الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في الحاضنة شروطًا، منها:
1-
أن تكون الحاضنة مؤمنة، ومن له إيمان له، لا يؤتمن على شيء.
2-
أن تكون أمينة عالمة بأحوال الطفل ومصالحه، فلا تكون منحرفة ولا خائنة ولا مستهترة ولا مستخفة.
3-
أن تكون متفرغة للحضانة، فليست عاملة، حتى تهمل شئونه وحاجته، وكذلك لا تكون متزوجة فتشتغل بزوجها عنه.
التربية والتعليم
1:
أولًا: ينبغي أن يكون أسلوب التربية والتعليم للنشء نابعًا من أساس الحياة الزوجية والغاية منها، كما هو جوهر الآية الكريمة:
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ، وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21] ، فالأساس في الحياة الزوجية أن يبلغ الزوجان من التفاهم والتجاوب والتلاحم حتى يصير الاثنان شخصًا واحدًا، بدليل قوله تعالى:{خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} ، وقوله تعالى:{هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187]، وتأمل قوله:{مِنْ أَنْفُسِكُم} ولزوم اللباس للشخص تجد هذا المعنى وأكثر، والغاية من الحياة الزوجية تجدها في بقية الآية:{لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} ، فالسكن والأمن والاستقرار، والتجاوب والسعادة والهدوء، والاطمئنان والسلامة، والصحة والمودة
1 ألقيت في إذاعة الرياض بالسعودية في عام 1401هـ/ 1981م حين كنت أستاذًا مشاركًا في جامعة الملك سعود.
والمرحمة، والتعاون والإخاء، والشفقة والاعتصام، كل هذه المعاني من عطاء الآية، بل عطاؤها أكثر، وهو الغاية من الزواج، لا بد إذن أن تنبع التربية والتعليم من هذا المنطلق في الآية، وهو أساس الزواج والغاية منه، وعند ذلك تكون التربية سلوكًا جادًّا، ويكون التعليم توجيهًا صادقًا سليمًا.
ثانيًا: كذلك تكون التربية والتعليم نابعة من شعور الأبوين بالمسئولية أمام الله عز وجل، وأن التبرُّم منها والتخلِّي عنها يُعَدُّ خروجًا على طاعته، وتمردًا على محبة رسوله صلى الله عليه وسلم، وينبغي في المسئولية عند الوالدين في التوجيه والتربية والتعليم والإصلاح أن تنطلق من تقوى الله عز وجل، والخوف من عذابه، والطمع في رضوانه، والحذر من نقمته، وهذا ما نراه واضحًا في هذه الآية الكريمة من أول سورة النساء:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1] .
ويتَّضح معنى المسئولة وخطرها فيما رواه ابن عمر رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راعٍ وهو مسئول عنهم، والرجل راع على أهله وهو مسئول عنهم، وامرأة الرجل راعية على مال زوجها وولدها، وهي مسئولة عنهم، وعبد الرجل راع على مال سيده وهو مسئول عنه، وكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته"1.
1 الموطأ: ص343.
ثالثًا: أن تكون التربية والتعليم نابعة من منطق النصح والتوجيه قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ} [التوبة: 71] ، ونابعة أيضًا من منطق التعاون والمشاركة، قال تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] ، ونابعة أيضًا من منطق التشاور والتجاوب، قال تعالى:{وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُم} [الشورى: 38] .
رابعًا: والتربية والتعليم حين يصدر عن الأبوين تكون نابعة من منطلق رعاية حدود الله وأوامره، فيقيمون مع أبنائهم جميعًا شريعة الله أمرًا ونهيًا، ويعرفون حدود الحلال والحرام، وكذلك الإحسان في العبادات والمعاملات، وفي الاجتماع والترفيه، ويعرفون أيضًا حدود الزينة وآداب الإسلام وخلقه، ومنهج الرسول وأصحابه في التربية.
وإذا قامت التربية والتعليم على الأسس السابقة، أصبح المنهج في سلوك التربية والتعليم منهجًا يسير على الجادة، ويبني النشء بناء سليمًا صالحًا، ويتكون تكوينًا علميًّا وجادًّا، وخاصة وأن الطفل يولد على الفطرة الصافية المستقيمة، قال تعالى:{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30]، وفيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم:"ما من مولود إلا ويولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أوينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء""متفق عليه".
