الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا، قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا، مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا، وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} [الكهف: 1-3] ، {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} [يوسف: 1-3]، {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء: 82] ، {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا، وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا} [الإسراء: 88، 89] ، {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: 192- 195] ، {حم، تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [فصلت: 1-3] ، {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ
بَعِيدٍ} [فصلت: 44] ، {حم، وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الزخرف: 1-4] ، {الرَّحْمَنُ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن: 1-4] .
والصلاة والسلام على أفصح الخلائق أجمعين آثره ربه عز وجل بجوامع الكلم، فكان خلقه القرآن الكريم {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] ، {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ، إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ، فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 16-19] ، {وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا، قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا، وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا، وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: 105- 109] ، اللهم صلى وسلم وبارك على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه- والتابعين رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه، {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ
هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: 175] ، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد
…
فهذه الآيات الكريمات وغيرها في كتاب الله جل جلاله صريحة ودامغة، يقسم الله عز وجل فيها بمواقع النجوم على أن القرآن تنزيل من رب العالمين:{وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ، إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ، فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ، لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ، تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الواقعة: 76- 80] ، فالكتاب والتنزيل والفرقان {لَقُرْآنٌ كَرِيم} ، {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ، لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 41- 42] ؛ فليس أدبًا عربيًّا، لكنه "أدب قرآني"، وليس فنًّا قصصيًّا، ولكنه "قصص قرآني"، وليس شعرًا ولا نثرًا فنيًّا، ولا سحرًا ولا كهانة، {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ، وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ، وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ، تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ، لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ، فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ، وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ، وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ، وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ، وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ، فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الحاقة: 40- 52] ، وليس تصويرًا فنيًّا، ولا تصويرًا في القرآن، بل هو "تصوير قرآني"، وأسلوب قرآني، ونظم قرآني، وبيان قرآني، ونسق قرآني، وإيقاع قرآني، وموسيقى قرآنية، لأن صفة "القرآنية"
منحت الموصوف صبغة القرآن الكريم: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً} [البقرة: 138] ؛ فتردّ كل احتمال يمسّ قداسة القرآن: كلام الله المقدس جل جلاله، وآثرت أن يكون الإعجاز في "التصوير القرآني" عنوانًا لكتابي هذا، لا "النظم القرآني" ولا "الأسلوب القرآني" إلى آخر ما ذكرناه؛ لأن "التصوير القرآني" للقيم الخلقية والتشريعية يشمل كل ما سبق، وأكثر منه، فهو حقًّا "الإعجاز"، وضحت ذلك في الفصل الأول مناقشًا هذه القضية، مبينًا ما تتركه التعبيرات الأخرى للنقاد من احتمالات لا تتفق مع قداسة القرآن الكريم بالتصريح الواضح الدامغ، حتى لا أترك منفذًا لاحتمال أو جدل أو مناقشة؛ لأنه "تصوير قرآني" مدعمًا ذلك بالدراسة لكثير من الصور القرآنية، القائمة على التحليل والتطبيق؛ لبيان الإعجاز في "التصوير القرآني" للقيم الخلقية والتشريعية، ثم انتقلت من الفصل الأول إلى عرض قضايا كبرى في "التصوير القرآني"؛ فتناولت في الفصل الثاني "التصوير القرآني" لليل والنهار، وفي الفصل الثالث "التصوير القرآني" للصيام والصوم، وفي الفصل الرابع "التصوير القرآني" لأدب النشء وتربيته في القرآن الكريم والسنة الشريفة، وفي الفصل الخامس القيم الخلقية والتشريعية في المعاملات الإسلامية في القرآن الكريم والسنة الشريفة.
وهذا الكتاب يتخذ منهجًا واضحًا في بلاغة التصوير القرآني، التي وصلت إلى حد إعجاز البشر على أن يأتوا بآية من مثله. ودلالته على القيم الروحية والخلقية والتشريعية في الصور القرآنية المعروضة، فإذا تعرضت لبعض الحقائق الكونية والإنسانية من آيات تقترب من ألف آية، بالتنبيه على إشارات عامة تفتح المجال للعلماء والمتخصصون على أن
يفسّروا هذه الحقائق الثابتة -لا المفترضة- من خلال إشارات التصوير القرآني إلى طليعة التقدم العلمي في كل عصر، بما لا يتعارض مع تفسيرات السابقين ولا اللاحقين؛ لأن هذه الإشارات والتأويلات يجب ألا تقصر القرآن الكريم عليها فقط؛ فلا يتعدَّاه إلى غيرها، ولا تطلق الأحكام إطلاقًا عامًّا على سبيل الجزم واليقين، بحيث لا يتجاوزه إلى حقائق أخرى تتجدَّد مع الزمان والمكان والأجيال، كالشأن في القرآن الكريم الكتاب المقدس الخالد.
