الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رواية المستملي: حرم بفتحتين على أنه خبر مقدم، وما بين لابتي المدينة المبتدأ، ويؤيد الأول ما رواه أحمد عن عبيد الله بن عمر في هذا الحديث بلفظ:"إن الله عز وجل حرّم على لساني ما بين لابتي المدينة" ونحوه للإسماعيلي عن عبيد الله، وقد مرَّ الكلام في اللابتين في الحديث الأول، وزاد مسلم في بعض طرقه، وجعل اثني عشر ميلًا حول المدينة حمىً، وروى أبو داود عن عدي بن زيد قال: حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ناحية من المدينة بريدًا بريدًا، لا يخبط شجره ولا يعضد إلا يساق به الجمل.
وقوله: "وأتى النبي صلى الله عليه وسلم بني حارثة" في رواية الإسماعيلي: جاء بني حارثة وهم في سند الحرة، أي: في الجانب المرتفع منها، وبنو حارثة -بمهملة ومثلثة- بطن مشهور من الأوس، وهم حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس، وكان بنو حارثة في الجاهلية، وبنو عبد الأشهل في دار واحدة، ثم وقعت بينهم الحرب، فانهزمت بنو حارثة إلى خيبر فسكنوها، ثم اصطلحوا فرجع بنو حارثة، فلم ينزلوا في دار بني عبد الأشهل، وسكنوا في دراهم هذه وهي غربي مشهد حمزة.
وقوله: "بل أنتم فيه" زاد الإسماعيلي: بل أنتم فيه أعادها تأكيدًا، وفي هذا الحديث جواز الجزم بما يغلب على الظن، وإذا تبين أن اليقين على خلافه رجع عنه.
رجاله ستة:
قد مرّوا: مرَّ إسماعيل بن أبي أويس في الخامس عشر من الإيمان ومرَّ أخوه عبد الحميد في الحادي والستين من العلم، ومرَّ سليمان بن بلال، وأبو هريرة في الثاني من الإيمان، ومرَّ سعيد المقبري في الثاني والثلاثين منه، ومرَّ عبيد الله العمري في الرابع عشر من الوضوء.
لطائف إسناده:
فيه التحديث بالجمع والإفراد والعنعنة، ورواته كلهم مدنيون، وفيه رواية الأخ عن الأخ.
الحديث الرابع
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ إِلَاّ كِتَابُ اللَّهِ، وَهَذِهِ الصَّحِيفَةُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: الْمَدِينَةُ حَرَمٌ، مَا بَيْنَ عَائِرٍ إِلَى كَذَا، مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ، وَقَالَ: ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ، وَمَنْ تَوَلَّى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ.
قوله: "عن أبيه" هذه رواية أكثر أصحاب الأعمش عنه، وخالفهم شعبة؛ فرواه عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد، عن علي أخرجه أحمد والنسائي، قال الدارقطني في العلل: الصواب رواية الثوري ومن تبعه.
وقوله: "ما عندنا شيء" أي: مكتوب، وإلا فكان عندهم أشياء من السنة سوى الكتاب، أو المنفي شيء اختصوا به عن الناس، وسبب قول عليّ هذا، ما أخرجه أحمد عن أبي حسان الأعرج أن عليًا رضي الله تعالى عنه كان يأمر بالأمر، فيقال له: فعلناه، فيقول: صدق الله ورسوله فقال له: الأشتر إن هذا الذي تقول أهو شيء عهده إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما عهد إليّ شيئًا خاصة دون الناس، إلا شيئًا سمعته منه، فهو في صحيفة في قراب سيفي، فلم يزالوا به حتى أخرج الصحيفة، فإذا فيها
…
فذكر الحديث، وزاد فيه: المؤمنون تتكافؤ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم، ألا لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده، وقال فيه: إن إبراهيم حرم مكة، وإني أحرم ما بين حرتيها وسماها كله، لا يختلى خلاها ولا ينفر صيدها، ولا تلتقط لقطتها، ولا يقطع منها شجرة إلا أن يعلف الرجل بعيره، ولا يحمل فيها السلاح لقتال، والباقي نحوه، وأخرجه الدارقطني من وجه آخر عن أبي حسان عن الأشتر عن علي، لأحمد وأبي داود والنسائي عن قيس بن عاد قال: انطلقت أنا والأشتر إلى علي فقلنا: هل عهد إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا لم يعهده إلى الناس عامة؟ قال: لا، إلا ما في كتابي هذا، قال: وكتاب في قراب سيفه فإذا فيه: المؤمنون تتكافؤ
…
فذكر مثل ما تقدم إلى قوله: في عهده من أحدث حديثًا إلى قوله: أجمعين، ولم يذكر بقية الحديث ولمسلم عن أبي الطفيل: كنت عند علي فأتاه رجل فقال: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يُسِرُّ إليك؟ فغضب، ثم قال: ما كان يسر إلى شيئًا يكتمه عن الناس، غير أنه حدثني بكلمات أربع، وفي رواية له: ما خصنا بشيء لم يعم به الناس كافة، إلا ما كان في قراب سيفي، فأخرج صحيفة مكتوبًا فيها: لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من سرق منار الأرض، ولعن الله من لعن والده، ولعن الله من آوى محدثًا، وقد تقدم في كتاب العلم عن أبي جحيفة: قلت: لعلي هل عندكم كتاب؟ قال: لا، إلا كتاب الله، أو فهم أعطيه رجل مسلم، أو ما في هذه الصحيفة، قال: قلت: وما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، ولا يقتل مسلم بكافر، والجمع بين هذه الأخبار أن الصحيفة المذكورة كانت مشتملة على مجموع ما ذكر، فنقل كل راو بعضها، وأتمُّها سياقا طريق أبي حسان كما رأيت، وتقدم عند حديث أبي جحيفة استيفاء الكلام على القصاص من المسلم للكافر.