وكذلك فالنشء يُولد مستعدًّا للتوجيه والتربية والتعليم شيئًا فشيئًا، قال تعالى:{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78]، وهنا يجب على الأبوين وعلى المجتمع معًا أن يسلكوا جميعًا في تربية النشء وتعليمه منهج الإسلام تدريجيًّا على النحو التالي:
1-
اعتنى الإسلام أولًا بالرعاية والحفظ للنشء، فأوجب على الأسرة الغذاء والكساء والحفظ.
2-
وعلى الأسرة أن تغرس في نفس الطفل -منذ أن يتجاوب إحساسه مع أفراد الأسرة- معرفة الله عز وجل، الذي خلقه وأطعمه وسقاه، فإذا ما تفتح عقله وفكره أحيا في نفسه الإيمان بالله سبحانه، خالق الكون ومبدع الوجود؛ بطريق يتلاءم مع سنه كالقصة الخفيفة واللفتة إلى آثار صنع الله.
3-
وعلى الأسرة بعد ذلك أن تنمي في نفسه غرائز الخوف، والمراقبة، والمحبة، والتدبر في ملكوت الله، وتوجيه هذه الغرائز توجيهًا سديدًا نحو طاعة الله واتباع أوامره، والتخلُّق بالأخلاق الفاضلة والسلوك الحسن.
فأما غريزة الخوف: فتنمِّي في نفسه على أساس الخوف من الله عز وجل وحده، لا من الناس، لأن المخلوقات جميعًا كلهم محتاجون إلى خالقهم ورازقهم، ومدبر أمرهم، قال تعالى:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص: 1-2]، وقال تعالى:{وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} [الأحزاب: 37]، وقال تعالى: {فَلَا
تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} [المائدة: 44]، وقال تعالى:{أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [التوبة: 13] ، فينطبع النشء على الخوف من الله عز وجل، والحذر من انتقامه وعذابه.
وأما غريزة المراقبة: فعلى الأسرة أن تنمي غريزة المراقبة لله تعالى في كل تصرفاته وأقواله مع الله ومع الناس في السر وفي العلن فيعلم أن الله معه أينما كان: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر: 19] ، وهنا تحكي الأسرة للنشء قصة لقمان مع ابنه، ويذكر له قوله تعالى في ذلك:{يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 16] ، بل مراقبة الله لا تفلت منها الذرة الواحدة، قال تعالى:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [[الزلزلة: 7-8] .
وأما غريزة المحبة: فتنمي فيه على أساس محبة الله ورسوله أولًا، لأن الله هو الذي خلقه من العدم، وتفضل عليه بسائر النعم ظاهرة وباطنة، ثم محبة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه هو الذي قاده إلى الطريق المستقيم، وأخرجه من الظلمات إلى النور، قال تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31] ، وكذلك محبة والديه الذين تعهداه وربياه وسهرا على راحته وأحبا له الخير ودوامه، وكذلك محبة أقارب الوالدين وأرحامهما، فهي من محبتهما وتكريمهما، قال تعالى:{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى} [النساء: 36] ،
وكذلك محبة المسلمين جميعًا، لأنهم إخوته، قال تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات: 10]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشدُّ بعضه بعضًا"، وقال أيضًا:"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى".
وأما غريزة التدبُّر في ملكوت الله عز وجل تخرّج النشء من إسار التقليد الأعمى إلى بروز شخصيته في الاستقلال في الرأي والفكر، فلا يكون تابعًا للغير، يستجيب لكل صيحة، ويطير وراء كل هيعة، ويهيم خلف كل ناعق، ولهذا علمه الرسول الكريم الاستقلال بالرأي، فيختار الحسن، ويتجنَّب السيء، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا يكن أحدكم إمعه، يقول أنا مع الناس إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسأت، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم""رواه أبو داود وابن ماجه"، فيتعلم النشء التدبر في ملكوت الله، قال تعالى:{أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ، وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ، وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ، وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية: 17- 20]، وقال تعالى:{فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ، أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا، ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا، فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا، وَعِنَبًا وَقَضْبًا، وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا، وَحَدَائِقَ غُلْبًا، وَفَاكِهَةً وَأَبًّا، مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} [عبس: 24- 32]، وقال تعالى: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا
لَهَا مِنْ فُرُوجٍ، وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [ق: 6-7] ، وقال تعالى:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 190]، وقال تعالى:{تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا، وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} [الفرقان: 61-62]، وقال تعالى:{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ، ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 12-16]، وقال تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} إلى قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فصلت: 37-39] ، وهكذا آيات كثيرة في القرآن تدفع الإنسان إلى التأويل والتدبر، وتحكي قصة إبراهيم عليه السلام مع النجوم والكواكب، من أول قوله تعالى:{وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ، فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} إلى قوله تعالى: {وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ
بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ} [الأنعام: 75-80] .
