المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث التاسع عشر - كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري - جـ ١٤

[محمد الخضر الشنقيطي]

فهرس الكتاب

- ‌أبواب العمرة

- ‌باب وجوب العمرة وفضلها

- ‌الحديث الأول

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب من اعتمر قبل الحج

- ‌الحديث الثاني

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثالث

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الرابع

- ‌رجاله سبعة:

- ‌الحديث الخامس

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث السادس

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌رجاله تسعة

- ‌باب عمرة في رمضان

- ‌الحديث العاشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب العمرة ليلة الحصبة

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب عمرة التنعيم

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب الإعتمار بعد الحج بغير هدي

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب أجر العمرة على قدر النصب

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌رجاله سبعة:

- ‌باب المعتمر إذا طاف طواف العمرة، ثم خرج هل يجزئه من طواف الوداع

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌رجاله أربعة

- ‌باب يفعل بالعمرة ما يفعل بالحج

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌رجاله خمسة

- ‌باب متى يحل المعتمر

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث العشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الحادي والعشرون

- ‌رجاله ستة:

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب ما يقول إذا رجع من الحج أو العمرة أو الغزو

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب استقبال الحاج القادمين والثلاثة على الدابة

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب القدوم بالغداة

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب الدخول بالعشي

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب لا يطرق أهله إذا بلغ المدينة

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب من أسرع ناقته إذا بلغ المدينة

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌رجاله أربعة

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب قول الله تعالى: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا}

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب السفر قطعة من العذاب

- ‌الحديث الحادي والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب المسافر إذا جدَّ به السير يعجل إلى أهله

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌خاتمة

- ‌أبواب المحصر، وجزاء الصيد

- ‌باب إذا أحصر المعتمر

- ‌الحديث الأول

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث الثاني

- ‌رجاله سبعة:

- ‌الحديث الثالث

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث الرابع

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب الإحصار في الحج

- ‌الحديث الخامس

- ‌رجاله ستة:

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب النحر قبل الحلق في الحصر

- ‌الحديث السادس

- ‌رجاله ستة:

- ‌الحديث السابع

- ‌رجاله سبعة:

- ‌باب من قال ليس على المحصر بدل

- ‌الحديث الثامن

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب قوله تعالى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}

- ‌الحديث التاسع

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب قول الله عز وجل {أَوْ صَدَقَةٍ} وهي إطعام ستة مساكين

- ‌الحديث العاشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب الإطعام في الفدية نصف صاع

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب النسك بشاة

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌رجاله سبعة:

- ‌باب قول الله عز وجل {فَلَا رَفَثَ}

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب قول الله عز وجل {وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب جزاء الصيد ونحره

- ‌باب إذا صاد الحلال فأهدي للمحرم الصيد أكله

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب إذا رأى المحرمون صيدًا فضحكوا ففطن الحلال

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب لا يعين المحرم الحل الذي قتل الصيد

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب لا يشر المحرم إلى الصيد لكي يصطاده الحلال

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب إذا أهدي للمحرم حمارًا وحشيًا حيًا لم يقبل

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب ما يقتل المحرم من الدواب

- ‌الحديث العشرون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث الحادي والعشرون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌رجاله ستة:

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌رجاله ستة

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب لا يعضد شجر الحرم

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب لا ينفر صيد الحرم

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب لا يحل القتال بمكة

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌باب الحجامة للمحرم

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌رجاله ستة:

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب تزويج المحرم

- ‌الحديث الحادي والثلاثون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب ما ينهى من الطيب للمحرم والمحرمة

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث الثالث والثلاثون

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب الاغتسال للمحرم

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌رجاله ثمانية:

- ‌باب لبس الخفين للمحرم إذا لم يجد النعلين

- ‌الحديث الخامس والثلاثون

- ‌‌‌رجاله خمسة:

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌باب إذا لم يجد الإزار فليلبس السراويل

- ‌الحديث السابع والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب لبس السلاح للمحرم

- ‌الحديث الثامن والثلاثون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب دخول الحرم ومكة بغير إحرام

