الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: قَدْ أُحْصِرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَحَلَقَ رَأْسَهُ وَجَامَعَ نِسَاءَهُ، وَنَحَرَ هَدْيَهُ، حَتَّى اعْتَمَرَ عَامًا قَابِلاً.
قوله: "حدَّثنا محمد" جاء في جميع الروايات غير منسوب ويأتي ما قيل فيه في السند.
وقوله: "قال: فقال ابن عباس" هكذا في جميع النسخ، وهو يقتضي سبق كلام يعقبه قوله: فقال ابن عباس، ولم ينبه عليه أحد من شراح هذا الكتاب، قال في الفتح: وقفت عليه في كتاب الصحابة لابن السكن بسنده عن يحيى بن أبي كثير قال: سألت عكرمة، فقال: قال عبد الله بن رافع مولى أم سلمة: أنها سألت الحجاج بن عمرو الأنصاري عمن حبس وهو محرم، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عرج أو كسر أو حبس فليجزىء مثلها، وهو في حل"، قال: فحدثت به أبا هريرة فقال: صدق، وحدثته ابن عباس فقال: قد أحصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلق ونحر هديه، وجامع نساءه حتى اعتمر عاما قابلًا، فعرف بهذا السياق القدر الذي حذفه البخاري من هذا الحديث، والسبب في حذفه أن الزائد ليس على شرطه، لأنه قد اختلف في حديث الحجاج بن عمرو على يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، مع كون عبد الله بن رافع ليس من شرط البخاري، فأخرجه أصحاب السنن، وابن خزيمة، والدارقطني والحاكم من طرق، عن الحجاج الصواف، عن يحيى، عن عكرمة، عن الحجاج به وقال في آخره: قال عكرمة: فسألت أبا هريرة، وابن عباس فقالا: صدق، وفي رواية يحيى القطان وغيره في سياقه: سمعت الحجاج، وأخرجه أبو داود والترمذي عن معمر، عن يحيى، عن عكرمة، عن عبد الله بن رافع، عن الحجاج، قال الترمذي: تابع على زيادة عبد الله بن رافع معاويةِ بنُ سلام، وسمعت محمدًا البخاري يقول: رواية معمر ومعاوية أصح، فاقتصر البخاري على ما هو من شرطه، مع أن الذي حذفه ليس بعيدًا من الصحة، فإن كان عكرمة سمعه من الحجاج بن عمرو فذاك، وإلَاّ فالواسطة بينهما -وهو عبد الله بن رافع- ثقة، وإن كان البخاري لم يخرج له.
وهذا الحديث قد مرَّ أنه احتج به من عمم الإحصار بالعدو والمرض، إلى آخر ما مرَّ.
رجاله ستة:
مرَّ منهم: يحيى بن صالح في الثالث عشر من كتاب الصلاة، ومرَّ معاوية بن سلام في السادس من الكسوف، ومرَّ يحيى بن أبي كثير في الثالث والخمسين من العلم، ومرَّ عكرمة في السابع عشر منه، ومرَّ ابن عباس في الخامس من بدء الوحي، ومحمد شيخ البخاري جاء غير منسوب، واختلف فيه فقيل: إنه محمد بن يحيى الذهلي، وقد مرَّ في العشرين من العيدين، وقيل: هو محمد بن مسلم، وقيل: محمد بن إدريس، وقيل: محمد بن إسحاق الصغاني، وهاأنا أذكر تعريف الثلاثة على أنهم معنى واحد منهم.
فالأول: محمد بن مسلم بن عثمان بن عبد الله الرازي أبو عبد الله بن واره الحافظ، قال النسائي: ثقة صاحب سنة وقال ابن أبي حاتم: سمعت منه، وهو صدوق ثقة، وجدت أبا زرعة كتب عنه، وكان أبو زرعة يكرمه ويبجله، وكان أبو زرعة لا يقوم لأحد ولا يجلس أحدًا في مكانه إلَاّ ابن وارة، وقال فضلك الرازي: أحفظ من رأيت ثلاثة: أبو مسعود وابن وارة وأبو زرعة، وقال الطحاوي: ثلاثة من علماء الزمان بالحديث، اتفقوا بالرأي، لم يكن في الأرض في وقتهم مثلهم: أبو زرعة، وأبو حاتم، وابن وارة، وقال ابن خراش: كان محمد بن مسلم من أهل هذا الشأن المتقنين الأمناء، قال: وكنت عند محمد بن مسلم ليلة فذكر أبا إسحاق السبيعي، فذكر شيوخه، فذكر في طلق واحد سبعين ومائتي رجل، ثم قال: كان غاية، كان شيئًا عجبًا، وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: كان صاحب حديث يحفظ على صلف فيه، وقال الخطيب: كان متقنًا عالمًا حافظًا فهمًا، وقال مسلمة بن قاسم: كان ثقة من الحفاظ، ومن أئمة المسلمين صاحب سنة، وقال الحاكم: كان أحد أئمة أهل الحديث، روى أنه طرق باب رجل من المحدثين فقال: من؟ قال: ابن وارة، أبو الحديث وأمه، وقال زكرياء الساجي: جاء ابن وارة إلى أبي كريب، وكان في ابن وارة باء فقال لأبي كريب: ألم يبلغك خبري، ألم يأتك نبأي؟
أنا ذو الرحلتين، أنا محمد بن مسلم بن وارة، فقال له أبو كريب: وارة، وما وارة، وما أدراك ما وارة؟ قم فوالله لا حدثتك، وقال سليمان الشاذكوني: جاءني ابن وارة فقعد يتقعر في كلامه، فقلت: من روى؟ "إن من الشعر حكمة، وأن من البيان لسحرًا؟ " قال: حدثني بعض أصحابي، فقلت: من هم؟ قال: أبو نعيم، وقبيصة، قلت: هات يا غلام الدرة فضربته، وقلت: ما آمن إذا خرجت من عندي أن تقول حدَّثنا بعض علمائنا. روى عن محمد بن المبارك الصوري، وهوذة بن خليفة، والهيثم بن جميل، وروى عنه النسائي والذهلي وهو أكبر منه، والبخاري في غير الجامع، وقيل: فيه في هذا المحل، وغيرهم، مات سنة خمس وستين ومائتين وقيل سنة سبعين.
