الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث التاسع والثلاثون
حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم "وَقَّتَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، هُنَّ لَهُنَّ وَلِكُلِّ آتٍ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ".
مطابقته للترجمة في قوله: من أراد الحج والعمرة، حيث خصص لمريدهما المواقيت، ولم يعين لغير مريدهما ميقاتًا، والحديث مرَّ بعينه في أوائل كتاب الحج في باب مهل مكة ومرَّ الكلام فيه هناك مستوفى.
رجاله خمسة:
قد مرّوا: مرَّ مسلم بن إبراهيم في السابع والثلاثين من الإيمان، ومرَّ وهيب في تعليق بعد الخامس عشر منه، وعبد الله بن طاوس في الرابع والثلاثين من الحيض، ومرَّ أبوه طاوس في باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين بعد الأربعين من الوضوء ومرَّ ابن عباس في الخامس من بدء الوحي.
الحديث الأربعون
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَامَ الْفَتْحِ، وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ، فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ:"إِنَّ ابْنَ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ". فَقَالَ: "اقْتُلُوهُ".
وهذا الحديث قد عُد من أفراد مالك، تفرد بقوله، وعلى رأسه المغفر كما تفرد بحديث "السفر قطعة من العذاب" قاله: ابن الصلاح وغيره وتعقبه الزين العراقي بأنه ورد من طريق ابن أخي الزهري، ومعمر وأبي أويس، والأوزاعي فالأولى عند البزار، والثانية عند ابن عدي وفوائد ابن المقري، والثالثة عند ابن سعد وأبي عوانة، والرابعة ذكرها المزني وهي في فوائد تمام، وزاد في الفتح طريق ابن عقيل في معجم ابن جميع ويونس بن يزيد في الإرشاد للخليلي وابن أبي حفصة في الرواة عن مالك للخطيب، وابن عيينة في مسند أبي يعلى وأسامة بن زيد في تاريخ نيسابور، وابن أبي ذئب في "الحلية"، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي الموالي في أفراد الدارقطني وعبد الرحمن ومحمد ابني عبد العزيز الأنصاريين في فوائد عبد الله بن إسحاق الخراساني، وابن إسحاق في مسند مالك لابن عدي وصالح بن أبي الأخضر ذكره الهروي عقب حديث ابن قزعة عن مالك المخرج عند البخاري في المغازي، وبحر السقاء ذكره جعفر الأندلسي في تخريجه للجيزي بالجيم والزاي، ولكن ليس في طرقه
شيء على شرط الصحيح إلا طريق مالك وأقربها ابن أخي الزهري، فقد أخرجها النسائي في مسند مالك، وأبو عوانة في صحيحه ويليها رواية أبي أويس أخرجها أبو عوانة أيضًا، فيحمل قول من قال: انفرد به مالك أي: بشرط الصحة وقول من قال: توبع أي: في الحملة.
وقوله: عن أنس في رواية أبي أويس عند ابن سعد أن أنس بن مالك حدثه.
وقوله: "وعلى رأسه المغفر" بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وفتح الفاء، زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس، أو رفرف البيضة أو ما غطى الرأس من السلاح كالبيضة، ولا تعارض بينه وبين رواية مسلم من حديث جابر، وعليه عمامة سوداء فإنه يحتمل أن يكون المغفر فوق العمامة السوداء. وقاية لرأسه المكرم من صدأ الحديد، أو هي فوق المغفر؛ فأراد أنس بذكر المغفر كونه دخل متأهبًا للحرب؛ وأراد جابر بذكر العمامة كونه غير محرم. أو كان أول دخوله على رأسه المغفر ثم أزاله، ولبس العمامة بعد ذلك، فحكى كل منهما ما رآه، وستر الرأس يدل على أنه دخل غير محرم، لكن قال ابن دقيق العيد يحتمل أن يكون محرمًا وغطى رأسه لعذر، وتعقب بتصريح جابر وغيره بأنه لم يكن محرمًا، واستشكل في المجموع ذلك بأن مذهب الشافعي أن مكة فتحت صلحًا، خلافًا لأبي حنيفة في قوله: إنها فتحت عنوة وحينئذ فلا خوف ثم أجاب بأنه عليه الصلاة والسلام صالح أبا سفيان وكان لا يأمن غدر أهل مكة فدخلها صلحًا متأهبًا للقتال إن غدروا.
وقوله: "فلما نزعه" أي: فلما نزع عليه الصلاة والسلام المغفر.
وقوله: "جاء رجل" ولأبي ذر عن الكشميهني جاءه رجل، وقد اختلف في هذا الرجل المبهم ويأتي ما فيه من الخلاف في السند.
