الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محذوف والمراد القمل، وثبت كذلك في بعض الروايات ورواه ابن خزيمة عن روح بلفظ:"رآه وقمله يسقط على وجهه"، وللإسماعيلي عن شبل: رأى قمله يتساقط على وجهه.
وقوله: "فأمره أن يحلق، وهو بالحديبية، ولم يتبين لهم أنهم يحلون" هذه الزيادة ذكرها الراوي لبيان أن الحلق كان استباحة محظور بسبب الأذى، لا لقصد التحلل بالحصر، وهو واضح، قال ابن المنذر: يؤخذ منه أن من كان على رجاء من الوصول إلى البيت أن عليه أن يقيم حتى ييأس من الوصول فيحل، واتفقوا على أن من يئس من الوصول، وجاز له أن يحل فتمادى على إحرامه، ثم أمكنه أن يصل، أنَّ عليه أن يمضي إلى البيت ليتم نسكه، وقال المهلب وغيره ما معناه: يستفاد من قوله: "ولم يتبين لهم أنهم يحلون" أن المرأة التي تعرف أوان حيضتها والمريض الذي يعرف أوان حُمَّاه بالعادة فيهما، إذا أفطرا في رمضان مثلا في أول النهار ثم ينكشف الأمر بالحيض والحمى في ذلك النهار أن عليهما قضاء ذلك اليوم، لأن الذي كان في علم الله أنهم يحلون بالحديبية لم يسقط عن كعب الكفارة التي وجبت عليه بالحلق، أن ينكشف الأمر لهم، وذلك لأنه يجوز أن يتخلف ما عرفاه بالعادة، فيجب القضاء عليهما لذلك.
وقوله: "فأنزل الله الفدية" قال عياض: ظاهره أن النزول بعد الحكم وفي رواية عبد الله بن معقل أن النزول قبل الحكم قال: فيحتمل أن يكون حكم عليه بالكفارة بوحي لا يتلى، ثم أنزل الله القرآن ببيان ذلك، وهو يؤيد الجمع المتقدم.
رجاله سبعة:
قد مرّوا: مرَّ إسحاق بن منصور في الخامس والثلاثين من الإيمان، ومرَّ روح بن عبادة في الأربعين منه، ومرَّ شبل في السابع من المحصر هذا، ومرَّ ابن أبي نجيح في الرابع عشر من العلم، ومرَّ مجاهد أول الإيمان، ومرَّ عبد الرحمن بن أبي ليلى في الثالث والتسعين من صفة الصلاة، ومرَّ كعب في التاسع قريبًا.
ثم قال: وعن محمد بن يوسف، حدثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه، وقمله يسقط على وجهه.
الظاهر أنه عطف على حدثنا روح، فيكون إسحاق قد رواه عن روح بإسناده، وعن محمد بن يوسف الفريابي بإسناده، وكذا هو في تفسير إسحاق، ويحتمل أن تكون العنعنة للبخاري، فيكون أورده عن شيخه الفريابي بالعنعنة، كما يروى تارة بالتحديث، وبلفظ قال، وغير ذلك، وعلى هذا فيكون شبيهًا بالتعليق، وقد أورده الإسماعيلي وأبو نعيم عن محمد بن يوسف الفريابي، ولفظه مثل سياق روح في أكثره، وكذا هو في تفسير الفريابي بهذا الإِسناد.
وفي حديث كعب بن عجرة من الفوائد غير ما تقدم أن السنة مبينة لمجمل الكتاب، لإطلاق الفدية في القرآن، وتقييدها بالسنة.
وتحريم حلق الرأس على المحرم، والرخصة له في حلقه إذا آذاه القمل، أو غيره من الأوجاع.
وفيه تلطف الكبير بأصحابه وعنايته بأحوالهم، وتفقده، وإذا رأى ببعض اتباعه ضررًا سأل عنه، وأرشده إلى المخرج منه، واستنبط بعض المالكية ايجاب الفدية على من تعمد حلق رأسه بغير عذر، فإن إيجابها على المعذور من التنبيه بالأدنى على الأعلى لكن لا يلزم من ذلك التسوية بين المعذور وغيره، ومن ثم قال الشافعي والجمهور: لا يتخير العامد بل يلزمه الدم، وخالف في ذلك أكثر المالكية، واحتج لهم القرطبي بقوله في حديث كعب:"أو اذبح نسكا": فهذا يدل على أنه ليس بهدي قال: فعلى هذا يجوز أن يذبحها حيث شاء، قال في "الفتح": لا دلالة فيه، إذ لا يلزم من تسميتها نسكًا أو نسيكة أن لا تسمى هديًا، أو لا تعطى حكم الهدي، وقد وقع تسميتها هديًا في الباب الأخير حيث قال:"أو تهدي شاة" وفي رواية مسلم: "واهد هديًا" وفي رواية للطبري: "هل لك هدي"؟ قلت: لا أجد، فظهر أن ذلك من تصرف الرواة، ويؤيده قوله في رواية مسلم:"أو اذبح شاة" واستدل به على أن الفدية لا يتعين لها مكان، وبه قال أكثر التابعين، وقال الحسن: تتعين مكة، وقال مجاهد: النسك بمكة ومنى، والإطعام بمكة، والصيام حيث شاء، وقريب منه قول الشافعي وأبي حنيفة: الدم والإطعام لأهل الحرم، والصيام حيث شاء، إذ لا منفعة فيه لأهل الحرم، وألحق بعض أصحاب أبي حنيفة وأبو بكر بن الجهم من المالكية: الإطعام بالصيام، واستدل به على أن الحج على التراخي لأن حديث كعب دل على أن نزول قوله تعالى:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} كان بالحديبية، وهي في سنة ست، وفيه بحث، واحتج مالك بعموم الحديث على أن الفدية يفعلها حيث شاء سواء في ذلك الصيام والإطعام والكفارة، لأنه لم يعين له موضعًا للذبح، أو الإطعام، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، وقد اتفق العلماء في الصوم أن له أن يفعله حيث شاء، لا يختص ذلك بمكة، ولا بالحرم، وجوز مالك النسك والإطعام كالصوم، ومرَّ ما قالته الشافعية والحنفية في ذلك.
وفيه أن الإطعام لستة مساكين، ولا يجزىء أقل من ذلك، وهو قول الجمهور، وحكي عن أبي حنيفة أنه يجوز أن يدفع إلى مسكين واحد، والواجب في الإطعام لكل مسكين نصف صاع من أي شيء كان المخرج من قمح أو تمر أو شعير، وهذا قول مالك والشافعي وإسحاق وأبي ثور، وحكي عن الثوري وأبي حنيفة تخصيص ذلك بالقمح، وأن الواجب من الشعير والتمر صاع لكل مسكين، وحكى ابن عبد البر عن أبي حنيفة وأصحابه، كقول مالك والشافعي وفي رواية عن أحمد أن الواجب مد من قمح، أو مدان من تمر أو شعير.
وفيه: أنه ليس فيه تعرض لغير حلق الرأس من سائر شعور الجسد، وقد أوجب العلماء الفدية بحلق سائر شعور البدن، لأنها في معنى حلق الرأس، إلا داود الظاهري، فإنه قال: لا تجب الفدية إلَاّ بحلق الرأس فقط، وحكى الرافعي عن المحاملي أن في رواية عن مالك: لا تتعلق الفدية بشعر البدن.
وفيه أنه أمر بحلق شعر نفسه، فلو حلق المحرم شعر حلال. فلا فدية على واحد منهما، عند مالك والشافعي وأحمد، ولكن عند مالك يجب على المحرم الافتداء إذا كان بإذنه، وإن كان بغير إذنه كان الافتداء على الحلال، وحكي عن أبي حنيفة أنه قال: ليس للمحرم أن يحلق شعر الحلال، فإن فعل فعليه صدقة، ويستثنى من عموم التخيير في كفارة الأذى العبد إذا احتاج إلى الحلق، فإن فرضه الصوم على الجديد سواء أحرم بغير إذن سيده أو بإذنه، فإن الكفارة لا تجب على السيد كما جزم به الرافعي، ولو ملكه السيد لم يملكه على الجديد. وعلى القديم يملكه، وعند المالكية: إذا أذن السيد للعبد في الإحرام وفعل ما يوجب الافتداء خطأ أو عن ضرورة، فإن أذن له السيد في الإخراج من ماله أو مال سيده جاز، وإلَاّ صام، ولا يجوز للسيد منعه منه مطلقًا.
أضر بخدمته أم لا، وإن تعمد فله منعه إن أضر بخدمته.
رجال هذه الرواية رجال الأولى إلَاّ الأولان مرا: مرَّ محمد بن يوسف الفريابي في العاشر من العلم، ومرَّ ورقاء في التاسع من الوضوء.
ثم قال المصنف: