الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بين فظاعة اليهود
…
ورقة النصارى:
فقد صور القرآن الكريم طبيعة اليهود والنصارى تصويرًا قرآنيًّا بديعًا تعجز عنه أحدث نظريات علم النفس في كل عصر، مهما بلغ العقل مبلغ الإبهار البشري، حين أبدع في تصوير طبيعة اليهود المادية الطاغية من غلظة القلب وشدة الشكيمة، وفظاعة التصرف، وبشاعة الصنيع، وخبث العداوة، وخسة البغضاء، وعنادهم في الحق لغيرهم من البشر وخاصة مع المؤمنين، فهم أشد عداوة لهم من غيرهم، فلا تجد فيهم عرقًًا واحدًا من المشاعر ينبض، فهم كما قال الله تعالى فيهم:{كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} ، بل يمتاز عنهم الذين أشركوا بأنهم يعتبرون أنفسهم من البشر لا فوق البشر كاليهود في هذيانهم بأنهم شعب الله المختار.
وتزداد هذه الصفات بشاعة حين قوبلت بصورة أخرى لطبيعة النصارى التي تذوب رقة وشفافية ومودة ومحبة ولين عريكة وسهولة انقياد، وميلًا للحق مع التواضع والاستكانة في غير كبر ولا غرور، وغيرها من الصفات الروحية التي تقاوم المادية في الجسد.
وانطلقت هذه الصفات الحيوانية لليهود من مقومات التصوير القرآني لهم، فعبَّر بصورة المضارعة المؤكدة بلام القسم بلفظ الجلالة ونون التوكيد الثقيلة، لتؤكد هذه الصفات فيهم بمعنى: والله لتجدن يقينًا
من غير شكٍّ، وأن هذه الطبيعة أصلية ومتجدِّدة فيهم ما داموا يهودًا، كما تدل عليه صيغة المضارعة التي تقوم على التجدد والاستمرار في "تجدن"، وهو ما يتفق مع طبيعتهم العنيدة القاسية، فهم أشد الناس في هذه الصفات العنيفة، التي توحي بها الموسيقى القرآنية الصارمة من أصوات الحروف الثقيلة المجهورة، مع العنت من الشدة ومبالغة المعاني الكثيرة من صيغة التفضيل في "أشد الناس"، فقد كانوا قساة مع نبيهم فقالوا:{قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24]، بينما لبى النصارى دعوة نبيهم حين دعاهم كالمؤمنين:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ} [الصف: 14] .
وانظر إلى الصورة القرآنية المقابلة لهم في تصوير القيم الخلقية عند النصارى، تجد بونًا شاسعًا بين مودتهم، وعداوة اليهود، وعلم القساوسة والرهبان، وجهلهم، وتواضع النصارى واستكانتهم، مع كبر اليهود وغرورهم، ورقة قلب النصارى وغزارة دمعهم، مع قسوة اليهود وجمود دمعهم، قال تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ، وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [المائدة: 82: 83] .
إنه الإعجاز القرآني المبدع في تصوير طبائع البشر المختلفة، قال تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر: 28] .