هذا المنهج يفتح المجال للتفكير والبحث والتقدم العلمي القائم على القيم الروحية والخلقية في كل عصر إلى يوم القيامة، وهو ما حثّ عليه القرآن الكريم والسنة الشريفة، لأن حقائق القرآن ثابتة لا تخضع لنظرية علمية أو تفسير كوني أو إنساني يختلف من عصر إلى عصر، وعلى سبيل المثال ما قبل في تفسير إشارة التصوير القرآني لحركة الشمس في مجرة فلكها في قوله تعالى:{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [يس: 38] ، فهذا التأويل لإشارة الآية مقبول في عصرنا، ولايتعارض مع الحقيقة العامة في القرآن الكريم، ولا مع جميع مراحل تفسيرها قديمًا وحديثًا، ولا تقصر الآية عليها؛ فلا تتعدَّاه في المستقبل إلى غيرها من الإشارات والتأويلات، التي سيصل إليها التقدم العلمي في المستقبل، حين يفسر العلماء جريان الشمس في مجرة فلكها تفسيرًا علميًّا آخر، لا يتعارض مع ما سبقه من إشارات وتأويلات، وهكذا في غيرها من الحقائق الكونية، التي يشير إليها التصوير القرآني المعجز، لتقدم العقل البشري وعلومه في كل عصر، ولا تتعارض مع نص قرآني مطلقًا.
هذا المنهج قد أشار إليه التصوير القرآني في آيات كثيرة، منها قوله تعالى:{بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} [يونس: 39]، {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 7] ، {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ} [العنكبوت: 49] ، {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الحج:؛ 54] ، {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 52] {لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [الأنعام: 67]، {نُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت: 53] ، وغيرها من الآيات التي جاءت صريحة في هذا المنهج الرباني مما لا يحتاج إلى شرح أو تعقيب على ما ذكرناه.
وقد فسر ابن كثير "م 774هـ" قوله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ} فقال: "أي ستظهر لهم دلالاتنا وحججنا على كون القرآن حقًّا منزلًا من عند الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم بدلائله خارجية في الآفاق من الفتوحات، وأن هذه الآية تشير إلى
بعض الحقائق في علوم الأحياء والتشريح، وجاء في تفسير الطبري "25/ 5" أن ابن زيد السلفي قال: آفاق السماوات نجومها وشمسها وقمرها اللائي يجرين، وآيات في أنفسهم".
وينكر الداعية الإسلامي الشيخ محمد متولي الشعراوي على الذين يحاولون ربط القرآن الكريم بنظريات علمية مكتشفة: "ويحاولون إثبات القرآن الكريم بالعلم، والقرآن ليس في حاجة إلى العلم ليثبت؛ فالقرآن ليس كتاب علم، ولكنه كتاب عادة ومنهج، ولكن الله سبحانه وتعالى علَّم أنه بعد عدة قرون من نزول القرآن الكريم سيأتي عدد من الناس ويقول: انتهى عصر الإيمان، وبدأ عصر العلم، والعلم الذي يتحدَّثون عنه قد بينه القرآن الكريم كحقائق كونية منذ أربعة عشر قرنًا""معجزة القرآن -الجزء الأول- مؤسسة أخبار اليوم مصر 1993م"، ويقول الأستاذ عبد الرزاق نوفل: "أثبت التقدم الفكري في العصر الحديث أن القرآن كتاب علمي جمع أصول كل العلوم والحكمة
…
وكل مستحدث في العلم نجد أن القرآن قد وجه إليه النظر أو أشار إليه" "القرآن والعلم الحديث -مؤسسة دار الشعب بالقاهرة 1982م"، ويشير الدكتور محمد ناظم نسيمي إلى أن العلوم الكونية من صناعة وزراعة وطب وغيرها، ليست نصوصًا مفصلة في القرآن الكريم، فإذا أشار إليها القرآن، يريد أن يوجه الإنسان إلى الإيمان بالخالق، مبدع هذه الكائنات، وما فيها من خواص الطبيعة وقواعد العلم؛ فيحيا في عقيدة صحيحة، وتفكير سديد، وسلوك قويم "مع الطب في القرآن الكريم -مؤسَّسة القرآن بدمشق- الطبعة الأولى 1984م"، ويقول الدكتور مصطفى محمود: "إن القرآن كلام الله الذي لا نهاية لمعانيه، وهو كتاب جامع
…
ولهذا فإنه احتمل أكثر من من منهج في التفسير؛ فهناك التفسير
البياني
…
والتفسير العلمي الذي يركز على الآيات الكونية في الفلك والطب والأجنة، وعلى معطيات الموضوعية العلمية، وهناك التفسير الإشاري
…
إلى آخره، ولكل منهج من هذه المناهج مكانة، وكلها مكملة لبعضها البعض، والاجتهاد فيها لا ينتهي، ونظرًا لكثرة المعلومات المتاحة في العصر العلمي الذي نعيشه، أخذ التفسير العلمي مكان الصَّدارة؛ إذ وجدنا آيات القرآن تتوافق مع كل ما يجد من معارف ثابتة. وهو يرد على المعترضين بحجة العلم وعدم ثباته" "التفسير العلمي للقرآن بين المؤيدين والمعارضين -تحقيق بمجلة المسلمين 1402هـ- 1981م"، والشيخ عبد المجيد الزنداني أمين عام هيئة الإعجاز العلمي للقرآن والسنة، له كتب عديدة في مجال الإشارات العلمية للقرآن الكريم، وبحوث منشورة في مؤتمراتها بمكة المكرمة.
