الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس: العقود والمعاملات في التصوير القرآني والسنة الشريفة
سمات الاقتصاد الإسلامي في العقود والمعاملات
الاقتصاد الإسلامي تشريع إلهي:
الاقتصاد الإسلامي تشريع من قبل الله عز وجل للبشرية جمعاء، إلى أن تقوم الساعة، وقد أيقن الإنسان المعاصر أكثر وأكثر بعد فشل النظم الاقتصادية منذ القدم حتى الآن، سواء أكان النظام الاقتصادي هو الرق القديم، ثم الإقطاع ثم البرجوازية، أو الرأسمالية ثم الاشتراكية، فقد أثبت هذا النظم فشلها حديثًا لسبب واضح، هو أن الإنسان أصبح عبدًا لماله، لا يرى في الوجود سواه، فكان مشركًا بالله شركًا مقنعًا، كما في النظام الرأسمالي الاقتصادي، أو عبد لآلته تسخره؛ فتذوب إنسانيته بين ضجيجيها وفحيحها، وكان أيضًا مشركًا مقنعًا، كما في النظام الاشتراكي الاقتصادي، لأن عبودية الإنسان المعاصر للمادة هزت كيانه وجوهره، وعكَّرت صفوة فطرته السليمة، فضل عن القيم الروحية والأخلاقية، التي لا تستقيم الحياة إلا بها، ولا تسمو نواميس الطبيعة إلا بمقدار التجاوب العملي معها.
لهذا أقر علماء الاقتصاد في العالم، ومنهم: جاك أوستري من علماء الاقتصاد في فرنسا، ورايموند شارل1، أقروا بأن الاقتصاد الإسلامي هو النظام الذي يحقُّق للإنسان السعادة، فهو نظام شامل صالح للحياة والإحياء، وذلك لقيمه النبيلة، وأخلاقه السامية، ودقته ومطاوعته لأساليب الحياة والناس، وهو نفسه ما تتميز به العقود والمعاملات في
1 الإسلام والتنمية الاقتصادية، ترجمة د. نبيل صبحي، دار الفكر- دمشق.
الفقه الإسلامي والشريعة السمحاء، وهذا ما سيعني به بحث "منهج الإسلام وأخلاقه في العقود والمعاملات"، نسأل الله عز وجل أن تجتمع أمة الإسلام على تطبيقه والعمل به، وأن تسير على نهجه القويم، قال تعالى:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ، في تصوير قرآني معجز.
ولما كانت هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس، اقتضت شريعة الله عز وجل نظامًا اقتصاديًّا متكاملًا يشتمل على الجوانب: الروحية، والمادية، والوجدانية النفسية، والعقلية، والإنسانية، والأخلاقية لتسير الحياة على أكمل وجهٍ بما يتلاءم مع نضوج العقل البشري، واتزان الوجدان النفسي، لذلك كان الهدف من التشريع الإسلامي كمال الأخلاق وتمامها، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، وقال أيضًا يُوضح أن التشريع الإسلامي جاء كاملًا شاملًا لكل جوانب الحياة والآخرة، وجاء أيضًا مكملًا ومتممًا لما خلت منه الرسالات السابقة، كطغيان المادية في اليهودية، وطغيان الروحية في المسيحية، وتعادل الجانبين في توازن واعتدال في الإسلام، فقال صلى الله عليه وسلم يوضح ذلك كله في إيجاز:"إنما مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتًا فأحسنه وجمَّله وجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون: ما أحسن هذا البناء؟! وما أعظم هذا البناء؟! لولا موضع هذه اللبنة، وتلك الزاوية، فأنا اللبنة وأنا الزاوية وأنا خاتم النبيين"، وقال تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3] .
وعلى ذلك تكون الشريعة الإسلامية بجميع جوانبها المادية