الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ما يقول إذا رجع من الحج أو العمرة أو الغزو
أورد المصنف هنا تراجم تتعلق بآداب الراجع من السفر لتعلق ذلك بالحاج والمعتمر الآفاقي.
الحديث الثالث والعشرون
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَفَلَ مِنْ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنَ الأَرْضِ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ، ثُمَّ يَقُولُ:"لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ، تَائِبُونَ، عَابِدُونَ، سَاجِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ".
قوله: "كان إذا قفل" بقاف ثم فاء أي: رجع وزنا ومعنى، وعند مسلم عن ابن عمر في أوله من الزيادة كان إذا استوى على بعيره خارجًا إلى سفر كبر ثلاثًا ثم قال:"سبحان الذي سخر لنا هذا" فذكر الحديث إلى أن قال: وإذا رجع قالهن وزاد "آيبون تائبون" وزاد المصنف في كتاب الدعوات في الترجمة المذكورة إذا أراد سفرًا إشارة منه إلى هذه الزيادة.
وقوله: "من حج أو غزو أو عمرة" ظاهره اختصاص ذلك بهذه الأمور الثلاثة، وليس الحكم كذلك عند الجمهور بل يشرع قول ذلك في كل سفر إذا كان سفر طاعة كصلة الرحم، وطلب العلم، لما يشمل الجميع من اسم الطاعة وقيل: يتعدى أيضًا إلى المباح، لأن المسافر فيه لا ثواب له، فلا يمتنع عليه فعل ما يحصل له الثواب، وقيل: يشرع في سفر المعصية أيضًا لأن مرتكبها أحوج إلى تحصيل الثواب من غيره، وهذا التعليل متعقب، لأنه الذي يخصه بسفر الطاعة لا يمنع من مسافر في مباح ولا في معصية من الإكثار من ذكر الله، وإنما النزاع في خصوص هذا الذكر في هذا الوقت المخصوص، فذهب قوم إلى الاختصاص لكونها عبادات مخصوصة شرع لها ذكر مخصوص فتخصص به، كالذكر المأثور عقب الأذان وعقب الصلاة، وإنما اقتصر الصحابي على الثلاث، لانحصار سفر النبي صلى الله عليه وسلم فيها، ولهذا ترجم بالسفر في الدعوات، كما مرَّ على أنه تعرض لما دل عليه الظاهر، وترجم هذا في أبواب العمرة بالثلاثة المذكورة.
وقوله: "يكبر على كل شرف" بفتح المعجمة والراء، بعدها فاء هو المكان المرتفع، وعند
مسلم بلفظ: إذا أوفى أي: ارتفع على ثنية بمثلثة ثم نون ثم تحتانية ثقيلة هي العقبة، أو فدفد بفتح الفاء بعدها قال مهملة ثم فاء ثم قال، والأشهر تفسيره بالمكان المرتفع، وقيل هو الأرض المستوية، وقيل الفلاة الخالية من شجر وغيره، وقيل: غليظ الأودية ذات الحصى.
وقوله: ثم يقول: لا إله إلا الله إلخ يحتمل أن يكون كان يأتي بهذا الذكر عقب التكبير، وهو على المكان المرتفع، ويحتمل أن التكبير يختص بالمكان المرتفع، وما بعده إن كان متسعًا أكمل الذكر المذكور فيه، وإلا فإذا هبط سبح، كما دل عليه حديث جابر عند المصنف في الجهاد بلفظ: كنا إذا صعدنا كبرنا، وإذا نزلنا سبحنا، وفي رواية: وإذا تصوبنا، ويحتمل أن يكمل الذكر مطلقًا عقب التكبير، ثم يأتي بالتسبيح إذا هبط، ومناسبة التكبير عند الصعود إلى المكان المرتفع، أن الاستعلاء والارتفاع محبوب للنفوس لما فيه من استشعار الكبرياء، فشرع لمن تلبس به أن يذكر كبرياء الله تعالى، وأنه أكبر من كل شيء، فيكبره، ليشكر له ذلك، فيزيده من فضله، ومناسبة التسبيح عند الهبوط لكون المكان المنخفض محل ضيق فيشرع فيه التسبيح لأنه من أسباب الفرج، لما وقع في قصة يونس عليه السلام حين سبح في الظلمات، فنجي من الغم قال القرطبي: وفي تعقيب التكبير بالتهليل إشارة إلى أنه المنفرد بإيجاد جميع الموجودات، وأنه المعبود في جميع الأماكن.
وقوله: "آيبون" جمع آيب أي: راجع وزنا ومعنى، وهو خبر مبتدأ محذوف والتقدير نحن آيبون، وليس المراد الإخبار بمحض الرجوع، فإنه تحصيل الحاصل، بل الرجوع في حالة مخصوصة وهي تلبسهم بالعبادة المخصوصة، والاتصاف بالأوصاف المذكورة.
وقوله: "تائبون" فيه إشارة إلى التقصير في العبادة، وقاله صلى الله عليه وسلم على سبيل التواضع، أو تعليما لأمته، أو المراد أمته وقد تستعمل التربة لإرادة الاستمرار على الطاعة، فيكون المراد أن لا يقع منهم ذنب.
وقوله: "صدق الله وعده" أي: فيما وعد به من إظهار دينه في قوله: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً} ، وقوله:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} الآية، وهذا في سفر الغزو، ومناسبته لسفر الحج والعمرة قوله تعالى:{لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} .
وقوله: {ونصر عبده} يريد نفسه.
وقوله: {وهزم الأحزاب وحده} أي من غير فعل أحد من الآدميين، واختلف في المراد بالأحزاب هنا فقيل: هم كفار قريش، ومن وافقهم من العرب واليهود الذين تحزبوا أي: تجمعوا في غزوة الخندق، ونزلت في شأنهم سورة الأحزاب، ويأتي خبرهم في الغزوات إن