المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث السادس عشر - كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري - جـ ١٤

[محمد الخضر الشنقيطي]

فهرس الكتاب

- ‌أبواب العمرة

- ‌باب وجوب العمرة وفضلها

- ‌الحديث الأول

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب من اعتمر قبل الحج

- ‌الحديث الثاني

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثالث

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الرابع

- ‌رجاله سبعة:

- ‌الحديث الخامس

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث السادس

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌رجاله تسعة

- ‌باب عمرة في رمضان

- ‌الحديث العاشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب العمرة ليلة الحصبة

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب عمرة التنعيم

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب الإعتمار بعد الحج بغير هدي

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب أجر العمرة على قدر النصب

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌رجاله سبعة:

- ‌باب المعتمر إذا طاف طواف العمرة، ثم خرج هل يجزئه من طواف الوداع

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌رجاله أربعة

- ‌باب يفعل بالعمرة ما يفعل بالحج

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌رجاله خمسة

- ‌باب متى يحل المعتمر

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث العشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الحادي والعشرون

- ‌رجاله ستة:

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب ما يقول إذا رجع من الحج أو العمرة أو الغزو

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب استقبال الحاج القادمين والثلاثة على الدابة

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب القدوم بالغداة

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب الدخول بالعشي

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب لا يطرق أهله إذا بلغ المدينة

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب من أسرع ناقته إذا بلغ المدينة

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌رجاله أربعة

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب قول الله تعالى: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا}

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب السفر قطعة من العذاب

- ‌الحديث الحادي والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب المسافر إذا جدَّ به السير يعجل إلى أهله

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌خاتمة

- ‌أبواب المحصر، وجزاء الصيد

- ‌باب إذا أحصر المعتمر

- ‌الحديث الأول

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث الثاني

- ‌رجاله سبعة:

- ‌الحديث الثالث

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث الرابع

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب الإحصار في الحج

- ‌الحديث الخامس

- ‌رجاله ستة:

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب النحر قبل الحلق في الحصر

- ‌الحديث السادس

- ‌رجاله ستة:

- ‌الحديث السابع

- ‌رجاله سبعة:

- ‌باب من قال ليس على المحصر بدل

- ‌الحديث الثامن

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب قوله تعالى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}

- ‌الحديث التاسع

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب قول الله عز وجل {أَوْ صَدَقَةٍ} وهي إطعام ستة مساكين

- ‌الحديث العاشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب الإطعام في الفدية نصف صاع

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب النسك بشاة

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌رجاله سبعة:

- ‌باب قول الله عز وجل {فَلَا رَفَثَ}

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب قول الله عز وجل {وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب جزاء الصيد ونحره

- ‌باب إذا صاد الحلال فأهدي للمحرم الصيد أكله

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب إذا رأى المحرمون صيدًا فضحكوا ففطن الحلال

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب لا يعين المحرم الحل الذي قتل الصيد

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب لا يشر المحرم إلى الصيد لكي يصطاده الحلال

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب إذا أهدي للمحرم حمارًا وحشيًا حيًا لم يقبل

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب ما يقتل المحرم من الدواب

- ‌الحديث العشرون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث الحادي والعشرون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌رجاله ستة:

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌رجاله ستة

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب لا يعضد شجر الحرم

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب لا ينفر صيد الحرم

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب لا يحل القتال بمكة

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌باب الحجامة للمحرم

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌رجاله ستة:

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب تزويج المحرم

- ‌الحديث الحادي والثلاثون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب ما ينهى من الطيب للمحرم والمحرمة

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث الثالث والثلاثون

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب الاغتسال للمحرم

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌رجاله ثمانية:

- ‌باب لبس الخفين للمحرم إذا لم يجد النعلين

- ‌الحديث الخامس والثلاثون

- ‌‌‌رجاله خمسة:

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌باب إذا لم يجد الإزار فليلبس السراويل

- ‌الحديث السابع والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب لبس السلاح للمحرم

- ‌الحديث الثامن والثلاثون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب دخول الحرم ومكة بغير إحرام

- ‌الحديث التاسع والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الأربعون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب إذا أحرم جاهلاً وعليه قميص

- ‌الحديث الحادي والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب المحرم يموت بعرفة

- ‌الحديث الثاني والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثالث والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب سنة المحرم إذا مات

- ‌الحديث الرابع والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب الحج والنذور عن الميت والرجل يحج عن المرأة

- ‌الحديث الخامس والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب الحج عمن لا يستطيع الثبوت على الراحلة

- ‌الحديث السادس والأربعون

- ‌رجاله ثمانية:

- ‌باب حج المرأة عن الرجل

- ‌الحديث السابع والأربعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب حج الصبيان

- ‌الحديث الثامن والأربعون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث التاسع والأربعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌الحديث الخمسون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الحادي والخمسون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب حج النساء

- ‌الحديث الثاني والخمسون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثالث والخمسون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الرابع والخمسون

- ‌‌‌رجاله خمسة:

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الخامس والخمسون

- ‌ورجاله أربعة:

