الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب
كذا في جميع النسخ بلا ترجمة، وهو مشتمل على حديثين وأثر، ولكل منهما تعلق بالترجمة التي قبله، فحديث:"ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة" فيه إشارة إلى الترغيب في سكن المدينة، وحديث عائشة في قصة وعك أبي بكر وبل فيه دعاؤه صلى الله عليه وسلم للمدينة بقوله:"اللهم صححها" وفي ذلك إشارة إلى الترغيب في سكناها أيضًا، وأثر عمر في دعائه بأن تكون وفاته بها ظاهر في ذلك، وفي كل مناسبة لكراهته عليه الصلاة والسلام أن تعرى المدينة أي: تصير خالية.
الحديث الثاني والعشرين
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي".
هذا الحديث مرَّ الكلام عليه مستوفىً في باب فضل ما بين القبر والمنبر، من أبواب التطوع.
رجاله ستة:
قد مرّوا: مرَّ مسدد ويحيى القطان في السادس من الإيمان، وأبو هريرة في الثاني منه، ومرَّ عبد الله العمري في الرابع عشر من الوضوء ومرَّ خبيب بن عبد الرحمن، وحفص بن عاصم في الثاني والستين من مواقيت الصلاة.
الحديث الثالث والعشرون
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الْحُمَّى يَقُولُ:
كُلُّ امْرِىءٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ
…
وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ
وَكَانَ بِلَالٌ إِذَا أُقْلِعَ عَنْهُ الْحُمَّى، يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ يَقُولُ:
أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً
…
بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ
وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مَجَنَّةٍ
…
وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ
قَالَ: اللَّهُمَّ الْعَنْ شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، كَمَا أَخْرَجُونَا مِنْ أَرْضِنَا إِلَى أَرْضِ الْوَبَاءِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا، وَفِى مُدِّنَا، وَصَحِّحْهَا لَنَا وَانْقُلْ حُمَّاهَا إِلَى الْجُحْفَةِ". قَالَتْ: وَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، وَهْيَ أَوْبَأُ أَرْضِ اللَّهِ. قَالَتْ: فَكَانَ بُطْحَانُ يَجْرِي نَجْلاً. تَعْنِي مَاءً آجِنًا.
قوله: "لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة" كان قدومه عليه الصلاة والسلام المدينة يوم الإثنين قريبًا من وقت الزوال، قال الواقدي: لليلتين خلتا من ربيع الأول، وقال ابن إسحاق: لثنتي عشرة ليلة خلت منه، وهذا هو المشهور الذي عليه الجمهور من السنة الأولى من التاريخ الإِسلامي.
وقوله: "وعك" بضم أوله مبنيًا للمجهول أي: أصابه الوعك وهو الحمى، والواعك الشديد من الحمى.
وقوله: "كيف تجدك" أي: تجد نفسك، أو جسدك.
وقوله: "مصبح" بمهملة ثم موحدة وزن محمد أي: مصاب بالموت صباحًا، وقيل المراد أنه يقال له وهو مقيم بأهله: صبحك الله بالخير، وقد يفجؤه الموت في بقية النهار، وهومقيم في أهله.
وقوله: "والموت أدنى" أي: أقرب.
وقوله: "من شراك" بكسر المعجمة وتخفيف الراء، السير الذي يكون في وجه النعل والمعنى أن الموت أقرب إلى الشخص من شراك نعله لرجله.
وقوله: "أقلع عنه" بفتح أوله أي: الوعك، وبضمها والإقلاع: الكف عن الأمر.
وقوله: "عقيرته" أي: صوته ببكاء أو بغناء، قال الأصمعي: أصله أن رجلًا انعقرت رجله فرفعها على الأخرى وجعل يصيح؛ فصار كل من رفع صوته يقال: رفع عقيرته، وإن لم يرفع رجله، قال ثعلب: وهذا من الأسماء التي استعملت على غير أصلها.
وقوله: "بواد" أي: بوادي مكة.
وقوله: "اذخر" قد مرَّ تفسيره مرارًا.
وقوله: "وجليل" بالجيم نبت ضعيف يحشى به خصائص البيوت، وغيرها، وهو الثمام.
وقوله: "وهل أردن" بالنون الخفيفة وكذلك قوله: "وهل يبدون".
وقوله: "مجنة" بفتح الميم وتشديد النون ماء عند عكاظ على أميال يسيرة من مكة، بناحية من الظهران، وكان به سوق، تقدم بيانه في أواخر الحج في باب التجارة أيام الموسم.
