الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يتزاحمون في أسواق الحياة اليومية المادية، فيشترون الضلالة بالهدى، بما يتناسب مع التجارة من الشراء والبيع والكسب والربح والخسارة، فآثر القرآن الكريم لفظ "الشراء"، لأن المنافق يريد أن يكون مشتريًا رابحًا دائمًا، بجمع المال من هنا وهناك، ولا ينبغي بحال أن يفلت من بين يديه شيء بالبيع، كما آثر في البيع لفظ "الربح" لا الخسارة، لأن المنافق يريد أن يكون الضرر بغيره فيخسر دائمًا، ليربح هو وحده، فهو أناني يجب ذاته، وعبد للدرهم فلا يدع فرصة تغيب عنه لحظة، ولو على حساب الآخرين، وهو في ذاته مصدر هلاكه وضلاله، لأن الشأن في التجارة الربح والخسارة، فيؤدي حرصه على الربح إلى أن يقتل نفسه في سبيل ذلك، فينتهي به الأمر إلى التهلكة.
وما يحثُّ عليه القرآن من التخلي عن صفاته الذميمة، وهو ما يتضمَّنه قوله تعالى:{وَمَا كَانُوا مُهْتَدِين} بل خاسرين مدحورين، وقد سلَّط النفي على الربح مباشرة، لا على التجارة، لأن التجارة قد يقع فيها الخسارة والربح، بينما نفي الربح لا يعطي فرصة للكسب أو الربح، لأن الله ختم على قلوبهم وأضل أعمالهم، وما كانوا مهتدين.
طموح المنافق شعاع يبدِّده الظلام:
في التصوير القرآني لأحوال المنافقين، يقف الإنسان مبهورًا أمام روعة الكلمات، وعجائب التراكيب البلاغية، مما تملك عليه مشاعره، فتتفتح أمامه منافذ الإدراك المتنوعة من الفكر المجرد، ومن الصور المحسة في الواقع، والمشاهد الحية المنظورة، كما في قوله تعالى:{مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ} [البقرة: 17] .
منابع التصوير القرآني:
مثل هؤلاء المنافقين الذين باعوا أنفسهم وخسروا الدنيا والآخرة، مثلهم "كمثل" فأصبحوا مثلًا يضرب كالأمثال في الدناءة والحقارة والسوء، على عكس المثل الطيب، الذي يضرب في الرفعة والعزة والحسنى، كمثل الكلمة الطيبة ومثل الصحابة رضي الله عنهم في قوله تعالى:{ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: 29] .
وزاد من حقارتهم أن القرآن عرضهم في صورة المبهم، لا الاسم الصريح وهو "الذي"، فالموصول اسم مبهم لا يتضح إلا بصلة، وفي "استوقد" يجد المنافق، ويبذل أقصى طاقته، ويجمع كل قواه في طلب الوقود والنار، مما يدل على حرصه الشديد لتحصيل "نار"، لا النار ولا النيران؛ فهو يتعلق بأنفه الأشياء وصغائر النيران، لا بكبريات الأمور على حد قول الشاعر أبي تمام:
لا تنكري عطل الكريم وإنما
…
السيل حرب في المكان العالي
فقد دعاه الخوف الشديد أن يستأنس بنار خافتة صغيرة الحجم؛ لأن التنكير يدل على الخفوت والتحقير والصغار، ومع هذه الضآلة، إلا أن هذه النار تُعدُّ مفاجأة له، وكسبًا كبيرًا؛ لأنها تُعالج ما يعتريه من قلق وحيرة، وهذه المعاني تُوحي بها كلمة "فلما" وما أروع التعبير