- ‌الحديث السادس والخمسون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب من نذر المشي إلى الكعبة

- ‌الحديث السابع والخمسون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثامن والخمسون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث التاسع والخمسون

- ‌خاتمة:

- ‌فضائل المدينة

- ‌باب حرم المدينة

- ‌الحديث الأول

- ‌‌‌رجاله أربعة:

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الرابع

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب فضل المدينة وأنها تنفي الناس

- ‌الحديث الخامس

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب المدينة طابة

- ‌الحديث السادس

- ‌‌‌رجاله خمسة:

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب لابتي المدينة

- ‌الحديث السابع

- ‌باب من رغب عن المدينة

- ‌الحديث الثامن

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث التاسع

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الإيمان يأرز إلى المدينة

- ‌الحديث العاشر

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب إثم من كاد أهل المدينة

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب آطام المدينة

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب لا يدخل الدجال المدينة

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب المدينة تنفي الخبث

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌رجاله ستة:

- ‌الحديث العشرون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب كراهية النبي صلى الله عليه وسلم أن تعرى المدينة

- ‌الحديث الحادي والعشرون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب

- ‌الحديث الثاني والعشرين

- ‌رجاله ستة:

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌ورجاله خمسة:

- ‌خاتمة

- ‌تنويه من الناشر

- ‌خاتمة

الفصل: ‌الحديث السادس عشر

على خارجها، ويمنع داخلها، ثم يأتي إيلياء، فيحاصر عصابة من المسلمين"، وحاصل ما وقع به الجمع أن الرعب المنفي هو الخوف والفزع، حتى لا يحصل لأحد فيها بسبب نزوله بقربها شيء منه، أو هو عبارة عن غاشية، وهو غلبته عليها، والمراد بالرجفة الارفاق، وهو إشاعة مجيئه، وأنه لا طاقة لأحد به فيسارع إليه حينئذ من كان يتصف بالنفاق والفسق، فيظهر حينئذ تمام أنها تنفي خبثها، وفي رواية أنس في الفتن زيادة: "إن شاء الله"، بعد قوله: "فلا يقربنها الدجال ولا الطاعون"، قيل: هذا الاستثناء محتمل للتعليق، ومحتمل للتبرك، وهو أولى، وقيل: إنه يتعلق بالطاعون فقط، وفيه نظر، ففي حديث محجن بن الأدرع المذكور آنفًا: "لا يدخلها الدجال إن شاء الله تعالى"، وهذا يؤيد أنه لكل منهما، وفي حديثه: "تلقاه بكل نقب من نقابها مَلَكٌ مصلت سيفه، يمنعه عنها"، وعند الحاكم عن أبي عبد الله القراظ: سمعت سعد بن مالك وأبا هريرة يقولان: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم بارك لأهل المدينة" الحديث وفيه: "ألا إن الملائكة مشتبكة بالملائكة، على كل نقب من أنقابها مَلَكَان يحرسانها، لا يدخلها الطاعون، ولا الدجال"، قال ابن العربي: يجمع بين هذا وبين قوله: "بكل نقب من نقابها ملك مصلت سيفه" بأن سيف أحدهما مسلول والآخر بخلافه.

‌رجاله خمسة:

قد مرّوا: مرَّ إبراهيم بن المنذر في الأول من العلم، ومرَّ الأوزاعي في العشرين منه، ومرَّ إسحاق بن عبد الله في الثامن منه، ومرَّ الوليد بن مسلم في السادس والثلاثين من مواقيت الصلاة، ومرَّ أنس في السادس من الإيمان، أخرجه مسلم في الفتن والنسائي في الحج.

‌الحديث السادس عشر

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رضي الله عنه قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثًا طَوِيلاً عَنِ الدَّجَّالِ، فَكَانَ فِيمَا حَدَّثَنَا بِهِ أَنْ قَالَ:"يَأْتِي الدَّجَّالُ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ الْمَدِينَةِ، بَعْضَ السِّبَاخِ الَّتِي بِالْمَدِينَةِ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ، هُوَ خَيْرُ النَّاسِ، أَوْ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ، فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ، الَّذِي حَدَّثَنَا عَنْكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثَهُ، فَيَقُولُ الدَّجَّالُ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ، هَلْ تَشُكُّونَ فِي الأَمْرِ؟ فَيَقُولُونَ: لَا. فَيَقْتُلُهُ، ثُمَّ يُحْيِيهِ فَيَقُولُ حِينَ يُحْيِيهِ: وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي الْيَوْمَ، فَيَقُولُ الدَّجَّالُ: أَقْتُلُهُ فَلَا أُسَلَّطُ عَلَيْهِ".