الثاني: أبو حاتم الرازي محمد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران الحنظلي الحافظ الكبير، أحد الأئمة، قال أبو بكر الخلال: أبو حاتم إمام الحديث، روى عن أحمد مسائل كثيرة وقعت لنا متفرقة، كلها غريب، وقال ابن خراش: كان من أهل الأمانة والمعرفة، وقال النسائي: ثقة، وقال أبو نعيم: إمام في الحفظ، وقال اللالكائي: كان إماما عالمًا بالحديث، حافظًا له، متقنًا ثبتًا، وقال ابن أبي حاتم: سمعت موسى بن إسحاق القاضي يقول: ما رأيت مثل والدك قلت له: أرأيت أبا زرعة؟ قال: لا، وقال: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: أبو زرعة وأبو حاتم إماما خراسان، ودعا لهما، وقال: بقاؤهما صلاح للمسلمين، وقال الخطيب: كان أحد الأئمة الحفاظ الأثبات، مشهورًا بالعلم، مذكورًا بالفضل، وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: خرجت في طلب الحديث، أقمت سنين أحسب، ومشيت على
قدمي زيادة على ألف فرسخ، وأقمت بالبصرة ثمانية أشهر، قد كنت عزمت على أن أقيم سنة، فانقطعت نفقتي فجعلت أبيع ثيابي شيئًا فشيئًا، حتى بقيت بلا شيء، وقال أيضًا: سمعت أبي يقول: قلت على باب أبي الوليد الطيالسي: من أغرب عليّ حديثًا صحيحًا مسندًا لم أسمع به فله عليّ درهم يتصدق به، وهناك خلق من الخلق؛ أبو زرعة فمن دونه، وإنما كان مرادي أن أستخرج منهم ما ليس عندي، فما تهيأ لأحد منهم أن يغرب عليّ حديثًا، وقال أحمد بن سلمة النيسابوري: ما رأيت بعد إسحاق، ومحمد بن يحيى أحفظ للحديث، ولا أعلم بمعانيه من أبي حاتم، وقال عثمان بن جُرَّزاذ أحفظ من رأيت أربعة: إبراهيم بن عرعرة، ومحمد بن المنهال الضرير، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وقال حجاج بن الشاعر -وذكر له: أبو زرعة وأبو حاتم وابن وارة وأبو جعفر الدارمي-: ما بالمشرق قوم أنبل منهم، وقال مسلمة في "الصلة": كان ثقة وكان شيعيا مفرطًا، وحديثه مستقيم، ولم ينسبه أحد للتشيع غير هذا الرجل، نعم ذكر السليماني ابنه عبد الرحمن من الشيعة الذين كانوا يقدمون عليَّاً على عثمان، كالأعمش وعبد الرزاق، فلعله تلقف ذلك عن أبيه، ومن حفظه ما رواه ابنه عنه أنه قال: قدم محمد بن يحيى النيسابوري الريّ، فألقيت عليه ثلاثة عشر حديثًا من حديث الزهري، فلم يعرف منها إلَاّ ثلاثة، وهذا يدل على حفظ عظيم، فإن الذهلي شهد له مشايخه وأهل عصره بالتبحر في معرفة حديث الزهري، ومع ذلك أغرب عليه أبو حاتم، وقد ترجمه ولده ترجمة مليحة، فيها أشياء تدل على عظم قدره، وجلالته، وسعة حفظه، روى عن محمد بن عبد الله الأنصاري، وعثمان بن الهيثم، وعفان بن مسلم، وغيرهم، وروى عنه أبو داود والنسائي، وابن ماجه في التفسير، وروى البخاري عنه هنا على ما قيل: إنه هو المعني، ولد سنة خمس وتسعين ومائة، ومات بالريّ في شعبان سنة سبع أو تسع وسبعين ومائتين.
الثالث: محمد بن إسحاق بن جعفر أبو بكر الصاغاني خراساني الأصل، أنزل بغداد، وكان أحد الحفاظ الرحالين، قال ابن أبي حاتم: سمعت منه مع أبي وهو ثبت، صدوق، وقال النسائي: ثقة، وقال في موضع آخر: لا بأس به، وقال ابن خراش: ثقة مأمون، وقال الدارقطني: ثقة، وفوق الثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الخطيب: كان أحد الأثبات المتقنين مع صلابة في الدين، واشتهار بالسنة، واتساع في الرواية، وقال أبو مزاحم الخاقاني: كان الصاغاني يشبه يحيى بن معين في وقته، وقال مسلمة في "الصلة": كان ثقة مأمونًا، وقال أبو حاتم الرازي: ثقة، وقال الدارقطني أيضًا: هو وجه مشايخ بغداد وفي "الزهرة": روى عنه مسلم اثنين وثلاثين حديثًا، وروى عن روح بن عبادة، وعفان وقراد أبي نوح وغيرهم، وروى عنه الجماعة سوى البخاري، وقيل: إنه روى عنه هنا، وروى عنه أبو عمر الدوري، وهو أكبر منه وغيرهم، مات يوم الخميس لسبع خلون من صفر سنة سبعين ومائتين.
ثم قال المصنف: