الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشريفة، يقول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النور: 58-59] ، وهذه القيم الحضارية -التي أدَّب بها القرآن الكريم والسنة الشريفة- أدب رباني أبهر العقول، وباتت مبهورة بهذا التشريع السماوي الذي يتفق مع الأدب الجم، والذوق الرفيع، والرقي الإنساني، وسمو المبادئ الإنسانية التي اصطفى بها الله عز وجل هذه الأمة الإسلامية خير أمة أخرجت للناس؛ فيعمّ الخير والبركة على من ألقى السلام والتحية وآنس الاستئذان، وعلى من ردَّ التحية والسلام وسمح بالدخول:{تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} ، "يكن بركة عليك وعلى أهل بيتك"، "رجل دخل بيته بسلام فهو ضامن على الله"، ومن كان الله ضامنه وكفيله فلن يتعرض للأذى مطلقًا.
أدب القصة القرآنية والنبوية للأطفال:
تسيطر القصة بعناصرها الفنية على الأطفال، ويرغبون فيها أكثر من الأجناس الأدبية الأخرى، فيستغرقون فيها حتى النهاية، ربما في جلسة واحدة، مهما طالت، وذلك لبنائها الفني المحكم، الذي يعتمد على تطور الأحداث، وفاعلية الحركة، وحيوية عناصر التشويق، والإثارة، وتوقع الحلول، والرغبة في الخروج من الأزمة، لذلك تعامل
بها القرآن الكريم مع أهل الكفر والعناد في مكة غالبًا؛ لينفذ إلى أعماقهم من جميع منافذ الإدراك في النفس؛ لئلا يكون لهم حجة بعد قصص الرسل وغيرها؛ فهم في عنادهم أشبه بالأطفال في قلة حيلتهم، وضعف موارد التلقي والاستيعاب عندهم، لذلك غلبت القصة على التنزيل في مكة المكرمة، وقد ضربت القصة القرآنية المثل الأعلى في الإثارة والتشويق، وجلال التعبير، ومثالية القيم الخلقية؛ فانبهرت بها عقول الأطفال، وأخذت بتلابيب عواطفهم، واستجابت لها وجداناتهم تأثرًا واقتناعًا، وخاصة القصص التي تثير فيهم مراحل طفولتهم المبكرة، وقد وصلت أحداث مراحلها إلى الإعجاز، الذي فوق طاقة البشر: مثل قصة طفولة موسى عليه السلام وإلقائه في اليم، ونجاته على يد عدوه اللدود فرعون؛ ليصير ولدًا حميمًا في معية أسرته، كما جاء في سورة القصص وغيرها، قال تعالى: {نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ، إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ، وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ، وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ، فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ، وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ
نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ، فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} الآيات إلى آخر سورة القصص.
إن قصص القرآن لا يحتاج منا إلى تعليق أو توضيح للأطفال أو لغيرهم، لأن الإعجاز فيها جعل القرآن كله يفهمه الجاهل والعالم والطفل والشاب والشيخ، مصداقًا لقوله تعالى:{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} [الكهف: 54]، {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا} [الفرقان: 50] ، وكذلك قصة يوسف وإخوته مع أبيهم يعقوب عليهم السلام، قصة صراع الأبناء مع الأباء والأخوة مع بعضهم، صراع بين الحق والباطل، وبين الخير والشر، في قصة كاملة جاءت في سورة كاملة وهي سورة يوسف عليه السلام، نحيل القارئ إليها، فقد وصف القرآن الكريم قصصه بقوله في مفتتح هذه السورة: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ، إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ، قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ
رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ} الآيات إلى آخر سورة يوسف، وكذلك قصة مريم وابنها عيسى عليهما السلام في سورة مريم وفي غيرها من السور الكثيرة، وقصة زكريا ويحيى عليهما السلام، وقصة إسماعيل مع أبيه إبراهيم في الرؤيا عليهما السلام، وغيرها من القصص الكثيرة التي جاءت في القرآن الكريم.
أما القصة في الحديث النبوي الشريف فكانت مصدرًا ثانيًا من مصادر الأدب الإسلامي في تربية الأطفال وتأديبهم بأدب النبوة، فقد جاءت متنوعة تعتمد على الإثارة والتسشويق، وأحيانًا تنتهي الأزمة فيها بخوارق العادات، وكانت لونًا بديعًا من ألوان الدعوة الإسلامية، فهي تدعو إلى تثبيت العقيدة، وتفسر القرآن وتنفر من الشر، وتحذر من الباطل، وتحض على الخير، وتدعو إلى الحق، وتحث على الفضيلة، وتنفر من الرذيلة، وتحبب الطاعة، وتكره الكفر والقسوة والعصيان، فيترك ذلك أثره في عاطفة الأطفال، فتنفرهم من الشر والقبيح، وتغريهم بمحبة الخير والحق، وقد وردت في الأسانيد الستة وغيرها قصص كثيرة، منها قصة أصحاب الغار "أخرجها البخاري 526/ 4"، وقصة الأبرص والأقرع والأعمى "أخرجها مسلم 97/ 18"، وقصة الذي يدور في النار "صحيح مسلم 118/ 18"، وقصة إبراهيم وآزر "أخرجها البخاري 169/ 4"، وقصة الكفل "أخرجها أحمد بن حنبل رقم الحديث 4517"، وقصة المستلف ألف دينار "أخرجها البخاري 125/ 12"، وقصة الغلام والساحر، فعن صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كان فيمن قبلكم ملك، وكان له ساحر، فلما كبر قال للملك: إنني قد كبرت فابعث إلي غلامًا أعلمه السحر؛ فبعث إليه غلامًا يعلمه؛ فكان في طريقه إذا سلك راهب قعد إليه، وسمع كلامه