قوله: "حدثنا طويلًا عن الدجال" كذا ورد من هذا الوجه مبهمًا، وقد ورد من غير هذا الوجه، عن أبي سعيد ما لعله يؤخذ منه ما لم يذكر لما في رواية أبي نضرة، عن أبي سعيد عند مسلم، أنه يهودي وأنه لا يولد له، وأنه لا يدخل مكة ولا المدينة، وفي رواية عطية عن

ص: 237

أبي سعيد رفعه في صفة عين الدجال، وفيه:"ومعه مثل الجنة والنار، وبين يديه رجلان ينذران أهل القرى، كلما خرجا من قرية، داخل أوائله"، أخرجه أبو يعلى والبزار، وهو عند أحمد بن منيع مطول، وسنده ضعيف وفي رواية أبي الوداك عن أبي سعيد رفعه في صفة عين الدجال أيضًا وفيه:"معه من كل لسان، ومعه صورة الجنة خضراء، يجري فيها الماء، وصورة النار سوداء تدخن" وسأتكلم ان شاء الله تعالى بعد تمام الكلام على الحديث، على هذه الزيادات المذكورة في هذه الروايات، من صفة العين، والجنة، والنار.

وقوله: "يأتي الدجال" أي: إلى ظاهر المدينة.

وقوله: "فينزل بعض السباخ" -بكسر المهملة وتخفيف الموحدة- جمع سبخة بفتحتين وهي الأرض الرملة التي لا تنبت لملوحتها، وهذه الصفة خارج المدينة من غير جهة الحرة، وقد مرَّ في الذي قبله الكلام على محل نزوله بأوفر من هذا.

وقوله: "التي تلي المدينة" أي: من قبل الشام.

وقوله: "فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس، أو من خير الناس"، وفي رواية الفتن:"أو من خيار الناس"، وفي رواية أبي الوداك عند مسلم عن أبي سعيد:"فيتوجه قبله رجل من المؤمنين، فليلقاه مسالح الدجال فيقولون: أو ما تؤمن بربنا؟ فيقول: ما بربنا خفاء، فينطلقون به إلى الدجال -بعد أن يريدوا قتله- فإذا رآه قال: يا أيها الناس هذا الدجال الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وفي رواية عطية:"فيدخل القرى كلها؛ غير مكة والمدينة، حرمتا عليه، والمؤمنون متفرقون في الأرض، فيجمعهم الله، فيقول رجل منهم: والله لأنطلقن فلأنظرن هذا الذي أنذرناه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيمنعه أصحابه خشية أن يفتتن به، فيأتي حتى إذا أتى أدنى مسلحة من مسالحه أخذوه، فسألوه: ما شأنه؟ فيقول: أريد الدجال الكذاب، فيكتبون إليه بذلك فيقول: أرسلوا به إليّ، فلما رآه عرفه"، والمسلحة: الثغر، والقوم ذوو سلاح.

وقوله: "فيقول: أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم" حديثه في رواية عطية: "أنت الدجال الكذاب، الذي أنذرناه رسول الله صلى الله عليه وسلم" وزاد: "فيقول له الدجال: لتطيعني فيما آمرك به، أو لأشقنك شقتين، فينادي: يا أيها الناس هذا المسيح الكذاب.

وقوله: "فيقول الدجال: أرأيتم ان قتلت هذا، فأحييته" إلخ في رواية عطية: "ثم يقول الدجال لأوليائه" وهذا يوضح أن الذي يجيبه بذلك أتباعه، ويرد قول من قال: إن المؤمنين يقولون له ذلك تَقِيَّةً، أو مرادهم: لا نشك أي: في كفرك وبطلان قولك.

وقوله: "فيقتله، ثم يحييه"، في رواية أبي الوداك:"فيأمر به الدجال فيشج، فيشبع ظهره وبطنه ضربًا"، فيقول: أما تؤمن بي فيقول: أنت المسيح الكذاب، فيؤمر به، فيوشر بالميشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه، ثم يمشي الدجال بين القطعتين، ثم يقول: قم؛ فيستوي

ص: 238

قائمًا"، وفي حديث النواس بن سمعان عند مسلم: "فيدعو رجلًا ممتلئًا شبابًا، فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين، ثم يدعوه، فيقبل ويتهلل وجهه يضحك" وفي رواية عطية: فيأمر به فيمد برجليه، ثم يأمر بحديدة فتوضع على عجيب ذنبه، ثم يشقه شقتين، ثم يقول الدجال لأوليائه: أرأيتم إن أحييت لكم هذا ألستم تعلمون أني ربكم؟ فيقولون: نعم فيأخذ عصى، فضرب أحد شقيه فاستوى قائمًا، فلما رأى ذلك أولياؤه صدقوه، وأحبوه وأيقنوا بذلك أنه ربهم، عطية ضعيف، قال ابن العربي: هذا اختلاف عظيم في قتله بالسيف وبالميشار، قال: فيجمع بأنهما رجلان يقتل كلا منهما قتلة غير قتلة الآخر، كذا قال: والأصل عدم التعدد، ورواية الميشار تفسر رواية الضرب بالسيف فلعل السيف كان فيه فلول فصار كالميشار، وأراد المبالغة في تعذيبه بالقتلة المذكورة، ويكون قوله:"فضربه بالسيف" مفسرًا لقوله: أنه نشره.