وقوله: "المدينة حرم" كذا أورده مختصرًا، وسيأتي في الجزية بزيادة في أوله: قال فيها: الجراحات، وأسنان الإبل.
وقوله: "من أحدث فيها حديثًا" يقيد به مطلق ما تقدم في رواية قيس بن عباد، وأن ذلك
يختص بالمدينة لفضلها وشرفها.
وقوله: "لا يقبل منه صرف ولا عدل" بفتح أولهما، واختلف في تفسيرهما.
فعند الجمهور الصرف: الفريضة، والعدل: النافلة، ورواه ابن خزيمة بإسناد صحيح عن الثوري.
وعن الحسن البصري بالعكس.
وعن الأصمعي الصرف: التوبة والعدل، وعن يونس مثله لكن قال: الصرف الاكتساب، وعن أبي عبيدة مثله لكن قال: العدل: الحيلة، وقيل: المثل وقيل: الصرف: الدية والعدل: الزيادة عليها، وقيل: بالعكس، وحكى صاحب المحكم: الصرف: الوزن، والعدل: الكيل، وقيل: الصرف: القيمة، والعدل: الاستقامة، وقيل: الصرف: الدية، والعدل: البديل، وقيل: الصرف: الشفاعة، العدل: الفدية؛ لأنها تعادل الدية، وبهذا الأخير جزم البيضاوي، وقيل: الصرف: الرشوة، والعدل: الكفيل، قاله أبان بن ثعلب، وأنشد:
لا نقبل الصرف وهاتوا عدلًا
وفي آخر الحديث في رواية المستملي قال أبو عبد الله: عدل: فداء وهذا موافق لتفسير الأصمعي، قال عياض: معناه لا يقبل قبول رضىً وإن قبل قبول جزاء، وقيل: يكون القبول هنا بمعنى تكفير الذنب بهما، وقد يكون معنى الفدية أنه لا يجد يوم القيامة فدىً يفتدي به، بخلاف غيره من المذنبين بأن يفديه من النار بيهودي أو نصراني، كما رواه مسلم عن أبي موسى الأشعري، وفي الحديث رد لما تدعيه الشيعية من أنه كان عند عليّ وآل بيته من النبي صلى الله عليه وسلم أمور كثيرة أعلمه بها سرًا تشتمل على كثير من قواعد الدين، وأمور الإمارة، وفيه جوز كتابة العلم.
وقوله: "ذمة المسلمين واحدة" أي: أمانهم صحيح فإذا أمن الكافر واحدٌ منهم حرم على غيره التعرض له، وللأمان شروط معروفة، وقال البيضاوي: الذمة العهد سمي بها لأنه يذم متعاطيها على إضاعتها.
وقوله: "يسعى بها" أي: يتولاها ويذهب، ويجيء، والمعنى أن ذمة المسلمين سواء صدرت من واحد، أو أكثر، شريف أو وضيع فإذا أمن أحد من المسلمين كافرًا وأعطاه ذمة، لم يكن لأحد نقضه فيستوي في ذلك الرجل والمرأة، والحر والعبد لأن المسلمين كنفس واحدة، ومذهب مالك والشافعي جواز أمان المرأة والعبد، وعند أبي حنيفة: لا يجوز إلا إذا أذِن المولى لعبده بالقتال.
وقوله: "فمن أخفر" بالخاء المعجمة والفاء أي: نقض العهد، يقال: خفرته بغير ألف