الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بلاغي أيضًا، كما فيقوله تعالى:{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [الأعراف: 179] ، فقد تأخر السمع هنا المعطل فيهم ليكون مجاورًا لتشبههم بالأنعام في عدم الاستفادة من السماع، ليشتركوا معهم في الغفلة والضلال.
الموسيقى التصويرية لطلب العلم:
في قصة موسى والخضر عليهما السلام تصوير قرآني معجز للمعاناة في تحصيل العلم، والمصابرة على عقباته، والتحدي للإخفاق وتذليل العقبات، لأن العلم نور، ونور الله لا يهدى لعاص ولا لكسلان أو مهمل.
وتصور القصة القيم الخلقية التي يتحلى بها طالب العلم، ويتصف بها المعلم والأستاذ، وتصور أيضًا أرقى مناهج التعليم، وأدق مقومات الدراسة، وسنقتصر هنا على الموسيقى القرآنية في تصوير هذه الرحلة التعليمية، التي يعاني فيها الطالب والأستاذ من المشقة وبذل الجهد العنيف والشاق، حتى يستحق الطالب الإجازة العلمية، ويستحق الأستاذ الريادة والقدوة الحسنة لغيره، مما يقتضي إيقاعًا ممتدًّا وئيدًا في أصوات الحروف وأوتار الكلمات، وموسيقى عنيفة بطيئة ثقيلة لتصوير المعاناة الدراسية في تحامل وإعياء شديدين.
نلمح ذلك في أصوات الحروف الثقيلة على اللسان والسمع والشديدة والضخمة، كالقاف والضاد والطاء والعين والغين والجيم والحاء والخاء والهاء والهمزة والميم والنون والواو وغيرها في كل الآيات:
{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} [الكهف: 60] ، وتجدها أيضًا في كثرة المدات وحروف اللين كالألف والواو والياء، وما يقتضيه التجويد من المد إلى ست حركات للحرف المسبوق بهمزة، فهذا التثاقل الموسيقي يتلاءم مع رحلة العلم الشاقة في القصة كلها، قال تعالى:{فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} [الكهف: 62] ، وتكون الموسيقى القرآنية أشدّ تثاقلًا مع الشدات؛ التي يتوقف عندها النطق، معاناة في النطق والصوت:{هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف: 66] .
وفي العادة أن ينوب الأستاذ المتبوع عن الطالب التابع في الحديث، لكن الموسيقى القرآنية هنا تقتضي التثنية لتزداد المعاناة والمشقة، ليكون الإيقاع أكثر ثقلًا وبطئًا، مثل: بلغا -بينهما- نسيًا- حوتهما- جاوزا- انطلقا، وغيرها:{فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا} [الكهف: 71] ، وكذلك ما يقتضيه المقام من الإيقاع الموسيقي في تصوير الرحلة منذ البداية حتى قبيل النهاية في كلمات طويلة كثيرة الحروف لا تختصر مثل كلمة "تستطيع"، فقد تكررت بدون حذف كثيرًا.
فلما أوشكت الرحلة أن تنتهي قبيل الفراق لعدم صبر موسى عليه السلام والتزامه، خف الإيقاع بحذف اللين الطويل في قوله تعالى:{قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} [الكهف: 78] ، فلما أراد الخضر أن يتخلى عنه تمامًا بعد أن شرح له المشاهد الثلاثة، جاءت الكلمة بدون الياء والتاء:{ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} [الكهف: 82] .