- ‌الحديث التاسع والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الأربعون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب إذا أحرم جاهلاً وعليه قميص

- ‌الحديث الحادي والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب المحرم يموت بعرفة

- ‌الحديث الثاني والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثالث والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب سنة المحرم إذا مات

- ‌الحديث الرابع والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب الحج والنذور عن الميت والرجل يحج عن المرأة

- ‌الحديث الخامس والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب الحج عمن لا يستطيع الثبوت على الراحلة

- ‌الحديث السادس والأربعون

- ‌رجاله ثمانية:

- ‌باب حج المرأة عن الرجل

- ‌الحديث السابع والأربعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب حج الصبيان

- ‌الحديث الثامن والأربعون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث التاسع والأربعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌الحديث الخمسون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الحادي والخمسون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب حج النساء

- ‌الحديث الثاني والخمسون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثالث والخمسون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الرابع والخمسون

- ‌‌‌رجاله خمسة:

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الخامس والخمسون

- ‌ورجاله أربعة:

- ‌الحديث السادس والخمسون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب من نذر المشي إلى الكعبة

- ‌الحديث السابع والخمسون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثامن والخمسون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث التاسع والخمسون

- ‌خاتمة:

- ‌فضائل المدينة

- ‌باب حرم المدينة

- ‌الحديث الأول

- ‌‌‌رجاله أربعة:

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الرابع

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب فضل المدينة وأنها تنفي الناس

- ‌الحديث الخامس

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب المدينة طابة

- ‌الحديث السادس

- ‌‌‌رجاله خمسة:

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب لابتي المدينة

- ‌الحديث السابع

- ‌باب من رغب عن المدينة

- ‌الحديث الثامن

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث التاسع

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الإيمان يأرز إلى المدينة

- ‌الحديث العاشر

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب إثم من كاد أهل المدينة

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب آطام المدينة

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب لا يدخل الدجال المدينة

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب المدينة تنفي الخبث

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌رجاله ستة:

- ‌الحديث العشرون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب كراهية النبي صلى الله عليه وسلم أن تعرى المدينة

- ‌الحديث الحادي والعشرون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب

- ‌الحديث الثاني والعشرين

- ‌رجاله ستة:

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌ورجاله خمسة:

- ‌خاتمة

- ‌تنويه من الناشر

- ‌خاتمة

الفصل: ‌الحديث التاسع عشر

‌باب متى يحل المعتمر

؟

أشار بهذه الترجمة إلى مذهب ابن عباس، وقد تقدم القول فيه في باب من طاف بالبيت إذا قدم مكة، قال ابن بطال: لا أعلم خلافًا بين أئمة الفتوى، أن المعتمر لا يحل حتى يطوف ويسعى، إلا ما شذ به ابن عباس، فقال: يحل من العمرة بالطواف، ووافقه إسحاق بن راهويه، ونقل عياض عن بعض أهل العلم أن بعض الناس ذهب إلى أن المعتمر إذا دخل الحرم حل، وإن لم يطف، ولم يسع، وله أن يفعل كل ما حرم على المحرم، ويكون الطواف والسعي في حقه، كالرمي والمبيت في حق الحاج، وهذا من شذوذ المذاهب وغرائبها، وغفل القطب الحلبي فقال فيمن استلم الركن في ابتداء الطواف وأحل حينئذ: إنه لا يحصل له التحلل بالإجماع.

ثم قال: "وقال عطاء، عن جابر رضي الله تعالى عنه: أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يجعلوها عمرة، ويطوفوا، ثم يقصروا ويحلوا" وهذا التعليق طرف من حديث وصله البخاري في باب عمرة التنعيم، وعطاء مرَّ في التاسع والثلاثين من العلم.

‌الحديث التاسع عشر

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَاعْتَمَرْنَا مَعَهُ، فَلَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ طَافَ، وَطُفْنَا مَعَهُ، وَأَتَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ، وَأَتَيْنَاهَا مَعَهُ، وَكُنَّا نَسْتُرُهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَنْ يَرْمِيَهُ أَحَدٌ. فَقَالَ لَهُ صَاحِبٌ لِي: أَكَانَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَحَدِّثْنَا مَا قَالَ لِخَدِيجَةَ: قَالَ: "بَشِّرُوا خَدِيجَةَ بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ".

