الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتتنفس فيه الحركة بين السكون المطبق، ليتهيأ للوقوف دون أن يقع، كالشأن فيمن ينزل من سيارة متحركة، فلا بد أن يتحرك في اتجاهها حتى لا ينكبَّ على وجهه، فما بالك بأصحاب الكهف، الذين قطعوا في النوم أكثر من ثلاثمائة سنين، فهم بالضرورة محتاجون، لكي يقفوا على أرجلهم، أن يتقلبوا في حركات متنوعة إلى مدة تتناسب مع هذه السنوات الطويلة، قد صورها القرآن الكريم بتسع سنوات لها طبيعة مختلفة، يتبدد فيها السكون بالحركة المتتابعة تمهيدًا للقيام، مما يقتضي الإعجاز في قوله تعالى:{وَازْدَادُوا} ؛ لأن طبيعة السنوات التسع تختلف تمامًا عن المدة السابقة.
إنه الإعجاز في التصوير القرآني، قال تعالى:{كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} .
تقديم السمع
…
على البصر:
جاء ختام قصة أصحاب الكهف بقوله تعالى: {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ} [الكهف: 26] ، ليقتضي الإعجاز تقديم البصر على السمع هنا، لاعتماد القصة على مشاهد كونية في الطبيعة غنية بالمظاهر الفاتنة، والألوان الساحرة التي تشرق عليها الشمس صباحًا وتغرب عنها مساء، فتأخذ بالبصر كل مأخذ لا بالسمع، قال تعالى:{وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ} [الكهف: 17] ، لذلك كان التصوير القرآني لرؤى هذه المشاهد بالبصر أولًا، ولأن الأمر هنا مختص بالله عز وجل لا بالبشر، فسبحانه وتعالى يستوي لديه المسموعات والمبصرات على سبيل الانكشاف التام، فلا
يخرج شيء من علم الله القديم الشامل، كما تقدم السمع في سورة طه:{قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [آية: 46]، بعد قوله تعالى:{فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44] ، ولمقتضى الحال.
لكن الكثير الغالب أن يأتي السمع مقدمًا على البصر بالنسبة للعباد، لأنه أبلغ إعجازًا في مقام انتفاعهم بالعلم والتلقي، قال تعالى:{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78] ، وكذلك استفادتهم في معاشهم وهدايتهم، ويرجع تقديم السمع للعباد إلى أسباب، أهمها: أن الوليد يكتمل سمعه قبل بصره، فيسمع ما حوله بعد مولده مباشرة قبل أن يفتح عينيه ويرى، وأن المسموعات تتراسل إلى الأذن من كل الجهات، من الأمام والخلف، أو اليمين واليسار، أو من أعلى وأسفل، وقد يغمض اليقظان عينيه فلا يرى أحدًا، لكنه يسمع من حوله، بينما البصر لا تتأتى فيه الرؤية إلا من جهة واحدة وهي الجهة المقابلة.
وكذلك الانتفاع بالسمع في مقام الهدايات أكثر من البصر الذي يقتصر على القراءة فقط، بينما السامع قد يكون أميًّا لا يقرأ، كما أن السمع لا تقف دونه حواجز، بينما يتعرض البصر لموانع تحجز عنه المرئيات، جاء ذلك كثيرًا في القرآن الكريم، كما في قوله تعالى:{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ} [الأنعام: 46] وقوله: {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [الملك: 23] ، وغيرها كثير.
ولم يأت السمع متأخرًا عن البصر مع العباد إلا نادرًا لغرض