الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب لا يدخل الدجال المدينة
قد مرَّ في أواخر صفة الصلاة، في باب الدعاء قبل السلام، استيفاء الكلام على معنى الدجال والمسيح، أي: اشتقاق تسميته بذلك، ومما يحتاج إليه في أمر الدجال أصله، وهل هو ابن صياد أو غيره؟ وعلى الثاني: فهل كان موجودًا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لا؟ ومتى يخرج؟ وما سبب خروجه؟ ومن أين يخرج؟ وما صفته؟ وما الذي يدعيه؟ وما الذي يظهر عند خروجه من الخوارق حتى تكثر أتباعه؟ ومتى يهلك؟ ومن يقتله؟
فأما الأول: فقد مرَّ استيفاء الكلام عليه في باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه؟
وأما الثاني: فمقتضى حديث فاطمة بنت قيس في قصة تميم الداري الذي أخرجه مسلم أنه كان موجودًا في العهد النبوي، وأنه محبوس في بعض الجزائر.
وأما الثالث: ففي حديث النواس عند مسلم أنه يخرج عند فتح المسلمين القسطنطينية، وأما سبب خروجه فأخرج مسلم في حديث ابن عمر عن حفصة أنه يخرج من غضبة يغضبها.
وأما من أين يخرج فمن قبل المشرق جزمًا، ثم جاء في رواية أنه يخرج من خراسان، أخرج ذلك أحمد، والحاكم من حديث أبي بكر رضي الله تعالى عنه، وفي أخرى أنه يخرج من أصبهان أخرجها مسلم.
وأما صفته فمذكورة في أحاديث البخاري في كتاب الفتن، وسأذكر منها طرفًا هنا.
وأما الذي يدعيه فإنه يخرج أولًا فيدعي الإيمان والصلاح، ثم يدعي النبوءة، ثم يدعي الإلهية، كما أخرج الطبراني عن سليمان بن شهاب قال: نزل عليَّ عبد الله بن المعتمر -وكان صحابيًا- فحدثني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الدجال ليس به خفاء، يجيء من قبل المشرق، فيدعو إلى الدين فيتبع، ويظهر، فلا يزال حتى الكوفة فَيُظْهِر الدينَ، ويعمل به، فيتبع، ويحث على ذلك، ثم يدعي أنه نبي فيفزع من ذلك كل ذي لب ويفارقه، فيمكث بعد ذلك فيقول: أنا الله فتغشى عينه، وتقطع أذنه ويكتب بين عينيه كافر، فلا يخفى على كل مسلم، فيفارقه كل أحد من الخلق في قلبه مثقال حبَّة خردل من إيمان" وسنده ضعيف.
وأما ما يظهر على يديه من الخوارق فسيذكر هنا.
وأما متى يهلك ومن يقتله فإنه يهلك بعد ظهوره على الأرض كلها إلا مكة والمدينة،
ثم يقصد بيت المقدس فينزل عيسى، فيقتله، أخرجه موسى، وأخرج الحاكم عن هشام بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة فتنة أعظم من الدجال" وعند الحاكم أيضًا عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد رفعه: "أنه يخرج -يعني الدجال- في نقص من الدنيا، وخفة من الدين، وسوء ذات بين، فيرد كل منهل، وتطوى له الأرض" الحديث، وأخرج نعيم بن حماد في الفتن عن كعب الأحبار قال: يتوجه الدجال فينزل عند باب دمشق الشرقي ثم يلتمس، فلا يقدر عليه، ثم يرى عند المياه التي عند نهر الكسوة، ثم يطلب فلا يدرى أين توجه، ثم يظهر بالمشرق، فيعطى الخلافة، ثم يظهر السحرَ، ثم يدعي النبوءة، فتتفرق عنه الناس، فيأتي النهر، فيأمره أن يسيل إليه فيسيل، ثم يأمره أن يرجع فيرجع، ثم يأمره أن ييبس فييبس، ويأمر جبل طور وجبل زيتا أن ينتطحا فينتطحا، ويأمر الريح أن تثير سحابًا من البحر فتمطر الأرض، وتخوض البحر في يوم ثلاث خوضات، فلا يبلغ حقويه، وإحدى يديه أطول من الأخرى فيمد الطويلة في البحر فتبلغ قعره، فيخرج من الحيتان ما يريد" وأخرج أبو نعيم في الحلية بسند صحيح عن حسان بن عطية -أحد ثقات التابعين- قال: لا ينجو من فتنة الدجال إلا اثنا عشر ألف رجل، وسبعة آلاف امرأة، وهذا لا يقال من قبل الرأي فيحتمل أن يكون مرفوعًا أرسله، ويحتمل أن يكون أخذه من بعض أهل الكتاب، وقد اشتهر السؤال عن الحكمة في عدم التصريح بذكر الدجال في القرآن، مع ما ذكر عنه من الشر وعظم الفتنة به، وتحذير الأنبياء منه، والأمر بالاستعاذة منه حتى في الصلاة.
وأجيب بأجوبة:
أحدها: أنه ذكر في قوله: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} فقد أخرج الترمذي، وصححه عن أبي هريرة رفعه:"ثلاثة إذا خرجن لم ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل: الدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها".
الثاني: قد وقعت الإشارة في القرآن إلى نزول عيسى بن مريم في قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} وفي قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} وصح أنه الذي يقتل الدجال، فاكتفى بذكر أحد الضدين عن الآخر، ولكونه يلقب المسيح كعيسى، لكن الدجال مسيح الضلالة، وعيسى مسيح الهدى.
الثالث: أنه ترك ذكره احتقارًا، وتعقب بذكر يأجوج ومأجوج وليست الفتنة بهم دون الفتنة بالدجال، والذي قبله، فالسؤال باق، وأجاب الإِمام البلقيني بأنه اعتبر كل من ذكر في القرآن من المفسدين، فوجد كل من ذكر إنما هم ممن مضى، وانقضى أمره، وأما من لم يجيء بعد فلم يذكر منهم أحد.