4-
وعلى الأسرة أن تروِّض النشء على الصلاة إذا بلغ الطفل سبع سنين كما جاء في الحديث الشريف: "مُرُوا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها""حديث حسن رواه أبو داود وأحمد والترمذي".
وعلى الأسرة أن تعلمهم السيرة النبوية، والقصص القرآني، والوصايا الإسلامية كوصية الرسول الكريم لابن عباس رضي الله عنه، وكذلك قراءة القرآن الكريم بطريقة تجذبهم إليه، فيحبونه ولا ينصرفون عنه، ثم يشرحون صدورهم للعلم، فيضعونهم في المجال العلمي والأدبي الذي يبدعون فيه، ويتساوق مع ميولهم واستعدادهم، لكي يستفيدوا منه ويفيدوا غيرهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة""رواه ابن ماجه رقم 224"، وقالت عائشة رضي الله عنه:"رحم الله نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء من التفقُّه في الدين".
5-
ينبغي على الأسرة أن تفرق في التربية والتعليم بين الذكر والأنثى، وتكون الأسرة هي القدوة الحسنة للنشء، فيحسنون أدبهم بهذه القدوة، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"الزموا أولادكم وأحسنوا أدبهم"، فتتعلم البنت أخلاق الاحتشام والحياء، والاشتراك في عمل البيت، وتلتزم بحدود الزينة واللبس في الإسلام، وتقرأ عليها سورة النور وتفسيرها لتتعلم منها الأحكام، التي تخص المرأة مما يتصل بالعرض والشرف، وتقرأ سورة الأحزاب، لكي تتعلم أدب نساء النبي وأخلاقهن: من التصون في الحديث، والاحتجاب في البيوت،
والتحجب، وعدم التبرج، قال تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا، وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى.
…
} [الأحزاب: 32-33] ، ويتعلمن أدب الحجاب، قال تعالى:{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ} [الأحزاب: 53]، وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 59] ، ثم توجهها الأسرة إلى التعليم الذي يتناسب مع حياتها الزوجية من تعلم التمريض والطب والتدريس وفنون الثقافة المنزلية والخدمة الاجتماعية، مما يعود على أولادها في المستقبل بالفائدة والتوجيه كُربة بيت في بيت مسلم.
6-
وعلى الأسرة أن تنمِّي في النفس الملكات الفكرية والحسية، بالتدريب والترويض على شتَّى المهارات الفنية والرياضية المفيدة، جاء في الأثر:"علموا أولادكم السباحة والرماية، ومروهم فليثبوا على الخيل وثبًا، ورووهم ما يجمل من الشعر".
7-
ينبغي على الأسرة تربية النشء على آداب الإسلام من الرحمة بالصغير، واحترام الكبير، وحديث شجر البوادي لابن عمر رضي الله عنها منهج لهم في التوقير والاحترام، وكذلك مساعدة الضعيف، وحسن اختيار الصديق، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"مثل الجليس الصالح والجليس السوء كبائع المسك ونافخ الكير" الحديث الشريف، والإحسان إلى الجار، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه"،
وأن يرتاد المساجد ودروس العلم، والمحاضرات والندوات، وأن يتجول في دور الكتب والحدائق.
وكذلك تربية النشء على أخلاق الإسلام في الاستئذان، فلا يدخل بيتًا غير آهل بالسكان، ولا بيتًا آهلًا بالسكان إلا بعد أن يستأنس فيهم الدخول، ويجد في وجوههم القبول والرغبة في اللقاء، ويسلِّم عليهم، ويغضَّ البصر عما حرم الله، ونرى ذلك واضحًا في قول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [النور: 27-28] ، ولا يقتصر الاستئذان على الأجنبي فحسب، بل يجب أن يستأذن على الأهل والأبوين في ثلاثة أوقات، من قبل صلاة الفجر، وبعد الظهرية، ومن بعد صلاة العشاء، وفي غير هذه الأوقات لا حرج على الجميع في الدخول، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النور: 58] ، وكذلك تربيهم الأسرة على آداب الأكل والأماكن التي يسمح فيها بالطعام، قال تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ
آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [النور: 61] ، وتربي النشء أيضًا على آداب الدعوة إلى الطعام إذا ما دعوا إلى ذلك، وتكون الدعوة مقصورة على الإطعام فقط، فإذا فرغ المدعو من الطعام فلينتشر في الأرض، ولا داعي لاستئناف الحديث، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} [الأحزاب: 53] .
