الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحق علينا أن ننظر في عِوض المصيبةِ وفي ثوابها وفي خلفها الخيِّر {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} هنيئاً للمصابين، بشرى للمنكوبين.
إن عُمْر الدنيا قصيرٌ وكنزُها حقيرٌ، والآخرةُ خيرٌ وأبقى فمن أُصيب هنا كُوفِئ هناك، ومن تعب هنا ارتاح هناك، أما المتعلقون بالدُّنيا العاشقون لها الراكنون إليها، فأشدَّ ما على قلوبهم فوت حظوظُهم منها وتنغيصُ راحتهم فيها لأنهم يريدونها وحدها فلذلك تعظُمً عليهمُ المصائبُ وتكبرُ عندهمُ النكباتُ؛ لأنهمْ ينظرون تحت أقدامِهم فلا يرون إلَاّ الدُّنيا الفانية الزهيدة الرخيصة.
أيها المصابون ما فات شيءٌ وأنتمُ الرابحون، فقد بعث لكمْ برسالةٍ بين أسطرها لُطْفٌ وعطْفٌ وثوابٌ وحُسنُ اختيار. إن على المصابِ الذي ضرب عليه سرادقُ المصيبة أن ينظر ليرى أن النتيجة {فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ} ، وما عند اللهِ خيرٌ وأبقى وأهنأ وأمرأُ وأجلُّ وأعلى.
الإيمان هو الحياة
الأشقياءُ بكلِّ معاني الشقاءِ همُ المفلسون من كنوزِ الإيمانِ، ومن رصيدِ اليقينِ، فهمْ أبداً في تعاسةٍ وغضبٍ ومهانةٍ وذلَّةٍ {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً} .
لا يُسعدُ النفس ويزكّيها ويطهرُها ويفرحُها ويذهبُ غمَّها وهمّها وقلقها إلَاّ الإيمانُ بالله ربِّ العالمين، لا طعم للحياةِ أصلاً إلَاّ بالإيمانِ.
إنَّ الطريقة المثلى للملاحدةِ إن لم يؤمنوا أن ينتحرُوا ليريحُوا أنفسهم من هذه الآصارِ والأغلالِ والظلماتِ والدواهي، يا لها منْ حياةِ تاعِسة بلا إيمان، يا لها منْ لعنةٍ أبديةٍ حاقتْ بالخارجين على منهج الله في الأرض {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} وقد آن الأوانُ للعالمِ أن يقتنع كلَّ القناعة، وأن يؤمن كلَّ الإيمانِ بأنَّ لا إله إلا الله بعْدَ تجربةٍ طويلةٍ شاقةٍ عبْرَ قُرونٍ غابرةٍ توصَّل بعدها العقْلُ إلى أن الصنم خرافةٌ والكفر لعنةٌ، والإلحاد كِذْبةٌ وأنّ الرُّسُلَ صادقون، وأنّ الله حقٌّ له الملكُ ولهُ الحمدُ وهو على كلِّ شيء قديرٌ.
وبقدرِ إيمانِك قوةً وضعفاً، حرارةً وبرودةً، تكون سعادتُك وراحتُك وطمأنينتُك.
{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} وهذه الحياةُ الطيبةُ هي استقرارُ نفوسِهم لَحُسْنِ موعودِ ربِّهم، وثباتُ قلوبِهم بحبِّ باريهم، وطهارةُ ضمائرِهم من أوضارِ الانحرافِ، وبرودُ أعصابِهِم أمام الحوادثِ، وسكينةُ قلوبِهم عندْ وقْعِ القضاءِ، ورضاهم في مواطن القدر، لأنهم رضُوا باللهِ ربّاً وبالإسلام ديِناً، وبمحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً.