الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن الوعظَ المحترقَ تَصِلُ كلماتُه إلى شِغافِ القلوبِ، وتغوصُ في أعماقِ الرُّوحِ لأنه يعيشُ الألمَ والمعاناةَ {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً} .
لا تعذلِ المشتاقَ في أشواقِه
…
حتى يكونَ حشاكَ في أحشائِه
لقد رأيتُ دواوينَ لشعراءَ ولكنها باردةً لا حياةَ فيها، ولا روح لأنهمْ قالوها بلا عَناء، ونظموها في رخاء، فجاءتْ قطعاً من الثلجِ وكتلاً من الطينِ.
ورأيتُ مصنَّفاتٍ في الوعظِ لا تهزُّ في السامعِ شعرةً، ولا تحرِّكُ في المُنْصِتِ ذرَّةً، لأنهم يقولونَها بلا حُرْقةٍ ولا لوعةٍ، ولا ألمٍ ولا معاناةٍ، {يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} .
فإذا أردتَ أن تؤثِّر بكلامِك أو بشعْرِك، فاحترقْ به أنت قَبْلُ، وتأثَّرْ به وذقْه وتفاعلْ مَعَهُ، وسوفَ ترى أنك تؤثِّر في الناس، {فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} .
نعمة المعرفة
{وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} .
الجهلُ موتٌ للضميرِ وذَبْحٌ للحياةِ، ومَحْقٌ للعمرِ {إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} .
والعلمُ نورٌ البصيرة، وحياةٌ للروحِ، ووَقُودٌ للطبعِ، {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا} .
إنَّ السرورَ والانشراحَ يأتي معَ العلم، لأنّ العلمَ عثورٌ على الغامضِ، وحصولٌ على الضَّالَّة، واكتشافٌ للمستورِ، والنفسُ مُولَعةٌ بمعرفةِ الجديدِ والاطلاعِ على المُسْتَطْرَفِ.
أمَّا الجهلُ فهوَ مَلَلٌ وحُزْنٌ، لأنه حياةٌ لا جديدَ فيها ولا طريفَ، ولا مستعذَباً، أمسِ كاليومِ، واليومَ كالغدِ.
فإنْ كنتَ تريدُ السعادةَ فاطلبِ العلمَ وابحثْ عن المعرفةِ وحصِّل الفوائدَ، لتذهبَ عنكَ الغمومُ والهمومُ والأحزانُ، {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً} ، {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} . ((من يردِ اللهُ به خيراً يفقِّههُ في الدينِ)) . ولا يفخرْ أحدٌ بمالِهِ أو بجاهِهِ، وهو جاهلٌ صفْرٌ من المعرفةِ، فإنَّ حياتَه ليستْ تامَّةً وعمرُه ليس كاملاً:{أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} .
قال الزمخشريُّ:
سهري لتنقيحِ العلومِ ألذُّ لي
…
مِنَ وَصْلِ غانيةٍ وطيِبِ عنِاقِ
وتمايُلي طرَباً لحلِّ عويصةٍ
…
أشهى وأحلى من مُدامةِ ساقي
وصريرُ أقلامي على أوراقها
…
أحلى من الدَّوْكاءِ والعشَّاقِ
وألذُّ من نقرِ الفتاةِ لدُفِّها
…
نقري لأُلقي الرملَ عن أوراقي