وقوله: فقال: إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال: "اقتلوه"، وقد اختلف في قاتله على أقوال ذكرت في السند وعرف فيه من لم يتقدم تعريفه ممن قيل؛ إنه قتله وتعريف ابن خطل وما قيل من السبب في الأمر بقتله ومن النفر الذين أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمهم يوم الفتح، هبار بن الأسود وعكرمة بن أبي جهل وكعب بن زهير، ووحشي بن حرب وأسيد بن إياس بن أبي زنيم، وقينتا ابن خطل وهند بنت عتبة، وظاهر هذا الحديث أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن محرمًا يوم دخل مكة، وقد صرح بذلك مالك راوي الحديث، كما ذكره المصنف في المغازي عنه فقال: قال مالك: ولم يكن النبي فيما نرى والله أعلم يومئذ محرمًا، وروى عبد الرحمن بن مهدي عن مالك قوله: هذا جازمًا به أخرجه الدارقطني في الغرائب وفي الموطأ قال مالك: قال: ابن شهاب لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمًا، وهذا مرسل، ويشهد له ما رواه مسلم عن جابر بلفظ:"دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سواء بغير إحرام"، وروى ابن أبي
شيبة عن طاووس قال: لم يدخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة إلا محرمًا إلا يوم الفتح، وقد مرَّ التوفيق بين حديث أنس في المغفر، وحديث جابر في العمامة السوداء، وبتصريح جابر بأنه لم يكن محرمًا، يندفع إشكال من قال لا دلالة في الحديث على جواز دخول مكة بغير إحرام، ولكن فيه إشكال من وجه آخر لأنه عليه الصلاة والسلام كان متأهبًا للقتال، ومن كان كذلك جاز له الدخول بغير إحرام عند الشافعية، وإن كان عياض نقل الاتفاق على مقابله وأما من قال من الشافعية كابن القاص دخول مكة بغير إحرام من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم ففيه نظر لأن الخصوصية لا تثبت إلا بدليل لكن زعم الطحاوي أن دليل ذلك، قوله عليه الصلاة والسلام في حديث أبي شريح وغيره "إنها لم تحل له إلا ساعة من نهار" وأن المراد بذلك جواز دخولها بغير إحرام لا تحريم القتال والقتل لأنهم أجمعوا على أن المشركين لو غلبوا والعياذ بالله تعالى على مكة حل للمسلمين قتالهم وقتلهم، وقد عكس النووي استدلاله فقال: في الحديث دلالة على أن مكة تبقى دار إسلام إلى يوم القيامة فبطل ما صوره الطحاوي، وفي دعواه الإجماع نظر فإن الخلاف ثابت حكاه القفال والماوردي وغيرهما واستدل بالحديث على أنه عليه الصلاة والسلام فتح مكة عنوة وأجاب النووي بما مرَّ من أنه عليه الصلاة والسلام كان صالحهم، لكن كما لم يأمن عذرهم دخل متأهبًا وهو جواب قوي إلا أن الشأن في ثبوت كونه صالحهم لا يعرف في شيء من الأخبار صريحًا، وقد مرَّ في باب توريث دور مكة وبيعها استيفاء الكلام على كونها فتحت صلحًا أو عنوة واستدل بقصة ابن خطل على جواز إقامة الحدود والقصاص في حرم مكة قال ابن عبد البر: كان قتل ابن خطل قودًا من قتله المسلم وقال السهيلي: فيه أن الكعبة لا تعيذ عاصيًا ولا تمنع من إقامة حد واجب وقال النووي: تأول من قال: لا يقتل فيها. على أنه عليه الصلاة والسلام قتله في الساعة التي أبيحت له، وأجاب عنه أصحاب الشافعية بأنها إنما أبيحت له ساعة الدخول حتى استولى عليها وأذعن أهلها وإنما قتل ابن خطل بعد ذلك، وتعقب بما مرَّ في الكلام على حديث أبي شريح أن المراد بالساعة التي أحلت له ما بين أول النهار، ودخول وقت العصر وقتل ابن خطل كان قبل ذلك قطعًا لأنه قيد في الحديث بأنه كان عند نزعه المغفر، وذلك عند استقراره بمكة وقد قال ابن خزيمة: المراد بقوله: في حديث ابن عباس ما أحل الله لأحد فيه القتل غيري أي: قتل النفر الذين قتلوا يومئذ ابن خطل، ومن ذكر معه قال: وكان الله قد أباح له القتال والقتل معًا في تلك الساعة، وقتل ابن خطل وغيره بعد نقض القتال، واستدل به على جواز قتل الذمي إذا سب النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه نظر كما قال ابن عبد البر لأن ابن خطل كان حربيًا ولم يدخله رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمانه لأهل مكة بل استثناه مع من استثنى، وخرج أمره بقتله مع أمانه لغيره مخرجًا واحدًا، فلا دلالة فيه لما ذكر ويمكن أن يتمسك به في جواز قتل من فعل ذلك بغير استتابة من غير تقييد بكونه ذميًا لكن ابن خطل عمل بموجبات القتل فلم يتحتم