الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ربَّ العزِة، تدعو الإله الذي يعطي ويمنحُ ويلطفُ ويُغيثُ، فقال سليمان: أيُّها الناسُ، عودُوا فقد كُفيتُم بدعاءِ غيرِكم.
فأخذ الغيثُ ينهمرُ بدعاءِ تلك النملةِ، النملةِ التي فهِم كلامها سليمانُ عليه السلام، وهو يزجفُ بجيشه الجرَّار، فتعظُ أخواتها في عالم النملِ:{قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ {18} فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا} . في كثير من الأحيان يأتي لطفُ البري سبحانه وتعالى بسبب هذه العجماواتِ.
وقد ذكر أبو يعلى في قدسي أن الله يقولُ: ((وعِزَّتي وجلالي، لولا شيوخٌ رُكَّعٌ، وأطفال رُضَّعٌ، وبهائمُ رُتَّعٌ، لمنعتُ عنكم قطْرَ السماءِ)) .
وإنْ منْ شيء إلا يسبِّحُ بحمدِ ربِّه
إنَّ الهدد في عالمِ الطيورِ عرف ربَّهُ، وأذعنّ لمولاهُ، وأخبت لخالقِه.
ذهب الهدهدُ، وكانت تلك القصةُ الطويلةُ، وانتهتْ إلى تلك النتائجِ التاريخيةِ، وكان سببها هذا الطائرُ الذي عَرَفَ ربَّه، حتى قال بعضُ العلماءِ: عجيبٌ! الهدد أذكى من فرعون، فرعونُ كَفَرَ في الرخاءِ فما نفعه إيمانُه في الشِّدَّة، والهدهدُ آمن بربِّه في الرخاءِ، فنفعه إيمانُه في الشّدةِ.
الهدهدُ قال: {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ
.....} . وفرعونُ يقول: {مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي......} . إن الشقيَّ من كان الهدهد أذكى منه، والنملة أفهمُ لمصيرِها منه. وإن البليد من أظلمتْ سبُله، وتقطَّعتْ حبالُه، وتعطَّلتْ جوارحُه عن النفعِ، {لَهُمْ قُلُوبٌ لَاّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَاّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَاّ يَسْمَعُونَ بِهَا} .
في عالم النحل لطفٌ اللهِ يسري، وخيرُه يجرِي، وعنايتُه تلاحقُ تلكم الحشرة الضئيلة المسكينة، تنطلقُ من خليّتها بتسخيرٍ من الباري، تلتمسُ رزقها، لا تقعُ إلا على الطيبِ النقيِّ الطاهرِ، تمصُّ الرحيقَ، تهيمُ بالورودِ، تعشقُ الزَّهْر، تعودُ محمَّلةً بشرابٍ مختلفٍ ألوانُه فيه شفاءٌ للناسِ، تعودُ إلى خليتِها لا إلى خليةٍ أخرى، لا تضلُّ طريقها، ولا تحارُ في سبلِها، {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ {68} ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} .
إن سعادتك منْ هذا القصص، ومن هذا الحديثِ، ومن هذه العِبر: أن تعلم أن هناك لطفاً خفياً للهِ الواحدِ الحدِ، فتدعوه وحده، وترجوه وحده، وتسألهُ وحده، وأنَّ عليك واجباً شرعياً نزلَ في الميثاقِ الربانيِّ، وفي النَّهْجِ السماويِّ أن تسجد له، وأن تشكره، وأن تتولَاّه، وأن تتجه بقلبِك إليه. إن عليك أنْ تعلم أن هذا البشَرَ الكثير وهذا العالم الضخم، لا يُغنون عنك من اللهِ شيئاً، إنهم مساكينُ، إنهم كلهم محتاجون إلى اللهِ، إنهم يطلبون رزقهم صباح مساء، ويطلبون سعادتهم وصحَّتهم وعافيتهم وأشياءهم وأموالهم ومناصبهم من اللهِ الذي يملكُ كلَّ شيءٍ.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} ، إن عليك أن تعلم علم اليقينِ أنه لا يهديك ولا ينصرُنك، ولا يحميك ولا يتولاك، ولا يحفظُك، ولا يمنحُك إلا اللهُ، إن عليك أن توحِّد اتجاه القلبِ، وتفرد الربِّ بالوحدانيةِ والألوهيةِ والسؤالِ والاستعانةِ والرجاءِ، وأن تعلم قْدر البشرِ، وأن المخلوق يحتاجُ إلى الخالقِ، وأن الفاني يحتاجُ إلى الباقي، وأن الفقيرَ يحتاجُ إلى الغني، وأن الضعيف يحتاجُ إلى القويِّ. والقوةُ والغنى والبقاءُ والعزَّةُ المطلقةُ يملكُها اللهُ وَحْدَهُ.
إذا علمت ذلك، فاسعدْ بقربهِ وبعبادتِه والتبتلِ إليه، إليه، إنِ استغفرته غَفَرَ لك، وإن تبت إليه تاب عليك، وإن سألته أعطاك، وإن طلبت منه الرزق رزقك، وإن استنصرته نصرك، وإن شكرته زادك.