الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن يفعله مع المشقة وشبه بالطوق المحيط بالشيء"، وأن الاحتمال لم يرد بعد رخصة المريض، والمسافر مباشرة، كما ورد بعد الطوق في قوله تعالى:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} لأن الصوم قد يضاعف المرض فيقتل المريض، ويهلك المسافر، وخاصة بوسائله في الماضي، فكم أهلكت القوي الشديد، إنه الإعجاز في التصوير القرآني.
أنوار الإمساك والإفطار:
قال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] ، بلغت هذه الآية الكريمة حد الإعجاز في التصوير القرآني لبداية الإمساك ونهايته من ليل رمضان ونهاره، بالحروف والكلمات والصور الواقعية من الطبيعة بما لا يتأتى على مثاله من تصوير للقيم الخلقية والتشريعية بدقة متناهية وقول فصل لا يقبل الطعن والجدل.
فقد جاء الأمر بالأكل والشرب على سبيل الوجوب من بداية الليل الواضحة حين يبدأ بغروب الشمس، وهو أمر قاطع لا يختلف عليه اثنان في قوله تعالى:{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْل} ، ويمتد الليل طويلًا لغاية آخره، تحددت أبعاده بكلمة واحدة وهي "حتى"، وأما نهاية الليل وبداية الإمساك ليس أمر فاصلًا كغروب الشمس، لذلك كانت مقومات التصوير القرآني متنوعة، فاقتضت التأكيد في التعبير عن الظهور بقوله تعالى:{حَتَّى يَتَبَيَّن} بزيادة التاء وتكرار الياء بالشدة عليها، لأن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، كما يحتاج الأمر إلى قرار جماعي لا فردي في قوله تعالى:{لَكُمُ} أي: جمع متواتر لا يتواطئون على الكذب،
لأن الفصل بين بداية النهار ونهاية الليل أمر غير ظاهر ولا فاصل، بل يحتاج إلى تأمل ومشاركة في إصدار القرار الفاصل بين الليل والنهار.
وكان لابد من تحريك الوجدان بصورة حية متحركة من الواقع المحسوس والملموس، مما لا يقبل الطعن أو الشك، وذلك حينما يظهر الخيط الأبيض من الفجر لا خيوط تزاحم خيط الليل الأسود، ولا خيوطه الكثيرة التي تمحو الخيط الأبيض، ثم التأكيد على الخيط الأبيض بأنه ليس بأشعة الشمس الذهبية، وإنما هو خيط يتفجَّر من نور الفجر.
كما أن التعبير بمن التي أفادت التبعيض عن الخيط الأبيض يدل على أن الأصل هو الليل، فمن أكل في نهايته وهو شاكّ فلا يفطر، لأنه الأصل، على العكس من الإسراع إلى الإفطار بالنهار قبيل الغروب، فصاحبه مفطر وعليه القضاء، لذلك كان من المستحب تأخير السحور وتعجيل الفطور بعد الغروب مباشرة.
تجد هذه الروعة بل أكثر إذا تأملت قوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} ، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إنما ذلك بياض الصبح وسواد الليل" لعدي بن حاتم يصفه بعدم التأمل حين عمد بعد نزول الآية إلى عقالين أحدهما أسود والآخر أبيض، فجعلهما تحت وسادته جعل ينظر إليهما، فلما تبين له الأبيض من الأسود أمسك، فقال له:"إن وسادك إذن لعريض".