وتربيهم أيضًا على آداب الجلوس والمجالسة، فلا يتخطى رقاب الناس، بل يجلس حيث ينتهي به المجلس، كما كان يفعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد رباهم النبي على ذلك في مجلس حديثه، وأن يفسحوا في المجالس للقادم، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة: 11] ، ويربي النشء أيضًا على التواضع وعدم الكبر والخيلاء، وأن يخفضوا أصواتهم، ويقتصدوا في مشيهم، فالناس
سواسية كأسنان المشط، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، قال تعالى:{وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ، وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان: 18- 19] .
8-
أن تكون تربية النشء قائمة على أساس من العدل لا المحاباة والتميز، فقد يخصّ أحد أفراد الأسرة بإظهار المحبة والعطية، فتكون المحاباة في تمييزه بالقرب والمحبة والعطية دون الآخر، فتدل العداوة والفتنة بين الأخوة، وتنغرس في أنفسهم صفات قبيحة كالحقد والبغض والكراهية وغيرها، مما يحرمه الإسلام، ويأباه على النشء المسلم، وفي الحديث: عن النعمان عن بشير رضي الله عنه قال: "تصدق علي أبي ببعض ماله، فقالت أمي عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تُشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق أبي بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشهده على صدقتي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفعلت هذا بولدك كلهم"، قال: لا، قال: "اتقوا الله واعدلوا في أولادكم، فرجع أبي فرد تلك الصدقة" "رواه مسلم".
9-
ينبغي على الأسرة في أسلوب تربية النشء أن تساير التغيرات الاجتماعية، والرقي الثقافي والعلمي البنَّاء، الذي لا يتنافى مع الشريعة الإسلامية، لتكون سياسة الأسرة قائمة على الاستفادة بالحسن واختيار الجيد، والابتعاد عن الرذائل، والتخليل عن الحرمان، وسياسة الزجر والعنف، فإن السلبية والجمود والتخلف عن التطورات الاجتماعية والثقافية والعلمية الجديدة، وفرض الحرمان من التثقيف بها، يؤدي إلى غريزة التطلع إلى الممنوع، فتشكِّل في نفس النشء ما يسمى "ازدواج الشخصية"، فيتظاهر أمام الأسرة بالخضوع الكاذب، بينما يقع في
الممنوع في غياب الأسرة عنه، ويرجع السبب في ذلك إلى تخلُّف الأسرة وجمودها، بل يجب أن تتسلح بالثقافة المعاصرة، والتطورات الراقية الجادة، وأن نستمع إلى النشء، ونناقشهم فيما يدور بخلدهم، فنردهم إلى الصواب ونختار لهم الجيد، وننفرهم من رذائل العصر وانحرافه في التطورات الاجتماعية والثقافية والسلوكية.
وهنا تأتي خطورة مؤسسات المجتمع المختلفة من المدارس والجامعات ووسائل الإعلام المختلفة من صحافة وكتب ومجلات وإذاعة وتلفاز، ونواد مختلفة، ومسرح وسينما وملاهي، وفي هذا يؤدي المجتمع دوره مع الأسرة لتربية النشء، وهذا الدور يقوم على الانسجام والتوافق التام بين تربية الأسرة وعطاء المجتمع لهم، فينشروا الأفكار النافعة، ويغرسوا القيم الفاضلة، ويميزوا بين الغثِّ والسمين من التغييرات المعاصرة في شتَّى المجالات، وإلا حدثت نكسة في التربية، نتيجة لاضطراب التوجيهات بين الأسرة والمجتمع، فتشيع الفوضى بين النشء، وتنهار قيمه، ويتجرَّد من أخلاقه الفاضلة، وهو ما يحث عليه قوله تعالى:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 71]، وقال تعالى:{الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [التوبة: 67] .