وقوله: "فيقطعه جزلتين" إشارة إلى آخر أمره لما ينتهي نشره، قلت: وفي هذا الجمع تكلف واضح، قال ابن العربي: وقد وقع في قصة الذي قتله الخضر أنه وضع يده في رأسه فاقتلعه، وفي أخرى فاضجعه فذبحه بالسكين، فلم يكن بد من ترجيح إحدى الروايتين علي الأخرى، لكن القصة واحدة، وقد مرَّ الجمع بين روايتي الخضر آخر كتاب العلم في باب ما يستحب للعالم إذا سئل أي الناس أعلم؟؛ قال الخطابي: فإن قيل: كيف يجوز أن يجري الله الآية على يد الكافر؛ فإن إحياء الموتى آيةٌ عظيمة من آيات الأنبياء، فكيف ينالها الدجال؛ وهو كذاب مفتر يدعي الربوبية؟ فالجواب: أنه على سبيل الفتنة للعباد، إذ كان عندهم ما يدل على أنه مبطل، غير محق في دعواه وهو أنه أعور مكتوب على جبهته كافر، يقرأه كل مسلم، فدعواه داحضة مع وسلم الكفر، ونقص الذات، والقدر، إذ لو كان الهًا لأزال ذلك عن وجهه، وآيات الأنبياء سالمة من المعارضة فلا يشتبهان، وقال الطبري: لا يجوز أن تعطى أعلام الرسل لأهل الكذب والإفك في الحالة التي لا سبيل لمن عاين ما أتى به فيها، إلا الفصل بين المحق منهم، والمبطل، فاما إذا كان لمن عاين ذلك السبيل إلى علم الصادق من الكاذب، فمن ظهر ذلك على يده فلا ينكر إعطاء الله ذلك للكذابين، فهذا بيان الذي أعطيه الدجال من ذلك فتنة لمن شاهده، ومحنة لمن عاينه، وفي الدجال مع ذلك دلالة بينة لمن عقل على كذبه؛ لأنه ذو أجزاء مؤلفة، وتاثير الصنعة فيه ظاهر، مع ظهور الآفة به من عور عينه، فإذا دعا الناس إلى أنه ربهم فأسوأ حال من يراه من ذوي العقول أن يعلم أنه لم يكن ليسوي خلق غيره، ويعدله، ويحسنه، ولا يدفع النقص عن نفسه، فأقل ما يجب أن يقول: يا من يزعم أنه خالق السماء والأرض صور نفسك وعدلها، وأزل عنها العاهة، فإن زعمت أن الرب لا يحدث في نفسه شيئًا فأزل ما هو مكتوب بين عينيك، وقال المهلب: ليس في اقتدار الدجال على إحياء المقتول ما يخالف قوله صلى الله عليه وسلم الآتي إن شاء الله تعالى: "هو أهون على الله من ذلك" أي: من أن يمكن من المعجزات تمكينًا صحيحًا؛ فإن اقتداره

ص: 239

على قتل الرجل ثم إحياثه لم يستمر له فيه، ولا في غيره، ولا استضر به المقتول إلا ساعة تألمه بالقتل، مع حصول ثواب ذلك له، وقد لا يكون وجد للقتل ألمًا لقدرة الله تعالى علي دفع ذلك عنه، قلت: وهذا هو الظاهر عندي، وقال ابن العربي: الذي يظهر على يد الدجال من الآيات: من إنزال المطر، والخصب على من يصدقه، والجدب على من يكذبه، واتباع كنوز الأرض له، وما معه من جنة ونار، ومياه تجري كل ذلك محنة من الله، واختبار ليهلك المرتاب، وينجو المتيقن، وذلك كله أمر مخوف، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "لا فتنة أعظم من فتنة الدجال، وكان يستعيذ منها في صلاته تشريعًا لأمته.

وأما قوله في الحديث الآخر عند مسلم: "غير الدجال أخوف لي عليكم" فإنما قال ذلك للصحابة؛ لأن الذي خافه عليهم أقرب إليهم من الدجال، فالقريب المتيقن وقوعه لمن يخاف يشتد الخوف منه على البعيد المظنون وقوعه به، ولو كان أشد.

وقوله: "فيقول: والله ما كنت فيك أشد بصيرة مني الآن"، في رواية أبي الوداك:"ما أزددت فيك إلا بصيرة، ثم يقول: يا أيها الناس إنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس"، وفي رواية عطية:"فيقول له الدجال: أما تؤمن بي؟ فيقول: أنا الآن أشد بصيرة فيك مني، ثم نادى في الناس: يا أيها الناس، هذا المسيح الكذاب؛ من أطاعه فهو في النار، ومن عصاه فهو في الجنة"، ونقل ابن التين عن الداودي أنه إذا قال ذلك للدجال، ذاب كما يذوب الملح في الماء؛ كذا قال، والمعروف أن ذلك إنما يحصل للدجال إذا رأى عيسى بن مريم.