وقوله: "شامة وطفيل" جبلان بقرب مكة، وقال الخطابي: كنت أحسب أنهما جبلان حتى ثبت عندي أنهما عينان، وشامة بالمعجمة والميم مخففًا، وزعم بعضهم أن الصواب بالموحدة بدل الميم، والمعروف بالميم، وقيل: هذان البيتان اللذان أنشدهما بلال ليسا له، بل هما لبكر بن غالب الجرهمي أنشدهما عندما نفتهم خزاعة من مكة المكرمة.
وقوله: "اللهم العن" إلخ القائل هو بلال.
وقوله: "كما أخرجونا" متعلق بقوله: "اللهم" فمعنى قوله: "اللهم العن" أي: أبعدهم من رحمتك كما أبعدونا من مكة.
وقوله: "إلى أرض الوباء" يمد ويقصر؛ وهو المرض العام، وقال الجوهري: الوباء يمد ويقصر، ويقال: الوباء: الموت الذريع، وقال الأطباء: هو عفونة الهواء.
وقوله: "حَبِّبْ" أمر من حَبَّبَ يحبب.
وقوله: "أو أشد" أي: أو حبًا أشد من حبنا لمكة.
وقوله: "في صاعنا" أي: في صاع المدينة، وهو مكيل يسع أربعة أمداد، والمد رطل وثلث رطل، عند أهل الحجاز، ورطلان عند أهل العراق، الأول: قول مالك والشافعي، والثاني: قول أبي حنيفة، وأصل المُدّ ملء الكفين المتوسطتين، وفي رواية ابن إسحاق عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله تعالى عنها:"اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك، دعاك لأهل مكة وأنا عبدك ورسولك أدعوك لأهل المدينة بمثل ما دعاك لأهل مكة" الخ.
وقوله: "وصححها" أي: المدينة من الأمراض.
وقوله: "وانقل حماها" أي: حمى المدينة، وكانت وبيئة، وخص الدعاء بالحمى لأن أصحابه لما دخلوا المدينة وعكوا.
وقوله: "إلى الجحفة" بضم الجيم وسكون الحاء المهملة وبالفاء وهي ميقات أهل مصر والشام والمغرب، وذكر ابن الكلبي: أن العماليق أخرجوا بني عنبر وهو أخوة عاد من يثرب فنزلوا الجحفة، وكان اسمها مهيعة، فجاءهم سيل فأجحفهم أي: سلب أموالهم، وخرب أبنيتهم، ولم يبق شيئًا، فسميت الجحفة، وإنما خص الجحفة لأنها كانت حينئذ دار شرك، وقال الخطابي: كان أهل الجحفة إذ ذاك يهودًا، وكان صلى الله عليه وسلم كثيرا يدعو على من لم يجبه إلى دار الإِسلام إذا خاف منه معونة أهل الكفر، ويسأل الله أن يبتليهم بما يشغلهم عنه، وقد
دعا على قومه أهل مكة لما يئس منهم فقال: "اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف"، ودعا على أهل الجحفة بالحمى ليشغلهم بها فلم تزل الجحفة من يومئذ أكثر بلاد الله حمى، وإنه ليتقي شرب الماء من عينها التي يقال لها: عين حم، فقل من شرب منه إلا حم، ولما دعا عليه الصلاة والسلام بذلك الدعاء لم يبق أحد من أهل الجحفة إلا أخذته الحمى، ويحتمل أن يكون هذا هو السر في أن الطاعون لا يدخل المدينة لأن الطاعون وباء، والنبي عليه الصلاة والسلام دعا بنقل الوباء عنها، فأجاب الله دعاءه إلى آخر الأبد، فإن قيل: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن القدوم على الطاعون، فكيف قدموا المدينة وهي وبيئة؟ فالجواب: أن ذلك كان قبل النهي أو النهي يختص بالطاعون ونحوه من الموت الذريع، لا المرض وإن عمَّ.
وقوله: "قالت" يعني عائشة، وهو متصل بما قبله في رواية عروة عنها.
وقوله: "وهي أوبأ أرض الله" أوبأ بالهمز في آخره أفعل التفضيل أي: أكثر وباء، وأشد من غيرها، وفي رواية محمد بن إسحاق عن هشام بن عروة نحوه، وزاد: قال هشام: وكان وباؤها معروفًا في الجاهلية، وكان الإنسان إذا دخلها وأراد أن يسلم من وبائها قيل له: انهق فينهق، كما ينهق الحمار، وفي ذلك يقول الشاعر:
لعمري لئن غنيت من خيفة الردى
…
نهيق حمار إنني لمروع
وقوله: "قالت: فكان بطحان" تعني وادي المدينة.
