الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العلم، ومرَّ استيفاء الكلام عليه هناك غاية الاستيفاء، وأخرجه أيضًا في باب ما لا يلبس المحرم من الثياب، وزاد فيه هنا:"ولا تنتقب المحرمة، ولا تلبس القفازين"، وذكر هنا الاختلاف في رفع هذه الزيادة ووقفها كما يأتي مبينا في المتابعات التي بعد الحديث، والقفاز -بضم القاف وتشديد الفاء وبعد الألف زاي-: ما تلبسه المرأة في يدها فيغطي أصابعها وكفيها عند معاناة الشيء كغزل ونحوه، وهو لليد كالخف للرجل، والنقاب الخمار الذي يشد على الأنف وتحت المحاجر، فإن قرب من العين حتى لا تبدو أجفانها فهو الوصواص -بفتح الواو وسكون الصاد المهملة الأولى- فإن نزل إلى طرف الأنف فهو اللفام بكسر اللام وبالفاء، فإن نزل إلى الفم ولم يكن على الأرنبة منه شيء فهو اللثام.
وقوله: "ولا تنتقب" هو بنون ساكنة بعد تاء المضارعة وكسر القاف، وجزم الفعل على النهي، وبالكسر لالتقاء الساكنين، ويجوز رفعه على أنه خبر عن حكم الله؛ لأنه جواب عن السؤال عن ذلك، وللكشميهني: ولا تتنقب بمثناتين فوقيتين مفتوحتين كالقاف مثلها لكونه في معنى الخف فإن كلًّا منهما محيط بجزء من البدن، وأما النقاب فلا يحرم على الرجل من جهة الإحرام؛ لأنه لا تحرم عليه تغطية وجهه على الراجح، فيباح للمرأة ستر جميع بدنها، بكل ساتر مخيطًا كان أو غيره، إلَاّ وجهها، فإنه حرام، وكذا ستر الكفين بقفازين أو أحدهما بأحدهما؛ لأن القفازين ملبوس عضو ليس بعورة فأشبه خف الرجل، ويجوز سترهما بغيرهما، ككم وخرقة لفتها عليها للحاجة إليه ومشقة الاحتراز عنه، نعم يعفى عما تستره من الوجه احتياطًا للرأس، إذ لا يمكن استيعاب ستره إلَاّ بستر قدر يسير مما يليه من الوجه، والمحافظة على ستره بكماله لكونه عورة أولى من المحافظة على كشف ذلك القدر من الوجه، ويؤخذ من هذا التعليل أن الأمة لا تستر ذلك لأن رأسها ليس بعورة لكن قال في "المجموع": ما ذكر في إحرام المرأة ولبسها لم يفرقوا فيه بين الحرة والأمة، وهو المذهب، وللمرأة أن ترخي على وجهها ثوبًا متجافيا عنه بخشبة أو نحوها، فإن أصاب الثوب وجهها بلا اختيار فرفعته فورًا فلا فدية، وإلَاّ وجبت مع الإثم، وقد مرَّ كثير من مباحث تلثم المرأة وتبرقعها في باب ما يلبس المحرم من الثياب.
رجاله أربعة:
وفيه لفظ رجل مبهم لم يسم، مرَّ منهم: الليث في الثالث من بدء الوحي، ومرَّ نافع في الأخير من العلم، ومرَّ ابن عمر في أول الإيمان قبل ذكر حديث منه، ومرَّ عبد الله بن يزيد في الثالث والعشرين من الأذان.
ثم قال: تابعه موسى بن عقبة، وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، وجويرية، وابن إسحاق في النقاب والقفازين، أما متابعة موسى بن عقبة فقد وصلها النسائي، ومتابعة إسماعيل بن إبراهيم فقد وصلها عليَّ بن محمد المصري في "فوائده"، وأما متابعة جويرية فقد وصلها أبو
يعلى الموصلي، وأما متابعة ابن إسحاق فقد وصلها أحمد والحاكم.
ورجال المتابعات أربعة مرَّ منهم: موسى بن عقبة في الخامس من الوضوء ومرَّ جويرية في الأربعين من الغسل، ومرَّ محمد بن إسحاق في تعليق بعد السابع عشر من الجماعة.
والباقي منهم: إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة بن أبي عياش الأسدي مولاهم أبو إسحاق المدني ابن أخي موسى بن عقبة، قال ابن معين والنسائي: ثقة، وقال أبو حاتم: لا بأس به، وقال أبو داود: ليس به بأس، وقال الدارقطني: ما علمت إلَاّ خيرًا، أحاديثه صحاح نقية، وقال الأزدي: فيه ضعف، وكذا قال الساجي قبله. روى عن: عمه موسى بن عقبة، والزهري، ونافع، وهشام بن عروة، وغيرهم. وروى عنه: إسماعيل بن أبي أويس، وسعيد بن أبي مريم، وخالد بن مخلد، وغيرهم، مات في آخر خلافة المهدي سنة تسع وستين ومائة.
ثم قال: وقال عبيد الله: ولا ورس وكان يقول: لا تتنقب المحرمة، ولا تلبس القفازين، يعني أن عبيد الله المذكور خالف المذكورين قبل في رواية هذا الحديث عن نافع، فوافقهم على رفعه إلى قوله: زعفران، ولا ورس، وفصل بقية الحديث فجعله من قول ابن عمر، وهذا التعليق وصله إسحاق بن راهويه في "مسنده"، وابن خزيمة عن عبيد الله، عن نافع، فساق الحديث إلى قوله:"ولا ورس" قال: وكان عبد الله -يعني ابن عمر- يقول: ولا تنتقب المرأة، ولا تلبس القفازين، ورواه يحيى القطان عند النسائي، وحفص بن غياث عند الدارقطني كلاهما عن عبيد الله، فاقتصر على المتفق على رفعه، وعبيد الله العمري مرَّ في الرابع عشر من الوضوء.
ثم قال: وقال مالك عن نافع، عن ابن عمر: لا تنتقب المحرمة، الغرض منه أن مالكا اقتصر على الموقوف فقط، وفي ذلك تقوية لرواية عبيد الله، وظهر الإدراج في رواية غيره واستشكل ابن دقيق العيد الحكم بالإدراج في هذا الحديث، لورود النهي عن النقاب والقفاز مفردًا مرفوعًا، وللابتداء بالنهي عنهما في رواية ابن إسحاق المرفوعة المتقدم ذكرها عند حديث الباب، وقال: وقال في "الاقتراح": دعوى الإدراج في أول المتن ضعيفة، وأجيب بأن الثقات إذا اختلفوا وكان مع أحدهم زيادة قدمت، ولاسيما إن كان حافظًا، ولاسيما إن كان أحفظ، والأمر هنا كذلك، فإن عبيد الله بن عمر في نافع أحفظ من جميع من خالفه، وقد فصل المرفوع من الموقوف، وأما الذي اقتصر على الموقوف فرفعه، فقد شذ بذلك وهو ضعيف، وأما الذي ابتدأ في المرفوع بالموقوف فأنه من التصرف في الرواية بالمعنى، وكأنه رأى أشياء متعاطفة فقدم وأخر لجواز ذلك عنده، ومع الذي فصل زيادة علم فهو أولى، قاله زين الدين العراقي: في شرح الترمذي وهذا التعليق موصول في الموطأ، ومرَّ مالك في الثاني من بدء الوحي، ومر نافع في الأخير من العلم، وابن عمر في أول الإيمان قبل ذكر حديث منه.