وعندنا في مصر جمعية الإعجاز العلمي للقرآن والسنة، أشهرت برقم 924 عام 1988م، اتخذت لها منهجًا في التفسير العلمي للقرآن الكريم، يقوم على ضوابط هي بإيجاز:
1-
تجميع الآيات التي تعالج قضية واحدة.
2-
مراعاة تعدد معاني الألفاظ.
3-
خضوع التفسير لدلالات اللغة العربية وقواعدها.
4-
عدم العدول عن حقيقة اللفظ إلى مجازه كلما توفر.
5-
الاستعانة بالتفاسير السابقة مع استبعاد الخرافات والإسرائيليات الموجودة في بعضها.
6-
عدم تعارض التفسير المقترح مع نصِّ قرآني.
7-
التثبت من حقائق العلم قبل استخدامها في التفسير وعدم إقحامها في غير موضعها.
8-
القرآن الكريم هو الذي يحكم على صحة أو بطلان النظريات العلمية.
9-
الاستعانة بتفسير القرآن للقرآن.
10-
استحالة التعارض بين آيات القرآن مع بعضها، أو بين آيات القرآن وصحيح الحديث الشريف، أو بين القرآن والحقائق الكونية المثبتة "كتاب الإعجاز في القرآن والسنة ص9، صدَّ عن جمعية الإعجاز العلمي للقرآن والسنة بجمهورية مصر العربية، عدد1 عام 1997 برقم إيداع 3947".
جزى الله تعالى عني وعن الإسلام وعن القرآن الكريم أستاذي الجليل الأستاذ الدكتور: محمد نايل أحمد، عميد كلية اللغة العربية، فقد عرضت عليه بعض الموضوعات لتسجيلها بحثًا للعالمية "الدكتوراه" عام 1969م، وكان من بينها موضوع:"الصورة الأدبية في القرآن الكريم" وإذا به ينزعج، فينض قائمًا وهو يقول: أنت أنت تكتب في هذا الموضوع، قطعنا شوطًا طويلًا من حياتنا وكنا نخشى أن نقدم على مثل هذه الموضوعات في القرآن الكريم، ولما هدأت أنفاسه وضع يده اليمنى على منكبي، وهو يحدثني في هدوء: أترك هذا الموضوع الآن لوقت لاحق، وفكر في موضوع آخر، وليكن "الصورة الأدبية في شعر أبي تمام أو المتنبي أو ابن الرومي"، وتحوَّلت عن ذلك، واخترت: الصورة الأدبية في شعر ابن الرومي بحثًا "للدكتوراه"، وحمدت الله
-عز وجل على هذا الموقف الذي أرشد مجرى التفكير في حياتي العلمية؛ فقد أفادني كثيرًا في بحثي في "الصورة الأدبية في شعر ابن الرومي" بصفة عامة، فنشرت أكثر من كتاب، وبدأت اتحرى الكتابة في القرآن الكريم من هذا التاريخ والموقف الرشيد، حتى خرج هذا الكتاب بعد أن نشرت بحوثًا كثيرة في هذا الشأن، منها بحث نشر بعنوان:"التصوير القرآني" لا الأدبي في القرآن الكريم1، ثم رقيت به مع بحوث أخرى إلى درجة "أستاذ" في الأدب والنقد عام "1983م"، ثم توالت البحوث على هذا النحو، وكلما أقدمت على نشر هذا الكتاب، راجعت نفسي فيما كتبت مرات ومرات، وأخيرًا استخرت الله عز وجل فأقدمت على نشره في رمضان المباكر عام "1421 هـ" داعيًا الله عز وجل أن يجنبنا الزلل، وأنا أردِّد قوله تعالى:{رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 286] ، وداعيًا الله عز وجل أن ينفع به، وأن يكون لي ولوالدي ولأساتذتي ولأهلي في ميزان حسناتنا، وأن يكون القرآن الكريم لنا شفيعًا يتآزر مع شفاعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في الدين والدنيا والآخرة، إنه نعم المولى ونعم النصير، فهو القائل وقوله الحق:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186] .
1 مجلَّة الوعي الإسلامي: عدد 203 في ذي القعدة عام 1401هـ/ سبتمر 1981م بالكويت، ص82 وما بعدها.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه والتابعين -رضي الله عنهم ورضوا عنه. هذا وبالله تعالى التوفيق.
في ليلة السبت: 217 من رمضان المبارك 1421هـ
الموافق: 23 من ديسمبر 2000م
علي علي صبح
الأستاذ في كلية اللغة العربية بالقاهرة رئيس قسم الأدب والنقد والعميد الأسبق جامعة الأزهر الشريف