الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب جزاء الصيد ونحره
وقول الله تعالى: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} إلى قوله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} .
كذا في رواية أبي ذر، وأثبت قبل ذلك البسملة، ولغيره باب قول الله تعالى إلى آخره بحذف ما قبله.
قيل: السبب في نزول هذه الآية أن أبا اليَسَر بفتح التحتانية والمهملة قتل حمار وحش، وهو محرم في عمرة الحديبية، فنزلت، حكاه مقاتل في تفسيره، ولم يذكر المصنف في رواية أبي ذر في هذه الترجمة حديثًا، وشعله أشار إلى أنه لم يثبت على شرطه في جزاء الصيد حديث مرفوع، قال ابن بطال: اتفق أئمة الفتوى من أهل الحجاز والعراق وغيرهم على أن المحرم إذا قتل الصيد عمدًا، وخطأ فعليه الجزاء، وخالف أهل الظاهر وأبو ثور وابن المنذر من الشافعية في الخطأ، وتمسكوا بقوله تعالى:{مُتَعَمِّدًا} فإن مفهومه أن المخطىء بخلافه، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، وعكس الحسن ومجاهد فقالا: يجب الجزاء في الخطأ دون العمد فيختص الجزاء بالخطأ، والنقمة بالعمد، وعنهما: يجب الجزاء على العامد أول مرة، فإن عاد كان أعظم لاثمه، وعليه النقمة لا الجزاء، قال الموفق في "المغنى": لا نعلم أحدًا خالف في وجوب الجزاء على العامد غيرهما، واختلفوا في الكفارة، فقال الأكثر: هو مخبر كما هو ظاهر الآية، وقال الثوري: يقدم المثل، فإن لم يجد أطعم، فإن لم يجد صام، وقال سعيد بن جبير: إنما الطعام والصيام فيما لا يبلغ ثمن الصيد، واتفق الأكثر على تحريم أكل ما صاده المحرم، وقال الحسن والثوري وأبو ثور وطائفة يجوز أكله، وهو كذبيحة السارق، وهو وجه للشافعية، وقال الأكثر أيضًا: إن الحكم في ذلك ما حكم به السلف لا يتجاوز ذلك، وما لم يحكموا فيه يستأنف فيه الحكم، وما اختلفوا فيه يجتهد فيه، وقال الثوري: الاختيار في ذلك للحكمين في كل زمن، وقال مالك: يستأنف الحكم والخيار إلى المحكوم عليه، وله أن يقول للحكمين: لا تحكما عليَّ إلَاّ بالإطعام، وقال الأكثر: الواجب في الجزاء نظير الصيد من النعم، وقال أبو حنيفة: الواجب القيمة، ويجوز صرفها في المثل، وقال الأكثر: في الكبير كبير، وفي الصغير صغير، وفي الصحيح صحيح، وفي الكسير كسير، وخالف مالك فقال: في الكبير والصغير كبير، وفي الصحيح. والمعيب، صحيح. واتفقوا على أن المراد
بالصيد ما يجوز أكله للحلال من الحيوان الوحشي، وأن لا شيء فيما يجوز قتله، واختلفوا في المتولد فألحقه الأكثر، وعند الشافعي وأحمد يجوز أن يكون القاتل أحد الحكمين، وعند مالك: لا يجوز لأن الحاكم لا يكون محكومًا عليه في صورة واحدة.
ومسائل هذا الباب وفروعه كثيرة، فلنقتصر على هذا القدر منها، وأتكلم على معنى الآيات.
فقوله: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} أي: محرمون، ولعله ذكر القتل دون الذبح للتعميم.
وقوله: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} أي: ذاكرًا لإحرامه، عالمًا بأنه حرام عليه.
وقوله: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} برفع جزاء من غير تنوين وخفض مثل على أن جزاء مصدر مضاف لمفعوله تخفيفًا، والأصل: فعليه أن يجزي المقتول من الصيد مثله من النعَم، ثم حذف الأول لدلالة الكلام عليه، وأضيف المصدر إلى ثانيهما، أو أن مثل مقحمة كقولهم: مثلك لا يفعل ذلك أي: أنت لا تفعل ذلك، وهذه قراءة نافع وابن كثير وابن عامر وأبي جعفر، وقراءة الآخرين فجزاء بالرفع منونًا على الابتداء، والخبر محذوف تقديره فعليه جزاء أو أنه خبر مبتدأ محذوف وتقديره فالواجب جزاء، أو فاعل فعل محذوف تقديره فيلزمه أو يجب عليه، ومثل بالرفع صفة لجزاء أي: فعليه جزاء موصوف بكونه مثل ما قتل أي: مماثلة.
وقوله: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ} أي رجلان صالحان، فإن الأنواع تتشابه ففي النعامة بدنة، وفي حمار الوحش بقرة.
وقوله: {بَالِغَ الْكَعْبَةِ} صفة هديًا، والإضافة لفظية أي واصلًا إليه بأن يذبح فيه ويتصدق به.
وقوله: {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} طعام بدل منه، أو تقديره هي طعام، وقرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر "كفارة" بغير تنوين "وطعام" بالخفض على الإضافة؛ لأن الكفارة لما تنوعت إلى تكفير بالطعام، وتكفير بالجزاء المماثل، وتكفير بالصيام حسن إضافتها لأحد أنواعها تبيينًا لذلك، والإضافة تكون لأدنى ملابسة، ولا خلاف في جمع مساكين هنا؛ لأنه لا يطعم في قتل الصيد مسكين واحد كما مرَّ، بل جماعة مساكين، وإنما اختلفوا في موضع البقرة؛ لأن التوحيد يراد به عن كل يوم، والجمع يراد به عن أيام كثيرة.
وقوله: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} في الآخرة أي: فهو ينتقم الله منه، وعليه مع ذلك الكفارة.
وقوله: {صَيْدُ الْبَحْرِ} مما لا يعيش إلَاّ في الماء في جميع الأحوال، وطعامه ما يتزود منه يابسًا، أو مالحًا، أو ما قذفه ميتًا، وقال أبو حنيفة: لا يؤكل ما مات في البحر كما لا يؤكل ما مات في البر لعموم قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} واستثنى من ذلك الجراد فتؤكل ميتة عنده.
وقوله: {مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} أي: منفعة للمقيم والمسافر، وهو مفعول له.
وقوله: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ} أي: ما صيد فيه، أو المراد بالصيد في الموضعين فعله، فعلى الأول يحرم على المحرم ما صاده الحلال، وإن لم يكن له فيه مدخل، والجمهور على حله.
ثم قال: