن معي بالسكنى فيها على أتم حال، وأبركه وأطهره، وبالموت فيها على الإيمان، والدفن في البقيع آمين يا أرحم الراحمين، يا مجيب دعاء المضطرين يا من يجيب المضطر إذا دعاه.