الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خرج الشاعرُ الأعشى منْ (نجدٍ) إلى الرسولِ صلى الله عليه وسلم يمتدحُه بقصيدةٍ ويسلمُ، فعرض له أبو سفيان فأعطاهُ مائة ناقةٍ، على أنْ يترك سفَرَهُ ويعود إلى ديارِهِ، فأخذ الإبل وعاد، وركب أحدها فهو جلتْ به، فسقط على رأسِهِ، فاندقَّتْ عنقُهُ، وفارق الحياة، بلا دينٍ ولا دنيا. أمَّ قصيدتُه التي هيَّأها ليقولها بين يديْ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم، فهي بديعةُ الحُسْنِ يقولُ فيها:
شبابٌ وشيبٌ وافتقارٌ وثروةٌ
…
فللهِ هذا الدَّهرُ كيف تردَّدا
إذا أنت لمْ ترْحلْ بزادٍ من التُّقى
…
ولاقيت بعد الموتِ منْ قدْ تزوَّدا
ندمْت على أنْ لا تكون كمثْلِهِ
…
وأنَّك لمْ تُرْصِدْ لما كان أرْصدَا
أمجادٌ زائلةٌ
إنَّ منْ لوازمِ السعادةِ الحقَّةِ أنْ تكون دائمةً تامَّةً، فدوامُها أنْ تكون في الدنيا والآخرةِ، في الغيبِ والشهادةِ، اليوم وغداً.
وتمامُها أنْ لا يُنغِّصها نكَدٌ، وأنْ لا يخْدشَ وجهُ محاسِنها بسخطٍ.
جلس النعمانُ بنُ المنذرِ - ملكُ العراقِ - تحت شجرةٍ متنزَّهاً يشربُ الخَمْرَ فأراد عديُّ بنُ زيد - وكان حكيماً - أنْ يعظه بلفظٍ فقال له: أيُّها الملكُ، أتدري ماذا تقولُ هذهِ الشَّجرةُ؟ قال الملكُ: ماذا تقول: قال عديٌّ: تقولُ:
رُبَّ ركبِ قدْ أناخُوا حولنا
…
يمْزُجُون الخمر بالماءِ الزُّلالْ
ثمَّ صاروا لَعِب الدَّهْرُ بهمْ
…
وكذاك الدَّهرُ حالاً بعد حالْ
فتنغصُ النعمانُ، وترك الخمر، وبقي متكدِّراً حتى مات.
وهذا شاهُ إيران الذي احتفل بمرورِ ألفينِ وخمسمائةِ سنةٍ على قيام الدولةِ الفارسيِّةِ، وكان يُخطِّطُ لتوسيعِ نفوذِه، وبسْطِ ملكهِ على بقعةٍ أكبر منْ بلدِهِ، ثم يُسلب سلطانُه بين عشيَّةٍ وضحاها {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء} .
ويطرُدُ منْ قصورِهِ ودُورِهِ ودنياه طرداً، ويموتُ مشرَّداً بعيداً محرُوماً مفلساً، لا يبكي عليه أحدٌ:{كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ {25} وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ {26} وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ} .
وكذلك شاوشيسكو رئيسُ رومانيا، الذي حكم اثنتين وعشرين سنة، وكان حَرَسُه الخاصُّ سبعين ألفاً، ثمَّ يحيطُ شعبُه بقصرِهِ، فيمزِّقونهُ وجنودهُ إرباً إرباً {فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ} . لقدْ ذهب، فلا دنيا ولا آخرة.
وذاك رئيسُ الفلبينِ ماركوس: جمع الرئاسة والمال، ولكنَّه أذاق أمَّته أصناف الذُّلّ، وأسقاها كأس الهوانِ، فأذاقه اللهُ غُصص التعاسةِ والشقاءِ، فإذا هو مشرَّدٌ منْ بلادِهِ ومنْ أهلِه وسلطانِه، لا يملكُ مأوى يأوي إليه، ويموتُ شقيّاً، يرفضُ شعبُهُ أن يُدفَنَ في بلدِهِ:{أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ} ، {فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى} ، {فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ} .