الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أراد اللهُ لهذه الدنيا أن تكون جامعةً للضدينِ، والنوعين، والفريقين، والرأيين خيْرٍ وشرٍ، صلاحٍ وفسادٍ، سرورٍ وحُزْنٍ، ثم يصفو الخَيْرُ كلُّهُ، والصلاحُ والسرورُ في الجنةِ، ويُجْمَعُ الشرُّ كله والفسادُ والحزنُ في النارِ. في الحديث:((الدنيا ملعونةٌ ملعونٌ ما فيها إلا ذكرُ اللهِ وما والاهُ وعالمٌ ومتعلمٌ)) فعشْ واقعكَ ولا تسرحْ من الخيالِ، وحلّقْ في عالمِ المثالياتِ، اقبلْ دنياكَ كما هي، وطوِّع نفسك لمعايشتها ومواطنتِها، فسوف لا يصفو لك فيها صاحبٌ، ولا يكملُ لك فيها أمرٌ، لأنَّ الصَّفْوَ والكمال والتمام ليس من شأنها ولا منْ صفاتِها.
لن تكمل لك زوجةٌ، وفي الحديث:((لا يفركُ مؤمنٌ مؤمنةً إن كره منها خلقاً رضي منها آخر)) .
فينبغي أنْ نسدد ونقارب، ونعْفُوَ ونصْفحَ، ونأخُذ ما تيسَّرَ، ونذر ما تعسَّر ونغضَّ الطَّرْف أحياناً، ونسددُ الخطى، ونتغافلُ عن أمورٍ.
تعزَّ بأهلِ البلاءِ
تَلَفَّتْ يَمْنَةً ويَسْرَةً، فهل ترى إلَاّ مُبتلى؟ وهل تشاهدُ إلَاّ منكوباً في كل دارٍ نائحةٌ، وعلى كل خدٍّ دمْعٌ، وفي كل وادٍ بنو سعد.
كمْ منَ المصائبِ، وكمْ من الصابرين، فلست أنت وحدك المصاب، بل مصابُكَ أنت بالنسبةِ لغيرِك قليلٌ، كمْ من مريضٍ على سريره من أعوامٍ، يتقلبُ ذات اليمينِ وذات الشِّمالِ، يَئِنُّ من الألمِ، ويصيحُ من السَّقم.
كم من محبوس مرت به سنوات ما رأى الشمس بعينه، وما عرف غير زنزانته.
كمْ من رجلٍ وامرأةٍ فقدا فلذاتِ أكبادهِما في ميْعَةِ الشبابِ وريْعانِ العُمْرِ.
كمْ من مكروبٍ ومدِينٍ ومُصابٍ ومنكوبٍ.
آن لك أن تتعزّ بهؤلاءِ، وأنْ تعلم عِلْمَ اليقين أنِّ هذه الحياة سجْنٌ للمؤمنِ، ودارٌ للأحزانِ والنكباتِ، تصبحُ القصورُ حافلةً بأهلها وتمسي خاويةً على عروشها، بينها الشَّمْلُ مجتمِعٌ، والأبدانُ في عافية، والأموالُ وافرةً، والأولادُ كُثرٌ، ثمَّ ما هي إلَاّ أيامٌ فإذا الفقرُ والموْتُ والفراقُ والأمراضُ {وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ} فعليك أن توطِّن مصابك بمنْ حولك، وبمن سبقك في مسيرةِ الدهرِ، ليظهر لك أنك معافىً بالنسبة لهؤلاءِ، وأنه لم يأتك إلا وخزاتٌ سهلةٌ، فاحمدِ الله على لُطْفهِ، واشكره على ما أبقى، واحتسِبْ ما أخذ، وتعزَّ بمنْ حولك.
ولك في الرسول صلى الله عليه وسلم قدوةٌ وقدْ وُضعِ السَّلى على رأسِهِ، وأدمِيتْ قدماه وشُجَّ وجهُه، وحوصِر في الشِّعبِ حتى أكل ورق الشجرِ، وطُرِد من مكَّة، وكُسِرتْ ثنيتُه، ورُمِي عِرْضُ زوجتِهِ الشريفُ، وقُتِل سبعون من أصحابهِ، وفقد ابنه، وأكثر بناتِه في حياتهِ، وربط الحجر على بطنِه من الجوعِ، واتُّهِم بأنهُ شاعِرٌ ساحِرُ كاهن مجنونٌ كاذبٌ، صانُهُ اللهُ من ذلك، وهذا بلاءٌ لابدَّ