وقوله: "فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلط عليه" في رواية أبي الوداك: "فيأخذه الدجال ليذبحه، فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاس، فلا يستطيع إليه سبيلًا" وفي رواية عطية: "فقال له الدجال: لتطيعني أو لأذبحنك، فقال: والله لا أطيعك أبدًا، فأمر به، ناضجع، فلا يقدر عليه، ولا يتسلط عليه مرة واحدة" زاد: "فأخذ بيديه ورجليه فألقي في النار وهي غبراء ذات دخان"، وفي رواية أبي الوداك:"فيأخذ بيديه ورجليه، فيقذف به، فيحسب الناس أنه قذفه إلى النار، وإنما ألقي في الجنة" زاد في رواية عطية: "قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ذلك الرجل أقرب أمتي مني، وأرفعهم درجة" وفي رواية أبي الوداك:"هذا أعظم شهادة عند رب العالمين"، وعند أبي يعلى، وعبد بن حميد، عن عطية:"أنه يذبح ثلاث مرات، ثم يعود ليذبحه الرابعة فيضرب الله على حلقه بصفيحة نحاس، فلا يستطيع ذبحه"، والأول هو الصواب، وفي حديث عبد الله بن عمرو رفعه في ذكر الدجال:"يدعو برجلٍ لا يسلطه الله إلا عليه" فذكر نحو رواية أبي الوداك، وفي آخره:"فيهوي إِليه بسيفه، فلا يستطيعه، فيقول: أخِّروه عني"، وفي حديث عبد الله بن المعتمر: "ثم يدعو برجل فيما يرون، فيؤمر به فيقتل، ثم يقطع أعضاءه كل عضو على حدة، فيفرق بينها، حتى يراه الناس، ثم يجمعها، ثم

ص: 240

يضرب بعصا، فإذا هو قائم، فيقول: أنا الله الذي أميت وأحيي قال: وذلك كله سحر، سحر أعين الناس، ليس يعمل من ذلك شيئًا" وهو سند ضعيف جدًا، وفي رواية أبي يعلى من الزيادة: "قال أبو سعيد: كنا نرى ذلك الرجل عمر بن الخطاب لما نعلم من قوته وجلده"، وفي "صحيح مسلم" عقب رواية عبيد الله بن عتبة، قال أبو إسحاق يقال: إن هذا الرجل هو الخضر كذا، أطلق فظن القرطبي أن أبا إسحاق المذكور هو السبيعي أحد الثقات من التابعين، ولم يصب في ظنه؛ فإن السند المذكور لم يجر لأبي إسحاق فيه ذكر؛ وإنما أبو إسحاق الذي قال ذلك هو: إبراهيم بن محمد بن سفيان الزاهد، راوي "صحيح مسلم" عنه كما جزم به عياض، والنووي وغيرهما، وقد ذكر ذلك القرطبي في "تذكرته" أيضًا قبل فكأن قوله في الموضع الثاني: السبيعي؛ سبق قلم، ولعل مستنده في ذلك ما قاله معمر في جامعه بعد ذكر هذا الحديث، قال معمر: بلغني أن الذي يقتله الدجال الخضر، وكذا أخرجه ابن حبان، عن عبد الرزاق، عن معمر قال: كانوا يرون أنه الخضر، وقال ابن العربي: سمعت من يقول: إن الذي يقتله الدجال، هو الخضر، وهذه دعوى لا برهان لها، وقد تمسك من قاله بما أخرجه ابن حبان في "صحيحه" عن أبي عبيدة بن الجراح رفعه في ذكر الدجال: لعله يدركه بعض من رآني، أو سمع كلامي" الحديث، ويعكر عليه قوله في رواية لمسلم، - تقدم التنبيه عليها-: شاب ممتلىء شبابًا" ويمكن أن يجاب بأن من جملة خصائص الخضر أن لا يزال شابًا، ويحتاج إلى دليل، قلت: دليله ظاهر فإن الخضر لو كان يهرم كغيره من الأدميين، يكون داخلًا في قوله تعالى:{وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ} فيكون من مدة طويلة، رجع إلى غاية من الضعف لا حركة لها، فالذي يظهر أنه ممتع بشبابه وصحته.

ثم أعلم أني ذكرت لك عند أول شرح هذا الحديث أني سأذكر لك ما في بعض روايات حديث أبي سعيد هذا، مما مع الدجال من الجنة والنار، وغير ذلك، ومن صفته فأقول: اعلم أن البخاري أخرج في الفتن، عن حذيفة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الدجال:"إن معه ماء" ونارًا؛ فنارُه ماءٌ باردٌ، وماؤه نارٌ" وعند مسلم عن ربعي: اجتمع حذيفة وأبو مسعود فقال حذيفة: لأنا بما مع الدجال أعلم منه، وفي رواية عن ربعي أيضًا، عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأنا أعلم مما مع الدجال منه، معه نهران يجريان أحدهما رأي العين: ماء أبيض، والآخر رأي العين: نار تأجج" وفي رواية شعيب بن صفوان: "فأما الذي يراه الناس ماء فنارٌ محرق، وأما الذي يراه الناس نارًا فماءٌ باردٌ" الحديث، وفي حديث سفينة عند أحمد والطبراني:"معه واديان، أحدهما: جنة، والآخر: نار، فناره جنة، وجنته نار"، وفي حديث أبي أمامة عند ابن ماجه: "وإن من فتنته أن معه جنةً ونارًا فناره جنة، وجنته نار، فمن ابتلي بناره فليستغث بالله، وليقرأ فواتح الكهف، فتكون عليه بردًا وسلامًا.

وقوله: "ماؤه نار" زاد محمد بن جعفر في روايته: "فلا تهلكوا" وفي رواية أبي مالك:

ص: 241

"فإن أدركه أحد فليأت النهر الذي يراه نارًا، وليغمض، ثم ليطاطىء رأسه فيشرب"، وفي رواية شعيب بن صفوان:"فمن أدرك ذلك منكم، فليقع في الذي يراه نارًا، فإنه ماء عذب طيب"، وفي حديث أبي سلمة عن أبي هريرة:"وإنه يجيء معه مثل الجنة والنار، فالتي يقول: إنه الجنة هي النار" أخرجه أحمد، وهذا كله يرجع إلى اختلاف المرئي بالنسبة إلى الرائي، فإما أن يكن الدجال ساحرًا فيخيل الشيء بصورة عكسه، وإما أن يجعل الله باطن الجنة التي يسخرها الدجال نارًا وباطن النار جنة، وهذا الراجح، وإما أن يكون ذلك كناية عن النعمة والرحمة بالجنة، وعن المحنة والنقمة بالنار، فمن أطاعه فأنعم عليه بجنته يؤول أمره إلى دخول نار الآخرة، وبالعكس، ويحتمل أن يكون ذلك من جملة المحنة، والفتنة، فيرى الناظر إلى ذلك من دهشته النار فيظنها جنة، وبالعكس.

وهذا الحديث لا يعارض ما أخرجه الشيخان عن المغيرة بن شعبة قال: ما سأل أحد النبي صلى الله عليه وسلم عن الدجال ما سألته وإنه قال لي: "ما يضرك منه؟ " قلت: لأنهم يقولون: إن معه جبل خبز، ونهر ماء، قال: بل هو أهون على الله من ذلك.

فقد قال عياض: معناه هو أهون من أن يجعل ما يخلقه على يده مضلًا للمؤمنين، ومشككًا لقلوب الموقنين بل ليزداد الذين آمنوا إيمانًا، ويرتاب الذين في قلوبهم مرض، فهو مثل قول الذي يقتله: ما كنت أشد بصيرة مني فيك، لأن قوله:"هو أهون على الله من ذلك" أنه ليس معه شيء من ذلك، بل المراد أهون من أن يجعل شيئًا من ذلك آية علي صدقه لاسيما، وقد جعل فيه آية ظاهرة في كذبه وكفره يقرؤها من قرأ، من لا يقرأ زائدة علي شواهد كذبه من حدثه ونقصانه، والحامل على هذا التأويل أنه ورد في حديث آخر مرفوع، ومعه جبل من خبز ونهر من ماء، أخرجه أحمد والبيهقي في "البعث" عن مجاهد، قال: إنطلقنا إلى رجل من الأنصار فقلنا له: حدثنا بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدجال، ولا تحدثنا عن غيره، فذكر حديثًا فيه:"تمطر الأرض ولا ينبت الشجر، ومعه جنة ونار، فناره جنة، وجنته نار، ومعه جبل خبز" ورجاله ثقات، ولأحمد عن جنادة بن أبي أمية عن رجل من الأنصار:"معه جبال الخبز وأنهار الماء"، ولأحمد عن جابر معه جبال من خبز والناس في جهد إلا من تبعه، ومعه نهران، الحديث فدل أثبت من ذلك على أن قوله: هو أهون علي الله من ذلك، ليس المراد به ظاهره، وأنه لا يجعل على يديه شيئًا من ذلك، بل هو علي التأويل المذكور، قال ابن العربي أخذ بظاهر قوله:"هو أهون على الله من ذلك" من رد من المبتدعة الأحاديث الثابتة أن معه جنة ونارًا، وغير ذلك قال: وكيف يرد بحديث محتمل ما ثبت في غيره من الأحاديث الصحيحة، فلعل الذي جاء في حديث المغيرة جاء قبل أن يبين النبي صلى الله عليه وسلم أمره، ويحتمل أن يكون قوله:"هو أهون أي: لا يجعل له ذلك حقيقة، وإنما هو تخييل وتشبيه على الأبصار، فيثبت المؤمن ويزل الكافر، ومال ابن حبان في "صحيحه"

ص: 242

إلى الآخر فقال: هذا لا يضاد خبر أبي مسعود بل معناه أنه أهون على الله من أن يكون نهر ماء يجري فإن الذي معه يرى أنه ماء وليس بماء.

وقوله: في حديث المغيرة أنهم يقولون: "الضمير للناس أو لأهل الكتاب".

وقوله: "معه جبل خبز" بضم الخاء المعجمة وسكون الموحدة بعدها زاي، المراد به أن معه من الخبز قدر الجبل وأطلق الخبز وأراد به أصله، وهو القمح مثلًا، زاد في رواية هشيم عند مسلم معه جبال من خبز، ولحم، ونهر من ماء، وفي رواية إبراهيم بن حميد أن معه الطعام، والأنهار، وفي رواية يزيد بن هارون أن معه الطعام والشراب، وأما وصفه فقد أخرج البخاري، عن عبد الله بن عمر قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال: "إني لأنذركموه وما من نبي إلا وقد أنذره قومه ولكني سأقول، لكم فيه قولًا لم يقله نبي لقومه، إنه أعور وإن الله ليس بأعور".