وقوله: "يجري نجلًا آجنًا" النجل بفتح النون وسكون الجيم، وقد تكسر حكاه ابن التين، وقال ابن فارس: النجل بفتحتين سعة العين، وليس هو المراد هنا، قيل: النجل النز بنون وزاي، يقال: استنجل الوادي إذا ظهر نزوزه، والنز بالفتح وبكسر هو ما يتحلب من الأرض من الماء، وقال ابن السكيت: النجل العين حين تظهر وينبع عين الماء، وقال الحربي: نجلًا أي: واسعًا، ومنه عين نجلاء أي: واسعة، وقيل: هو الغدير الذي لا يزال فيه الماء، وغرض عائشة بذلك بيان السبب في كثرة الولاء بالمدينة؛ لأن الماء الذي هذه صفته يحدث عنده المرض.
وقوله: "تعني ماءً آجنًا" هو من تفسير الراوي، وهو بفتح الهمزة وكسر الجيم بعدها نون أي: متغيرًا، قال عياض: هو خطأ ممن فسره، فليس المراد هنا الماء المتغير قال في الفتح: وليس كما قال فان عائشة قالت ذلك في مقام التعليل لكون المدينة كانت وبيئة، ولا شك أن النجل إذا فسر بكونه الماء الحاصل من النز، فهو بصدد أن يتغير وإذا تغير كان استعماله مما يحدث الوباء في العادة، وزاد ابن إسحاق في روايته عن هشام وعمرو بن عبد الله بن عروة جميعًا، عن عروة، عن عائشة عقب قول أبيها: فقلت: والله ما يدري أبي ما يقول، قالت: ثم دنوت إلى عامر بن فهيرة، وذلك قبل أن يضرب الحجاب علينا، فقلت: كيف تجدك يا
عامر؟ فقال:
لقد وجت الموت قبل ذوقه
…
إن الجبان حتفه من فوقه
كل امرىء مجاهد بطوقه
…
كالثور يحمي جسمه بروقه
وقالت في آخره: فقلت: يا رسول الله! إنهم يهذون، وما يعقلون من شدة الحمى؟ الزيادة في قول عامر بن فهيرة، رواها مالك أيضًا في الموطأ عن يحيى بن سعيد، عن عائشة، منقطعًا، وقد جاء في حديث البراء أن عائشة وعكت أيضًا، وكان أبو بكر يدخل عليها، وكان وصول عائشة إلى المدينة مع آل أبي بكر، هاجر بهم أخوها عبد الله، وخرج زيد بن حارثة، وأبو رافع ببنتي النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة وأم كلثوم، وأسامة بن زيد وأمه أم أيمن، وسودة بنت زمعة وكانت رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم سبقت مع زوجها عثمان، وأخرت زينب وهي الكبرى عند زوجها أبي العاص بن الربيع.
وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم.
فضل أبي بكر رضي الله تعالى عنه، وبيان ذلك هو أن الله تعالى لما ابتلى نبيه عليه الصلاة والسلام بالهجرة، وفراق الوطن ابتلى أصحابه بالأمراض، فتكلم كل إنسان بما فيه، فأما أبو بكر فتكلم بأن الموت شامل للخلق في المساء والصباح، وأما بلال فتمنى الرجوع إلى وطنه، فانظر إلى فضل أبي بكر على غيره.
وفيه، في دعائه عليه الصلاة والسلام بأن يحبب الله لهم المدينة حجة واضحة علي أفضلية المدينة على مكة، لأن قوله:"أو أشد" تحصل به زيادة محبته عليه الصلاة والسلام للمدينة، ومحبته متابعة لمحبة الله تعالى.
وفيه حجة على من كذّب بالقدر؛ لأن الله عز وجل هو المالك للنفوس، يحبب إليها ما شاء، ويبغض إليها ما شاء، فأجاب الله دعوة نبيه عليه الصلاة والسلام فأحبوا المدينة حبًا دام في نفوسهم إلى أن ماتوا عليه.
وفيه رد على الصوفية إذ قالوا إن الولي لا تتم له الولاية إلا إذا تم له الرضا بجميع ما نزل به، ولا يدعو الله في كشف ذلك عنه، فإن دعا فليس في الولاية كاملًا.
وفيه حجة على بعض المعتزلة القائلين بأن لا فائدة في الدعاء مع سابق القدر، والمذهب أن الدعاء عبادة مستقلة، ولا يستجاب منه إلا ما سبق به التقدير، وفيه جواز هذا النوع من الغناء، وفيه مذاهب فذهب أبو حنيفة، ومالك وأحمد والثوري، وجماعة من الكوفة إلى تحريم الغناء، وذهب آخرون إلى كراهته نقل ذلك عن ابن عباس، ونص عليه الشافعي وجماعة من أصحابه، وحكي ذلك عن مالك وأحمد، وذهب آخرون إلى إباحته لكن بغير هذه الهيئة التي