الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم وقف بعضهن عند ظاهر النهي كما مرَّ، وقال البيهقي: في حديث عائشة هذا دليل على أن المراد بحديث أبي واقد وجوب الحج مرة واحدة، كالرجال لا المنع من الزيادة، وفيه دليل على أن الأمر بالقرار في البيوت ليس على سبيل الوجوب، واستدل بحديث عائشة هذا على جواز حج المرأة مع من تثق به، ولو لم يكن زوجًا ولا محرمًا كما يأتي في الذي يليه.
رجاله خمسة:
قد مرّوا: مرَّ مسدد في السادس من الإيمان، ومرَّ عبد الواحد بن زياد في التاسع والعشرين منه، ومرَّ حبيب بن أبي عمرة وعائشة بنت طلحة في الثامن من الحج، ومرت أم المؤمنين عائشة في الثاني من بدء الوحي.
الحديث الرابع والخمسون
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إِلَاّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلَاّ وَمَعَهَا مَحْرَمٌ". فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا، وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ؟ فَقَالَ:"اخْرُجْ مَعَهَا".
قوله: "عن أبي معبد" كذا رواه عبد الرزاق، عن ابن جريج، وابن عيينة كلاهما عن عمرو، عن أبي معبد به، ولعمرو بهذا الإسناد حديث آخر أخرجه عبد الرزاق وغيره، عن ابن عيينة، عن عكرمة قال: جاء رجل إلى المدينة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أين نزلت؟ " قال: على فلانة قال: "أغلقت عليها بابك؟ " مرتين، "لا تحجن امرأة إلا ومعها ذو محرم" ورواه عبد الرزاق أيضًا عن ابن جريج، عن عمرو، أخبرني عكرمة أو أبو معبد، عن ابن عباس، والمحفوظ في هذا مرسل عكرمة، وفي الآخر رواية أبي معبد، عن ابن عباس.
وقوله: "لا تسافر المرأة" كذا أطلق السفر وقيده في حديث أبي سعيد الآتي في الباب، فقال: مسيرة يومين، ومرَّ في الصلاة حديث أبي هريرة مقيدًا بمسيرة يوم وليلة، وعنه روايات أخر، وحديث ابن عمر مقيدًا بثلاثة أيام، وعنه روايات أخر، وقد مرَّ وجه الجمع بين الروايات عند حديث ابن عمر في باب في كم يقصر الصلاة من أبواب السفر، ومرَّ هناك ذكر مذاهب الأئمة في اشتراط المحرم في الحج، ومرَّ هناك أن الحنفية شرط المحرم عندهم في وجوب الحج على المرأة؛ إذا كان السفر إلى مكة ثلاثة أيام بلياليها، ومرَّ احتجاجهم هناك، واحتجوا أيضًا بأن المنع المقيد بالثلاث متحقق، وما عداه مشكوك فيه فيؤخذ بالمتيقن، ونوقض بأن الرواية المطلقة شاملة لكل سفر فينبغي الأخذ بها، وطرح ما عداها فإنه مشكوك فيه، ومن قواعد الحنفية: تقديم الخبر العام على الخامس، وترك حمل المطلق على المقيد، وقد خالفوا ذلك هنا، والاختلاف إنما وقع في الأحاديث التي وقع فيها التقييد، بخلاف حديث الباب،
فإنه لم يختلف على ابن عباس فيه، وتمسك أحمد بعموم الحديث فقال: إذا لم نجد زوجًا أو محرمًا لا يجب عليها الحج، هذا هو المشهور عنه، وعنه رواية أخرى كقول مالك وهو تخصيص الحديث بغير سفر الفريضة، قالوا: وهو مخصوص بالإجماع، قال البغوي: لم يختلفوا في أنه ليس للمرأة السفر في غير الفرض إلا مع زوج، أو محرم إلا كافرة أسلمت في دار الحرب، أو أسيرة تخلصت، وزاد غيره: أو امرأة انقطعت من الرفقة، فوجدها رجل مأمون، فإنه يجوز له أن يصحبها حتى يبلغها الرفقة، قالوا: وإذا كان عمومه مخصوصًا بالاتفاق فليخص منه حجة الفريضة، وأجاب صاحب المغني بأنه سفر الضرورة، فلا يقاس عليه حالة الاختيار، ولأنها تدفع ضررًا متيقنًا بتحمل ضرر متوهم، ولا كذلك السفر للحج، وقد روى الدارقطني وصححه أبو عوانة حديث الباب عن ابن جريج عن عمرو بن دينار بلفظ:"لا تحجن امرأة إلا ومعها ذو محرم" فنص في نفس الحديث على منع الحج، فكيف يخص من بقية الأسفار؟ وقد مرَّ عند حديث ابن عمر في السفر تفصيل مذهب مالك والشافعي في سفر المرأة إلى الحج، وقد مرَّ هناك عن الشافعية أن السفر الواجب من الحج والعمرة يجوز للمرأة أن تسافر إليه وحدها، إذا كان الطريق آمنًا، وأغرب القفال فطرده في الأسفار كلها، واستحسنه الروياني قال: إلا أنه خلاف النص، قال في الفتح: وهو يعكر على نفي الاختلاف الذي نقله البغوي آنفًا، واختلفوا هل المحرم وما ذكر معه شرط في وجوب الحج عليها، أو شرط في التمكن، فلا يمنع الوجوب والاستقرار في الذمة؟! وعبارة أبي الطيب الطبري منهم: الشرائط التي يجب بها الحج على الرجل يجب بها على المرأة، فإذا أرادت أن تؤديه فلا يجوز لها إلا مع محرم أو زوج، أو مع نسوة ثقات، ومن الأدلة على جواز سفر المرأة مع النسوة الثقات إذا أمن الطريق أول أحاديث الباب، لاتفاق عمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف ونساء النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، وعدم نكير أحد من الصحابة عليهن في ذلك، ومن أبى ذلك من أمهات المؤمنين فإنما أباه من جهة خاصة كما مرَّ، لا من جهة توقف السفر على المحرم، ولعل هذا هو النكتة في إيراد البخاري الحديثين -أحدهما عقب الآخر- ولم يختلفوا أن النساء كلهن في ذلك سواء، إلا ما نقل عن أبي الوليد الباجي أنه خصه بغير العجوز التي لا تشتهى، وكأنه نقله من الخلاف المشهور في شهود المرأة صلاة الجماعة، قال ابن دقيق العيد: الذي قاله الباجي تخصيص للعموم بالنظر إلى المعنى، يعني مع مراعاة الأمر الأغلب، وتعقبوه بأن لكل ساقطة لاقطة، والمتعقب راعى الأمر النادر، وهو الاحتياط، وقد احتج له بحديث عديّ بن حاتم مرفوعًا:"يوشك أن تخرج الظعينة من الحيرة، تؤم البيت لا زوج معها" الحديث.
وهو في البخاري وتعقب بأنه يدل على وجود ذلك لا على جوازه، وأجيب بأنه خبر في سياق المدح، ورفع منار الإِسلام فيحمل على الجواز، وأجيب عن الباجي بأن هذه الساقطة
ما لها لاقطة، ولو وجد خرجت عن فرض المسئلة؛ لأنها تكون حينئذ مشتهاة في الجملة، وليس الكلام فيها وإنما الكلام فيمن لا تشتهى أصلًا، ورأسًا، ولا يسلم أن من بهذه المثابة مظنة الطمع، والميل إليها بوجه، قال في المجموع: والخنثى المشكل يشترط في حقه من المحرم ما يشترط في المرأة، ولم يشترطوا في الزوج والمحرم كونهما ثقتين وهو في الزوج واضح، وأما في المحرم فسببه أن الوازع الطبيعي أقوى من الشرعي، واستثنى أحمد ممن حرمت على التأبيد مسلمة لها أب كتابي فقال: لا يكون محرمًا لها لأنه لا يؤمن أن يفتنها عن دينها إذا خلا بها، وقد مرَّ قريبًا أنهم اختلفوا هل المحرم شرط في وجوب الحج عليها أو شرط في التمكن؟ إلى آخر ما مرَّ، والذين ذهبوا إلى الأول استدلوا بهذا الحديث؛ فإن سفرها للحج من جملة الأسفار الداخلة تحت الحديث، فتمتنع إلا مع المحرم، والذين قالوا بالثاني جوزوا سفرها مع رفقة مأمونة إلى الحج، كما مرَّ مستوفىً في أبواب السفر، وهو مذهب الشافعية والمالكية، والأول مذهب الحنفية والحنابلة، قال ابن دقيق العيد: هذه المسئلة تتعلق بالعامين إذا تعارضا؛ فإن قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} عامٌّ في الرجال والنساء، فمقتضاه أن الاستطاعة على السفر إذا وجدت وجب الحج على الجميع.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تسافر المرأة إلا مع محرم" عامٌّ في كل سفر، فيدخل فيه الحج فمن أخرجه عنه خص الحديث بعموم الآية، ومن أدخله فيه خص الآية بعموم الحديث، فيحتاج إلى الترجيح من خارج، وقد رجح المذهب الثاني بعموم قوله عليه الصلاة والسلام:"لا تمنعوا إماء الله مساجد الله" وليس ذلك بجيد، لكونه عامًا في المساجد، فيخرج عنه المسجد الذي يحتاج إلى السفر بحديث النهي، ومن المستظرف أن المشهور من مذهب من لم يشترط المحرم أن الحج على التراخي، ومن مذهب من يشترطه أن الحج على الفور، وكان المناسب لهذا قول هذا وبالعكس، قلت: مشهور مذهب مالك أن الحج على الفور وهو لا يشترط المحرم.