وقوله: "وما من نبي إلا وقد انذره قومه"، زاد في رواية معمر لقد أنذره، نوح قومه، وفي حديث أبي عبيدة بن الجراح عند أبي داود والترمذي وحسنه لم يكن نبي بعد نوح إلا وقد أنذر قومه الدجال، وعند أحمد لقد أندره نوح أمته والنبيئون من بعده، أخرجه من وجه آخر عن ابن عمر وقد استشكل إنذار نوح قومه بالدجال، مع أن الأحاديث قد ثبتت أنه يخرج بعد أمور ذكرت، وأن عيسى يقتله بعد أن ينزل من السماء فيحكم بالشريعة المحمدية، والجواب أنه كان وقت خروجه أخفى على نوح ومن بعده فكأنهم أنذروا به، ولم يذكر لهم وقت خروجه، فحذروا قومهم من فتنته ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام في بعض طرقه "إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه"، فإنه محمول على أن ذلك كان قبل أن يتبين له وقت خروجه، وعلاماته فكان يجوز أن يخرج في حياته عليه الصلاة والسلام، ثم بين له بعد ذلك حاله، ووقت خروجه فأخبر به فبذلك تجتمع الأخبار، قال ابن العربي إنذار الأنبياء أممهم بأمر الدجال تحذير من الفتن وطمأنينة لها حتى يزعزعها عن حسن الاعتقاد، وكذلك تقريب النبي صلى الله عليه وسلم له زيادة في التحذير، وأشار مع ذلك إلى أنهم إذا كانوا على الإيمان ثابتين دفعوا الشبه باليقين.

وقوله: "لم يقله نبي لقومه" قيل: إن السر في اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بالتنبيه المذكور مع أنه أوضح الأدلة في تكذيب الدجال، أن الدجال إنما يخرج في أمته دون غيرها من الأمم المتقدمة، ودل الخبر على أن علم كونه يختص خروجه بهذه الأمة كان طوي عن غير هذه الأمة. كما طوي عن الجميع علم وقت قيام الساعة.

وقوله: "إنه أعور وإن الله ليس بأعور" إنما اقتصر على ذلك مع أن أدلة الحدوث في الدجال ظاهرة. لكون العور أثر محسوس يدركه العالم والعامي، ومن لا يهتدي إلى الأدلة

ص: 243

العقلية فإذا ادعى الربوبية وهو ناقص الخلقة، والإله يتعالى عن النقص علم أنه كاذب، وزاد مسلم في رواية يونس، والترمذي في رواية معمر قال الزهري: فأخبرني عمرو بن ثابت الأنصاري أنه أخبره بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال يومئذ للناس وهو يحذرهم:"تعلمون أنه لن يرى أحد منكم ربه حتى يموت"، وعند ابن ماجه نحو هذه الزيادة من حديث أبي أمامة وعند البزار عن عبادة بن الصامت وفيه تنبيه على أن دعواه الربوبية كذب، لأن رؤية الله تعالى مقيدة بالموت، والدجال يدعى أنه الله، ويراه الناس مع ذلك، وفي هذا الحديث رد على من يزعم أنه يرى الله تعالى في اليقظة، تعالى الله عن ذلك، ولا يرد على ذلك رؤية النبي صلى الله عليه وسلم له ليلة الإسراء، لأن ذلك من خصائصه عليه الصلاة والسلام، فأعطاه الله تعالى في الدنيا القوة التي ينعم بها على المؤمنين في الآخرة، وأخرج البخاري عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أعور العين اليمنى كأنها عنبة طافية".

وقوله: "أعور العين اليمنى" في رواية غير أبي ذر أعور عين اليمنى بغير ألف ولام، ومثله في رواية الطبراني، وفي رواية لابن عمر في رؤيته عليه الصلاة والسلام لعيسى بن مريم في النوم، قال: ثم ذهبت التفت فإذا رجل جسيم أحمر، جعد الرأس، أعور العين، كأنه عينه عنبة طافية فقالوا: هذا الدجال، وفي رواية مالك: جعد قطط أعور، وفي رواية حنظلة: ورأيت وراءه رجلًا أحمر، جعد الرأس، أعور العين اليمنى، ففي هذه الطرق أنه أحمر، وفي حديث عبد الله بن مغفل عند الطبراني: أنه آدم جعد، فيمكن أن تكون أدمته صافية ولا ينافي أن يوصف مع ذلك بالحمرة لأن كثيرًا من الأدم قد تحمر وجنته.