اشتمل هذا الحديث على حديثين، مرَّ الكلام على الأول في باب من لم يدخل الكعبة، والثاني حديث خديجة أي "بشروا خديجة ببيت في الجنة" إلخ. وفي رواية المناقب: بشر النبي صلى الله عليه وسلم خديجة ببيت؟ قال: نعم، وهذا استفهام محذوف الأداة.

قوله: "ببيت من قصب" بفتح القاف والمهملة بعدها موحدة قال ابن التين: المراد به لؤلؤة مجوفة واسعة كالقصر المنيف، وعند الطبراني في الأوسط عن ابن أبي أوفى يعني قصب اللؤلؤ، وعنده في الكبير عن أبي هريرة: بيت من لؤلؤة مجوفة، وأصله في مسلم، وعنده في

ص: 37

الأوسط عن فاطمة قالت: قلت يا رسول الله، أين أُمي خديجة؟ قال:"في بيت من قصب" قلت: أمن هذا القصب؟ قال: "لا من القصب المنظوم بالدر واللؤلؤ والياقوت"، قال السهيلي: النكتة في قوله: "من قصب" ولم يقل: من لؤلؤ أن في لفظ القصب مناسبة لكونها أحرزت قصب السبق بمبادرتها إلى الإيمان دون غيرها، ولذا وقعت هذه المناسبة في جميع ألفاظ هذا الحديث، وفي القصب مناسبة أخرى من جهة استواء أنابيبه، وكذا كان لخديجة من الاستواء ما ليس لغيرها، إذ كانت حريصة على رضاه بكل ممكن، ولم يصدر منها ما يغضبه قط، كما وقع لغيرها.

وأما قوله: "ببيت" فقال أبو بكر الإسكاف في "فوائد الأخبار" المراد به بيت زائد على ما أعد الله لها من ثواب عملها، ولهذا قال: لا نصب فيه أي: لم تتعب بسببه، قال السهيلي: لذكر البيت معنى لطيف؛ لأنها كانت ربة بيت قبل المبعث، ثم صارت ربة بيت في الإِسلام منفردة به، فلم يكن على وجه الأرض في أول يوم بعث النبي صلى الله عليه وسلم بيت إسلام إلا بيتها، وهي فضيلة ما شاركها أيضًا فيها غيرها، وجزاء الفعل يذكر غالبًا بلفظه، وإن كان أشرف منه، فلهذا جاء في الحديث بلفظ: البيت دون لفظ القصر، وفي ذكر البيت معنى آخر؛ لأن مرجع أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم إليها، لما ثبت في تفسير قوله تعالى:{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} قالت أم سلمة: لما نزلت دعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة وعليَّاً والحسن والحسين فجللهم بكساء فقال: "اللهم هؤلاء أهل بيتي" الحديث أخرجه الترمذي وغيره، ومرجع أهل البيت هؤلاء إلى خديجة؛ لأن الحسنين من فاطمة، وفاطمة بنتها وعليٌّ نشأ في بيت خديجة وهو صغير، ثم تزوج بنتها بعدها، فظهر رجوع أهل البيت النبوي إلى خديجة دون غيرها.

وقوله: "لا صخب فيه ولا نصب" الصخب بفتح المهملة والمعجمة بعدها موحدة: الصياح والمنازعة برفع الصوت والنصب بالتحريك التعب وأغرب الداوودي فقال الصخب العيب والنصب العوج، وهو تفسير لا تساعد عليه اللغة، وقال السهيلي: مناسبة نفي هاتين الصفتين، أعني المنازعة والتعب أنه عليه الصلاة والسلام لما دعا إلى الإِسلام أجابت خديجة طوعًا، فلم تحوجه إلى رفع صوت ولا منازعة ولا تعب في ذلك، بل أزالت عنه كل نصب وآنسته من كل وحشة، وهونت عليه كل عسير، فناسب أن يكون منزلها الذي بشَّرها ربُّها به بالصفة المقابلة لفعلها، وفي رواية أبي هريرة في المناقب زيادة: أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام أو طعام، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، مراد الطبراني في الرواية المذكورة فقالت: هو السلام، ومنه السلام، وعلى جبريل السلام، وللنسائي عن أنس قال: قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يقرىء خديجة السلام، يعني فأخبرها، فقالت: إن الله هو السلام، وعلى جبريل السلام، وعليك يا رسول الله السلام ورحمة الله وبركاته، زاد ابن السني من وجه آخر: وعلى من سمع السلام إلَاّ

ص: 38

الشيطان، قال العلماء: في هذه القصة دليل على وفور فقهها؛ لأنها لم تقل: وعليه السلام، كما وقع لبعض الصحابة حيث كانوا يقولون في التشهد: السلام على الله، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال:"إن الله هو السلام فقولوا: التحيات لله" فعرفت خديجة لصحة فهمها أن الله لا يرد عليه السلام، كما يرد على المخلوقين لأن السلام اسم من أسمائه تعالى، وهو أيضًا دعاء بالسلامة، وكلاهما لا يصلح أن يرد به على الله تعالى، فكأنها قالت: كيف أقول: عليه السلام والسلام اسمه ومنه يطلب ومنه يحصل؟ فيستفاد منه أنه لا يليق بالله تعالى إلَاّ الثناء عليه، فجعلت مكان السلام عليه الثناء عليه، ثم غايرت بين ما يليق بالله تعالى، وبين ما يليق بغيره، فقالت: وعلى جبريل السلام، وعليك السلام، ويستفاد منه رد السلام على من أرسل السلام، وعلى من بلغه، والذي يظهر أن جبريل كان حاضرًا عند جوابها، فردت عليه وعلى النبي صلى الله عليه وسلم مرتين مرة بالتخصيص، ومرة بالتعميم، قلت: وعلى أن جبريل حاضر تكون ردت عليه مرتين أيضًا، ثم أخرجت الشيطان ممن سمع لأنه لا يستحق الدعاء بذلك، قيل: إنما بلغها جبريل عليه السلام من ربها بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم احترامًا للنبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك وقع لما سلّم على عائشة لم يواجهها بالسلام، بل راسلها مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقد واجه مريم بالخطاب فقيل: لأنها نبية، وقيل: لأنها لم يكن لها زوج يحترم معه مخاطبتها قال السهيلي: استدل بهذه القصة أبو بكر بن داود على أن خديجة أفضل من عائشة؛ لأن عائشة سلم عليها جبريل من قبل نفسه، وخديجة بلغها السلام من ربها، وعند الطبراني عن أبي يونس عن عائشة أنه وقع لها نظير ما وقع لخديجة من السلام، والجواب وهي رواية شاذة وزعم ابن العربي أنه لا خلاف في أن خديجة أفضل من عائشة، ورد بأن الخلاف ثابت قديمًا، وإن كان الراجح أفضلية خديجة بهذا وبغيره، ومن صريح ما جاء في تفضيل خديجة ما أخرجه أبو داود والنسائي وصححه الحاكم عن ابن عباس رفعه: أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، قال السبكي الكبير: جاء لعائشة من الفضائل ما لا يحصى، ولكن الذي نختاره وندين الله به أن فاطمة أفضل، ثم خديجة، ثم عائشة، واستدل لفضل فاطمة بما جاء في ترجمتها أنها سيدة نساء المؤمنين، قال في "الفتح": قال بعض من أدركناه: الذي يظهر أن الجمع بين الحديثين أولى، وأن لا نفضل إحداهما على الأخرى، وسئل السبكي: هل قال أحد أن أحدًا من نساء النبي صلى الله عليه وسلم غير خديجة وعائشة أفضل من فاطمة؟ فقال: قال به من لا يعتد بقوله، وهو من فضل نساء النبي صلى الله عليه وسلم على جميع الصحابة لأنهن في درجته في الجنة، قال: وهو قول ساقط مردود.

وقائله هو: أبو محمد بن حزم وفساده ظاهر، قال السبكي ونساء النبي صلى الله عليه وسلم بعد خديجة وعائشة متساويات في الفضل وهن أفضل النساء لقول الله تعالى {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ} الآية، ولا يستثنى من ذلك إلَاّ من قيل: إنها نبية كمريم.

ص: 39