وقوله: "إلا مع ذي محرم" أي: فيحمل ولم يصرح بالزوج، وقد جاء في حديث أبي سعيد في هذا الباب بلفظ:"ليس معها زوجها أو ذو محرم منها" وقد مرَّ ضابط المحرم عند العلماء في باب كم تقصر الصلاة، ومن قال: إن عبد المرأة محرم لها وصرح المرعشي وابن أبي الصيف بأن عبدها الأمين كالمحرم، يحتاج إلى أن يزيد في الضابط ما يدخله، وقد روى سعيد بن منصور عن ابن عمر مرفوعًا:"سفر المرأة مع عبدها ضيعة"، لكن في إسناده ضعف وقد احتج به أحمد وغيره، وينبغي لمن أجاز ذلك أن يقيده بما إذا كانا في قافلة، بخلاف ما إذا كانا وحدهما، فلا، لهذا الحديث، وفي آخر حديث ابن عباس ما يشعر بأن الزوج يدخل في مسمى المحرم، فإنه لما استثنى المحرم فقال القائل: ان امرأتي حاجّة، فكأنه
فهم إدخال الزوج في المحرم، ولم يرد عليه ما فهمه بل قال له:"اخرج معها" واستثنى بعض العلماء -وهو مالك- ابن الزوج فكره السفر معه لغلبة الفساد في الناس بعد العصر الأول، ولأن كثيرًا من الناس لا ينزل زوجة الأب في النفرة عنها منزلة محارم النسب، والمرأة فتنة إلا فيما جبل الله النفوس عليه من النفرة عن محارم النسب، قال ابن دقيق العيد: هذه الكراهة عن مالك إن كانت للتحريم ففيه بعد لمخالفة الحديث؛ فإن الحديث عام وإن كانت للتنزيه فهو أقرب، ولكن يتوقف على أن لفظ:"لا يحل" هل يتناول المكروه الكراهة التنزيهية.
وقوله: "ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم" فيه منع الخلوة بالأجنبية، وهو إجماع، لكن اختلفوا هل يقوم غير المحرم مقامه في هذا كالنسوة الثقات؟ والصحيح الجواز لضعف التهمة به، وقال القفال: لابد من المحرم، وكذا في النسوة الثقات في سفر الحج لابد من أن يكون مع إحداهن محرم، ويؤيده نص الشافعي أنه لا يجوز للرجل أن يصلي بنساء مفردات إلا أن تكون إحداهن محرمًا له، قلت: ومذهب مالك كراهة إِمامة الأجنبي الأجنبيات، وللواحدة أشد كراهة.
وقوله: "فقال رجل: يا رسول الله! إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا" قال في الفتح: لم أقف على اسم الرجل ولا امرأته، ولا على تعيين الغزوة المذكورة، وسيأتي في الجهاد بلفظ:"إني اكتتبت في غزوة كذا" أي: كتبت نفسي في أسماء من عين لتلك الغزوة، قال ابن المنير: الظاهر أن ذلك كان في حجة الوداع، فيؤخذ منه أن الحج على التراخي، إذ لو كان على الفور لما تأخر الرجل مع رفقته الذين عينوا في تلك الغزوة، كذا قال، وليس ما ذكره بلازم لاحتمال أن يكونوا قد حجوا قبل ذلك مع من حج في سنة تسع مع أبي بكر الصديق، أو أن الجهاد قد تعين على المذكورين بتعيين الإِمام، كما لو نزل عدو بقوم فإنه يتعين عليهم الجهاد، ويتأخر الحج اتفاقًا.
وقوله: "اخرج معها" أخذ بظاهره بعض أهل العلم، فأوجب على الزوج السفر مع الزوجة إذا لم يكن لها غيره، وبه قال أحمد، وهو وجه للشافعية، والمشهور أنه لا يلزمه، كالولي في الحج عن المريض، فلو امتنع إِلا بأجرة لزمها لأنه من سبيلها، فصار في حقها كالمؤنة، واستدل به على أنه ليس للزوج منع زوجته من حج الفرض، وبه قال أحمد، وهو وجه للشافعية، والأصح عندهم أن له منعها لكون الحج على التراخي، وأما ما رواه الدارقطني عن ابن عمر مرفوعًا في امرأة لها الزوج، ولها مال، ولا يأذن لها في الحج فليس لها أن تنطلق إلا بإذن زوجها، فأجيب عنه بأنه محمول على حج التطوع عملًا بالحديثين، ونقل ابن المنذر الإجماع على أن للرجل منع زوجته من الخروج في الأسفار كلها، وإنما اختلفوا فيما كان واجبًا، استنبط منه ابن حزم جواز سفر المرأة بغير زوج، ولا محرم، بكونه عليه الصلاة والسلام لم يأمر بردها، ولا عاب سفرها، وتعقب بأنه لو لم يكن ذلك شرطًا لما أمر زوجها بالسفر