وقوله: "عنبة طافية" بياء غير مهموز أي: بارزة ولبعضهم بالهمز أي ذهب ضوءها قال القاضي عياض: رويناه عن الأكثر بغير همز، وهو الذي صححه الجمهور، وجزم به الأخفش ومعناه أنها ناتئة نتوء حبة العنب بين أخواتها، قال: وضبطه بعض الشيوخ بالهمز وأنكره بعضهم ولا وجه لإِنكاره فقد جاء في آخر أنه ممسوح العين مطموسة وليست جحراء ولا ناتئة، وهذه صفة حبَّة العنب إذا سأل ماؤها وهو يصحح رواية الهمز، والحديث المذكور عند أبي داود يوافقه حديث عبادة بن الصامت، ولفظه:"رجل قصير أفحج" بفاء ساكنة، ثم مهملة مفتوحة ثم جيم من الفحج، وهو تباعد ما بين الساقين، أو الفخذين، وقيل تداني صدور القدمين مع تباعد العقبين، وقيل: هو الذي في رجله اعوجاج، وفي الحديث المذكور جعد أعور مطموس العين، ليست بناتئة بنون ومثناة، ولا جحراء بفتح الجيم وسكون المهملة ممدود أي: عميقة وبتقديم الحاء أي: ليست متصلبة، وفي حديث عبد الله بن مغفل ممسوح العين، وفي حديث سمرة مثله وكلاهما عند الطبراني، ولكن في حديثهما أعور العين اليسرى، ومثله لمسلم في حديث حذيفة، وهذا بخلاف قوله في الحديث السابق أعور العين اليمنى، وقد اتفقا عليه من حديث ابن عمر، فيكون أرجح، وإلى ذلك أشار ابن عبد البر، لكن جمع بينهما

ص: 244

القاضي عياض فقال: تصحح الروايتان معًا بأن تكون المطموسة والممسوحة هي العوراء الطافئة بالهمز أي: التي ذهب ضوؤها، وهي العين اليمنى كما في حديث ابن عمر، وتكون الجاحظة التي كأنها كوكب وكأنها نخاعة في حائط هي الطافية، بلا همز وهي العين اليسرى، كما جاء في الرواية الأخرى، وعلى هذا فهو أعور العين اليمنى واليسرى معًا فكل واحدة منهما عوراء أي: معيبة فإن الأعور من كل شيء المعيب، وكلا عيني الدجال معيبة فإحداهما معيبة بذهاب ضوئها حتى ذهب إدراكها، والأخرى بنتوئها قال النووي: هو في غاية الحسن وقال القرطبي: في الفهم حاصل كلام القاضي أن كل واحدة من عيني الدجال عوراء، إحداهما بما أصابها حتى ذهب إدراكها والأخرى بأصل خلقها معيبة لكن يبعد هذا التأويل، أن كل واحدة من عينيه قد جاء وصفها في الرواية بمثل ما وصفت به الأخرى من العور وأجاب صاحبه القرطبي في "التذكرة" بأن الذي تأوله القاضي صحيح، فإن المطموسة وهي التي ليست ناتئة ولا جحراء هي التي فقدت الإدراك، والأخرى وصفت بأن عليها ظفرة، وهي جلدة تغشى العين وإذا لم تقطع عميت العين، فالعور فيهما لأن الظفرة مع غلظها تمنع الإدراك أيضًا، فيكون الدجال أعمى أو قريبًا من ذلك، إلا أنه جاء ذكر الظفرة في العين اليمنى في حديث سفينة جاء في العين الشمال في حديث سمرة.

وهذا هو الذي أشار إليه شيخه بأن كل واحدة منهما جاء وصفها بمثل ما وصفت الأخرى، ثم قال: في "التذكرة" يحتمل أن تكون كل واحدة منهما عليها ظفرة، فإن في حديث حذيفة أنه ممسوح العين عليها ظفرة غليظة، قال: وإذا كانت الممسوحة عليها ظفرة فالتي ليست كذلك، أولى قال: وقد فسرت الظفرة بأنها لحمة كالعلقة، وفي حديث أبي سعيد عند أحمد وعينه اليمنى عوراء جاحظة لا تخفى كأنها نخاعة في حائط مجصص، وعينه اليسرى كأنها كوكب دري فوصف عينيه معًا وعند أبي يعلى من هذا الوجه أعور ذو حدقة جاحظة لا تخفى كأنها كوكب دري ولعلها أبين؛ لأن المراد بوصفها بالكوكب شدة إتقادها وهذا بخلاف وصفها بالطمس، وفي حديث أبي بن كعب عند أحمد والطبراني:"إحدى عينيه كأنها زجاجة خضراء"، وهو يوافق وصفها بالكوكب، وفي حديث سفينة، عند أحمد والطبراني أعور عينه اليسرى بعينه اليمنى ظفرة غليظة، والذي يتحصل من مجموع الأخبار أن الصواب في طافية بغير همز فإنها قيدت في الرواية الماضية بأنها اليمنى، وصرح في حديث عبد الله بن مغفل، وسمرة وأبي بكرة بأن عينه اليسرى ممسوحة، والطافية هي البارزة، وهي غير الممسوحة، والعجب ممن يجوز رواية الهمز في طافية وعدمه مع تضاد المعنى في حديث واحد، فلو كان ذلك في حديثين لسهل الأمر، وأما الظفرة فجائز أن تكون في كلا عينيه لأنه لا يضاد الطمس، ولا النتوء، وتكون التي ذهب ضوؤها هي المطموسة، والمعيبة مع بقاء ضوئها هي البارزة، وتشبيهها بالنخاعة في الحائط المجصص في غاية البلاغة، وأما تشبيهها

ص: 245