فأعجبه؛ فكان إذا أتى الساحر مرَّ بالراهب، وقعد إليه؛ فإذا أتى الساحر ضربه، فشكا ذلك إلى الراهب وقال: إذا خشيت الساحر فقد حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك فقل حبسني الساحر، فبينما هو كذلك إذا أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس؛ فقال اليوم: أعلم الساحر أفضل؟ أم الراهب أفضل؟ فأخذ حجرًا فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس، فرماها فقتلها، ومضى الناس، فأتى الراهب فأخبره، فقال له الراهب: أي بني: أنت اليوم أفضل مني، قد بلغ من أمرك ما أرى، وإنك ستبتلى، فإن ابتليت فلا تدل علي، وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص، ويداوي الناس من سائر الدواء؛ فسمع جليس الملك وكان قد عمي، فأتاه بهدايا كثيرة، فقال: ما هاهنا لك أجمع إن أنت شفيتني، فقال: إني لا أشفي أحدًا، وإنما يشفي الله، فإن أنت قد دعوت الله شفاك، فآمن بالله فشفاه الله، فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس؛ فقال له الملك: من ردَّ عليك بصرك؟ فقال: ربي؛ فقال: أولك رب غيري، فقال: ربي وربك الله، فأخذه؛ فلم يزل يعذبه حتى دلَّ على الغلام؛ فجيء بالغلام، فقال له الملك: أي بني قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص، وتفعل وتفعل؟ فقال: إني لا أشفي أحدًا، وإنما يشفي الله، فأخذه، ولم يزل يعذبه حتى دلَّ على الراهب، فجيء بالراهب، وقيل له ارجع عن دينك، فأبى فأتى بالمنشار، فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه، ثم جيء بالغلام، فقيل له ارجع عن دينك؛ فأبى، فدفعه إلى نفر من أصحابه، فقال لهم اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا، فاصعدوا به الجبل؛ فإذا بلغتم ذروته؛ فإن رجع عن دينه، وإلا فاطرحوه، فذهبوا به، وصعدوا به إلى الجبل، فقال: اللهم اكفينهم بما شئت، فرجف بهم
الجبل فسقطوا، وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ فقال: كفانيهم الله، فدفعه إلى نفر من أصحابه، فقال: اذهبوا به فاحملوه في قرقور، وتوسطوا به البحر، فإن رجع عن دينه وإلا فاقتلوه، فذهبوا به فقال: اللهم اكفينهم بما شئت، فانكفأت بهم السفينة فغرقوا، وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ فقال: كفانيهم الله، فقال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، قال: وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد، وتصلبني على جذع، ثم خُذْ سهمًا من كنانتي، ثم ضِعْ السهم في كبد القوس، ثم قل: بسم الله ربِّ الغلام، ثم ارمني؛ فإنك إن فعلت ذلك قتلتني، فجمع الناس في صعيد واحد، ثم صلبه على جذع، ثم أخذ سهمًا من كنانته، ثم وضع السهم في كبد القوس، ثم قال: بسم الله رب الغلام، ثم رماه، فوقع السهم في صدغه؛ فوضع يده في صدغه في موضع السهم فمات، فقال الناس: آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام، فأتى الملك، فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر؟ قد والله نزل بك حذرك، قد آمن الناس، فأمر بالأخدود في أفواه السكك، فخُدت السكك، وأضرم فيها النار، فقال: من لم يرجع عن دينه فاحموه فيها، أو قيل له اقتحم، ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها، فتقاعست أن تقع فيها، فقال لها الغلام: يا أمَّه اصبري فإنك على الحق" أخرجه مسلم 130/ 18.
واجتمعت في هذه القصة عناصر الإثارة والتشويق وسرد الأحداث في نمو وتطور، وتشابكها حتى تصل إلى العقدة والأزمة التي تدفع القارئ إلى البحث عن الحل والانفراج منها في شوق ولهفة، وإذا بالأقدار تتدخل لكي يأتي الحل فيها كرامة تجري على أيدي عباد الله
الصالحين، ومن خلال العرض الأدبي تظهر أهداف القصة السامية، وتتحدَّد فيها معالم القيم الخلقية والإنسانية، التي تستثيرها القصة في عاطفة الأطفال، وتحرك مشاعرهم نحوها بالإعجاب والحب والدفاع والسلوك السيء، فيتأدبون بأخلاقها، وينشدون قيمها، ويبدعون في أعمالهم الأدبية على مثالها، أو يجندون أنفسهم للدعوة بمنهجها الفني والإسلامي، وقد سبق أن أوجزنا الجانب الفني، وهذه هي القيم الخلقية بإيجاز أيضًا:
1-
التمسك بالعقيدة الصحيحة، وهي الإيمان بالله عز وجل وحده لا شريك له.
2-
انتصار العقيدة الصحيحة، ليحق الله الحق ويبطل الباطل ولو كره الكافرون، وذلك حين آمن الناس جميعًا برب الغلام على الرغم من أنف الملك.
3-
التحلِّي بأخلاق الصدق، ولو أدَّى ذلك إلى العنف والشدة والقسوة؛ فإن الله سيتولى عباده الصادقين، وينتصر للحق وأهله الذين يدافعون عنه بصدق وإخلاص.
4-
التحذير من الشَّر والتنفير من الباطل والترغيب في الخير، والحث على الحق.
5-
السعي في سبيل تحقيق الغاية الشريفة والوصول إلى القصد النبيل.
6-
أن حاشية الظلم والشرك ومصاحبة الأشرار تجر عليهم الخيبة، فيستحقوا الجزاء الوخيم والعذاب الأليم في الدنيا والآخرة.