الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقط في حركة وسكون بدون حرف اللين -وهو الياء- يمتد معه الصوت في "حين" والمعنى واحد، وكذلك "أوى" تألفت فيها أصوات الحروف السريعة الخفيفة في الحركة والسكون، فلا تستطيع أن تتأنى وتتريث مطلقًا مثل التريث في "لجأ" وهما بمعنى واحد، وكذلك السرعة والخفة في موسيقى الفتية في حركة وسكون، مع أنها مكونة من خمسة حروف، وفي صيغة جمع التكسير التي تدل على القلة، لا "الفتيان" التي تمتد موسيقاها وتدل على جمع الكثرة المتعارض مع حقيقة عددهم، ليندلف الجميع بسرعة إلى الكهف، فلايستطيع القارئ لهذه الآية أن يتريث فيها، بينما يضطر إلى التريث على الرغم من أنفه في التصوير القرآني في بقية الآية، حين استقر أصحاب الكهف في كهفهم فأمنوا غدر الملك وأعوانه، فأخذوا يدعون الله تعالى في تأنٍّ وخضوع وتريث تصورها الحروف والكلمات ذات الحركات الوئيدة، وحروف اللين التي يمتد معها النطق الطويل، وكثرة الشداد الثقيلة التي يتوقف فيها النطق تمامًا، وقواعد التجويد كالغنة وجهارة الحروف وثقلها على اللسان في قوله تعالى:{فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} إنه الإعجاز في تصوير الموسيقى القرآنية البديعة.
إبداع في تصوير النوم المعجزة:
قال تعالى في سورة الكهف: {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا} [الكهف: 11] ، في هذه الصورة القرآنية البديعة إعجاز في حروفها وكلماتها وصيغها وتراكيبها اللغوية، فقد صور القرآن الكريم سرعة استجابة دعائهم، فأنجاهم من ظلم الملك دقيانوس، وأنقذهم من الشرك الذي دعاهم إليه، وحفظهم من القتل حين وفقهم الله تعالى إلى
كهف، آية وكرامة لهم تخدلهم إلى الأبد، لا يستطيع أحد أن يصل إليهم بأذى على الرغم من أنهم قد ناموا فيه ثلاثمائة وتسع سنين، وهي كرامة تتحقق لأولياء الله الصالحين، كما سيضح ذلك من خلال التصوير القرآني لهذه الآية الكريمة.
ودلائل الإعجاز في ذلك جرت في الحروف والكلمات والأسلوب والصور التي شكلت الصورة الكلية المعجزة، فالتصوير القرآني في "الفاء" وهو حرف يدل على عظيم منزلتهم عند الله تعالى، يدل على الترتيب بسرعة الاستجابة لهم، والتعقيب بلا تريث، على العكس من "ثم" التي تدل على التريث والتراخي، ثم تأمل الصورة القرآنية في قوله:{فَضَرَبْنَا} التي تدل على تكريمهم حين حفظهم في الكهف بالنوم، من أن تمتد إليهم أيادي الملك وأعوانه، ولا تصلح "أنامهم"، لأن في الضرب دلالة أخرى غير النوم، وهي المجازاة والإيحاء بالعقاب، وهو من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين، لأن معاني الضرب في اللغة الإيذاء والإقامة والتثبيت والنوم، وفي هذا التصوير دلالة على أنهم ليسوا بأنبياء؛ لأن النبي لا يفرُّ من المواجهة في الدفاع عن عقيدة التوحيد، بل كانوا أولياء، لأنهم لجئوا إلى العزلة عن الناس، والإيواء إلى الله تعالى.
وتأمَّل الإعجاز في هذه الصورة القرآنية في قوله تعالى: {عَلَى آذَانِهِمْ} والشأن القريب عند الإنسان في مفهوم النوم أن يكون الضرب على الأعين لا على الآذان، فتنطبق الأجفان، ولا تتحرك الأحداق، لكن الإعجاز ينأى عن ذلك المتعارف، ليصور النوم الحقيقي لا الظاهري، فيجعله ضربًا على الآذان فلا يسمع النائم أحدًا، لا على الأعين، فقد